زياد عبد الفتاح الاسدي
الحوار المتمدن-العدد: 4782 - 2015 / 4 / 19 - 00:23
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إذا عدنا بذاكرتنا الى الماضي لبضعة سنوات, وتحديداً عندما قام سلاح الطيران السعودي بالعدوان على القرى الحوثية في نوفمبر 2009 , فلن نجد في ذلك العدوان أي اختلاف عن العدوان السعودي الحالي والمتواصل على اليمن سوى في أمرين .... ألامر الاول يتمثل في شراسة هذا العدوان والاستنفار السعودي الامريكي من خلال التحريض على مشاركة أوسع في هذا العدوان من قبل أنظمة التحالف الخليجي والرجعي العربي . هذا في الوقت الذي رفض فيه البرلمان الباكستاني التدخل العسكري في اليمن , وأظهر أردوغان بحماسة بالغة مساندته لجبهة التحالف الخليجية والعربية في العدوان على اليمن وأبدى استعداده التام للمشاركة فيه, وهو الذي جعل من تركيا دولة من أقرب الحلفاء الامنيين للولايات المتحدة واسرائيل ومن أشد المُتآمرين على شعوب المشرق العربي والشرق الاوسط ..... أما الامر الثاني فيتمثل بتحول المشهد العسكري الداخلي في اليمني منذ 21 سبتمبر 2014 لصالح قوى الثورة اليمنية من جماعة أنصار الله والقوى الثورية الاخرى بعد أن سيطرت هذه القوى على العديد من الوزارات الحكومية والمقرات الامنية والعسكرية في صنعاء وبعض المدن اليمنية وإقتحامها لمقر الفرقة المدرعة الاولى , وهي من أكبر الفرق المدرعة في الجيش اليمني الموالية لعلي محسن الاحمر وبعض من شخصيات آل أحمر لتأمن الدعم العسكري لحزب التجمع اليمني للاصلاح المعادي بشدة لقوى الثورة اليمنية . وهو حزب يتكون من إئتلاف لقوى إخوانية ووهابية وقبلية, ويتلقى التمويل والتسليح والدعم المطلق من المملكة العربية السعودية ..... وهنا نجد أن الثورة اليمنية قد تميزت بشكلٍ واضح عن الثورتين المصرية والتونسية بأنها تمكنت أخيراً من إنتزاع مقاليد السلطة المركزية في البلاد من القوى العسكرية والرجعية والقبلية المتحالفة مع آل سعود , والتي حاولت مراراً ومنذ اندلاع الثورة اليمنية تضليل الشعب اليمني والالتفاف على ثورته لاجهاضها وحرفها عن مسارها كما حدث في مصر بعد اندلاع الثورة المصرية في 25 يناير 2011 .
وكان القتال بين طرفي الصراع في اليمن قد أخذ أبعاداً خطيرة مع فشل وتوقف الحوار بين مختلف الاحزاب والقوى اليمنية منذ أواخر فبراير 2012 بعد أن وضعت السعودية كل ثقلها لعرقلة هذا الحوار وإفشاله من أجل نقل الحوار الى الرياض لفرض وصايتها عليه.... وتبع ذلك لجوء الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي الى عدن بعد مسرحية استقالته المُثيرة للسخرية , ليقوم من عدن بتحريض بعض القطعات العسكرية الجنوبية الموالية له وما يُسمى باللجان الشعبية القبلية المُؤيدة له , لمهاجمة وحدات الجيش اليمني والقوات الخاصة المرابطة بالقرب من عدن والمتحالفة مع أنصار الله وفصائل الثورة اليمنية الاخرى , وذلك على أمل أن يُوسع القاعدة الشعبيية والعسكرية المؤيدة له . وكل ذلك كان يجري في إطار من التعاون الوقح والمكشوف على الارض بين مختلف القوى القبلية والوحدات العسكرية الموالية للرئيس اليمني وبين الجماعات المتطرفة من العناصر القبلية التابعة لتنظيم القاعدة والتي كانت تتلقى من وراء الستار دعماً سعودياً شاملاً لكي توفر بدورها للادارة الامريكية (كما هي العادة) مختلف المبررات لأشكال التجسس والتدخل السياسي والعسكري المتواصل في المشهد السياسي اليمني تحت ذريعة ضرب تنظيم القاعدة . ومع الفشل الذريع لعبد ربه منصور هادي في الحصول على التأييد الشعبي , فقد بدى واضحاً ومنذ البداية أن التدخل العسكري لسلاح الطيران السعودي والتحالف العربي والذي شاركت فيه لاحقاً بعض القطع البحرية ووحدات من القواعد الصروخية والمدفعية الثقيلة المُرابطة على طول الحدود الشمالية لليمن , له أهداف إجرامية وتدميرية شاملة لا تشمل فقط الاهداف العسكرية, وإنما المستشفيات ومدارس الاطفال والاحياء السكنية ومعامل الاغذية ومستودعات الحبوب والادوية ومحطات الوقود ومختلف المنشآت الاقتصادية والحيوية والبنى التحتية .... وبمعنى آخر التدمير الشامل لكل مناحي الحياة والمقاومة من أجل إنهاك وقتل الشعب اليمني وتدمير معنوياته وإرباك وحدات الجيش الموالية للثورة وأنصار الله وقوى الثورة اليمنية الاخرى .... ولما كان هذا النمط من القصف الاجرامي بمختلف الوسائل العسكرية غير قادر على حسم الصراع وتغيير موازين القوى على الارض , فقد كان التوجه الامريكي يضغط بشدة نحو التدخل البري على نطاق واسع بمشاركة بعض الدول الخليجية وعدد من أنظمة النفاق والعهر والخيانة في المنطقة, بدءاً من نظام عبد الفتاح السيسي في مصر وعمر البشير في السودان ومروراً بملك العمالة التقليدي في الاردن وإنتهاءاً بمحاولا مُتكررة لإقحام ما تبقى من الجوقة في تركيا والباكستان وغيرهم من المرتزقة والحثالة الرجعية والطائفية الحاكمة في المنطقة والشرق الاوسط . فالتدخل البري قد أصبح من وجهة النظر العسكرية ضرورة حتمية طالما أن الجيش السعودي لا يمتلك إمكانيات قتالية حقيقية وفعالة على الارض لحسم الصراع في مواجهة الجيش والقوات الخاصة والمقاتلين التابعين لانصار الله والقوى الثورية الاخرى . وهي قوى تتحرك لادارة القتال تحت إشراف اللجنة الثوية العليا المُشكلة لإدارة شؤون البلاد في المرحلة الانتقالية للثورة اليمنية . وهذه اللجنة مُشكلة من 15 عضو (بينهما سيدتان) وتتمتع بتأييد وإجماع شعبي واسع لادارة البلاد ومواجهة العدوان السعودي والخارجي على اليمن . ويُشارك في هذه اللجنة بالاضافة لممثلي جماعة أنصار الله مجموعة من القوى السياسية وبعض الشخصيات الوطنية والبرلمانية اليمنية والقيادات الجنوبية وقياديين من أحزاب يمنية مختلفة , من بينهم صالح صايل أمين عام حزب التحرير ونايف القانص وهو قيادي ¬في حزب البعث الاشتراكي وصادق أبو شوارب عن حزب المؤتمر الشعبي العام , بالاضافة لشخصيات وطنية وجنوبية مستقلة منهم محمد مفتاح ومحمد القيرعي ومحمد المقالح وهو صحفي وكاتب يمني , وعلياء فيصل الشعبي وابتسام الحمدي وهي إبنة الرئيس اليمني الشهيد إبراهيم الحمدي . ويرأس هذه اللجنة محمد علي الحوثي عن جماعة أنصار الله .
والمثير للسخرية والاستغراب في المشهد السياسي العربي عموماً وقد تكرر ذلك بوضوح في المشهد اليمني الراهن , أنه كلما تغيرت موازين القوى لصالح الجماهير وقوى التغيير والثورة والمقاومة في المنطقة , وتحديداً منذ ثورات الربيع العربي , كلما إزداد ليس فقط النشاط الاجرامي والطائفي للجماعات التكفيرية والوهابية في المنطقة , بل إزدادت أيضاً أصابع الاتهام لإيران في كونها وراء فتن الصراع الطائفي وتهديد الامن القومي العربي ....الخ . وقد مارس الاعلام السعودي والخليجي والرجعي العربي في السنوات الخيرة حملة تضليلية وطائفية شعواء ضد السياسة الايرانية في المنطقة لتصوير الدعم الايراني للقضايا العربية وللقضية الفلسطينية ولحركات المقاومة اللبنانية والفلسطينية بأنه تدخل سافر في الشؤون العربية ويُهدد على نحوٍ خطير الامن القومي العربي والخليجي من خلال ما أسمته هذه الابواق بمحاولات " المجوس والفرس " السيطرة على المنطقة أو " الخطر الشيعي الإيراني " .....وغيرها من الخزعبلات المثيرة للسخرية , وهي تسميات لا تُرددها فقط أجهزة الاعلام الخليجية والمشبوهة , بل يُرددها أيضاً للأسف بعض المثقفين والمحللين السياسيين العرب من ذوي الخيال السياسي الواسع أو الولاءات الانتهازية المشبوهة . وهم في ذلك يتناسون (عن قصد أو عن دون قصد) بأن إيران ومنذ اليوم الاول لانتصار الثورة الاسلامية قد طردت السفير الاسرائيلي من طهران وحولت السفارة الصهيونية الى سفارة فلسطين . كما تناسوا أيضاً الكثير من الحقائق التاريخية في أن إيران ولما يقرب من سبعة قرون كانت جزءاً لا يتجزأ من التاريخ العربي والاسلامي وجزءاً من الدولة العربية الاسلامية منذ عهد الخلفاء الراشدين وامتداداً الى العصر الاموي والى نهاية العصر العباسي . حيث ساهمت الشعوب الايرانية بسخاء في منجزات الحضارة العربية والاسلامية في مجالات الطب والعلوم والرياضيات والفلسفة وعلم الاجتماع والفقه الاسلامي ...الخ . ولكن هؤلاء المهووسين بهذه العبارات الطائفية والشوفينية والعنصرية ( الخطر الشيعي والفارسي والمجوسي ..) قد تناسوا أيضاً وهم يتهمون إيران بما يجري في المنطقة , ليس فقط التآمر الغربي والصهيوني على المنطقة بل كذلك التاريخ والسجل الاجرامي الحافل والطويل للغرب في إضطهاد وقتل الملايين من شعوب العالم الثالث بشن الحروب والاعتداءات العسكرية عليه والتآمر مع عملائهم في نهب ثرواته وإغراقه بالفتن والمؤامرات والصراعات الدموية المزمنة ...... وما نلحظه من خلال بعض قطاعات الاعلام العربي وما نشاهده من تعليقات مريبة على صفحات التواصل الاجتماعي يُثير للاسف الكثير من التساؤلات حول دور وسائل الاعلام العربية والخليجية فيما يتعلق بالحرب البربرية الحاقدة على اليمن وكذلك في تشويه وتضليل الرأي العام العربي والشرق أوسطي في الكثير من القضايا الساخنة والخطيرة التي تعيشها المنطقة . وتأتي الازمة السورية وأحداث العراق والعدوان المُتواصل على اليمن في مقدمة هذه القضايا الساخنةً .ولا ننسى أيضاً التحريض الاعلامي والطائفي لما يجري في لبنان والبحرين ...الخ وهنا نلاحظ أن إيران هي القاسم المشترك فيما يتداوله الاعلام المُغرض والمُضلل حول هذه القضايا الساخنة والمستعصية . ولكن جميعنا يعلم أن آخر ما يسعى اليه هذا الاعلام المُغرض هو الوصول الى الحقيقية . وكل ما يهدف اليه في حقيقة الامر هو طمس الحقائق وتبرئة الجهات الاجرامية التي تقف بالفعل وراء التطرف والارهاب والازمات والاعتداءات التكفيرية والانهيار الامني الذي تُعاني منه المنطقة .
ولذلك فعلينا كشعوب ومثقفين أو مناضلين سياسيين في تعاملنا مع هذا النوع من الاعلام الطائفي والرجعي والعميل أن نتوخى الحرص والدقة ونتحقق من صحة المعلومات الصادرة عنه وما يُقدمه من تحليلات سياسية وبرامج مشبوهة . وهنا نجد في قناة الجزيرة والعربية نموذجاً واضحاً لهذا النوع من الاعلام الذي يُساهم بوضوح في مُشكلة التشويه والتضليل الذي يسود المنطقة . وهي على أية حال مشكلة وظاهرة خطيرة وغير عقلانية نعاني منها في العالم العربي (بما في ذلك للأسف بعض المثقفين العرب) وتُساهم في المزيد من الانقسام والتشتت واختلاط الحقائق والمفاهيم , هذا في الوقت الذي تعاني فيه المكونات الرئيسية من العالم العربي (المشرق العربي والمغاربي والخليجي ...) من إنقسام آخر نتيجة تعدد الدول والكيانات والتجزئة السياسية القبيحة, هذا عدا عن التنوع الغير محدود في الاتجاهات السياسية والآيديولوجية والمنابع الفكرية العلمانية والدينية التي تنتشر في المنطقة , سواء كانت قومية واشتراكية أو ليبرالية برجوازية أو شيوعية ويسارية أو كانت إسلامية ثورية أو أصولية (من غير التكفيرية والجهادية المتطرفة) ....... الخ لذا فكل هذه التعددية والتجزئة السياسية , وكل هذا التشتت والانقسام الفكري والاجتماعي والآيديولوجي , وكل هذا التضليل والتآمر الخارجي المُدمر والتحريض الاعلامي الطائفي والعرقي الذي تُعاني منه المجتمعات العربية والمشرقية الشقيقة (كالاكراد والآشوريين والتركمان والكلدان والشركس...الخ), يفرض علينا أكثر من أي وقت مضى تقبل الاتجاهات السياسية والآيديولوجية الاخرى والتنسيق الوطني معها طالما أنها لا تتعارض مع المصالح الوطنية لشعوب المنطقة .... كما تتطلب هذه المرحلة الخطيرة والمعقدة من الوطنيين والمناضلين السياسيين أكثر من أي وقت مضى إنتهاج استراتيجية عقلانية راسخة في الوحدة الوطنية والتضامن والعمل السياسي الجبهوي الموسع . بحيث يبدأ هذا العمل الجبهوي على المستوى القطري ليشمل جميع القوى الوطنية من مختلف الاتجاهات والمنابع الفكرية . ثم يمتد بعد ذلك أقليمياً ودولياً يشمل ليس فقط الانظمة الوطنية والقومية والتقدمية في المنطقة , بل أيضاً التنسيق والتحالف مع القوى الدولية والاقليمية المؤثرة , كروسيا والصين وإيران وغيرها من الدول التي تساند قضايا التحرر الوطني وحركات المقاومة في المنطقة أو التي لا تتعارض مصالحها ( طالما من الطبيعي أن يكون لديها مصالح ) مع طموحات شعوب المنطقة وتطلعاتها نحو الحرية والعدالة والتنمية .
وهنالك على أية حال الكثير من البوادر المشجعة للغاية في بعض بلدان المنطقة فيما يتعلق بالعمل الجبهوي الموسع, وإن لم تكن كافية لغاية الآن من حيث الفاعلية والإتساع والانتشار . فعلى سبيل المثال نجد في لبنان بداية نواة حقيقة لهذا العمل ضمن تحالف قوى 8 آذار ..... وفي سوريا نجد أيضاً نواة للتحالف الجبهوي بين الحزب الحاكم وبين مجموعة من الاحزاب الوحدوية والقومية والشيوعية .... أما مصر فقد شهدت في الشهور التي سبقت انهيار حكم الاخوان تشكُل نواة من بعض الاحزاب التي تُنسق فيما بينها تحت ما يُسمى بجبهة الانقاذ الوطني والتي لعبت دوراً فعالا في تحريك الملايين من الجماهير المصرية لاسقاط حكم الاخوان في صيف 2013 قبل أن يستولي السيسي على السلطة السياسية عن طريق الجيش بدعم سعودي وخليجي وغربي . وفي تونس تشكلت في أوكتوبر 2012 تحت قيادة الشهيد اليساري البارز شكري بلعيد ما يُسمى بالجبهة الشعبية , حيث تم إغتياله بعد تشكيل نواة هذه الجبهة من بعض الاحزاب الماركسية والاشتراكية والقومية (بعثية وناصرية) . وضمت هذه الجبهة 11 حزباً تونسياً , منهم حزب العمل التونسي وحزب الوطنيين الديمقراطيين وحزب البعث الاشتركي وحركة الشعب وغيرهم ... أما في اليمن فقد تمكن تحالف قوى الثورة من تشكيل اللجنة الثورية العليا لادارة شؤون البلاد بعد تمكنها من السيطرة على مفاصل السلطة في البلاد في 21 سبتمبر 2014 . وتتألف اللجنة الثورية العليا من تحالف مجموعة من الاحزاب في مقدمتهم جماعة أنصار الله وحزب التحرير وحزب المؤتمر الشعبي العام وحزب البعث الاشتراكي وغيرهم من الاحزاب الوطنية والاسلامية الثورية والقومية والاشتراكية ...الخ .
#زياد_عبد_الفتاح_الاسدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟