|
الفشل في العراق يكمن في الانقلاب على الدستور (القسم الأخير)
حسين كركوش
الحوار المتمدن-العدد: 4779 - 2015 / 4 / 16 - 13:52
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
حسن كركوش
الفشل في العراق يكمن في الانقلاب على الدستور ( القسم الأخير)
الإسلام و الإسلاموية. المسلم والإسلاموي
بعد سقوط الخلافة العثمانية الإسلامية وبسبب سقوطها ، وسعيا لشغل الفراغ ، وعلى امتداد القرن الماضي ظهرت في العالم العربي وكذلك العالم الإسلامي أيديولوجيات مدنية كثيرة ومتنوعة. وتسنى لهذه ألأيديولوجيات وكلها تقريبا ذات أصل ومنشأ غربي، أن تجرب حظها وتستنفد فرصها كاملة. والبعض منها نجح في الوصول للحكم. وحدها الايدولوجيا السياسية الإسلاموية لم تأخذ فرصتها كاملة ولم تَجد لها موطئ قدم سوية مع الآيدولوجيات الأخرى رغم أنها بذلت جهدا كبيرا. اسباب تخلفها عن ركب الأحزاب المدنية تعود لعوامل موضوعية لها علاقة بالظرف التاريخي الذي ظهرت فيه ، ولكن أيضا بسبب عوامل ذاتية تخصها. فغالبا ما بدت تلك الأحزاب ، في فترة الحرب الباردة ، كعدو للثورات التي كانت تحدث في المنطقة ، و كحليف للحكومات المحلية الأكثر تخلفا. لكن عدم تورطها في الحكم ساعدها أن تظهر للناس وينظر إليها البعض ، أيضا ، كجهة بيضاء اليد طيبة النوايا لا يهمها غير الاستشهاد من أجل رفع راية الدين ومناصرة المحرومين ، أو كضحية ، أو قديس غائب سيظهر بعد أن تنتهي ظروف غيابه ، فيقضي على شرور العالم العربي الإسلامي. بعد نجاح الثورة الإيرانية نهاية السبعينيات وتزامن نجاحها مع طرد القوات السوفيتية ، و حدوث التغيرات العاصفة التي تمثلت بانهيار النظام العالمي الذي ظهر للوجود بعد الحرب الكونية الثانية ، عاد الوهج للحركات الإسلاموية، ليست السنية فقط وإنما الشيعية أيضا. ورغم الخلاف (القاتل في أحيان كثيرة) بين هذه الحركات فأن هناك هدفا واحدا يجمعها هو، إقامة حكم الله في الأرض وتطبيق الشريعة في المجتمع. هذه القوى ومنذ ولادتها حرصت على منح نفسها حق احتكار الدين الإسلامي وطرحت نفسها باعتبارها ناطقا بأسم المسلمين وبتفويض منهم. وهذا نجده في التسمية التي أطلقتها الأحزاب والتنظيمات على نفسها: حركة الأخوان (المسلمون)، حزب التحرير (الإسلامي)، حزب الدعوة (الإسلامية) ... الخ.
والصحيح ، كما نرى ، أن هذه الأحزاب والجماعات والتكتلات ليست إسلامية وإنما إسلاموية. والفرق كبير جدا. فالإسلام شيء ، و الآيدولوجية الإسلاموية ISLAMISME شيء أخر ، والمسلم شيء والإسلاموي ISLAMISTE شيء أخر. وإضافة اللاحقة "وية" (isme) ليست حذلقة لغوية أو تلاعب بالألفاظ. واستخدام مفردتي (إسلاموية) و (إسلامويون) لا يتضمن القدح ولا المدح، بقدر ما يعني توصيف لحال قائمة وتوضيح لألتباس. فالإسلام دين سماوي يرسم علاقة وجدانية بين الفرد المخلوق والله الخالق. بينما الإسلاموية (ايدولوجيا) دنيوية وضعية صنعها بشر. شأنها شأن بقية الآيدولوجيات التي ظهرت ونشطت وعرفناها طوال القرن الماضي في العالم كله، خصوصا في الغرب ، وأرادت كل واحدة منها إعادة هندسة وبناء مجتمع (جديد) وفقا لرؤى فكرية محددة خاصة بها، كالماركسية والفاشية والنازية والديمقراطية المسيحية والديمقراطية الليبرالية ... الخ. ( وأنا أذكر هذه الأيديولوجيات للاستشهاد وللتوضيح وليس لأضعها كلها داخل خانة واحدة). ومثلما انتجت هذه الآيدولوجيات المدنية أحزابا وحركات سياسية متعددة ومختلفة ذات برامج محددة لغرض تحويل تلك الأيديولوجيات إلى واقع سياسي، أي إلى أنظمة سياسية. فأن الايدولوجيا الإسلاموية، بشقيها السني والشيعي، أسست لها، هي أيضا، أحزابا وحركات سياسية (إسلاموية) تسعى لتحويل الايدولوجيا إلى واقع، أي إلى نظام سياسي. وهذه الأحزاب السنية والشيعية ، وهي كثيرة ونعرفها جميعا ، سياسية أولا وأخيرا. ومن الخطأ تسميتها أحزاب (دينية) لأن انشغالاتها الكبرى اليومية ليست في القضايا الفقهية وفي أمور العبادات ، إنما في قضايا (المعاملات). ومن الخطأ كذلك أن نسميها أحزاب (إسلامية) لأن تسمية كهذه تحتوي على فهم إقصائي يعني أن هذه الأحزاب وحدها مسلمة ومن لا ينتسب لها من المسلمين غير مسلم. ومثلما للماركسية والليبرالية... الخ مؤسسوها المعروفون وقادتها السياسيون ومنَظروها الآيدولوجيون، ولها خطابها السياسي الأيديولوجي الخاص بها، ولها سجنائها ونشطائها الذين قضوا دفاعا عنها، ولها قواعدها الجماهيرية وكوادرها وتاريخها السياسي، فأن للأحزاب وللحركات الإسلاموية هي، أيضا، مؤسسوها وقادتها السياسيون ومفكروها ومنًظروها الذين نًظروا وما يزالون ينًظرون لها، مثلما لها نشطاء دافعوا عنها حد الموت ولها كوادرها وقواعدها، ولها انشقاقاتها الداخلية، ولها أدبها السياسي، وعندها حتى قواميس شتائمها بحق المنشقين عنها، و لها مؤتمراتها ... الخ. وكما أن الأيدولوجيات المدنية التي ذكرناها توا لا تستطيع ولا يحق لها (احتكار) تفسير الحياة، لأن ألايدولوجيا أي ايدولوجيا هي دائما وأبدا (رمادية) بينما الحياة تظل دائما وأبدا (شجرة خضراء)، كما يقول غوته، فأن الآيدولوجيات الدينية بكل مذاهبها لا تستطيع، ولا يحق لها احتكار تفسير الدين، وتظل هذه الآيدولوجيات حشائش ونباتات بينما الدين شجرة عملاقة . الفرق الذي تحدثنا عنه بين الإسلام والمسلمين من جهة، وبين الإسلاموية السياسية والإسلامويين، من جهة أخرى ، يعترف بوجوده كثيرون ما خلا الإسلامويون وحركاتهم وأحزابهم ألسياسية. فهولاء يشتمون ويًشهرون بل وربما يكفرون أيضا من يفصل بين الإسلاموية والإسلام من جهة، وبين الإسلاموي والمسلم من جهة أخرى، ويلصقون بهم التهم. وأول التهم التي يطلقها الإسلامويون السياسيون ضد من يفصل بين الإسلام والإسلاموية، ويفصل بين المسلمين والإسلامويين هي ، تهمة الانقياد لأراء المستشرقين الغربيين المعاديين للإسلام. وهذه تهمة جاهزة وفيها من البهتان قدر كبير. فالواحد منا عندما يستخدم مصطلح (إسلاموية) و (إسلامويين)، وهي بالتأكيد ترجمات عربية لمصطلحات غربية أجنبية، لا يعني أنه يسير على خطى دانيال بايبس ( Daniel Pipes) الذي ينسب إليه ابتكار مصطلحي (الإسلاموية) و (الإسلامويون) في سبعينات القرن الماضي. ولا يعني التأثر بآراء برنارد لويس الحاقدة و المتحاملة عن الإسلام، أو أفكار هنتغتن المبشرة باستحالة التعايش بين الإسلام وبين الغرب وبحتمية تصادمهما آجلا أو عاجلا. ولا يعني تبني الصياغات اللغوية الأيدولوجية التحقيرية التي اخترعها الغرب في السنوات الأخيرة للتخويف من الإسلام والتشهير به، كمصطلحي ( التوتاليرية الثالثة Troisième Totalitarisme) ، مثلا، أو (الفاشية الإسلاموية Islamofascisme) . ولا يعني تبني طروحات بول فولفيتز وزلماي خليل زادة وريشارد بيرل و وليم ابراهامز وغيرهم من المحافظين الجدد وما تنشره مراكز بحوثهم وصحافتهم.
إذن، نحن لا نتحدث عن الإسلام ولا نحمله وزر ما حدث من فشل في العراق. ولا نتحدث عن المذهب الشيعي والمذهب السني ولا نحملهما مسؤولية الفشل وما رافقته من فضائح وخراب. الدين وما يتفرع عنه من مذاهب هي قناعات شخصية شديدة الاحترام و لا يحق لكائن من كان أن يستهين بها. نحن نتحدث عن أحزاب سياسية آيدولوجية صنعها بشر ، وتتوسل بالدين للوصول للحكم. وبالتأكيد فأن هذه الأحزاب والجماعات الإسلاموية ليست واحدة ، وطريقة تعاملها مع الديمقراطية ليست واحدة. فهناك من الحركات من يرفض الديمقراطية جملة وتفصيلا ويعتبرها الكفر بعينه ، وهولاء لا نناقشهم ولا يهمنا أمرهم في هذه السطور. ما يهمنا هو النوع الآخر ، أي تلك الحركات والأحزاب والجماعات الإسلاموية التي تعلن ، بازدواجية صارخة ، قبلوها في العلن بالديمقراطية وكل ما يترتب عليها ، ورفضها سرا ، مثل الأحزاب التي حكمت وما تزال تحكم العراق. وهذه الشيزوفرينيا السياسية في منتهى الخطورة لأنها تتعلق بمصالح شعب بأسره. ويبدو أن هذه القوى كانت تراهن ، عندما وافقت على نصوص الدستور الديمقراطي العراقي الجديد ، على عاملين لحسم الازدواجية لصالحها: الهوية الطائفية ، والزمن. فهي تفترض ، كما يبدو ، أن الاستمرار في تغليب الهوية الطائفية عند جميع العراقيين ، و العمل على جعلها أولوية الأوليات لدى المواطن العراقي سينسيه جميع مطالبه الأخرى في الحياة. و تراهن هذه القوى على عامل الزمن فهو ، حسب اعتقادها ، الكفيل بترسيخ وتجذير أيديولوجيتها لدى المواطن. لكن تجربة السنوات الماضية أثبتت فشل هذا الرهان. فالزمن ساهم ، خلال السنوات الماضية ، في عزلة هذه القوى الإسلاموية وفي تعميق الشرخ بينها وبين الأكثرية من الشعب ، بما في ذلك من صوتوا لها في الانتخابات. والدليل هو ، اعتراف قادة هذه القوى بفشلهم علانية. والآن ، لم يتبق أمام القوى السياسية الإسلاموية في العراق ، بعد أن اعترفت بفشلها ، غير مواجهة الحقيقة بشجاعة اقتحامية وبروح نقدية خلاقة . وأولى الخطوات على هذا الطريق هي حسم ازدواجيتها لصالح بناء دولة مدنية ، و العودة فورا للدستور و الشروع ، ليس بتطبيق جميع مواده حرفيا فحسب، وإنما بمعانقة (روح) القوانين العراقية بحرارة دستورية ، والكف عن التفتيش عن قضايا ثانوية وفرعية لتحميلها مسؤولية الفشل.
وكل ما خلا ذلك هو تدوير للفشل ، لا أكثر ولا أقل.
#حسين_كركوش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفشل في العراق يكمن في الانقلاب على الدستور (4/5)
-
الفشل في العراق يكمن في الانقلاب على الدستور (3/5)
-
تمعنوا جيدا في هذه المواد الدستورية (2/5)
-
الفشل في العراق يكمن في الانقلاب على الدستور (2/5)
-
الفشل في العراق يكمن في الانقلاب على الدستور (1/5)
-
( النجف. الذاكرة والمدينة ) : مسح بانورامي للمدينة
-
إيران تفجر قنبلة سياسية في العراق
-
ماذا لو تجرع العراقيون السنة السم ؟
-
مؤامرة، فلتسقط المؤامرة: على هامش الأحداث الإرهابية الأخيرة
...
-
نفاق وانتهازية الأحزاب السياسية الإسلاموية في تعاملها مع الس
...
-
شيعة الحياة وشيعة القبر
-
هل أن أغنية لزهور حسين ، مثلا ، تُلهي عن ذكر الله ؟؟؟
-
هل دخلت داعش مرحلة الموت السريري أم أن (الذئب) ما يزال ينتظر
...
-
ليس ثمة انشقاقات وكل شيء هاديء على جبهة الأحزاب العراقية الح
...
-
الإسلام ليس ماركة مسجلة والإسلامويون ليسوا الوكلاء الحصريين
-
( الطيور الصفراء) : رواية أميركية عن الحرب الأميركية في العر
...
-
هل يتحول البئر اللاديمقراطي الذي حفره المالكي لإياد علاوي عا
...
-
همس المدن أم صراخها ؟
-
المثقف العراقي والانتخابات
-
العلمانية بين التهريج السياسي والحقيقة
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|