المجتمع الإنساني بين التكوين والنتيجة ح3 , الإنسان الخالق والمخلوق

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)

الحوار المتمدن-العدد: 4778 - 2015 / 4 / 15 - 01:53
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    

الإنسان الخالق والمخلوق
مثلا هناك صورة تبادلية وعكسية لمفهوم الخلق بين الإنسان كخالق وككائن مخلوق ,الله خالق أصل البشر بالحدوث والإيجاد وهذا أمر قد نتفق عليه بالعام ,ولكن ما نستطيع أن نتفق عليه أن الإنسان أيضا هو من خلق الإله بعد ذلك وأجلسه المقام المعلوم بفكرة خاصة صنعها أولا بوعيه ورسمها بذهنه ,بذلك أصبح البشر مخلوق واحد والألهة مخلوقات عدة وأشكال متفرقة حسب أجهاد البشر في الخلق, عكس الواقع المطلق أن الله واحد والمخلوق متعدد .
من هنا نتعرف لماذا تعددت الألهة ولم يتعدد الله ... كل ذلك لأن عقل الإنسان يمكنه أن ينتج بضاعة مختلفة في كل مرة يجتهد فيها ويبدع ويبتدع , ولأنه ليس نمطيا ولا نسقيا بالمرة في التخليق والتصوير أصبح منتجه هلاميا, الإنسان هنا كائن مبدع وجميل لكنه لا يحسن أستغلال الإبداع والجمال للوصول إلى خلق إله واحد كامل المواصفات أي سوبر إله .
ولكن هل بالإمكان مثلا الفصل بين الإنسان ككائن واع خارج والوجود؟ سؤال قد يكون محوريا حينما نضع أطارين مختلفين قبال بعضهما إطار الإنسان الواعي بأعتباره وجود أول وأطار أخر للوجود المستوعى به بأعتباره حدوث أول وننظر للعلاقة الناشئة بينهما , لا أظن أننا بهذا الفرز يمكننا أن نستخرج محدد مهم وحقيقي لسبب بسيط ,هو أن وجود الإنسان أصلا من ضمن مسلسل الحدوث الأول ومن ضمن هذا الأطار فنصبح أمام تداخل في الصور وتبادل في الأدوار لأننا نعتمد معيارا مختلفا في كل مرة لنخرج بنتيجة واحده ولكنها ذات وجهين.
التفريق بين الوجود والحدوث تفريق بين مرحلة الإنسان "مرحلة الوعي" وما قبل الإنسان ووعيه ,علينا إذن أن نبدأ بالقراءة من اللحظة التي نشأ فيها الوعي وتبلور كعامل كشف وتقرير وبناء ثم نمضي معه لنرى مراحل تطور الصورة عنده وكيف تعامل مع وجوده والسبل التي أختطها في ذلك , علينا أن نقر أن مجرد تبني الإنسان خيار الوعي الذاتي أصبح كائن أخر مختلف صانع وخالق ومنشيء بالعقل ,لذا ليس صحيحا أنه كان نتاج وعي الطبيعة , الطبيعة لا تعي بذاتها ولا يمكن أن تخلق وتصور مفاهيم ليلتقطها الإنسان ,الإنسان هو من أجبر الطبيعة أن تنساق له طبعا ليس دون ثمن ولكنه بالأخر أنتصر لوعيه لإنسانيته لوجوده .
هنا هل يمكننا أن نقول أن الإنسان ولد مدركا واعيا بالقوة والماكة التي تتطور وبالتالي فهو عاقل ولم يكتسب هذا بالتدريج بناء على المقدمة السابقة الاجابة ستكون نعم و لا , نعم لكون الانسان قد مارس الوعي ولو بصورة بدائية الا انه استخدم العقل اولا هذه الميزة تحفظ له حق الريادة العقلية مباشرة ,المهم في النتيجة مجرد اهتمامه الاولي والبدائي ان يمارس الوعي يمكننا ان نقول وبجزم انه كائن عاقل وبالقوة .
ولا يمكننا ايضا ان نجزم ان هذا التطور في الوعي ومن خلال التجربة قد اكتسب العقل به مقدمات نظامه الأصلية لان التجربة ان لم تكن لها مقدمات عقلية وافتراضات فكرية لا يمكن تسميتها بتجربة معرفية تقود للوعي بالاشياء ,الحقيقة التي يجب ان لانتجاوزها ولانقفز فوق وجودها هي ان العقل كقيمة فاعلة وصانعة وخالقة وجوبية عند الانسان هي بالأصل قيمة ابتدائية وبدوية في التكوين لايمكن ان نصف الانسان كائن يعي ابتداءً مالم يكن عاقلا أولا.

#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات