|
شكري بلعيد وعيا و ممارسة
غيث وطد
الحوار المتمدن-العدد: 4777 - 2015 / 4 / 14 - 08:54
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
ككل الثوريين العظام ترك شكري بلعيد كبير الأثر في الحركة الشيوعية بالقطر التونسي رغم قصر المدة التي قضاها في ساحة الصراع السياسي العلني وما يعطي لرؤاه اهمية كبيرة هو حالة الارتداد و الانحسار التي عاشتها في العقود الأخيرة حركة التحرر الوطني في القطر التونسي و الوطن العربي و العالم خاصة بعد سقوط الطغمة التحريفية في موسكو و ماتلاه من حالة ردة واسعة لدى عديد اليساريين و حالة احتواء لجيوب المقاومة الثورية عبر تدجينها و ما شهدتها هي داخليا من حالة فوضى فكرية و تنظيمية أمام حالة الصدمة التي عاشتها و من عملية غطرسة غير مسبوقة بدأتها الامبريالية الأمريكية جعلت العديدين يفقدون ايمانهم بالثورة و بالفكر الماركسي اللينيني وهو ما ارتبط جدليا بالحركة الشعبية التي انفصمت عن طلائعها و سقطت في الحراك العفوي وهو ما جسدته مختلف الانتفاضات الشعبية منذ انتصاب دولة الاستعمار الجديد وجدت طفرتها في المسار الثوري 14 جانفي الذي يتفه مقولات نهاية الثورة و حلول عصر التوافقات و الاصلاح كما أكد شكري بلعيد منذ أول يوم تلى هروب بن علي وما شهده القطر التونسي من تغيرات في المشهد السياسي استدعت قراءة للوقائع الجديدة و نظرية خصوصية له تجسد معرفة للواقع الموضوعي الجديد الذي مثل طفرة ايجابية في مسار نضال الجماهير في القطر التونسي و ان كان شكري بلعيد ابن الخط الوطني الديمقراطي الذي يستلهم منه أفكاره و رؤاه فان هذا الزعيم العظيم مثل رمزا للممارسة الثورية و العملية لهذا الفكر تحتاج منا قرائتها و استيعاب ثوابتها وملامحها كسلاحنا النضالي و نبراسا لمسيرتنا 1-قراءة في السيرورة التاريخية والحدث الراهن 14 جانفي كان لابد من قراءة في السيرورة التاريخية من منطلقات مادية تاريخية فالتاريخ هو الشروط الموضوعة المعطاة في مرحلة معينة والتي تشكل حدا لارادة الأفراد حيث أن قراءتها قراءة نقدية يحول هته العقبات الى وسيلة للتحرر تنير درب الممارسة السياسية الصحيحة وكان لابد من قراءة تاريخية للحدث الراهن 14 جانفي يعتبر الرفيق الشهيد شكري بلعيد أن 14 جانفي هو مراكمة لنضالات الجماهير منذ انتصاب دولة الاستعمار الجديد ومختلف الانتفاضات التي قادتها الجماهير الشعبية في صراعها ضد الاتلاف الطبقي الرجعي الحاكم من انتفاضة الفلاحين في الساحل في الستينات و انتفاضة 26 جانفي 1978 و أحداث الخبز 1984 و أحداث بن قردان و انتفاضة الحوض المنجمي وهو ما راكم تجربة الجماهير في صراعها ضد أعدائها الطبقيين وهي ليست حدثا عفويا معزولا بل هو سيرورة تاريخية تعبر عن تواصل التناقض بين جماهير الشعب المفقرة من جهة و الامبريالية ووكلائها المحليين من جهة أخرى و الاطاحة بنظام بن علي هي نتيجة تفسخ هذا النظام الذي بلغ اشد تمظهراته باعتباره أزمة ائتلاف طبقي كمبرادوري طفيلي بظهور الكمبرادور الرث كتعبير عن تقاطع العمالة مع الفساد و الانحطاط السياسي و الثقافي وهو ما قابله توسع للتحركات الاحتجاجية بمختلف أشكالها رغم دوافعها المختلفة المتراوحة بين الدوافع النضالية و التدخل الامبريالي المراد به تأهيل عملائها مكان نظام بن علي وتحديدا تيارات الاسلام السياسي(1) وقد مثلت انتفاضة الحوض المنجمي نقلة نوعية للحركات الاحتجاجية نظرا لما مثلته من قطيعة مع التحركات النخبوية وزواج بين المطلبي المباشر و السياسي العام وما مثلته هته الانتفاضة من تمدد زمني جسد مظاهر التضحية وابداع اشكال النضال الجماهيري في مقابل القمع و التنكيل الذي مارسه النظام والذي أدى الى افتضاحه وكشف طبيعته الدموية مما قلص من قاعدته الاجتماعية في مقابل تنامي المد الاحتجاجي الجماهيري على غرار ما شهدته فريانة و الصخيرة و بن قردان وهو ما مثل بداية العد العكسي للحسم التاريخي مع الطغمة النوفمبرية الحاكمة بانطلاقة المسار الثوري الذي هز أركان النظام النوفمبري و التي نستنتج منها: -الدور المتميز لمهمشي الريف في تفجير المسار الثوري و تجذيره و تواصله -الدور المتميز للمنظمة الشغيلة وتحديدا هياكلها القطاعية و القاعدية في تأطير التحركات و حمايتها و الدفع بها الى الأمام -الدور الحاسم للطبقة العاملة التي مثل دخولها في الاحتجاجات منعطفا حاسما زلزل عرش النظام وذلك عبر سلاحها "الاضراب" وتحديدا اضراب 12 جانفي بصفاقس وهو ما يضرب الادعاءات القائلة بأن المسار الثوري عفوي و حركة للمهمشين و العاطلين و ليست زخما تاريخيا نوعيا -الدور الذي لعبه مناضلو اليسار في تسليح المسار الثوري بالشعارات السياسية التي تمس السلطة و في تجذيره والارتقاء به وحتى تسليحه ببرنامج انتقالي اسقط حكومة الغنوشي الأولى و الثانية التي مثلت أولى بوادر الالتفاف على هذا المسار (2) وهو ما يرسم ما يسميه الرفيق الشهيد شكري بلعيد مثلث الثورة حيث يبدأ التمرد من الجهات الداخلية المهمشة ليصل الى صفاقس حيث تتركز الطبقة العاملة ليمس بعد ذلك مركز السلطة السياسية ممثلا في تونس العاصمة(3)
من خلال هته الوقائع يعارض الرفيق شكري بلعيد النزعة المؤامرتية التي تغذيها الانهزامية و العجز والقائلة بأن ما حدث مؤامرة خارجية و كذلك النظرة اللاعلمية التي تسمي ما حدث"انتفاضة" لتتفه فيه مختبئة وراء مراجعها الكتبية و ينطلق من الوقائع ليطرح الاشكاليات و الممكنات ومثلما قلنا فان التاريخ يشكل الظروف الموضوعية التي تمثل حدا لارادة الافراد فان حركة التاريخ ابان المسار الثوري مثلت قوة الجماهير و مراكمتها التاريخية في المواجهة مع النظام و الحسم التاريخي معه واسنادها من قبل العناصر اليسارية و التقدمية التي تغلبت على بدائل النظام و متنفسه في"المعارضة" لترفع سقف المطالب لتمس رأس النظام أمام الموجة الجماهيرية و تسقطه وبين ضعف تنظيمي لها يجسده تشرذمها و تحديدا للعناصر الوطنية الديمقراطية وهو ما أدّى الى سقوط رأس النظام دون سقوط المنظومة وهو ما سيسارع الى تولي التعبيرات السياسية لهته المنظومة الى تولي زمام الأمور و بدأ المعركة مع الثورة المضادة التي قادتها حركة النهضة وهي معركة تختلف عن نظام بن علي المهترء لتواجه تنظيما مدعوما من الامبريالية و الرجعية العربية لم يهترأ مثلما حدث مع بن علي وقد سبق للرفيق الشهيد شكري بلعيد أن نبه من الاسلاميين وتحضير الامبريالية لهم لتولي زمام قيادة الاتلاف الطبقي الرجعي الحاكم(4) 2) المواجهة مع حركة النهضة
مثل انتصار حركة النهضة الاسلامية في انتخابات أكتوبر 2011 بداية الالتفاف الكبير على المسار الثوري الذي قادته حركة النهضة عبر مواصلتها في نهج العمالة و خدمة مصالح الامبريالية و قمع الجماهير في مقابل هزيمة انتخابية للقوى السياسية الثورية و التقدمية التي بقيت متشرذمة في مقابل تشكيلات الاسلام السياسي المسنودة من قبل الامبريالية و التي بدأت في الالتفاف على المكاسب التي حققتها الجماهير عبر ما يسميه شكري بلعيد بالقمع المفتوح وهو سلاح الاسلاميين و لاشك أن الصراع السياسي هو الشكل الأساسي للصراع الطبقي بما يجعله ديناميكية تاريخية تحددها الظروف وقرائتها الصحيحة لتحويلها الى انتصار وقد أثبتت الوقائع صحة الرفيق شكري بلعيد في قراءة الواقع بعد صعود حركة النهضة الى الحكم معتبرا ذلك نكسة للمسار الثوري و بدءا لعملية الالتفاف عليه و العودة الى المربع الأول حيث قرأ طبيعة المعركة مع حركة النهضة انطلاقا من فهمه لديناميكية تفكريها وفعلها الذي يلخصه في الاتي: -مواصلتها في نهج العمالة وانفاذ المشاريع الامبريالية بشكل أشد وطأة و معاداتها للمكاسب التي حققتها الجماهير -ممارستها للقمع المفتوح ضد التحركات الجماهيرية الرافضة لسياستها و استعمالها لجناحها العسكري ممثلا في السلفيين و ميليشيات ما يسمى بحماية الثورة خاصة لمواجهة المبدعين و المثقفين و الناشطين السياسيين الذين يمثلون القواعد المتقدمة للمواجهة -استمالتها لبعض"القوى الديمقراطية"و"التقدمية" التي قد يغرها ازدواجية خطابها -طمسها لطبيعة لطبيعة الصراع ضدها لحصره مع الشق الاخر لليمين ممثلا في "حركة نداء تونس" أمام تغول الرجعية و تشرذم القوى الوطنية و التقدمية و الديمقراطية توجه الرفيق شكري بلعيد الى المواجهة المفتوحة مع حركة النهضة ليقوم بمؤتمر موحد للوطنيين الديمقراطيين في أداة جامعة يمثلها حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد ويدعو الى تأسيس الجبهة الشعبية لتحقيق أهداف الثورية التي تمثل كتلة تجمع القوى الوطنية و الديمقراطية لاستكمال أهداف المسار الثوري تكون جبهة سياسية تمثل مختلف التعبيرات الطبقية وتطرح برنامجا للاطاحة بحركة النهضة عبر استمالة القوى التقدمية و الديمقراطية على رفض الاسلاميين و القطيعة معهم و الخروج بأقل الخسائر في المواجهة معهم حيث أنه كما معلوم فان الصراع الطبقي يحدده الخروج بأقل الخسائر في المواجهة واختيار لحظة الهجوم ولحظة الدفاع وحتى الهدنة (5)وهي المعركة التي كان الرفيق الشهيد شكري بلعيد بطلها فقد كشف الطابع الدموي لحركة النهضة ونبه الى العنف الذي يصب في صالحها فهي تتمعش منه و تنتصر في ظله اضافة الى عزلها واظهار طابعها الفاشستي و دعم الحركة الاحتجاجية و اسنادها و الارتقاء بها باعتبارها موجة ثورية جديدة الذي لا ينفصل عن طلائعها الثورية التي تركت الصالونات الضيقة و التحمت بالجماهير الشعبية استطاعت استمالة القوة الديمقراطية الى جانبها وصناعة رأي عام مناهض لها والتصدي لأي مس من المكاسب التي تحققت للجماهير أو أي سيناريوهات تمارسها حركة النهضة لانقاذ نفسها فهي معركة دفاع بامتياز ضد تيارات الاسلام السياسي المتأمرك الذي مثل القاعدة المتقدمة لقيام الامبريالية بالالتفاف على ثورات الجماهير العربية المفقرة. بقرائته العلمية للواقع و للممكنات و لطرحه برنامجا عمليا مثّل الرفيق الشهيد شكري بلعيد التجسيد الأمثل لارادة الفعل و للذات النيرة و الفاعلة في التاريخ التي تجسد مثال الشيوعي الحقيقي ومثالا للوعي بقضايا الجماهير و تجسيدها في الواقع لا مجرد التلفظ بها ومثالا للترفع عن امراض لازمت اليسار التونسي طويلا ليكون قربانا لنضال الجماهير في مرحلة الحكم الظلامي ليمثل فكره و ممارسته دربا ينير نضال كل ثوري . هوامش (1)الهوية و البرنامج-حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد-اسس الاستعمار الجديد (2)المصدر السابق (3)خطاب حول جبهة 17 ديسمبر التقدمية بالاتحاد الجهوي للشغل بسيدي بوزيد https://www.youtube.com/watch?v=0xO8PlmvQec (4)ذكرى استشهاد صدام حسين الاتحاد الدهوي للشغل بالقصرين 2007 https://www.youtube.com/watch?v=_3ThlCVTYM4 (5)ندوة مع مناضلي الجبهة الشعبية بجرجيس https://www.youtube.com/watch?v=20ZevNWdrkU
#غيث_وطد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اغتيال الرفيق شكري بلعيد-الدوافع و الدلالات-(الجزء الأول)
-
وهْم البورقيبية
-
رضا بلحاج وحزب التحرير..
-
لم علينا دعم السبسي؟
المزيد.....
-
صدامات بين الشرطة والمتظاهرين في عاصمة جورجيا
-
بلاغ قطاع التعليم العالي لحزب التقدم والاشتراكية
-
فيولا ديفيس.. -ممثلة الفقراء- التي يكرّمها مهرجان البحر الأح
...
-
الرئيس الفنزويلي يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
-
على طريق الشعب: دفاعاً عن الحقوق والحريات الدستورية
-
الشرطة الألمانية تعتقل متظاهرين خلال مسيرة داعمة لغزة ولبنان
...
-
مئات المتظاهرين بهولندا يطالبون باعتقال نتنياهو وغالانت
-
مادورو يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
-
الجزء الثاني: « تلفزيون للبيع»
-
عز الدين أباسيدي// لعبة الفساد وفساد اللعبة... ألم يبق هنا و
...
المزيد.....
-
سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول
/ ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
-
سلام عادل -سیرة مناضل-
/ ثمینة یوسف
-
سلام عادل- سيرة مناضل
/ ثمينة ناجي يوسف
-
قناديل مندائية
/ فائز الحيدر
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني
/ خالد حسين سلطان
-
الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين
...
/ نعيم ناصر
-
حياة شرارة الثائرة الصامتة
/ خالد حسين سلطان
-
ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري
...
/ خالد حسين سلطان
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول
/ خالد حسين سلطان
-
نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|