|
السياسة والحرب والحلقة المفقودة
بدر الدين شنن
الحوار المتمدن-العدد: 4776 - 2015 / 4 / 13 - 13:28
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في زماننا الذي نعيشه ، الأردأ ، من أزمة الأجيال السابقة ، المتميز ، بتزامن واندماج الأزمات الداخلية المؤلمة مع عدوان الإرهاب الدولي ، يتساءل المرء ، لماذا لم تبرز في هذا الزمن ، زعامات وقيادات جماهيرية ، قادرة على استقطاب وقيادة القوى السياسية والشعبية ، في مواجهة ما نكابده من أزمات ومن عدوان واحتلال ، كما برز فيما مضى من زعامات وقيادات ، رغم أن أزماتنا الراهنة المعقدة ، وجرائم احتلال الإرهاب الدولي ، هي أكثر تدميراً وتهديداً لقيمنا ووجودنا ، تتطلب مثل هذه الزعامات .. تنظيماً .. أو أفراداً ، أكثر من أي زمن مضى ؟ . وإزاء تعقيد السؤال ، من الضروري مقاربة الجواب بقدر مناسب من المساحة .
بداية ، لابد من السؤال : لماذا ما زالت زعامات عربية محورية " كاريزمية " ، ظهرت في المئة عام الماضية ، محفوظة ومستقرة في الذاكرة ، وتذكر في الأوقات العصيبة باحترام .. وأكثر من احترام ؟ . عند استعراض أسماء من برز من زعامات محورية في بلادنا ، وأدوارهم الوطنية الكبرى يطل علينا باختصار مضمون الجواب ، ويتقدم المشهد كل من : عبد الكريم الخطابي بطل ثورة الريف ضد الاحتلال الإسباني في المغرب .. والأميرعبد القادر الجزائري قائد المقاومة الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي .. وجمال عبد الناصر ، الذي طرد الاحتلال البريطاني ، وأمم قناة السويس ، وبنى قطاع عام واسع إنتاجي وخدمي ، واشترك مع سوريا بإقامة أول تجربة وحدوية في التاريخ العربي الحديث ، ومع الاحتفاظ بالاحترام .. لإبراهيم هنانو ، وصالح العلي ، وسلطان باشا الأطرش ، والشيخ محمد الأ شمر ، يتقدم في سوريا يوسف العظمة ، بطل المعركة الملحمية في ميسلون ضد العدوان الفرنسي ، والشيخ الجليل عمر المختار ، الذي قاوم الغزو الإيطالي في ليبيا ، والزعيم عبد الكريم قاسم في العراق ، بطل ثورة 14 تموز ، التي أسقطت النظام الملكي الرجعي وأسقطت معه حلف بغداد ، الذي كان يهدد استقلال ومصائر شعوب المنطقة كلها .
ومن الجدير ذكره هنا ن أن كل من ذكرناهم ، لم يحققوا ، باستثناء عيد الكريم قاسم ، انتصاراً حاسماً على العدو الذي تصدوا له ، وإنما بالمقاييس الحرفية العسكرية خسروا حروبهم . ومنهم من استشهد في ميادين القتال ، أو اغتيل غدراً ، ومنهم من أعدمه العدو ، ومنهم من أمضى بقية حياته في جحيم المنفى . وليسمن الغرابة بشيء ، أنه كلما تعرض بلد عربي لعدوان واحتلال أجنبي ، يتجدد حضور تلك الزعامات .. ويكبر احترامها .. وتشتعل الأمنيات .. أن تظهر زعامات مماثلة .. تقود المعارك والمواجهات التي تتعرض لها البلاد . .
* * *
إن من حق شعوبنا في أيامنا الحالية المريرة ، أن ترهقها ، وتحزنها ، المقارنة ، وأن يقلقها السؤال .. لماذا ؟ وماذا توفر في الماضي من مقومات لظهور الزعماء التاريخيين .. وهي غير متوفرة الآن ؟ . وعند محاولة الإجابة على السؤال ، ينبغي ألاّ نتوقف عند مقارنة الظروف في الأمس واليوم ، فهي تكاد تكون مطابقة ، مع اختلاف الأسماء والتفاصيل والشكل فقط ، إذ أن الظروف .. أي اللحظة السياسية . وحدها .. لا تصنع القادة والزعماء . فبالإضافة إلى اللحظة السياسية ، وهي كبيرة الأهمية ، لابد من أن تتوفر في الزعامة ، حب الجماعة .. حب الشعب ، والمشاعر الأبية ، والمصداقية الوطنية في القول والفعل ، والقدرة على المبادرة ، والرؤية المطابقة لاستحقاقات اللحظة والمستقبل ، وفن اكتساب القوى الشعبية وتعبئتها وقيادتها ، وامتلاك الشفافية في تحديد العدو والصديق ، والاستعداد للتضحية بالذات . بمعنى ، أنه عبر جدلية ( الذاتي الوطني الذكي الشجاع ، والموضوعي الجامع المستحق المشروع ) تأتي الزعامة .
ولابد من الإشارة هنا ، إلى أن الزعماء الكبار ، ظهروا في غمرة تعرض بلدانهم للأزمات العصيبة ، وللعدوان الأجنبي . وكبروا كقادة ، واكتسبوا هالة الزعامة التاريخية ، في خطوط النار ، وساحات الملاحم الوطنية ، حتى الطلقة الأخيرة ، أو الشهادة ، أو كابدوا احتراقات المنفى حتى وفاتهم ، أو فناء عمرهم خلف قضبان السجون . ما ينبغي التوقف عنده ، عند قراءة تاريخية هذا الزعيم الخالد أو ذاك ، هو أن القضية الوطنية كانت واضحة لديهم ، والمسار من أجلها واضح . لقد رفضوا المساومات على حرية وسيادة بلادهم ، مقابل كنوز من المال ، وعروش وسلطات تحت الاحتلال . واعتمدوا على شعوبهم . ولم يهرولوا إلى هذه الدولة أو تلك .. عربية .. أو غير عربية .. لتحقيق المكاسب البديلة للنصر . ومن حظهم أن جامعة الدول العربية ، في أيام معظمهم ، لم تكن موجودة .
إن ما ذكرناه آنفاً ، ليس من باب التقدير والاحترام للزعماء المذكورين فحسب ، وإنما لإلقاء الضوء على الحلقة المفقودة ، في السياسات القائمة ، والحروب المشتعلة ، . أي البحث عما هو مفقود فعلاً ، في الأداء السياسي ، وفي التصدي لحروب الإرهاب الدولي ، إذ حسب نتائج هذا الأداء ، وهذا التصدي ، سيحدد مصير البلاد ، لحقبة زمنية طويلة ، مقارنة بتسارع التطور الحضاري والكوني . وللمساهمة في كشف أسباب غياب هذه الحلقة المفصلية في كل الصراعات المصيرية . * * * إن غياب التنظيم السياسي الجماهيري ، والزعيم المحوري ، لم يأت مصادفة ، وإنما تأتى عن تآمر ، وتخريب سياسي ، وثقافي ، وفكري ، وعن قمع متعمد ، قامت به قوى خارجية استعمارية ، وقوى داخلية يمينية ، وليبرالية مزعومة مزيفة ، وأنظمة حكم مستبدة ، من أجل إخلاء البلاد من أية مقاومة للمؤامرات والاعتداءات عليها ، لنهب ثرواتها ، والتلاعب بخرائطها ومصيرها . وقد كبرت وتنامت مفاعيل هذا التآمر ، على كل المستويات ، وخاصة المستويين السياسي والفكري . وذلك منذ هزيمة حزيران 1967 ، والتحول اليميني السياسي والسلطوي في بداية السبعينات ، وازدادت تصاعداً بعد انهيار الاتحاد السوفييتي 1991 ، وانتشرت وتوسعت بالترافق والتزامن مع الهجوم الأميركي للتفراد بالقطبية الدولية ، ما أدى إلى ضعف وتراجع اليسار وحركات التحرر القومي ، سواء بانحراف السمت التحرري أو الاشتراكي ، أو بانتقال فصائل من اليسار ، ومن هذه الحركات ، إلى الليبرالية ، وبعضها انتقل إلى خندق القوى " الإ سلاموية " والرجعية ، أو إلى التنظيمات الإرهابية المسلحة . وتجذر هذا الضعف والتراجع ، لدى الانتقال إلى وضع مخطط شرق أوسط جديد قيد التطبيق ، الذي كانت أبرز محطاته ، الغزو الأميركي للعراق 2003 ، والعدوان الإسرائيلي على لبنان 2006 ، وقيام إسرائيل بأكثر من هجوم على غزة 2009 و2011 . والمحطة الأعظم هي هجوم الإرهاب الدولي على عدد من البلدان العربية ، الذي بدأ عام 2011 وما زال مستمراً .
وعندما نلقي الآن نظرة شاملة على المشهد العربي المفجع ، الذي يضم الصومال والسودان واليمن وليبيا وسوريا والعراق ، وعلى المشهد النازف المتدرج نحو الأسوأ ، الذي يضم لبنان والبحرين ومصر ، يتضح حجم ما أحدثه غياب الزعامات والقيادات المحورية التاريخية ، وحجم الإمعان في تعويق تجاوزه والانتقال إلى مرحلة النهوض والمقاومة .
باستثناء الجندي المقاتل ضد الإرهاب الدولي ، دفاعاً عن الوطن وحريته ومصيره .. في سوريا ، والعراق واليمن ، ومصر ، والمقاومة في لبنان .. هل هناك من السياسيين وأحزابهم ، من يمتلك حقاً ، السمات القيادية المحورية الشعبية الجامعة ، وقادر أن يتحرك بفعالية كاسحة ، تحقيقاً للخيارات والأولويات الوطنية الصح في المعارك الوطنية المشتعلة الآن ، مع التذكير .. إن الاحتلال الأجنبي ، كان العامل الأهم الذي أنضج وأنتج جدلية ( القائد الوطني الذكي الشجاع ، والموضوعي المستحق الجامع المشروع ) . بمعنى أنتج تلك الزعامات ، التي يشكل غيابها عن المشهد والحركة الحلقة السياسية والحركية المفقودة في واقعنا البائس الراهن ..أي في السياسة والحرب . ونكرر السؤال الذي يفرض نفسه هنا أيضاً : لماذا لم يتحقق ( الذاتي .. القائد .. التنظيم أو الفرد .. أو كلاهما معاً )، في جدلية اللحظة السياسية التي نعيشها ، رغم أن احتلال الإرهاب الدولي ، هو أخطر ، وأكثر تدميراً وتوحشاً ، من احتلال الدول الاستعمارية في القرن الماضي ، الذي هب أولئك القادة للقتال ضده ، بل هو يتصاعد ويتوسع ، بمشاركة مباشرة من قبل الدول الداعمة له . والمذبحة المتوحشة الجارية في اليمن ، التي تقوم بها طائرات وبوارج سعودية وأميركية وخليجية ، والتصعيد الإرهابي الدولي في سوريا ومصر وتونس ، هو مجرد بدايات لما هو أسوأ وأعظم . نعم هناك معوقات سياسية وعسكرية ، تأخذ أحياناً أشكالاً مذهبية ودينية وعرقية ، تحول دون ذلك . لكن هل ينتظرن وطني عاقل من أعدائه ، أن يفسحوا له في المجال ليقاومهم وينتصر عليهم .
بكل تأكيد إن غياب التنظيم .. الزعامة الجماهيرية الوطنية القوية ، حمالة الرؤى التقدمية المتكاملة للحاضر والمستقبل ، هو وراء ضعف التصدي للإرهاب الدولي ، ووراء العجز عن التوصل إلى حلول سياسية مطابقة ، عبر الحوار السياسي الداخلي المستقل عن الخارج . أليس مثيراً للاستغراب والقلق ، أن تمتلئ ساحات مدن كبرى في عدد من البلدان العربية بحشود مليونية ناقمة ، وأن تعقد مئات النخب السياسية والثقافية ، طوال سنوات ، مؤتمرات .. تتلوها مؤتمرات ، في دمشق واستانبول والدوحة والقاهرة وموسكو وجنيف ، وتتعدد الأنشطة السياسية هنا وهناك ، دون بروز كفاءات قيادية سياسية جماعية أو فردية متمكنة خلالها . من طرف آخر لم تتمكن السلطات ، التي تتصدى ، بدافع وطني ، أو بحكم المسؤولية ، لحرب الإرهاب الدولي ، من أن تقدم ، أو تتيح الفرص على المستوى الوطني ، لظهور القائد المحوري الشعبي ، لتجاوز الحلقة المفقودة ، وملء الفراغ الذي تعمل عليه ، وتستثمره مختلف القوى الاستعمارية والرجعية ، التي تقف في الجهة الأخرى في الحرب والسياسة .
إن العد التنازلي ، الذي أطلقته القوى الشعبية ، مع بداية حركة الشارع ، واستباحة الدم ، بانتظار ظهور الزعامة المحورية ، قد هبط بعد أربع سنوات من العبث السياسي ن إلى ما تحت الصفر بكثير . وخاصة بعد أن سيطر الإرهاب الدولي على الشارع ونشر فيه الخراب والدمار ، وتوسع وتضخم وفرض طروحاته التكفيرية الموغلة في الرجعية والتخلف ، وبعد إصرار جماعات معارضة مسلحة وغير مسلحة ، على شرعنة زعامتها ، وللاستحواذ على السلطة بدعم الدول العظمى .. وغير العظمى ، حاملاً مع هبوطه السؤال المتشبث ببقايا رجاء : متى يبدأ حقاً النهوض .. وأين .. وكيف .. ومن سيقود هذا النهوض ؟ ..
كل التجارب التاريخية تؤكد ، على أن صكوك الزعامة .. لا تمنحها .. ولا توقعها قوى خارجية .. مهما بلغ نفوذها من القدرة .. ومهما بلغ ثراؤها من رصيد . وإنما تمنحها .. النضالات الدؤوبة ضد الميز السياسي والاجتماعي .. حيث معادلة الظلم والعدالة . وتمنحها العذابات والفناء خلف قضبان السجون .. حيث معالة القهر والحرية . وأكبر وأعظم من يمنحها هي المعارك الوطنية الملحمية الكبرى .. حيث جدلية النار والدم .. ومن يوقع هذه الصكوك هو الشعب .. والشعب فقط .
#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الربيع المهزوم وعاصفة الحزم إلى الشعب اليمني البطل
-
المملكة إذ تخوض حرب الامبراطورية
-
أوراق معارضة ( 2 ) ولادة المعارضة
-
أوراق معارضة ( 1) ولادة وطن
-
يوم المرأة السورية وحق الحياة والحرية - إلى نائلة حشمة -
-
حول خواتم الحريق السوري
-
العدوان التركي والمسؤولية الوطنية
-
العودة المؤجلة إلى البيت - إلى حسين العلي -
-
سوريا .. ثوابت وآفاق
-
لن أقول وداعاً
-
قبل منتدى موسكو وبعده
-
لماذا القلعة بحلب هدف للإرهاب ؟
-
لأجل عودة آمنة كريمة للوطن .. إلى الطفولة المهجرة
-
الأستاذ
-
التعذيب جريمة حرب وجريمة استبدلد
-
حلب تصنع ربيعها القادم
-
الصراع السوري مع الغرب الآن .. لماذا ؟
-
مائة عام من الصراع مع الغرب .. إلى متى ؟
-
داعش على ضفاف الراين - إلى ريحانة كوباني -
-
في التصدي للوجه الآخر للإرهاب
المزيد.....
-
رجل يتفاجأ بدب ضخم عالق داخل سيارته.. فيديو صادم يصور ما فعل
...
-
وسط مخاوف من تصعيد عسكري.. الأردن يدعو مواطنيه -لتجنب- السفر
...
-
إردوغان: تركيا مستعدة للعمل على تطوير العلاقات مع سوريا ولا
...
-
مجلس النواب الأمريكي يُصوّت لصالح إخفاء عدد القتلى في الحرب
...
-
هل ما جرى في بوليفيا انقلاب أم مشهد مسرحي؟
-
4 طرق تضمن لك مفعولا مماثلا لمشروبات الطاقة دون آثار جانبية
...
-
المغرب.. اكتشاف مخلوق -استثنائي- من عصور ما قبل التاريخ
-
بعد انتظارها لعدة أسابيع.. ميلوني تخرج عن صمتها بشأن فضيحة ض
...
-
غيتس يحذر من استغلال الذكاء الاصطناعي لأغراض كارثية
-
بوناصر الطفار: كلمات لا تعرف الخوف ولا المواربة
المزيد.....
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
-
تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1
...
/ نصار يحيى
-
الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت
...
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
هواجس ثقافية 188
/ آرام كربيت
-
قبو الثلاثين
/ السماح عبد الله
-
والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور
/ وليد الخشاب
-
ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول
/ بشير الحامدي
-
ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول
/ بشير الحامدي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
المزيد.....
|