أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ماجد رشيد العويد - حجر على صراط














المزيد.....

حجر على صراط


ماجد رشيد العويد

الحوار المتمدن-العدد: 1328 - 2005 / 9 / 25 - 05:31
المحور: الادب والفن
    


فجأة، وعلى غير توقع، تحوّل إلى حجر رخو يجري على خيط رفيع، تلبّث قليلاً عند نقطة من هذا الخيط يلتقط أنفاسه، وقد كاد يختنق جزعاً وخوفاً.
إلى يمينه استقرت أرض مخضرة تكتظ بالأشجار، وتخترقها جداول ينساب خلالها الماء عذباً رقيقاً. توقف كأنما الحيرة أصابته من هذه البقعة التي انتبذت مكاناً قصياً كان كأنه الجنة على الأرض... ذاك الفردوس الذي تخيله ذهنه عبر كدّه الطويل في ربوع قلقه العظيم، وهو يقرأ أحلام الشعراء والملحميين الأوائل، وكتب السماء بعهديها القديم والجديد، وبقرآنها العظيم المجيد.
انتابته قشعريرة وقال: لعلني الآن على الصراط فإلى جنة ربما أو إلى جحيم مكفهرة ناره.. وتذكر طيرانه في الفضاء، والمسارات التي ظل يتخذها في انطلاقه، وانقضاضه المظفر على رأس هذا الجندي وذاك.
تابع سيره مأخوذاً بروعة ما يراه من مناظر ساحرة ارتاح إليها من عناء جهاده في السنين الماضية. ورأى أنهاراً خالدة من لبن وعسل وخمرة معتّقة لا تُذهِبُ حدوداً ولا عقلاً ولا حسّاً.
سبّح بمجد ذلك الأشقر الذي نأى إلى ركن قصي من أرض مضطربة قلقة وقال: ربما هو الوعد المبين.. ورأى الناس النضّاحة بخدودهم الأسيلة، وعيونهم الزرق يمرحون ويلعبون ويأكلون ويشربون ويرقصون. سخط على حياته التي جرفها الفقر وأصابه الذعر وهو يرى، على الطرف الآخر، على يساره، ناراً تجلّت فوّارة بلظاها المهلك. تلك جهنم بألسنة من أبالسة وشياطين وحجارة عتيقة متمردة، بظلال محمومة وهدير مجنون.
اختلّ بعض ما بقي فيه من توازن، وادلهمّت ذاكرته. كاد يوقن أنه على الصراط، ويا له من صراط. خلال دقائق، ثاب فيها إلى وعيه، أخذ يعدّ الرؤوس التي شجّها، والأرجل التي كسرها، وكذا العيون التي فقأها وهو حجر مسنن أبيّ.
**
كان النهار قد شارف على الزوال، وبدأت الشمس تختفي وراء الأفق، وبدوره يتلاشى في حندس ليل مخيف.
آلمه أن يرى نفسه حجراً محبطاً منبوذاً، وتذكّر الأمس تلو الأمس، وتذكّر ركضه واختباءه ولثامَه، وكم من مرة سقط فيها صريعاً، وتمنى لو تجرّه قدماه إلى مكان ناء وإلى خلاء لا إنس فيه ولا جان ولا صراط، وغصّت أحشاؤه بوحشة لم يعهدها من قبل، فها هي النار تطّاول ألسنتها وتتخطف منه بريقه، وتتناوله من هدوئه الذي نعم فيه وهو ينظر إلى يمينه. فهل يندب حظه أم يحثّ الخطا علّه يلقى مخرجاً؟ وقرر بعد لأيٍ أن يجهد في الوصول إلى نهاية ما، وأن يُنجز راحتَه بعد هذا التعب المتين من المشي على صراط.
إذ ذاك تلألأ في ركن يقظ من سنوات تعبه وشقائه، شعاعُ طيرانه مقذوفاً إلى الأعلى، ومتشظياً ومتناثراً في عين جندي تارة وفوق رأس آخر تارة أخرى.. وصرّت في أعماقه رغبةٌ بالعبور إلى الفردوس البهيج، وأن يتربع على عرش نهر ظلّ على الدوام يفيض، وفي أحلك سنوات الجفاف، سعياً متحفزاً وتواقاً إلى الحياة. وارتفع يطير، مختزلاً بطيرانه عقداً من الزمن، فوق دروب غصّت بآلات التصوير واختلج في جنباته السرور، ونفض عنه حزنه وجزعه.
حلّق عالياً يمنح المكان المهيض اكتمال كماله، وتخيّل جنّة سيصنعها الآن فقط، فها هو يرى نفسه كعادته من كل يوم ـ عبر التلفزة المحلية والعالمية ـ يحلّق بإباء وشموخ.
وأيقن أيضاً أنه على صراط غير مستقيم، وأن الجنّة التي رأى كانت أخلاط حلم بعيد، وأن النار أتت أو كادت، ومنذ سنين، على أحلامه وأمانيه بحياة هادئة وادعة. تابع طيرانه باتجاه عدسة تعوّدت أن تلتقط له صوراً في الطيران والهبوط، وفي نيته أن يرتطم بها.



#ماجد_رشيد_العويد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طيبة
- الموت الأصغر
- السادن
- على جناحي ذبابة
- صيف حار
- وأخيراً رأيته
- العباءة
- في الجحيم
- في الليلة الأولى
- التماعة
- المِذَبّة
- مشكلتنا ليست في اللغة
- شهداء الغضب
- صناعة الألقاب
- حديث إلى الشريك في الوطن
- لنبدد معاً سوء الفهم
- مع وزير الإعلام مرة أخرى
- مع وزير الإعلام في الرقة
- شيء من الروح
- مع وزيرة المغتربين بثينة شعبان


المزيد.....




- ممثل كوميدي ساخرا: -إسرائيل تحقق في جرائم حرب في أوكرانيا-؟ ...
- استمتع بمشاهدة أفلامك المفضلة.. استقبل تردد قناة روتانا سينم ...
- وفاة ممثل عالمي شهير بعد معاناة مع المرض
- طاجيكستان .. 35 قانونا لحماية الثقافة الوطنية منها ما يمنع ا ...
- تكوين: القوة الدافعة وراء ويغز، وعمر كمال، ومروان بابلو وغير ...
- تابع hd.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 165 مترجمة للعربية عبر قن ...
- ويل سميث يعود للخيال العلمي بفيلم -المقاوم-
- شقير للجزيرة نت: القدس تشهد تطورا في الإنتاج الأدبي رغم محاو ...
- القبض على مغني الراب الأميركي ترافيس سكوت
- -التوصيف وسلطة اللغة- ـ نقاش في منتدى DW حول تغطية حرب غزة


المزيد.....

- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة
- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ
- غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا ... / مروة محمد أبواليزيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ماجد رشيد العويد - حجر على صراط