أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - الحسين الطاهر - سيرة حياة -ابانا الذي في السماوات-














المزيد.....

سيرة حياة -ابانا الذي في السماوات-


الحسين الطاهر

الحوار المتمدن-العدد: 4768 - 2015 / 4 / 4 - 09:17
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


ان التشابه بين الصلاة الواردة في انجيل متي و الرقية الواردة في مستدرك الحاكم و الاخرى في وسائل الشيعة، تشابه مذهل، هو مثلٌ بسيط نسوقه للتدليل على التاثير الواضح للاديان السابقة على ما يلحقها من اديان، و كيفية تحوير الافكار و النصوص لتتكيف مع الواقع الجديد و الايديولوجية السائدة.
ربما يفسر البعض هذا التشابه بالصدفة، لكن وحدة العبارات المستخدمة تشي بالعلاقة بين النصوص. و قد يعترض البعض على فرضيتنا مبررين اعتراضهم بوحدة المصدر (الوحي) لكن هذا تفسير روحاني – كما هو واضح- له علاقة بالايمان لا بالنقد العقلي، كما ان الوحي ليس مقيدا بنفس التعبيرات و الاقوال ليرددها –كما هي- عبر القرون، فالامر هنا ليس تشابه الفكرة الجوهرية بل هو تشابه اكبر من ذلك يدل على اقتباس المسلمين للتراث المسيحي، هذا ان سلّمنا لمصدر الوحي بقليل من الثقافة و سعة الخيال التي تمنعه من تكرار نفسه !

و قد وردت الصلاة التالية في الانجيل، تعليما من المسيح لاتباعه كما يُدَّعى: أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ. لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ. لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي السَّمَاءِ كَذلِكَ عَلَى الأَرْضِ. خُبْزَنَا كَفَافَنَا أَعْطِنَا الْيَوْمَ. وَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا كَمَا نَغْفِرُ نَحْنُ أَيْضًا لِلْمُذْنِبِينَ إِلَيْنَا. وَلاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ، لكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ. لأَنَّ لَكَ الْمُلْكَ، وَالْقُوَّةَ، وَالْمَجْدَ، إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ(1).
و وردت رقية (دعاء لغرض الشفاء) تنسبها الاحاديث للنبي بالشكل الآتي: ربنا الذي في السماء تقدس اسمك أمرك في السماء والأرض كما رحمتك في السماء والأرض اغفر لنا حوبنا وخطايانا يا رب الطيبين أنزل شفاء من شفائك ورحمة من رحمتك على هذا الوجع فيبرأ(2).
و تَشابُه الصلاة المسيحية و الرقية الاسلامية واضح في بداية النص بذكر "الاله" الذي في السماء، ثم تقديس اسمه بعدها مباشرة، و ذكر مشيئته الحاكمة للكون كله، يليه الدعاء بالمغفرة.

اما تكيّف "الصلاة" المسيحية للواقع الجديد فكان كما يلي:
1- تحولت "ابانا"، ذات الروح المسيحية الواضحة، الى "ربنا" الاسلامية التنزيهية الصارمة.
2- ان الطلب المسيحي لتحقيق امر الرب على الارض مثلما هي متحققة في السماء تحول الى ذكر اسلامي لامر الله في السماء و الارض تماشيا مع روح الاسلام المعظمة لله الملِك صاحب الامر دائما.
3- الدعاء المسيحي بالمغفرة الالهية الملازمة لمغفرة البشر اخطاء بعضهم البعض تتناسب مع الروح المسيحي في "ادِر له الخد الايسر"، اما مبدأ العين بالعين الاسلامي (المتماثل مع التشريعات البابلية و السامية بصورة عامة) فجعل المحدّثين المسلمين يفصلون بين غفران الله و مسامحة البشر لبعضهم، و ان بقي عندهم اثر من الروح المسيحية الاولى في القول "رب الطيبين".
4- كانت الصلاة المسيحية صلاة عامة تطلب من الله المغفرة و الرزق و الحياة الخالية من الاثام، لكن صيغتها الاسلامية وردت في سياق محدد هو شفاء المرضى، و ليس لنا ان نتوقع مطابقة تامة بين دينين تفصلهما قرون من الزمن و مباديء و عادات مختلفة. فنلاحظ ختام الصلاة المسيحية ختاما "صلواتيا" تقليديا بينما كان ختام الرقية الاسلامية طلبا "طبيا شفائيا" واضحا.

و وردت نفس الرقية عند الشيعة منسوبة لتعليم جبريل للنبي لغرض الشفاء: بِسْمِ اللَّهِ رَبِّنَا الَّذِي فِي السَّمَاءِ تَقَدَّسَ ذِكْرُ رَبِّنَا الَّذِي فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمْرُهُ نَافِذٌ مَاضٍ كَمَا أَنَّ أَمْرَهُ فِي السَّمَاءِ اجْعَلْ رَحْمَتَكَ فِي الْأَرْضِ وَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَخَطَايَانَا يَا رَبَّ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ أَنْزِلْ شِفَاءً مِنْ شِفَائِكَ وَرَحْمَةً مِنْ رَحْمَتِكَ عَلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانَةَ(3).
و نلاحظ ان نسخة "الرقية" الشيعية المتاخرة - زمنيا- تتلبس ثوبا اكثر اسلامية فتبدأ ببسملة مجزوءة، كما تُظهر مسحة مذهبية فَتذكر "رب الطيبين الطاهرين" في مضاهاة للقب اهل البيت التقليدي عند الشيعة.

و اخيرا، قد يعتقد البعض ان عُمر الصلاة الربيّة المسيحية - كما قد تُسمّى - لا يتجاوز الالفي عام، الا ان التاريخ يخبرنا ان بذرتها تعود الى اديان عريقة القِدم، و في هذا زيادة في التأكيد على استمرارية الافكار و "الصلوات" عبر العصور و بين الاديان، لا يتغيّر فيها الا الثوب الذي تلبسه لكن الروح واحدة !
فقد جاء في ملحمة الخلق البابلية (اينوما ايليش) ان الآلهة - بعد انتصار مردوخ اله بابل العاصمة الامبراطورية، على رمز الفوضى تعامة (تيامت) - قامَت (هذه الآلهة) "بالاشادة بقدر مردوخ، و سجدوا امامه... معترفين له بالسلطة المطلقة... (و اطلقوا عليه الاسماء المقدّسة، و اضافوا) لتكن اوامره نافذة كما في السماء كذلك على الارض... و ليمارس من اجلهم مهمة المموّن... و ليسهر على (فاعلية) الرقى التعويذية، و ليحقق على الارض مثيل ما حققه في السماء... (و) ليكن هو الهنا الاوحد (ثم يبدأ ذكر اسمائه الممجّدة بالتفصيل)"(4). فهنا نجد مردوخ الاله السماوي المتعالي، يتقدّس اسمه، و تنفذُ مشيئته كما في السماء كذلك على الارض، و يُدعى لتوفير الخبز و الطعام، و العمل لاجل الآلهة و البشر، لانه الاله الواحد الممجّد الى الابد (آمين) !

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الكتاب المقدس، انجيل متي، اصحاح 6 ايات 9-13، حسب http://st-takla.org/P-1_.html
(2) المستدرك على الصحيحين للحاكم، ج 17 ص 370 حديث 7620 حسب المكتبة الشاملة، و قال عنه انه حديث صحيح !
(3) وسائل الشيعة للحر العاملي، ج2 ص423 حسب المكتبة الشاملة
(4) ديوان الاساطير، ج2 ص ص 194-196 ، نقله الى العربية و علّق عليه: قاسم الشوّاف.



#الحسين_الطاهر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بابل
- بين دولة الثقافة و دولة العنصرية
- كلاب العراق
- اخلقه ما اشاء
- دلموننا
- الضربة الداعشة
- عشتار الابد
- غيومٌ و ضباب
- احياء التراث السومري عند الساسة المعاصرين
- كلمات سومرية حيّة
- فَرِض الجهادُ
- عقول ضالة
- دخلَ فيهم
- اساطير حديثة- موضوع مترجم- ج4 و الاخير
- اساطير حديثة- موضوع مترجم- ج3
- اساطير حديثة- موضوع مترجم- ج2
- اساطير حديثة- موضوع مترجم- ج1
- اصلي باسمكِ
- مسائل اثارتها ابنة القس
- الناسخ و المنسوخ طريق بلا نهاية


المزيد.....




- -حزب الله ما زال موجودا-.. محلل سياسي يعلق لـCNN عن وقف إطلا ...
- روسيا تجهّز صاروخ -سويوز- لإطلاق قمر Condor-FKA
- عائدون إلى جنوب لبنان: -نريد أن نشمّ رائحة الأرض-
- كشف المزيد من -الأثر الأوكراني- في المقابر الأمريكية (صور)
- زوكربيرغ يتقرب من ترامب
- ثعبان ضخم يبتلع رجلا بالكامل في إندونيسيا (صور)
- الجيش الروسي يعبر نهر أوسكول ويخترق الدفاعات الأوكرانية قرب ...
- -هآرتس-: شركات الطيران الأجنبية لن تعود إلى إسرائيل حتى عام ...
- Xiaomi تطلق أجهزة تلفاز مدعومة بالذكاء الاصطناعي
- مخبأة بطريقة احترافية.. الجهات الأمنية في اليمن تضبط شحنة مخ ...


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - الحسين الطاهر - سيرة حياة -ابانا الذي في السماوات-