عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 4765 - 2015 / 4 / 1 - 23:15
المحور:
الادب والفن
ذهب مساءا وكالعادة قبل الغروب نحو الحاج محمد ليحكي له عما جرى صباحا ويسأله عما يفعله ,وجد أن الأخير يعلم تماما بكافة التفاصيل لكنه سأل عن الورقة وهل صحيح أن والدته أشترت البيت من فاضل وفاخر ومنذ متى فهو لا يعرف هذه التفاصيل ولم تخبره بشيء من ذلك ,أسره بما حصل وأن الورقة الآن في قاصة المعاون وعليها بصمات تعود لشهود أثنين ما زالوا أحياء أحدهما كاتب العرائض.
كما أخبره عن عرض إكريم الذي سمعه قبل قليل حول تزويجه من أحدى الفتيات التي تقربه بالنسب وأنه مستعد لتحمل التكاليف حسب ما يقول ,قال :.
_لكل رجل في هذا الكون نهاية عزوبية ولا بد من أنيس لك فأنت الآن تملك البيت والوظيفة والمستقبل كثيرات من يقبلن بالزواج منك ,وإذا كان إكريم صادقا فيما يقول أخبره أن يأت هنا ليتفاهم معي.
_وقبل أن تذكر ذلك قلت له هذا الكلام وأيضا أخبرته بضرورة أن تكون عمتي أيضا موافقة .
_"بتعجب" من عمتك؟.
_أم علي فقد أخبرتني بكل الحقيقة كما أخبرتك أمي بها, هذا يعني أنني لست غريبا على أقل الحال بيننا نحن فكل شيء واضح وبدون غطاء.
_جيد وهل تقبل أن تناديها عمتي ؟.
_نعم ولكن فقط عندما نكون وحدنا ,أشعر مذ كنت صغيرا أنني أنتمي لها وهي تنتمي لي يقينا ,تتذكر عندما كنت صغيرا وغرقت بالنهر وأنقذني الناس بقيت في بيتها أكثر من شهر ,تتذكر ذلك جيدا .
_المهم عليك أن تتبع توجيهات المعاون فهو من سيأخذ لك كامل حقوقك ولا تعص له أمرا.
_وهل يمكنني أن أعص شخصا أنتشلني من الضياع وبعثته الأقدار منقذا .
كان الحاج محمد مطلعا كثيرا على كل ما يجري من أمور تحقيقية في قضية مقتل حسنه بحكم علاقته بالمعاون وبحسب خبرته في المسلك أن الذي دخل الدار لا بد أنه تسور السطوح خاصة وأن الوقت كان باردا والسطوح متقاربة من بعضها ومفتوحة في أحيان كثيرة بين بعض الجيران .
الشيء المحير أن كل الدور المجاوره وعددها أربعة لا يرتق الشك في أحداهن ,من اليمين كانت جارتهم العجوز وأبنتها وولدهم الغير واع لما يجري حوله ,ومن الشمال كان بيت الحاج مهدي وهذه عائلة كبيرة ولا تهتم للنزاعات وأغلب أفراده كثيروا السفر خارج المدينة بين الوظائف العامة أو للعمل التجاري, ومن خلفهم بيت حسين الفراش فهو رجل ضرير وزوجة وأربع بنات وأبنهم سالم جنديا في الجيش, وأخيرا الذي جنب بيت حسين هذا بيت المعلمات في المدينة ووقت الحادث لم يكن أحدا فيه.
كانت المفاجأة مدوية صباحا أمام قاض التحقيق عندما أكمل في أخذ إفاداة الشهود وأخرجهم وبقي فاضل المتهم وفاخر وعريف ,حين أبرز الورقة لهم وسأل عنها لم ينكرا البصمة ولن ينكرا وجود الورقة ,أحدهما ينظر بوجه الأخر وطلب تفسيرا لما حصل ,حاول فاضل أن يرواغ في موضوع الورقة وأن يقر بأنه كان سكران وقت الحادث وكان منفعلا ولا يدري ماذا يقول ,أفحمه القاضي وهل كنت قبل قليل أنت وهذا الثاني سكران عندما أنكرت وجود الورقة والبيع ولا بد من وراء ذلك سر لا تخرجا من هنا قبل أن اعرف كل القضية .
كان فاخر ترتعد فرائصة وكاد أن يصيح خذوني وطلب السماح من القاضي والعفو وأنهما لن يعودا لمثل هذه الفعل وأن الطمع والجشع هو من دفعهما ,كانت التهمة التي وجهها القاضي لكلاهما أنها وراء مقتل حسنه وإنهما يتستران على ذلك المفتاح الذي أجبرهما للأعتراف بكامل الحقيقة ,إنهما لم يقتلا حسنه وليس لهما علاقة بالموضوع وأن سبب تصرفهما بالورقة خوفا من أن تأت سيرتهما بالتحقيق لأن المرحومة كانت تعرف فقط بمقتل فضيلة على يد شقيقها فاضل عندما رماها من السطح .
أمر القاضي بضبط الأفادات الجديدة وجلب أوراق القضية من مخزن المحكمة وأعادة فتحها مجددا وتحت أشرافه شخصيا وإيداع الأثنين التوقيف بتهمة القتل العمد ,لينتشر خبرهما في كل أرجاء المدينة ولتكتشف واحدة من أسرار الماضي لترتاح فضيلة بقبرها وتقر بعدما عانت الظلم حية وميتة.
عاد القلق مجددا للمدينة وأصبح حديث القتل والضحايا التي سقطت بدون جزاء وذهبت أرواحهن للسماء تشتكي وأخرهن حسنة مدار كل الجلسات ,غابت وجوه وأختفت أخرى وعادت الإشاعات لتضرب بالمدينة مجددا ,فيما عريف هو أبرز الوجوه التي تشعر بالسعادة وأن موعد كشف الجريمة لا بد قريب ,أيقن أن هناك رؤوس ستسقط وأن الكثير من الأسرار ستخرج من أبارها لترى النور ,هناك أمل أن يصحو الضمير الأجتماعي وأن يتعلم ليس بالظلم يمكننا أن نتدبر الأمور .
إكريم يلح كثيرا في تزويج عريف بدون مقابل ووافق على كل الشروط ومنها أن يدفع لوالدة الفتاة مهرا كاملا من نفقته الخاصة كونها يتيمة وأن تنتهي علاقته بالموضوع مجرد إتمام مراسيم الزواج ولا يقترب منهم أبدا ,أذعن لكل الشروط وتحجج فقط بأن اليتيمة أبنة أخيه وهو يعتبر أبوها ومن حقه الشرعي أن يتابع أمرها, أجابه الحاج محمد :.
_بالمعروف يمكنك أن تكون أبا لها وأبا لعريف فقط أن تبعدهم عن عملك ومشاريعك .
_نعم هذا سيكون بأذن الله .
_كما أن عليك وهذا الأهم أن تمنحها وأمها أي حق لهم بذمتك فأنت وأبيهم وعمتهم شركاء في أرض زراعية ولا بد أن ينالوا حصتهم منها .
_ولكن الأرض ملكها لي وأنا الذي أعمل بها وأستزرعها وقد أنفقت على أبنة أخي وأمها منذ أن توفي أخي ,هذا أمر عائلي ولا يمكن لأحد أن يتدخل به .
_ولكن هذا كان رغبة البنت وأمها التي ستكون مع نسبيها هنا في الدار ولن تعود معك للأرض لتشغل كعبدة بين يديك .
_إذا كانت رغبتهم ليس لدي مانع.
مر الخميس مساءا وقد تم عقد قران زهرة على عريف وبدأ بعدها بتهيئة البيت للزواج الذي حدد له موعد الخميس القادم ,أم علي كانت هي التي تتولى التجهيز والصرف ولم ترضى أن ينفق عريف مما لديه من مال وقالت هذا دين لا بد أن يعود لصاحبه, جددت فراش البيت وجهزت العروس بما يحتاج من مراسيم ,فيما تبرع الحاج محمد بالكثير من المستلزمات للطبخ والوليمة وعريف كما هو بين البيت والعمل كأن لا شيء ينتظره في الخميس القادم غير أنه مستمع مع رفاقه الشرطة بالقفشات والمزاح الخفيف والثقيل .كان أخر يوم في عمله نهاية دوام الأربعاء عندما سلمه المعاون مبلغ خمسون دينارا جمعها من المركز مساهمة ممنهم بالفرحة .,كان مبلغا كبيرا بالنسبة له .
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟