أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد السعدنى - الثورة ليست وجهة نظر















المزيد.....

الثورة ليست وجهة نظر


محمد السعدنى

الحوار المتمدن-العدد: 4765 - 2015 / 4 / 1 - 00:14
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يروي الأصمعي :أن أعرابياً، كان الأصمعي يزوره في البادية، ليأخذ عنه اللغة الفصيحة.. حلّ ضيفا عليه في المدينة.طلب الأصمعي من زوجته، أن تشوي لهم دجاجة. وكان للأصمعي ابنان وابنتان. وحين أحضرت المرأة الدجاجة المشوية، ليأكل منها الضيف والأسرة، طلب الأصمعي من ضيفه، أن يقسم الدجاجة،فاستجاب الأعرابي للطلب، وأمسك بالدجاجة، وألقي برأسها للأصمعي، بصفته ربّ البيت، وقال :الرأس للرئيس، ثم ألقي الذنب للمرأة، وقال: العجـُز للعجوز، وألقي الجناحين للغلامين، وقال: الجناحان للجناحين، ثم ألقي الرجلين للفتاتين.. واستأثر بباقي الدجاجة لنفسه، وسط ضحك الأسرة ومرحها، وعجبها من براعته وخفّة ظلّه !وفي اليوم التالي، طلب الأصمعي من زوجته، أن تشوي لهم خمس دجاجات، وطلب من الأعرابي أن يقسمها.. فسأله: هل أقسم شفعاً، أم وتراً ؟ فقال الأصمعي : بل وتراً، ألقي الأعرابي للأصمعي دجاجة، وقال: أنت وزوجك ودجاجة، ثلاثة.وابناك ودجاجة،ثلاثة.وابنتاك ودجاجة،ثلاث، وأنا ودجاجتان ثلاثة.ثم نظر إليهم، وقداستغربوا هذه القسمة، وقال: إن قسمة الوتر لاتكون إلاّ هكذا ! فهل تودّون أن أقسم لكم شفعاً ؟وحين سمع جوابهم بالإيجاب،ضمّ الدجاجات الخمس إليه، ثم ألقي بواحدة للأصمعي، وهو يقول: أنت وابناك ودجاجة،أربعة.وامرأتك وابنتاها ودجاجة، أربع. وأنا وثلاث دجاجات، أربعة.وضمّ الدجاجات الثلاث إليه، وطفق يأكل ويقول: سبحان الذي علمنا..! وهم ينظرون إليه بين العجب والحيرة !
عن الأصمعي، فهو عبد الملك بن قريب بن علي بن أصمع الباهلي (121-216 ه) راوية العرب، واحد من علماء اللغة وأئمة العلم بالشعر والبلدان والسير، ذاع صيته في عهد الرشيد. أما عن صاحبه، فحدث ولا حرج، لقد عاش عصر الأصمعي وتجاوز حضوره ربما كل العصور إلي يومنا هذا، ذلك أنه رجل مثل نموذجاً للانتهاز والمراوغة. لايهم اسمه ولاكنيته قدر مايشير إليه صاحبنا من تمكنه من علوم اللغة حتي أن الأصمعي أخذ عنه وتتلمذ عليه، فهو لاشك واحد من النخبة أحسب انه وكثيرين مثله لايزالون بيننا، يحكمون علي الأشياء لا بما تمثله من واقع او حقيقة، ولكن بما تشكله لهم من منفعة واسترزاق، حتي لو جاءت علي حساب الحق، أو طوعت قسراً مشاهد الدين لأمور الدنيا، ولامانع من ممارسة التنطع والدنايا مادامت تحقق لديه مأرباً أو تلبي حاجة أو تصيب طمعاً فيما بين يدي الآخرين أو علي حسابهم. هذا النموذج لايري أبعد من نفسه ونوازعها، ولايردعه علم أو دين أو نازع من خلق أو فضيلة عن الوصول لغايته حتي لو تصاغرت معها مطالبه. ولقد رأينا هذا النموذج جلياً في الإخوان وممارساتهم، حين حاولوا بدأب وإصرار لامجرد ابتلاع الدجاجات والتهامها، بل جاء إصرارهم علي ابتلاع الدولة ومقدراتها وسرقة الثورة وأهدافها، ولايزال هذا النموذج قائماً في كثير من مؤسساتنا وحياتنا العامة. إنه نموذج لايري بعينيه، إنما بنوازع نفسه وتطلعاتها، ومصالحه وأشواقها، فيصير كما العميان يتخبطه الهوي ولايجيد علي الأشياء حكماً. ولعلك تذكر مسرحية محمد صبحي ولينين الرملي "وجهة نظر"،إذ جاءت الكلمات تعبيراً عن فلسفة البصيرة والرؤية، إذ تقول "الشوف مش مجرد نظر، الشوف الحقيقي، وجهة نظر". ولعلنا نفتقد ذلك الشوف الحقيقي، كما نفتقد موضوعية وجهة النظر.
المغزي في قصة الأعرابي والدجاجات، أبعد من القسمة الضيزي غير العادلة، وأعمق من توظيف معطيات الدين لتحقيق مكاسب غير بريئة تشكل طمعاً وإيثاراً للذات علي حساب الآخرين، وإنما يمتد الخط بها علي استقامته ليلامس وجهة نظر الأعرابي الطماع وعدم قدرته علي "الشوف" الصحيح، وهو مايتجلي في حياتنا العامة في كثير مما نعايشه حولنا في عالم السياسة والعمل العام، وما نقرأه في كتابات البعض، إذ يصل بوجهة نظره المخاتلة إلي أننا نعيش زمن المحنة، وأننا دولة فقدت صوابها فراحت تعيش في الوهم، وأن مشروعاتنا القومية الكبري ماهي إلا مسكنات لن يكون لها أثر إقتصادي علي حياة الناس ومستوي معيشتهم، وأن القوة العربية المشتركة، إن هي إلا مغامرة تكتيكية لصالح دول الخليج علي حساب المصالح الوطنية المصرية، وأننا نعيش مرحلة المغامرات العسكرية الناصرية مرة أخري في اليمن. مثل هذا الكلام يشكل وجهة نظر قاصرة وقصيرة المدي، وجهة نظر غير قادرة علي الشوف الحقيقي، لوطن ينهض ويتقدم لممارسة دوره في التاريخ بأقدام راسخة وتطلعات مشرقة غير باهتة. ونحن هنا لانناقش تخبطات وأوهاما وتخرصات من لايزالون يعاقرون الخرف بادعاء أن الإنقلاب يترنح، وأن السيسي باع النيل، فهذا كلام لايستأهل عناء الرد عليه، إنما ينصرف حوارنا لأولئك الغاضبين لتجاوز الأحداث لهم وهم يحسبون أنهم أولي بالرعاية باعتبارهم نجوم ومفجري ثورة يناير، فراحوا ينسبون لأنفسهم وذويهم فضل صناعة الثورة، ونسوا أنها كانت عملاً تراكمياً شارك فيه الشعب كله وليس فئة بعينها، وإن استغلها البعض وادعي لنفسه ماليس له حق فيه، كما صاحبنا الأعرابي في قصة الأصمعي. الثورة لم تبدأ في 25 يناير، وإنما جاءت إرهاصاتها منذ انقلب السادات علي 23 يوليو ومشروعها، ربما في رؤية مغايرة للتنمية حكمتها معايير مغايرة للتجربة الناصرية، وأقول هذا بقراءة سياسية منصفة، تنزع لجانب الخير والوطنية في توجهات السادات، ولاتؤثمه بقصد عمد الإضرار بالوطن، الثورة قامت ومنذ انتفاضة 18، 19 يناير 1977، ومنذ قزم حكم مبارك الدور المصري الفاعل في الإقليم والعالم، ومنذ جاء انحياز الدولة ومؤسساتها لتفكيك القطاع العام وبيعه، ومنذ ارتهان القرار الوطني بالمشيئة الأمريكية، الثورة قامت بجهد الكتاب والمفكرين والمثقفين العضويين الذين حرضوا علي الثورة، الثورة قامت منذ خرجت كفاية للشارع تقول لا للتمديد ولا للتوريث، الثورة قامت بجهد ونضال وتضحيات حركة العمال والطلاب في السبعينيات وإرهاصاتها ظلت باقية تتنامي في الضمير الجمعي العام حتي انفجرت في يناير، وصححت مساراتها في يونيو بعد أن كادت تضيع الدولة تحت حكم الإخوان أشباه صاحبنا في قصة الأصمعي. أقول هذا وكلي أسي علي أولئك السائرين في دروب مصر وليسوا قادرين علي رؤيتها تنهض وتنتصب، وكأن علي أعينهم غشاوة وفي قلوبهم وقراً، يتمسحون في ثورة يحسبونها علي غير بصيرة وجهة نظر، فالثورة لم تكن أبداً وجهة نظر، ولايكفيها حتي تنتصر أن تكون وجهة نظر.



#محمد_السعدنى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرايا والنوافذ بين الثقافة والسياسة
- ثوبها الأخضر رَفّت الشمس ثقوبه
- الأعدقاء الأمريكان وسياسات الأقل كفاءة
- بريسترويكا جديدة من برج القاهرة
- إكشفوا الذئاب قبل محاربة الإرهاب
- ست شخصيات تبحث عن مؤلف
- أن تكتب عن جمال عبد الناصر
- لا مانع لدى الملا أوباما أن يضرب فرنسا فى طريقه إلينا
- مصر بين سياسات الاحتواء وتجسيد الفكرة
- هل تعيين خالد فوزى عنواناً لمرحلة جديدة؟
- إتجاه مصر نحو الشرق ضرورة استراتيجية
- رؤية المفكر وحيرة النخبة: لويس عوض دراسة حالة
- لئلا يرقص البيض مع الحجارة
- حكومة محلب والعقل المؤسسى المفقود
- المسئولية الوطنية للجامعة من محمد عبداللاه إلى خالد الطوخى
- بيت الأسماك فى التراث والإرهاب والسياسة
- الأزهر ينعى ويشجب ويغط فى سبات عميق
- سياسات الجرى فى الشوارع والأفق البليد
- هانى سرى الدين ومصطفى الفقى وجيل الوسط
- وليام روجرز والثعلب فى مصيدة جمال عبدالناصر


المزيد.....




- استفزه فضربه الآخر بكرسي.. مرشح لمنصب عمدة بالبرازيل يهاجم م ...
- كاميرا ترصد لحظة القبض على المشتبه به في محاولة اغتيال ترامب ...
- ترامب يعلن أنه سيتفاهم مع روسيا والصين إن فاز بالانتخابات
- جزر الكناري تستقبل 500 مهاجر غير شرعي من جنسيات مختلفة خلال ...
- إثيوبيا تصل قريبا للبحر الأحمر.. توتر جديد بالقرن الأفريقي؟ ...
- الصومال يوقع قانونا يلغي الاتفاقية بين إثيوبيا وجمهورية أرض ...
- هل باتت الحرب بين إثيوبيا ومصر وشيكة؟
- نصف سكان الأرض لا يتناولون ما يكفي من 7 عناصر غذائية هامة.. ...
- الجيش الإسرائيلي يعتقل 3 فلسطينيات بينهن زوجة القيادي الأسير ...
- الدفاع الروسية تنشر فيديو لتطهير قرية حدودية من قوات كييف


المزيد.....

- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .
- الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ / ليندة زهير
- لا تُعارضْ / ياسر يونس
- التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري / عبد السلام أديب
- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد السعدنى - الثورة ليست وجهة نظر