أحمد محمد منتصر
الحوار المتمدن-العدد: 4759 - 2015 / 3 / 26 - 12:55
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أما آن الأوان للإنتهازيين بِسم النعرة الناصرية أن يلوذوا إلي حيث أتوا و أن يفيقوا من أوهام الماضي و أن يَعوا أن الناصرية مثلها مثل سابقاتها من الأنظمة الديكتاتورية الأنانية المُستبدِلة بالطبع للإرادة الشعبية في التغيير و لكن لابد أن نعترف أن هذه الفكرة ما زال يتردد صداها حتي الآن بل بالأحري أن نقول أنها بالفعل تتردد في مجتمعاتنا لغياب البديل الحقيقي و ضعف الدعايا الثورية الحقيقية التي شُوِهت بفعل الناصرية بِسم الإشتراكية و مفاهيم العدالة الإجتماعية الزائفة .
لعل البديل كان يُبحث عنه بالفعل منذ 1951 حتي إنقلاب الضباط في 1952 عندما أصبح النظام مُفلس تماماً و غير قادراً علي فرض السيطرة علي جموع البؤس و الغضب التي تفَشت في الشارع المصري و بدأ تصاعد الحركة الجماهيرية و العمالية بشكل ملحوظ جداً بإضرابات عمال شبرا و الإسكندرية و المحلة , و مظاهرات الطلاب في الجامعات هاتفة للإستقلال و الحرية , و في خِضم هذا الإنفجار لم يكن أمام الأحزاب المتواجدة مثل الوفد إلا المهادنة مع البرجوازية و كبار المُلاك , و بالرغم من تحذير العديد من الكُتاب للطبقة الملكية بمدي إزدياد الغضب و التخوف من ثورة حمراء قادمة إلا أن النظام لم يجد حيل جديدة لإستيعاب غضب الشارع .
و في هذه الفترة التي شهدت تغيرات عديدة في الشارع شهدت أيضاً عجز التيارات المتواجدة من الشيوعيين و الإخوان المسلمين , حيث ظل الشيوعيون حبيسي الفكر الجبهوي و متأثرين بالأفكار السوفيتية التي تعمل علي تحرر الطبقة العمالية من خلال التحرر أولاً من قيود الإستعمار و لم يستفيدوا من حالة المد الثوري الموجودة في الشارع في خلق نواة حزب ثوري قادر علي الإطاحة بالبرجوازية تماماً , أما الإخوان المسلمون فكانت مواقفهم آنذاك متأرجحة بين العداء للملكية و الوفد و التقرب منهم , بين الإرهاب الفردي و التواصل الجماهيري فبذلك لم يستطيعوا أن يكونوا قيادة لحركة جماهيرية .
ثم 23 يوليو 1952 لم تفُت الفرصة علي الضباط المتآمرين فاستغلوها أفضل إستغلال , و استبدلوا التغيير الشعبوي المفترض بإنقلاب عسكري , قاموا بقطع الإنتفاضة الجماهيرية التي اشتعلت في 26 يناير 1952 و تسليم السلطة للوفد إلا أن الوفد رفض , إنقلاب عسكري قمعي بدأ من أول ساعة له بالتآمر علي الشعب و علي آمال الجماهير في التغيير الحقيقي , فبعد الإنقلاب مباشرة أصدر تنظيم الضباط الأحرار بياناً يمنع فيه المظاهرات نهائياً حتي وصل الإنقلاب بعد أسابيع قليلة إلي أول عداء للطبقة العاملة حيث أصدرت محكمة عسكرية حكماً بالإعدام علي عاملين بشركة غزل كفر الدوار - الخميسي و البقري - لمشاركتهم في تظاهرات مطالبة ببعض المطالب المراد تحقيقها من السلطة الجديدة آملين فيها الإنحياز لمطالبهم المشروعة و لكن السلطة العسكرية أصدرت فرماناً بالإعدام عليهم , فالآن لداعمي الناصرية و زعيمها ماذا أتت الناصرية علي الشعب ؟؟
أتت بالأكذوبة التي نعيش فيها حتي اليوم و هي أن الناصرية تعني تطبيق المباديء الإشتراكية !! فعن أي إشتراكية تتحدثون مع من يمنع التظاهرات و يعدم العمال بأمر محاكم عسكرية , عن أي إشتراكية تتحدثون و كان الآلاف يقبع في سجون عبدالناصر , عن أي إشتراكية تتحدثون و قد صار التأميم محل المصادرة , فالقوانين التي أصدرتها السلطة بِسم القوانين الإشتراكية عام 1961 بتأميم شركات للدولة و تحديد ملكيات الأفراد و ملكيات الأراضي ... إلخ , لم تعُد علي المواطن في شيء إلا أنه كان المراد منها ضرب كبار الملاك تعبئة الدولة بمواردها و غلق الأسواق الأجنبية لتلعب الدولة دور الرأسمالي الأكبر إلا أنها كانت كارثة للدولة , ففي عام 1966 هبطت معدلات الإنتاج و انخفض الدخل المحلي و بالتالي انخفض دخل الفرد و تم إنهاك الدولة و مواردها خصوصاً بعد التدخل العسكري في اليمن عام 1963 , ثم أتت الفاجعة الكبري عام 1967 عندما تم إحتلال سيناء من قِبل الصهاينة و تُعد هذه اللحظة من أسوأ اللحظات الحرجة للنظام , فكيف سيواجه النظام شعبه و هو مُحتل أولاً و فاشل في تطبيق ما يسميه بالقوانين الإشتراكية ؟؟ فقام نظام عبدالناصر برفع الضرائب و زادت أسعار السلع حتي اضطر عبدالناصر أن يتنازل رويداً رويداً عن إشتراكيته الزائفة و مبادئه التي تلاشت مع الوقت فقِبل مبادرة روجرز لحل الصراع المصري الإسرائيلي .
إن كانت الناصرية اكتسبت شهرتها بالشعارات الرنانة نحو القومية العربية و المباديء الإشتراكية و العدالة الإجتماعية فماذا جنت بعد ذلك الناصرية ؟؟ لقد جنت نظام سياسي فردي قضي علي كل أشكال المعارضة علي الساحة منذ إعلان إنقلابه في 23 يوليو , فقضي علي الحركة الإسلامية سواء بالإعتقال أو القتل بعد أن قضي علي رفاقه المناضلين من الضباط الأحرار من الماركسيين و الوفديين و مصر الفتاة و القضاء أيضاً علي الحركة الطلابية في الجامعات , ثم نأتي لتأميم قناة السويس فإن النظام لم يعلن تأميمها لأنها بالفعل ملك المصريين لا , فقد قام عبدالناصر بإعلان التأميم فقط بعد محاولاته المستمرة من أجل الحصول علي قروض من الغرب لبناء السد و لكنه لم ينل مراده فبذلك لم يجد فرص أمامه سوي التأميم و تحمّل عواقبه مهما كانت , و هلت عواقبه بالعدوان الثلاثي علي مصر .
فلم تجنِ الناصرية سوي الحرب و إضطهاد معيشة الجماهير و الرهان علي آمال الشعب بِسم مفاهيم العدالة الزائفة و الوطنية المستتر وراءها الإستبداد و الإستبدال , ثم أتت آخر أيام حكم عبدالناصر بتغير كبير و تجرُأ رهيب في الشارع المصري , فبدأت الحركة الجماهيرية تتصاعد في الشارع المصري مرة أخري خصوصاً بعد الأحكام المخففة علي قادة الطيران الموجه لهم تهمة هزيمة حرب 1967 و اشتعلت الحركة الطلابية في الجامعات و كانت هذه أول مرة تقريباً منذ إعلان الإنقلاب أن تخرج مظاهرات حاشدة في الشوارع و الجامعات المصرية , و من ترنح لآخر قضي عبد الناصر أيام حكمه هكذا حتي مات عام 1970 و لكن لم تمُت معه ناصريته ؟؟ فقد بقيت الناصرية قائمة في بعض أشخاص عاشوا فترة حكم عبد الناصر و عارضوا سياسة السادات من بعده في الإنفتاح .
الناصرية التي لعبت و شوهت في مفاهيم الإشتراكية الصحيحة فكيف يُعقل أن نسمي من قام بإعدام العمال و قمع المعارضة و الإنفراد الكامل بالسلطة بإشتراكي ؟؟ كيف نسمي من استبدل إرادة الجماهير في التغيير بإشتراكي ؟؟ فالإشتراكية تعني محاربة و مقاومة البرجوازية و كبار الملاك لا التودد لهم , الإشتراكية تعني النضال ضد القوي الإمبريالية المستبدة للشعوب بقوة السلاح و الإحتلال , فمثلما مات مبتدعها فيجب أن تموت هذه الأفكار الإستبدالية الأنانية , فنشر الدعايا الإشتراكية الثورية هو السبيل الوحيد للقضاء علي مثل تلك الأفكار الناصرية التي هي و الرجعية سواء , إننا بصدد بناء مجتمع متحرر مجتمع قادر علي التعايش في ظل عدم وجود قوي الأقلية التي تتحكم بالأغلبية فكما قال جيفارا " الاشتراكية الاقتصادية الجافة لا تهمني ، فالإنسان الذي هو اساس كل شيء ويقول ان الامر يتطلب بناء مواطن من نوع جديد , علينا أن نصل إلى الضمير الإشتراكي قبل الخطط الإشتراكية ، وان نبني الإنسان الجديد ونغير عقلية الجماهير ، اذا اردنا فعلاً أن نحقق المجتمع الإشتراكي المنشود "
#أحمد_محمد_منتصر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟