جواب حول علمية الديلكتيك

حسقيل قوجمان

الحوار المتمدن-العدد: 4758 - 2015 / 3 / 25 - 13:45
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

جواب حول علمية الديلكتيك
علق السيد زيرجاوي تعليقا جديدا على مقالي الاخير. والحقيقة هي انني اشعر بان مناقشة السيد الزيرجاوي على تعليقاته عديمة الفائدة. فقد اتهمني في تعليقه السابق بارتكاب خمس جرائم قتل للديالكتيك. والقانون ينص على ان المتهم بريء حتى تثبت ادانته وان من حق المتهم الدفاع عن نفسه. ودافعت عن نفسي حول جميع التهم التي وجهها الي ولم ير حاجة الى اصدار حكمه بعد المداولة لاثبات او الغاء التهمة ولو على واحدة من التهم. سكت سكوتا مطبقا عن كل مناقشاتي له في مقال طويل. ورغم ذلك اعود الى الدفاع عن الاتهام الجديد لاني اكتب الى جمهور قرائي وليس الى الزيرجاوي. وفيما يلي نص تعليقه الجديد:
"يا استاذي الكريم:
الديالكتيك ليس علم و لا يوجد في الكون علماء الديالكتيك
الديالكتيك هو منهج ...method....وليس علماً, هو طريقة وليس مذهباً
و ماركس نفسه يطلق على الديالكتيك طريقة
فلماذا هذا الاصرار على اعتباره علم"
سؤال غريب منتهى الغرابة. وانا بدوري اسال الزيرجاوي سؤالا اخر غريبا منتهى الغرابة. استاذي الكريم. الديالكتيك علم ولذلك هناك في الكون علماء ديالكتيك، فلماذا هذا الاصرار على انكار انه علم؟
سؤالي وسؤالك غريبان منتهى الغرابة لان الجواب عليهما واضح وفي منتهى البساطة. انك تعتبر ان الديالكتيك طريقة وليس علما. ولذلك من حقك ان تصر على انه ليس علما. وانا اعتبر الديالكتيك علما ولذلك من حقي انا ايضا ان اصر على انه علم. والمشكلة الحقيقية هي انك تمنح لنفسك حق الاصرار على رايك وتحرم حسقيل المسكين من نفس الحق. والواقع هو ان حق حسقيل بالاصرار على رايه لا يقل عن حقك في ذلك. المشكلة الحقيقية هي من منا في الواقع على حق.
الا انه ثمة فرق واضح بين اسلوبك في الاصرار على رايك واسلوبي في الاصرار على رايي. فانت تؤكد فقط على رايك بان الديالكتيك ليس علما وتريد مني ان اقتنع بذلك بدون ان تبين الاسباب التي تجعلك تصر على رايك. اما انا فاحاول الاستشهاد باقوال علماء الديالكتيك للاجابة عليك لمحاولة اقناعك. فهل ترى اني يجب ان اصدقك واكذب هؤلاء العلماء؟
السؤال الاول الذي اناقشه في هذا المقال هو هل هناك ديالكتيك لهيغل وديالكتيك لماركس؟ هناك نص لكارل ماركس للاجابة على هذا السؤال نصحتك في المقال السابق في البحث عنه واقتباسه لانك خبير في اقتباس النصوص وانا جاهل في هذا المجال. والنص على ما اتذكر يقول ماركس فيه ان ديالكتيكي لا يختلف عن ديالكتيك هيغل وحسب بل هو نقيضه. ديالكتيك هيغل واقف على راسه وينبغي ايقافه منتصبا على قدميه. وما هو مؤكد في هذا النص الذي اقتبسته من الذاكرة وجود ديالكتيك لهيغل ويوجد ديالكتيك لكارل ماركس وهما ديالكتيكان متناقضان رغم ان قوانينهما متطابقان، احدهما مثالي، والاخر مادي. وهذا يدحض الادعاءات التي تزعم ان كارل ماركس لم يتحدث عن الديالكتيك وما يدعيه البعض من ان انجلز ولينين هما اللذان ابتدعا الديالكتيك الماركسي. ولعل الزيرجاوي ايضا يتعبر المادية مناقضة للمثالية في جميع المجالات وطوال التاريخ البشري.
انا لسوء حظي او لحسن حظي اعتبر ان انجلز هو احد اهم واعظم علماء الديالكتيك وانا مقتنع بطريقة فهمه للديالكتيك وقد عرف الديالكتيك في مقاله كلمة عن الديالكتيك التي اقتبستها لك سيد الزيرجاوي واعيد اقتباسها ادناه:
"ان الديالكتيك المدعو بالديالكتيك الموضوعي اي (المستقل عن الانسان) يهيمن في الطبيعة باسرها اما الديالكتيك المدعو بالديالكتيك الذاتي، ديالكتيك الفكر، فليس سوى انعكاس للحركة السائدة في ارجاء الطبيعة."
اقتبسها هنا للمرة الثالثة لكي اناقشها وليس لمجرد اقتباسها لعرضها على الزيرجاوي وعلى جميع القراء ولتبيان سبب اصراري على رايي.
في هذا التعريف يعتبر انجلز وجود نوعين من الديلكتيك، ديالكتيك موضوعي، وديالكتيك ذاتي.
الديالكتيك الموضوعي في عرفه هو ديالكتيك مستقل عن الانسان، وما نفهمه من كونه مستقل عن الانسان ان هذا الديالكتيك الموضوعي موجود بصرف النظر عن وجود الانسان او عدم وجوده. ومن ميزات هذا الديالكتيك الموضوعي انه يجري في الطبيعة ويهيمن على الطبيعة باسرها. انا افهم من كون الديالكتيك الموضوعي يهيمن على الطبيعة انه يسيطر على كل حركة من حركات الطبيعة اي ان كل حركة في الطبيعة تجري وفق القوانين الديالكتيكية. وقد يفهم الزيرجاوي هذه العبارة بصورة اخرى وهذا من حقه.
وثمة في عرف انجلز ديالكتيك ثان، ديالكتيك ذاتي، ديالكتيك الفكر. وهذا الديالتيك "ليس سوى انعكاس للحركة السائدة في ارجاء الطبيعة." وهذا يعني حسب فهمي وجود حركة سائدة في الطبيعة وان ما يجري في الفكر، في دماغ الانسان، هو انعكاس لها، صورة لها في الدماغ الانساني.
نحن نعلم من تجربة الحياة اننا اذا نظرنا في المرآة نرى صورتنا فيها. ولكن صورتنا التي نراها في المرآة قد تكون واضحة تعكس صورتنا بصورة جيدة وقد تكون الصورة فيها مشوهة وغير واضحة حسب نوعية المرآة. واذا راينا في المرآة صورتنا مشوهة فهل هذا يعني ان صورتنا الحقيقية الموجودة خارج المراة اصبحت مشوهة؟ واضح ان صورتنا الحقيقية لا تتأثر بالصورة التي تظهر معكوسة ومشوهة في المراة.
في موضوعنا، الديالكتيك الموضوعي، هو الصورة الحقيقية الموجودة خارج المرآة، والديالكتيك الذاتي هو الصورة المنعكسة في الدماغ الانساني الذي هو المراة في موضوعنا. فقد تكون صورة الديالكتيك الموضوعي في مراة الفكر صحيحة وقد تكون مشوهة حسب نوعية المراة التي هي الدماغ في موضوعنا. ولكن مهما يكون شكل الصورة في الدماغ لن يؤثر على صورة الديالكتيك الموضوعي الذي يصوره الدماغ.
على سبيل المثال ان صورة الارض كانت معكوسة في الدماغ البشري كارض مسطحة والشمس تدور حولها. فهل هذا يعني ان الارض اصبحت حقا ارض مسطحة تدور الشمس حولها؟ ان الصورة في مرآة الدماغ لا تؤثر على الصورة الحقيقية القائمة في الطبيعة.
عدد ادمغتنا كعدد ملايين المرائي، عددها يساوي عدد الادمغة البشرية القائمة. وفي كل دماغ تتكون صورة الديالكتيك الموضوعي حسب مستوى الدماغ المصور كالمراة ولكن كل تعدد هذه الصور لا يؤثر على صورة الديالكتيك الموضوعي الحقيقية، الديالكتيك الذي يهيمن على الطبيعة باسرها حسب فهم انجلز.
انا حين اتحدث عن الديالكتيك اتحدث عن الديالكتيك الموضوعي الذي يمثل حركة تجري في الطبيعة بالاستقلال عني وعن دماغي وعن شعوري وحتى عن وجودي او عدم وجودي. اما حين يعتبر الزيرجاوي الديالكتيك فكرة او اسلوبا او طريقة فانه يتحدث عن الديالكتيك الذاتي المنعكس في مراة الدماغ البشري. ويزعم الزيرجاوي ان ماركس نفسه يطلق على الديالكتيك طريقة.
وقول الزيرجاوي ان " ماركس نفسه يطلق على الديالكتيك طريقة" هو تشويه وتزييف متعمد او غير متعمد لقول ماركس لانه مفصول عن محتواه الحقيقي، كما من يقول ان محمدا قال لا اله...
في التذييل الذي اضافه ماركس الى الطبعة الثانية من كتاب الراسمال اقتبس تعليقا طويلا كتبه كاتب روسي عن اسلوب كارل ماركس في كتابة الراسمال. وصف هذا الكاتب في تعليقه اسلوب كارل ماركس العلمي الدقيق وبحثه اولا عن قانون الظاهرة التي يبحثها ثم بحثه عن قانون تحولها الى اخر التعليق الذي اقتبسه ماركس بكامله.
وبعد اقتباسه للتعليق كتب ماركس "ان المؤلف، بوصفه على هذا النحو الموفق لما يسميه بطريقتي الفعلية وبنظرته بعين الرضى الى اساليبي الشخصية لتطبيق هذه الطريقة، لم يصف بذلك شيئا اخر سوى الطريقة الديالكتيكية." (الراسمال ص ٢-;---;--٦-;---;--)
نرى في هذه العبارة عدة امور. اولا ان الكاتب في تعليقه كان موفقا في شرح طريقة ماركس العلمية الدقيقة. ثانيا ان الكاتب يسمي ذلك طريقتي الفعلية وماركس لا يرضى عن اعتبارها طريقته الشخصية. ويؤكد ماركس انها الطريقة الديالكتيكية. وهذا يعني ان ماركس لم يعتبر هذه الطريقة طريقته الشخصية وانما اعتبرها الطريقة الديالكتيكية اي الطريقة التي يسلكها كل من يبحث الحركات الديالكتيكية التي تجري في الطبيعة. في هذا النص لم يتحدث عن الديالكتيك بل تحدث عن طريقة واسلوب الكاتب في بحوثه عند اكتشاف الحركات الديالكتيكية التي تجري في الطبيعة بالاستقلال عنه وعن دماغه.
وحول كون الديالكتيك علما او ليس علما ايضا يمكن بحثه بنفس الطريقة. في الطبيعة لا يوجد علم. توجد حركات تجري بصورة طبيعية لا علاقة لها بالعلم. الجاذبية تجري في الطبيعة بصورة طبيعية خالصة كاجتذاب الشمس للكرة الارضية مما يجعلها تدور حولها. وكلمة العلم مرتبطة بالحركة التي تجري في دماغ الانسان بالاستقلال عن الحركة الطبيعية ذاتها. العلم ظاهرة بشرية بحتة. العلم هو مايجري من اكتشاف الدماغ للحركات الطبيعية التي تجري في الطبيعة بالاستقلال عن الدماغ. والعلم هو تعلم او اكتشاف ومعرفة الحركات الطبيعية التي تتحقق في الطبيعة وتنعكس في الدماغ لتصبح ثروة علمية. ويجري اثبات صحة هذا الاكتشاف العلمي بالبرهنة على ان الانتاج الناتج عن اكتشاف الحركة الطبيعية مشابه ومطابق للحركة التي تجري في الطبيعة.
ان الديالكتيك الحقيقي، الديالكتيك الموضوعي، في موضوعنا ليس علما بل حركة جرت وتجري في الطبيعة طالما وجدت الطبيعة. وان الديالكتيك الذاتي المنعكس عنها في دماغ الانسان هو وحده العلم لان الانسان تعلم به ما يحدث في الطبيعة بالاستقلال عنه. ان الديلكتيك الموضوعي ليس علما بل حركة طبيعية والديالكتيك الذاتي، في الفكر،هو علم لانه تعلم الحركة التي تجري في الطبيعة. وهذا يصدق على كل العلوم بلا استثناء.
هذا يا سيد زيرجاوي ما يجعلني اصر على ان الديالكتيك، الديالكتيك الذاتي، ديالكتيك الفكر، علم وعلى ان ممارسي الطريقة الديالكتيكية علماء للديالكتيك. بالضبط كما ان الجاذبية حركة تجري في الطبيعة، والجاذبية الذاتية المنعكسة عنها في دماغ نيوتن ومن بعده في الدماغ البشري هي علم الجاذبية ونيوتن هو عالم الجاذبية.

#حسقيل_قوجمان (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات