|
اليمن: درب البطولات
عمرو محمد عباس محجوب
الحوار المتمدن-العدد: 4758 - 2015 / 3 / 25 - 13:44
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كتبت مقالين " اليمن وداعاً........اليمن أهلاً" في حب اليمن، وكنت متابعاً لتمدد الحوثيين في ارض اليمن، وكأني اتابع فيلماً مكروراً رأيته من قبل 1989، من انقلاب فصيل صغير على مقدرات شعب كامل. ثم كتبت "اليمن: درب الآلام والاحلام" من من واقع الملل من تكرار تجاربنا الفاشلة وجرجرة الشعوب في متاهات عدمية فارغة، وغياب أي مشروع وطني، والدخول في التجربة والخطأ. واكتب هذا المقال لتحية بنات وابناء اليمن الذين اسقطوا ديكتاتورية علي صالح، ويواجهون الأن قوى الفساد والظلام لتحقيق حلمنا جميعاً في دول مدنية ديمقراطية ومستقبل.
لاينفصل هذا مما يجري في دول الربيع العربي، التي تريد القوى المختلفة في المنطقة والعالم تحجيم آمالها وتعيدها إلى مستنقعات التخلف والفساد والاستبداد. تمت محاولة هذا في تونس واغراقها في الصراعات، مصر في اعتقال ثورتها داخل طيات تنظيم الاخوان المسلمين والمنظمات المتطرفة التي تناسلت منها، ليبيا في نفس السيناريو واليمن في الصراعات المذهبية والطائفية.
اعادة صناعة الثورة المضادة
عندما حدثت اول المظاهرات في 15 يناير 2011 منادية باسقاط منظومة حكم الرئيس علي عبد الله صالح، ومن ثم في 11 فبراير، بدأت الاحتجاجات من جامعة صنعاء بمظاهرات طلابية وآخرى لنشطاء حقوقيين نادت برحيل صالح وتوجهت إلى السفارة التونسية، رافقها اعتقال عدد من الناشطين والمتظاهرين في 23 يناير 2011م. في 2 فبراير، في بدايات مارس، بدأ الأمن المركزي باستعمال العنف ضد المتظاهرين، وفي 18 مارس، في ما عرف بجمعة الكرامة قتل أكثر من 52 شخص برصاص قناصة. ورغم أن اليمن من أكثر بلدان العالم تسلحاً، فقد حافظت الثورة على سلميتها.
عندما تحرك الحوثيون من جبال صعدة، نزولاً لعمران، صنعاء، تعز لمشارف عدن، كانت تعيد التاريخ القديم نفسه. اللاعبون هم انفسهم والقوى هي ذاتها. كان لدي على صالح دبابات، مجنزرات، طائرات حربية، منظومة امن كاملة والسيطرة عليها. لم تفلح هذه القوة المسلحة حتى اسنانها في إيقاف التغيير، كما لم يفلح مبارك وهو يمتلك تاسع اكبر جيش في العالم. تختلف كل معطيات القوة وتوازنها عندما تواجه الجماهير الغاضبة، بصدورهم المكشوفة، وتحديهم لكل مستويات القوة مهما كان عنفها وجبروتها.
مأزق الحوثي
سواء كان الحوثي يريد تحقيق النموذج الاسترشادي الايراني، السيطرة على الدولة وفرض مفهومهم الاقصائي على سكان اليمن، او تطبيق النموذج الاسترشادي لحزب الله اللبناني، تكوين قوة مسلحة خارج الاطر الشرعية، او كان كما تتردد في الاعلام مخلب قط للرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، فقد وجد نفسه في مأزق تأريخي ضيق الخيارات. ابسط تكتيكات الحروب الحديثة من ستالينجراد إلى فيتنام ترينا بوضوح شديد أن أي غاز في ارض معادية لهم يمكن أن تربح المعركة، لكنها سوف تخسر الحرب بالتأكيد.
مع تصاعد العدوان الحوثي على اطراف اليمن واحتلالهم صنعاء، لم تواجههم الجيوش التي باعت واجبها الوطني والاخلاقي، فقد سلمت لهم، وكان ولائهم للص "كشف تقرير للأمم المتحدة نشر الأربعاء، أن علي عبد الله صالح، الرئيس اليمني السابق، جمع ثروة قد تصل إلى 60 مليار دولار عن طريق الفساد، خلال الثلاثة عقود التي حكم فيها اليمن". وكتب التقرير أن "الأموال جمعت جزئيا عن طريق الفساد المتصل خصوصا بعقود النفط والغاز" وحصول صالح على رشاوى مقابل امتيازات تنقيب حصرية. ويتهم صالح وأصدقاؤه وعائلته باختلاس أموال برنامج دعم الصناعة النفطية وبالتورط في عمليات احتيال وسرقة أموال".
لم تخرج الدبابات او الطائرات لكن خرج شباب يحلم بغد افضل، ووجدت مليشيات خرجت من كهوف التاريخ نفسها امام صدور عارية، وقبضات مصممة. لم يحسب الحوثي هذه القوة اللامتناهية وهو ينتقل من معسكر رجاله خائرون، إلى قاعدة مسلحة. وعندما تقدم نحو تعز مدينة الثقافة والعلم، التي وصفها عبد العزيز علوان: "تعز هي الفضاء الذي لا ينقصه الاتساع، والنور الذي يتكامل منه القمر، والصحو الذي يبدأ به الفجر، والجمال المنسكب من أعالي صبر، وهي القلب الذي تتواصل شرايينه وأوردته إلى كل أجزاء الجسد اليمني وأطرافه"، واجهته المدينه بشموخها الجليل وصمودها البطولي. هذي تعز اليوم بين ضلوعها روح الصمود ووثبة العملاق مهما رموكِ قنابلاً ومدافعاً فسيرحلون وأنت فيها الباقي عندما تزور اليمن لم يكن تواجد السلاح في انحائها سوى تحصيل حاصل، اكثر من 25 مليون قطعة سلاح منتشر فيها من الخفيف والمتوسط والثقيل. ومن عرف اليمنيين سوف يوقن انهم شعب لا يهاب الموت، ذكي ومحارب، ومنذ الفتوحات الاسلامية شكلوا المكون الاساسي في كافة الفتوحات الاسلامية. ربما وجود الحوثيين في جبال صعدة البعيدة المنعزلة جعلتهم ينسون اقوى خصائص الشعب اليمني.
ثورة كبرى بنتائج بائسة
عندما تصاعدت الثورة اليمنية، كان الكل مشغولاً بثورات المركز في مصر، كان هذا السبب في أن ثوار اليمن اختاروا يوم 11 فبراير 2011 عند تنحي مبارك أسماً لثورتهم. كانت اليمن بعيدة عن الاخبار والانظار، خاصة بعد اندلاع الثورة الليبية. سوف يؤدي هذا في تداعياته فرض أسوأ اتفاق، فقد رفضت المعارضة اثناء الثورة عرضا للرئيس اليمني يتضمن تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم ممثلين عن حزب المؤتمر الشعبي الحاكم وللمعارضة، وإحالة الفاسدين إلى القضاء، ليصوت مجلس النواب اليمني بالإجماع على تحصين الرئيس علي عبد الله صالح من الملاحقة القضائية. كما أجمع المجلس على تزكية عبد ربه منصور هادي مرشحا توافقيا للانتخابات الرئاسية المبكرة.
كان هذا أسوأ ما يمكن أن تخرج به ثورة، فقد حصنت رأسي النظام، قبلت بوجود حزبه في السلطة، استمرار مجلس نواب كانت قد انتهت ولايته، حرية الحركة لرأس النظام وامواله وسيطرته على اغلب الجيش اليمني. استمعت لعشرات المحللين السياسيين اليمنيين، ناشطين سياسيين، صحفيين وغيرهم لكني لم اجد تفسيراً مقنعاً لوصول ثورة شعبية كبرى إلى هذه النهايات البائسة. تتحمل النخبة السياسية اليمنية كل هذه الاوزار وعنوانها تراث موقعة احد من استعجال الغنائم قبل تحقيق الانتصار.
اليمن من الداخل للخارج
من انعزالها الجزئي وقلة اهتمام المنطقة بثورتها، تدخل اليمن بوابة المنطقة من اوسع ابوابها: الحرب الاهلية. إذا كانت الثورة قد حدثت في غياب تدخل ذا شأن من العالم الخارجي، فلسوء حظوظ اليمن فقد ارتبط تمدد الحوثي بمصير الحرب ضد داعش. إذا كانت اليمن في دائرة اهتمام الولايات المتحدة بتواجد القاعدة، فقد دخلت في معادلات الحرب ضد داعش والتي تدور رحاها في قلب المنطقة. الاستراتيجية العامة المعتمدة هي في التغاضي عن تمدد إيران في اليمن، كشريك في حرب داعش وكاوراق ضغط في المفاوضات، والعنوان "اشغل اعدائي بأنفسهم"، لاستنزاف المنطقة في حروب محلية متنوعة، تجعل حلم اللحاق بقطار المستقبل حلماً مستحيلاً. اليمنيون مستغرقون في اوحال المنطقة، لكنهم لوحدهم في الساحة، ولن يهب أحد لنجدتهم، ووايمناه سوف تكون صرخة في اودية الموت والدمار.
شعب البطولات
عندما يتصدى شعب اليمن بالاحتجاجات، المظاهرات والاعتصامات لجحافل الحوثي، يتساءل الاعلاميين عن الدبابات والجيوش. نحن كما شابات وشباب اليمن لانمتلك الاسلحة الحديثة من المجنزرات، لكن نمتلك الايمان بعدالة قضيتنا ونبل احلامنا. تغير العدو من مليشيات على عبد الله صالح في شكل جيش يمني لم يكن أبداً يستحق هذه التسمية، إلى مليشيات الحوثي ولم تتغير ساحة الحرب: الشوارع والميادين. في الحرب سوف يقف الشعب اليمني صامداً، ليصدق عليهم قول الشاعر السوداني محمد المكي ابراهيم
إنني أؤمن بالشعب حبيبي وأبي وبأبناء بلادي الشرفاء الذين اقتحموا النار فصاروا بيد الشعب مشاعل وبأبناء بلادي الشهداء الذين احتقروا الموت وعاشوا أبدا
#عمرو_محمد_عباس_محجوب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الامريكان..... الديمقراطية والاسلام (5) دروس نظم الإسلام الس
...
-
الامريكان..... الديمقراطية والاسلام (4) بروفات الموروث الدين
...
-
الامريكان..... الديمقراطية والاسلام (3) بين السياسة والامن
-
الامريكان..... الديمقراطية والاسلام (2) تحولات الديمقراطية
-
الامريكان..... الديمقراطية والاسلام (1) مداخل اوليه
-
إزالة الفقر: السودان نموذجاً (8-8) الهيئة الوطنية لازالة الف
...
-
إزالة الفقر: السودان نموذجاً (7-8) من أين نبدأ؟ بروفايل الفق
...
-
إزالة الفقر: السودان نموذجاً (5-8) نحو حلول للفقر في السودان
-
إزالة الفقر: السودان نموذجاً (6-8) حلول الفقر
-
إزالة الفقر: السودان نموذجاً (4-8) العدالة الإجتماعية
-
إزالة الفقر: السودان نموذجاً (3-8) مدخل لسياسات ازالة الفقر
-
إزالة الفقر: السودان نموذجاً (2-8) المشهد الإقتصادي – الإجتم
...
-
إزالة الفقر: السودان نموذجاً (1-8) مداخل أولية
-
الدولتيه: المصلحة الدائمة ام المباديء الدائمة
-
اليمن: درب الآلام والاحلام
-
الاصلاح الديني: تجارب دول الرؤية (4-4)
-
الاصلاح الديني: الحركات الصوفية (3-4)
-
الاصلاح الديني: تيارات الاصلاح (2-4)
-
الاصلاح الديني: المصطلح والمفاهيم (1-4)
-
الرؤية الاستراتيحية (7-7) أليات التوصل لرؤية
المزيد.....
-
المغرب.. كشف تفاصيل ضبط خلية -الاشقاء-
-
الجيش الأمريكي يعلن استهداف -أحد كبار قيادات- تنظيم تابع لـ-
...
-
مجلس الشيوخ الأمريكي يقر تعيين دوغ بورغوم وزيرا للداخلية
-
مباحثات إيرانية قطرية حول اتفاق وقف إطلاق النار بغزة ولبنان
...
-
ترامب يعلق على تقارير سحب القوات الأمريكية من سوريا
-
روبيو: ترامب مقتنع بضرورة حل الصراع في أوكرانيا بالوسائل الد
...
-
واشنطن: استمرار الصراع يدمر أوكرانيا ويفاقم خسائرها في الأرا
...
-
المغرب.. تفاصيل دقيقة حول الآليات والمواد والمساحيق التي تم
...
-
الولايات المتحدة تخطط لفرض رسوم جمركية على الصين بسبب -شحنات
...
-
روبيو: عرض ترامب شراء غرينلاند -ليس مزحة-
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|