|
فلسفة الانتصار وإرادة الحياة قراءة في نصي (((انتصار)) و ((شهادة)) للكاتبين (أثير الغزي وهبة أحمد غصن)
محمد حاجم
الحوار المتمدن-العدد: 4758 - 2015 / 3 / 25 - 06:54
المحور:
الادب والفن
يرتبط النص الأدبي بصورة كبيرة بالواقع، فمنه يستقي موضوعاته؛ لأن النص الأدبي صورة أخرى للنفس الإنسانية تحاول من خلاله طرح همومها وتمرير أفكارها للمتلقي، ولكنه لن يكون مرآة عاكسة لهذا الواقع؛ لأن الأدب في هذه الحالة سيفقد حالته الشعورية ويميل إلى التقرير بطبيعة الحال، بل ما نقصده هو الخلق الأدبي: أي اندماج الموضوع مع مخيال المبدع لتظهر لنا صورة أخرى عن الحياة، فالمبدع يستشرف الأمور ويقف على حيثياتها الدقيقة وأصغر تفاصيلها ليخرج بنتيجة نهائية عن الحياة، ولعلّ النص القصصي من أقدر الأجناس الأدبية محاكاة للواقع؛ لاستيعابه أكبر قدر من الحمولات الفكرية التي يبغي الكاتب تمريرها ، فالنص القصصي مجال واسع لطرح الأفكار ومناقشتها، وهو نص تختفي فيه أو تكاد الذاتية والفردانية لتحل محلها النظرة الجمعية لفلسفة الحياة، وذلك متأت من كثرة الأحداث وتعدد الشخصيات حتى تكاد تمحى صورة الكاتب في النص، وهذا هو الفرق بين الأجناس الأدبية أي بين ( الشعر و القصة)، لذلك يقول (السيد قطب): (إذا كان الشعر تعبيرا عن اللحظات الخاصة في الحياة، فإن القصة هي التعبير عن الحياة وجزئياتها)، هذا التعبير كما أسلفنا لا يكون فردانيا من جهة الكاتب فقط يعبر عن مشاكله ومعاناته وفلسفته الخاصة، بل هو خلق أدبي متكامل مرّ بمراحل تطور عديدة وجايل المجتمع فخرج بصورته الإنسانية العامة من هنا يؤكد الناقد الأدبي (روبير سكاربيت) على أنَّ ) الخلق الأدبي لا يصوَّر وكأنه يدور في حلقة باطنية منطوية على ذاتها؛ بل ينبثق من ذات عاقلة، شاعرة ليتوجه إلى الآخرين بما تفيض به هذه الذات ويعمم عليهم هذا الفيض الفكري ـ الشعوري ـ ويجعلهم شركاء به. من هنا أن صفة ((الاجتماعية)) ملازمة حتما للأدب كما أنها تلازم الإنسان انطلاقا من طبيعته ) . من هنا سندخل إلى قراءة جمالية لهذين النصين؛ لنخرج بنتيجة مفادها ( ما هي الرسالة الكامنة وراء هذه النصوص .؟ ) ، ولعل السبب في جمع هذين النصين الذين يتباينان في الرؤية الأدبية لكل منهما والشكل كذلك، لأن المغزى من هذا الأمر هو معرفة كيف عبر كل نص عن توجهات صاحبه ورؤيته الإبداعية في معالجة فكرة (الانتصار)، فالمضمون الأدبي لكلا النصين كان هو الجامع الحقيقي لهما في هذه القراءة، لنخرج بمحصلة نهائية مفادها: كيف يكون النص الأدبي أداة حقيقية لإرادة الحياة..؟ . في النص الأول (انتصار) للكاتب أثير الغزي: (صاح الجيش ياعلي؛ علت أصوات العدو انكسارا) النص ينتمي لجنس قصصي هو (قصة الومضة)، الذي يتطلب دقة عالية في استخدام التعابير الأدبية، واختزال مميز لا يُفقِد النصَ صفة الإبداع والضربة الفنية فيه، كذلك من مميزاته الدّقة في اختيار الصورة الأدبية؛ لصياغة الفكرة المتكَلَّم عنها . في نص (انتصار) وكما يظهر من العتبة النصية، يقرر الكاتب مسبقا على فكرة الانتصار، الانتصار المتحقق حتما كما في ذهن المبدع، ليبرر قوله هذا بما جاء بعدها في نصه، وحينما ندخل إلى النص نجد أن الكاتب يعود بنا إلى أساس تاريخي وفكرة معينة لديه، وهي فكرة الإمام علي (ع)، الذي كان مصدراَ للشجاعة المتفردة، والذي لم يُسجل له التاريخ هزيمة في حياته، فالدخول من هذا الباب كان له ما يبرره؛ ليدخلنا الكاتب معه في داخل المعركة، نرى فيها صورة جيشين متقابلين، يأخذ المقطع الأول صورة النداء والندبة ( صاح الجيش يا علي )، دلالة التحضر واستنهاض الهمم للمقاتلين لهذا الجيش، ويأخذ المقطع الثاني صورة الصراخ والاستغاثة والانهزام (علت أصوات العدو انكسارا )، ما يهمنا هنا هو التوظيف المميز للحالة الشعورية لكلا الجبهتين، والأمر الآخر هو أنّ النداء في الحالة الأولى كان موجها من طرف واحد بصيغة المفرد، دللت على هذه الصيغة استخدامات الكاتب للألفاظ المفردة (صاح) و (الجيش) ، مما دلل على نسق مضمر هو التوحد في النداء، إذاً التوحد في القضية تحت غطاء واحد وهو ( الجيش )، وفي الجهة المقابلة هناك استخدام لصيغة الجمع (علت) و (أصوات) دلالة على وجود جهات متعددة متفرقة وأصوات مختلفة لكنها توحدت في صيغة (العدو). وهذه التفاتة رائعة من قبل الكاتب للتدليل على هول ما يواجهه جيشه من كثرة الأعداء والمتآمرين . هذا ما أراد لنص توضيحه. رسالة النص: اختزل النص الأدبي فكرة المبدع وتصوراته تجاه الحرب، وكيف صور فكرة الانتصار الحقيقي، وتوصيف جهة الحق، هذه الومضة فتحت آفاق النصر من خلال شحنة متراكمة من الحماس المتصاعد النابع من ذات تقدر الموقف وتحسب خطورته؛ لتلامس تلك الشحنة كل من يقف عند قراءتها، والذي مثل فكرة الانتصار الحقيقي المادي المتيقن من حصوله، هذا الاختزال المكثف للفكرة والربط الموفق بين الموقفين المتباعدين زمانيا، ولكن جمع بينهما حدث واحد هو (الحرب)، وكان هذا الربط في غاية الدقة والموضوعية. أما نص (شهادة) للكاتبة (هبة احمد غصن) فقد كان نصا قصصيا كذلك، لكنه مغايرا في الشكل، فهو ينتمي لجنس: (القصة القصيرة جدا). ولعلّ هذا القالب القصصي القصير جداً يعطي مجال أوسع نوعاً ما للتحرك داخله، وصياغة الحدث ومسايرته من لحظة عرضه إلى نموه إلى خاتمته المسرحية تكون مرتكزاً للمفارقة السردية في هذا القالب الفني .
شهادة كانا منبطحين على الأرض وضعَ الجنين،نظرتاهما تشعل القلوب نارا مؤججة.أصوات القنابل تنهال عليهما من كلِّ صوب.التفت أحدهما إلى الآخر وقال:إنتِ اللون الأبيض الوحيد في حياتي ، أجابت والألم مرتسم على شفتيها المضرجتين بالدماء: أنتَ اللون الأخضر الذي جعل حياتي جنة غناء. أمسك أحدهما يد الآخر واستسلما إلى اللون الثالث في علمنا اللبناني. ونحن نبدأ بقراءة هذا النص، يتبادر إلى أذهاننا مباشرة افتتاحية القصة، فقد حضَّر العنوان (شهادة) ، كل مكنونات المتلقي للدخول إلى النص، يرتكز هذا التهيؤ على وجود حدث مركزي مهيمن هو حدث (الحرب) ونهايته المحققة (الموت). تنقلك الكاتبة إلى عالم مشحون ومتناقض، هو عالم الحرب وما تجر من ويلات معها ، وما تخلفه من مأساة، إلى جانب تلك الحالة المؤلمة يدخل حدث آخر يدلل على الإنسانية مثله التقاء الشخصيات (الحبيبين)، في هذه اللحظة العصيبة، اعتمدت الكاتبة على وصف بارع في التقديم لكلا الحالتين، يبدأ الحدث بسرد استذكاري ترجع فيه الكاتبة لزمن القصة الأول، محاولة إشراك المتلقي معها ليعيش تلك الحادثة، دلل على هذا الاستذكار استخدامها للفعل الماضي (كان) بصيغة المثنى، فتخل الذاكرة كعامل رئيس في توجيه زمن القص، وفي تحديد انثيالات السرد الاسترجاعية، إلى جانب هذا الاستخدام الزماني لفضاء السرد، دخلت تقنية الوصف بشكل كبير، عالجت الكاتبة من خلال الوصف مشاهد الحرب ومتناقضاتها، تكون هذا الوصف من صور مختلفة جمعتها اللحظة الآنية للحرب، فتكور هذين لشخصين وانطوائهما مثل حالة القلق الشديد، تشرح هذا القلق حركة (أعينهما) وجحوظها في انتضار مخيف لحالة الاستلاب الروحي القادمة لا محالة بفعل عواملها المساعدة (القنابل) . إلى هنا ينتهي المشهد الأول؛ لتدخل بعد ذلك لحظة المفارقة القصوى، ففي ظل هذا الجو المتأزم من الحالة الانفعالية بسبب الخوف المطبق على الحياة بفعل الحرب وأصوات القنابل، تنقلنا الكاتبة إلى ما يجري مع الشخصيات داخل القصة، فترسم حوارية بينهما، الحبيب يخاطب حبيبته مشبها إياها باللون الأبيض؛ دلالة على ما كان يتمتع به من صفاء روحي كانت تضفيه على حياته وهي بجانبه، تجيبه وهي بحالة يرثى لها من الدماء والألم، واصفة إياه باللون (الأخضر) الذي يدلل على النماء والخير الدائم والعطاء، ينتهي المشهد بإمساك أحدهما يد الآخر ويستسلمان للدماء. هنا وضفت القاصة آلية (الرمز) الذي مثله (العَلَم)، هذا العلم بألوانه الثلاثة، صبغ اللوحة بألوانها المميزة، وأعطاها بعد التجدد والحيوية، وبالتالي رمز لجهة انتصار الإرادة، فعلى الرغم من المعانات المتعددة لهذا الإنسان وما يواجهه في هذه الحياة من مشاكل مستمرة، التي كانت من أهم عواملها هي الحروب المختلفة، والصراعات المستمرة، إلا أن النتيجة النهائية كانت انتصار إرادة الحياة، تستمر التضحيات لتجنب غيرها في طريق الحياة المليء بالمخاطر؛ لتستمر الحياة في هذا الوطن الذي يكتسب رمزيته الأولى من (عَلَمِه)، هذه هي الرسالة التي أراد إيصالها نص (شهادة). من خلال تلك القراءة لهذين النصين، نجد أن هناك اختلاف باستخدام القالب الفني لتعبير كل منهما عن فكرته، وهذا واضح طبعا وراجع إلى المبدع في كل منهما، في اختيار طريقته للتعبير عما يريد . دخل الرمز في كلا النصين كأداة استحضارية لربط الأحداث وكان ربطا موفقا جدا، وفِّق كلا النصين في التعبير عن المعنى الأساس المتوخى منهما وهو (انتصار الإرادة)، سواء كان هذا الانتصار ماديا متحققا بالفعل أو معنويا مؤجلا إلى حين. هنا نقول أن هذه النصوص القصصية القصيرة بقوالبها الصغيرة (الومضة) أو (القصة القصيرة جدا)، على الرغم مما تعانيه من إجحاف بسبب قلة تسليط الأضواء عليها من قبل المختصين، إلّا أنّها تضج بالحياة، وقد وجدت نفسها الأقدر على مواكبة سرعة الحياة وملائمة الحياة الحديثة، ومع الصحافة والإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي الألكترونية المتعددة .
#محمد_حاجم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اختيار فيلم فلسطيني بالقائمة الطويلة لترشيحات جوائز الأوسكار
...
-
كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل
...
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
الإبداع القصصي بين كتابة الواقع، وواقع الكتابة، نماذج قصصية
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|