أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نعمان منى - قراءات في مسودة الدستور العراقي















المزيد.....



قراءات في مسودة الدستور العراقي


نعمان منى

الحوار المتمدن-العدد: 1325 - 2005 / 9 / 22 - 07:56
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كلمتان لابد منهما

اكد العديد من ان الدستور يعتبر عقدا اجتماعيا بين معظم، ان لم يكن كل، مكونات واطياف الشعب. اذن لابد للدستور ان يعبر عن طموحات هذه الفصائل ومصالحها عند تحديد شكل الدولة واسلوب الحكم المستقبلي. ومن اجل التوصل الى هكذا صيغة يستوجب على جميع الاطراف التحلي بالمرونة والاستعداد لتقديم التنازلات المتبادلة من خلال الحوارات واشراك الجماهير عموما في عملية صياغة الدستور.

ولكن، في بدء العملية، لابد من تثبيث بعض الاسس التي تحدد الاطار العام للدستور، التي لايمكن تجاوزها، او، كما يسميها البعض "خطوطاً حمراء". هذه الاسس تمثل مرحلة التطور الاجتماعي/السياسي في الظرف الذي يكتب فيه الدستور. ففي عراق مابعد النظام الدكتاتوري الصدامي، لابد ان تأخذ مسائل الديمقراطية والتعددية والمساواة وحقوق الانسان وشؤون المرأة والفدرالية والغاء التفضيل الطائفي مركز الصدارة في التشريع.

هكذا، وبعد نضال طويل، كان الطموح لدستور ديمقراطي حضاري يرتقي بالعراق الى مستوى الدول المتطورة ويواكبها في مسيرتها الانسانية. دستور يلغي كل مخلفات الماضي الاليم، يطلق الطاقات الكامنة للشعب العراقي بالتساوي، ويضمن الحقوق للجميع حقا وحقيقة. دستور يقطع دابر الدكتاتورية و"الفكر الواحد" ويضمن عدم تكرارها في العراق من جديد.

الكلمة الثانية تتعلق باسلوب الانتقاد والانتقاد المضاد. الدستور غير معصوم من الانتقاد، والا لماذا يناقش ولماذا يعرض على الاستفتاء؟

هنالك انتقادات من اجل التصحيح مع القبول بالوجهة العامة، وهنالك تعديلات تخص التفاصيل، كما ان هنالك انتقادات تريد تعطيل والغاء عملية البناء الديمقراطي. ان من الخطأ وضع جميع هذه الانتقادات في خانة واحدة. هنالك محاولات عديدة في هذا المجال، هدفها الغاء التوجه من اجل تصحيح مسار الدستور المقبل. انه نوع من الهجوم المضاد، لابد وان يؤدي الى خلط الاوراق وتأزيم الوضع وخلخلة الوحدة الوطنية، وهي (الوحدة الوطنية) بأي حال من الاحوال هشة في وضعها الحالي.

ومناقشة مسودة الدستور قد توصلنا الى الاستنتاج بان هذا افضل مايمكن الوصول اليه في الوقت الحالي، مع او بدون تغييرات جزئية. في نفس الوقت لابد من الاقرار بحق الرفض الكامل اذا كانت مسودة الدستور النهائية بعيدة عن الطموح او التوجه الديمقراطي المنشود، اي اذا تعدت "الخطوط الحمراء". ولايمثل هذا بالضرورة معاداة لعملية التغير والبناء الديمقراطي، بل بالعكس هي جزء من العملية الديمقراطية والصراع الديمقراطي اقره قانون ادارة الدولة الذي اجمعت عليه كل القوى المشاركة والراغبة في التغيير.


الديباجة

الديباجة، حسب ماافهمها، هي الخلاصة التي ترسم الشكل العام للدستور (هي فلسفة الدستور). هي الاستنتاج الذي يسبق الخوض في تفاصيل اي تقرير او اي بحث.

وفعلا عبرت ديباجة مسودة الدستور المطروحة عن خلفية الفكر العام والتوجه الذي استوحاه المشرع او كاتب الدستور.

تتحدث الديباجة عن "بناء دولة القانون" و"احترام قواعد القانون" و"انتهاج سبل التداول السلمي للسلطة" وتطلع الشعب لمستقبله "من خلال نظام جمهوري اتحادي ديمقراطي تعددي"، لكنها تخلو من ذكر العديد من مقومات الدستور الحضاري كتثبيت حقوق الانسان من ضمن المبادئ الاساسية للدستور . اما قضية المرأة فقد اختصرت ب "الاهتمام بالمرأة وحقوقها". ولنا عودة لكلا الموضوعين.

يطغي على لغة الديباجة التوجه الاسلامي الذي يمثل اغلبية (هيمنة) الاسلام السياسي على دفة الحكم التشريعي والتنفيذي وعلى الوضع العراقي عموما. بل هنالك نكهة طائفية في الاسلوب الكتابي. اننا نقرأ باستغراب تعداد المآسي التي عانى منها الشعب العراقي بكل اطيافه بالوقت الذي يتناسى نضال وشهداء الحركة الديمقراطية واليسارية والمستقلين على يد النظام البعثي الصدامي والانظمة الاخرى منذ تأسيس الدولة العراقية. وهذا التوجه ليس جديدا على الجبهة الاسلامية السياسية الماسكة بالحكم.


مدخل لمناقشة مسودة الدستور

لااكون منصفا اذا لم اتطرق الى ايجابيات المسودة المطروحة. فمن تحريم الكيانات او النهج الذي "يتبنى العنصرية او الارهاب او التكفير او التطهير الطائفي" (المادة 7 - اولاً)، الى تحريم الميليشيات (المادة 9 – اولاً - ب)، الى "حق تأسيس النقابات والاتحادات المهنية" (المادة 22 – ثالثاً)، الى "حماية الامومة والطفولة والشيخوخة" (المادة 29 – ب)، الى الضمان الاجتماعي (المادة 30) وحق الرعاية الصحية (المادة 31 – اولاً) والزامية التعليم (المادة 34 – اولاً) ومجانيته (المادة 34 - ثانياً)، الى تحريم "جميع انواع التعذيب النفسي والجسدي والمعاملة غير الانسانية" و"حماية الفرد من الاكراه الفكري والسياسي والديني" وتحريم "العمل القسري، والعبودية .." (المادة 35)، الى تأكيد "حرية التعبير" و"حرية الصحافة" و"حرية الاجتماع والتظاهر السلمي" (المادة 36) ، الى "حرية تأسيس الجمعيات والاحزاب السياسية" (المادة 37)، الى ضمان "الحقوق الادارية والسياسية والثقافية والتعليمية للقوميات المختلفة" ( المادة 121)، الخ من المواد الايجابية.

وحقيقة ان كتابة دستور دائم وطرحه للاستفتاء هي مسألة ايجابية بحد ذاتها تمثل خطوة اخرى بالاتجاه نحو البناء الديمقراطي مهما كانت نتيجة الاستفتاء. وبالرغم من اننا يجب ان نقر بضرورة التوافق وبالتالي تقديم التنازلات المتبادلة لايجاد قاعدة مشتركة بين فصائل الشعب العراقي، الا ان هنالك مبادئ اساسية يجب ان تكون المقررة للموقف من الدستور كما ذكرت سابقاً. بكلمة اخرى، متى تصبح التنازلات والتوافق مخلة بالاسس المبدئية التي تلغي الايجابيات في الدستور؟ فمثلا هل نقبل بدستور يضمن اقامة "دولة الفقيه" على الغرار الايراني؟ وهل نرفض الدستور اذا اقر شكلا للحكم كهذا؟ وهل نرضى بدستور يعيد التأهيل السياسي لمجرمي نظام صدام لارضاء بعض الفصائل بحجة التنازلات والتوافق؟

فلكل فئة ومجموعة مبادئها الاساسية وخطوطها الحمراء. التنازلات مطلوبة الى حد "التخفيف" من المبادئ الاساسية ولكن الغاءها والالتفاف عليها غير مقبول. ناهيكم ان الدستور يجب ان لا يقر بشئ ليلغيه بمادة اخرى!!

هنالك عدد من المكونات التي تتفق عليها القوى الديمقراطية واللبرالية ، اهمها في رأيي هي:

• العلاقة بين الدين والدولة
• حقوق الانسان
• قضايا حقوق المرأة
• الفدرالية

وهذه المكونات متداخلة لكل منها تأثيره المباشر على المكونات الاخرى.


الدين والدولة

هنالك موقفان على قطبي نقيض فيما يتعلق بعلاقة الدين بالدولة.

موقف الاسلام السياسي والحركات الاسلامية يدعو الى ربط الدين بنظام الحكم ولو بتفاوت، من الدعوة الى اقامة دولة اسلامية خالصة، الى جعل التشريع الاسلامي مصدراً اساسيا ووحيدا في الدستور ، والى الاقرار بالاسلام ديناً رسمياً للدولة مع تنوع مصادر التشريع.

في الطرف الاخر يقف العلمانيون الذين يدعون الى فصل الدين عن الدولة من منطلق ان الدين لله والدولة للشعب. اي ان الشعب هو مصدر التشريع والدستور ينظم عملية شكل وتركيبة الدولة وتوجهاتها بما يتناسب مع طموحات الناس والتطور الاجتماعي/الاقتصادي في البلد. ان الدين ايمان وشعائر تخص الشخص نفسه. الدين روحي وكل الديانات منقسمة فيما بينها في طوائف لها تفسيراتها في المعتقد والطقوس.

تنص مسودة الدستور في المادة (2)

اولاً: الاسلام دين الدولة الرسمي، وهو مصدر اساس للتشريع:
أ لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام.
ب لا يجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية.
ج لا يجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الاساسية الواردة في هذا الدستور.

ثانياً: يضمن هذا الدستور الحفاظ على الهوية الاسلامية لغالبية الشعب العراقي، كما يضمن كامل الحقوق الدينية لجميع الافراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية كالمسيحيين والايزديين والصابئة المندائيين.

بهذا يكون كاتب الدستور قد حسم مستقبل العراق لصالح "الدولة الاسلامية" المتمسكة بالشريعة او "الاحكام الاسلامية" لان اي نص يخالفها يكون محرماً دستورياً. هنا نجد التعارض والتناقض في الطرح بوضوح صارخ.

تحريم مايخالف ثوابت احكام الاسلام ".. تعتبر المسمار الذي سيدق في نعش الدولة العراقية وعزل الشعب العراقي عن كل مايمت لهذا العصر من منجزات حضارية حققتها البشرية في الديمقراطية والحضارة والحداثة والعلوم والفنون والاداب وغيرها"

فأذا اخذنا بنظر الاعتبار "المشروطية" في المواد الاخرى من الدستور لايمكن الا وان ونستخلص بأن الاولوية في الدستور هي "لثوابت احكام الاسلام"، تنفي عمليا الفقرة (ب) اعلاه التي تحرم التعارض مع مبادئ الديمقراطية، وبالتالي ستبرز خطورة بناء دكتاتورية الاسلام السياسي كما حدث في ايران، ناهيكم عن ان الديمقراطية تحتاج الى ثوابت سنأتي على ذكرها لاحقاً.

هنالك اكثر من 12 طائفة اسلامية من الشيعة الى السنة، الى الاسماعيلية، الى الفاطمية، وغيرها من الطوائف. فكيف ومن سيقرر ماهي "ثوابت احكام الاسلام"؟ ,لابد من الرجوع الى "الفقيه" لتحديد تعارض او تطابق التشريع، اي تشريع كان، مع احكام الاسلام. كاتب المسودة وجد بذكاء مخرجا لهذه المعضلة في المادة (90) – ثانياً:

تتكون المحكمة الاتحادية العليا من عدد من القضاة وخبراء في الفقه الاسلامي وفقهاء القانون، يحدد عددهم وتنظم طريقة اختيارهم وعمل المحكمة بقانون يسن بأغلبية ثلثي اعضاء مجلس النواب

"الخبراء فبي الفقه الاسلامي" هم الفقهاء، وهذا ماسيجر العراق الى قيام "دولة الفقيه" او مايقاربها. من الممكن للتجربة الايرانية ان تعطينا صورة عما ينتظر العراق. ففي ايران يتكون المجلس الدستوري من ستة اعضاء منتخبين من البرلمان وستة فقهاء منسبين غير منتخبين. ويقوم هذا المجلس، كما هو متوقع من "المحكمة الاتحادية"، بمراقبة والبت في توافق القوانين التي يسنها البرلمان بمواد الدستور، وبالتالي بتطابقها او مخالفتها لثوابت الاحكام الاسلامية.

بمعنى ان الدستور العراقي سيتيح للفقهاء غير المنتخبين في المحكمة الاتحادية حق استعمال الفيتو على قوانين البرلمان المنتخب. اي تأسيس "ولاية الفقيه" بتسميات اخرى.

فهل هنالك شك بأننا سائرون في طريق "ولاية الفقيه"

و لم ينسى كاتب الدستور من اضافة النكهة الطائفية التي بدأها في الديباجة، اضافة الى حشر الدين في كل مكان ممكن:

العتبات المقدسة والمقامات الدينية في العراق كيانات دينية وحضارية، وتلتزم الدولة بتأكيد وصيانة حرمتها، وضمان ممارسة الشعائر بحرية فيها. المادة (10)

أ- الاسرة اساس المجتمع، وتحافظ الدولة على كيانها وقيمها الدينية والاخلاقية والوطنية. المادة (29) اولاً .

العراقيون احرار في الالتزام باحوالهم الشخصية حسب دياناتهم او مذاهبهم او معتقداتهم او اختياراتهم وينظم ذلك بقانون. المادة (39)

اولاً اتباع كل دين او مذهب احرار في:
أ ممارسة الشعائر الدينية بما فيها الشعائر الحسينية . المادة (41)

تتكون المحكمة الاتحادية العليا من عدد من القضاة وخبراء في الفقه الاسلامي وفقهاء القانون، يحدد عددهم وتنظم طريقة اختيارهم وعمل المحكمة بقانون يسن بأغلبية ثلثي اعضاء مجلس النواب. المادة(89) ثانيا

يجوز بقانون، انشاء مجلس دولة يختص بوظائف القضاء الاداري، والافتاء، والصياغة، وتمثيل الدولة وسائر الهيئات العامة امام جهات القضاء الا ما استثني منها بقانون. المادة (98)

ان استعمال الدين في القضايا الدنيوية انما يضر بالدين نفسه. يقول المفكر الاسلامي السيد اياد جمال الدين ما معناه ان سيطرة الدين على الدولة لاتدوم سوى اسبوعين في حالة قيام الدولة الدينية. لانه سرعان ما سيسٌير الدين لمصلحة الدولة كما حدث بعد الثورة الاسلامية الايرانية

لقد بدأت مظاهر تطبيق الاحكام الدينية بالاسلوب الذي تفسره بعض اطراف الاسلام السياسي وبعض الميليشيات السياسية بشكل حاد بعد الانتخابات في كانون الثاني 2005. فاذا تناسينا قلب الجمعية الوطنية الى مسجد او جامع للخطب والدعاء الديني، خصوصا بنكهته الطائفية، وقد شاهدناه بوضوح اثناء الاعتداء الاثم على سفرة طلبة البصرة واغلاق محلات الكحول وغيرها من اعمال العنف التي تلغي حقوق الانسان.

كان المفروض تعيين امرأة قاضية في النجف قبل عام ولكن الغي بسبب معارضة رجال الدين لمخالفته "لأحكام الاسلام"!! وفي حي الرشيد في النجف ايضا تم تدمير صالون لحلاقة النساء في اب من هذا العام، واخر قبله بشهر في الكوفة !! هذه نتف قليلة مما يجري اليوم في العراق الجريح.


حقوق الانسان والحريات

لاشك ان الديمقراطية وحقوق الانسان وحقوق المرأة وحقوق الاقليات والحريات العامة، مرتبطةعضويا. فلا يمكن الحديث عن الديمقراطية من دون درجة معينة من احترام حقوق الانسان او من دون مساواة المرأة بالرجل. ان التضييق على حقوق الانسان او التمييز ضد المرأة او نسف حقوق الاقليات يؤدي في نفس الوقت الى تطبيق ديمقراطية "عاجزة".

الديمقراطية كأسلوب للحكم وكممارسة يومية شئ متغير ومتطور، يرتبط بوتائر النضال الجماهيري من اجل حقوقها السياسية والاجتماعية والاقتصادية. لذلك، عند دراسة مسودة الدستور، يجب ان نبحث عن ثوابت نقيس بها مدى مواكبة الدستور للفكر الحضاري وتطور المجتمعات الدولية.

الثوابت هي حقوق الانسان المعترف بها دولياً كما تضمنها الاعلان العالمي لحقوق الانسان 1948 . كذلك لابد من الرجوع الى المعاهدات والبيانات الدولية بما يتعلق بالحقوق والحريات من ضمنها حقوق المرأة والطفل والاقليات وغيرها، التي تعتبر مقياساً حضارياً لبناء الدولة الديمقراطية.

المادة الثانية (اولا) من مسودة الدستور تنص على على عدم جواز سن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام (أ)، ثم ان لا يتعارض مع مبادئ الديمقراطية (ب)، ولايتعارض مع الحقوق والحريات الاساسية الواردة في هذا الدستور (ج)

المشكلة تتعلق في مطاطية مفهوم الديمقراطية. اضافة لذلك فالمسودة لا تتطرق الى حقوق الانسان الثابتة والمعترف بها الاٌ فيما يتعلق بمنع " الاعراف العشائرية التي تتنافى مع حقوق الانسان" ، واعتبار المفوضية العليا لحقوق الانسان هيئة "مستقلة تخضع لرقابة مجلس النواب، وتنظم اعمالها بقانون" . ولم تحدد هذه المادة شروط تكوين هذه الهيئة واسلوب عملها وصلاحياتها وهل ستراقب التجاوزات على حقوق الانسان اعتماداً على الاعلان العالمي ام لا، لان كل ذلك سينظم بقانون لاحق. اي ان الاستحقاق الانتخابي اللاحق سيقرر ماهية هذه الهيئة بدلاً من الحق الدستوري.

الحقيقة تقال ان الحريات والحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية في مسودة الدستور واسعة جدا في تعدادها . وكان يمكن ان ترتقي بالدستور الى المستوى الحضاري المنشود لولا تحدبد معظمها ان لم يكن كلها بالمواد الاخرى وبروحية الدستور نفسه وبالمشروطية العامة بعدم مخالفة اي تشريع لثوابت الاحكام الاسلامية. اضافة الى ان حريات التعبير والصحافة والاعلام والاجتماع والتظاهر الخ مشروطة "بما لايخل بالنظام العام والاداب" ، فما هي هذه الاداب، ومن سيقرر مفهومها، وماهي الاسس التي سيعتمدها لتوافق العمل السياسي مع "الاداب"؟

من كل هذا، وكما مبين في المناقشة الخاصة بالدين والدولة، فأن الاولوية ستكون للمطابقة مع ثوابت الحكم الاسلامي قبل المطابقة مع اسس الديمقراطية، التي يجب ان يكون الاعلان العالمي لحقوق الانسان خير تعبير عنها.

قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية يثبت بوضوح ان الحقوق والحريات ليس فقط ماتم تسطيرها في القانون وانما ايضا الاعتماد على كل الحقوق كشعب حر اكتسب الكرامة الانسانية، من ضمنها الحقوق المقرة في المعاهدات الدولية وغيرها من القوانين التي وقع العراق عليها، او التي تعتبر ملزمة للعراق .

فأين هذا من مسودة الدستور الجديد؟

المسألة الحساسة جداً هي بدل ان يثبت الاعلان العالمي لحقوق الانسان كمرجع للتشريع واعتبار المعاهدات الدولية جزءاً من الدستور، الغيت المادة 44 من المسودة المقدمة الى الامم المتحدة من قبل القوى السياسية الرئيسية ، ومن دون الرجوع الى الجمعية الوطنية. وهذه المادة على محدوديتها، كانت تنص على :

لجميع الافراد الحق في التمتع بكل الحقوق الواردة في المعاهدات والاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الانسان التي صادق عليها العراق، والتي لا تتنافى مع مبادئ واحكام هذا الدستور

وبهذ اصبح الدستور خالياً من اية اشارة الى المعاهدات والمواثيق الدولية!!




حقوق المرأة

خسر الشعب العراقي الكثير من المكتسبات التي حققها عبر نضال طويل التي كان يتطلع الى تثبيتها في الدستور الذي سيبحر به الى شاطئ الديمقراطية. والمرأة العراقية كانت الخاسر الاكبر. فهاهي حقوقها تهدر، ويعاد بها قروناً الى الوراء، لتعيش من جديد في ولايات الظلام.

يعدقانون الاحوال الشخصية ، الذي استخلصت مواده من المذاهب الجعفري والحنبلي والمالكي والشافعي، من اهم المكتسبات التي حققتها المرأة العراقية عبر نضالها من اجل المساواة بالرجل. وعندما حاولت السلطة الانتقالية بزعامة السيد عبد العزيز الحكيم الغاء قانون الاحوال الشخصية في عام 2003، جوبهت باحتجاجات واسعة من قبل النساء، من ضمنهن المتدينات المحجبات، ومنظمات المجتمع المدني والأحزاب، الأمر الذي أفشل المحاولة.

الغت مسودة الدستور، وباسلوب ملتوي، قانون الاحوال الشخصية.

العراقيون احرار في الالتزام باحوالهم الشخصية حسب دياناتهم او معتقداتهم او اختياراتهم وينظم ذلك بقانون. المادة 39

الاحوال الشخصية تختص بقضايا الزواج والطلاق والنفقة والارث والحضانة والتفريق، الخ. ولهذا فهي تخص المرأة وعلاقتها بالاسرة والمجتمع. وقانون الاحوال الشخصية الحالي، مع نواقصه، يساوي الى حد ما بين المرأة والرجل في هذه الامور. الان يريد كاتبو الدستور العودة الى التقسيم الطائفي والرجوع بالمرأة الى عصر بعيد كانت فيه تابعة للرجل وواحدة من املاكه، يطلقها بالثلاث ويأمرها فتمتثل. وسوف تصبح "الناقصة"في اعطاء الشهادات، وغيرها من القيود التي يعرفها الجميع.

تنص المادة 14 من ان "العراقيون متساوون امام القانون دون تميز بسبب الجنس ...". ولكن سيجيز القانون التفرقة/التمييز بين المرأة والرجل بسبب اجازة الدستور لاتباع الاحوال الشخصية حسب الديانات والمعتقدات المختلفة. لذلك فقدت هذه المادة روحها ومغزاها. العراقيون اصبحوا متساوين في التفرقة بين الرجل والمرأة!!

لقد فقد الدستور كل معنى لمساواة المرأة بالرجل، ولكنه اعطاها فقط "حق المشاركة في الشؤون العامة، والتمتع بالحقوق السياسية، بما فيها حق التصويت والانتخاب والترشيح" اسوة بالرجل . فلاضير ان تحتل المرأة مقعدا في الجمعية العمومية كما نشاهدها حالياً، ولا ضير ان تكون لها نسبة لا تقل عن 25% في مجلس النواب. ولكن حقوقها تختزل عندما نصل الى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية"

مما له دلالة كبيرة ان المادة 29 – اولا، في هذا الفصل، تشير الى:

أـ الاسرة اساس المجتمع، وتحافظ الدولة على كيانها وقيمها الدينية والاخلاقية والوطنية.
بـ تكفل الدولة حماية الامومة والطفولة والشيخوخة، وترعى النشء والشباب وتوفر لهم الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم وقدراتهم.

اذا تركنا جانباً مسألة هل الاسرة ام الفرد اساس المجتمع، فان التعامل مع الاسرة سيكون على اساس "القيم الدينية". واذا ربطنا هذا بما ورد عن الغاء قانون الاحوال الشخصية وعدم التطرق الى الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للمرأة ومشروطية التوافق مع ثوابت احكام الاسلام (المادة 2) والغاء المادة 44 من المسودة الاولى والمتعلقة بالمعاهدات الدولية، اذا ربطنا كل هذه المواد والحقائق، وقرأناها من خلال روحية المسودة نفسها ونهجها العام، فإننا نستنتج ان المرأة العراقية سيعاد بها الى القرون الوسطى.

المخيف في الموضوع ان العديد يتحدث عن ارتقاء الدستور العراقي على الكثير من دساتير العالم ناهيكم عن الدساتير في المنطقة. وتعيد بعض الفضائيات هذه الاسطوانة الى ان يبدأ الناس بالايمان بها. يتحدث خضير الخزاعي، وهو رئيس لجنة الحريات والحقوق، واصفاً باب الحريات والحقوق في مسودة الدستور: "تفوق ما ورد في ذلك الباب على جميع دساتير المنطقة. وأضاف : أستطيع القول ان ما حصل عليه الإنسان العراقي من الحريات والحقوق يضاهي إلى حد كبير ما حصل عليه الإنسان الأوربي في دساتيره مع الاحتفاظ بخصوصيتنا العربية والإسلامية ذات القيم الاخلاقية التي تحد من بعض الحريات التي نعتقد أنها تسيء إلى النسيج الاجتماعي"

انا اتعجب من هذا الطرح وهذا التضليل. فلابد وان اطلع السيد الخزاعي على الدساتير العالمية والعربية وقرأ ما بالكثير منها من ضمانات لحقوق الانسان وحقوق المرأة التي تخلو مسودة دستورنا منها. لنقف مع حقوق المرأة في بعض الدساتير العربية .

الدستور السوري: المادة 45 : "تكفل الدولة للمرأة جميع الفرص التي تبيح لها المساهمة الفعالة والكاملة في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، وتعمل على إزالة القيود التي تمنع تطورها، ومشاركتها في بناء المجتمع العربي الاشتراكي"

دستور اليمن الجنوبي الصادر في نوفمبر 1980: المادة 36: "تضمن الدولة حقوقا متساوية للرجال والنساء، في جميع مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية."

مشروع دستور فلسطين: المادة 22: "للمرأة شخصيتها القانونية وذمتها المالية المستقلة، ولها ذات الحقوق والحريات الأساسية التي للرجل، وعليها ذات الواجبات.. ". المادة 23: "للمرأة الحق في المساهمة الفاعلة في الحياة الاجتماعية والسياسية، والثقافية والاقتصادية، ويعمل القانون على إزالة القيود التي تمنع المرأة من المشاركة في بناء الأسرة والمجتمع، حقوق المرأة الدستورية والشرعية مصونة، ويعاقب القانون على المساس بها، ويحمي حقها في الإرث".

هذه الدساتير تساوي بين الرجل والمرأة في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية قياساً لاقتصارها على الحياة السياسية فقط كما جاء في مسودة الدستور العراقي. اضافة لذلك، يعاقب الدستور الفلسطيني كل من يمس بحقوق المرا’ة.

فأين هذه الحقيقة من حديث السيد الخزاعي؟

والسيد الخزاعي يبدأ بالهجوم، في مقابلته هذه، على المنظمات النسوية، من مبدأ التخوين ووضع جميع المعارضين في خانة واحدة، كما ورد على لسانه في ملحق جريدة الصباح:

"وبشأن رفض بعض المنظمات النسوية لبنود تخص المرأة، قال الخزاعي: يمكن تصنيف الذين ينتقدون المسودة إلى مجموعتين: مجموعة لم تطلع تفصيلياً على ما كتب في الدستور، وأخرى لديها أحكام مسبقة على الذين كتبوا الدستور، ويقولون أنهم غير مؤهلين للتصدي لكتابة الدستور، كما أنهم لا يريدون أن يكتب الدستور كما يريد الشعب العراقي. وتابع القول: نحن كتبنا دستوراً ينسجم مع خصوصية المجتمع العراقي"
.
"وشدد الخزاعي على ضرورة عدم التوافق مع هذه المجاميع التي تطالب بحريات بلا حدود، وقال: لسنا مضطرين أن نتوافق مع هؤلاء، مهما ارتفعت أصواتهم، ومن غير المعقول أن نتوافق مع من يطالب بإباحية أخلافية، وحريات بلا حدود، ومهما ارتفع ضجيجها وصورها الاعلام أنها مطالبة لحقوق الإنسان"

الغريب ان هذا الحديث يأتي من مسؤول لجنة "الحريات والحقوق" في كتابة الدستور. فهل يفسر الدفاع عن قانون الاحوال الشخصية بانه اباحية اخلاقية؟ لاعجب اذن ان نفقد حقوق الانسان وحقوق المرأة، وبالتالي عموم الحريات السياسية والاجتماعية دستورياً. وفعلاً تتصاعد عمليات ومحاولات تطبيق ما يفسروه باحكام الشريعة او النهي عن المنكر وبكل الاساليب، من ضمنها استعمال المواقع الرسمية او قوة السلاح. الحوادث اليومية في العراق من الخليج الى بغداد مراَة محزنة على ماوصل اليه وضع المرأة العراقية. بل ان التفرقة على اساس الجنس وصل الى مكتب رئيس الوزراء. فقد اصدر الامين العام لمجلس الوزراء العراقي خضير عباس "قرارا بطرد جميع الموظفات غير المحجبات العاملات في المجلس ونقلهن الى ادارات اخرى"

ولم يتوقف الهجوم على حقوق المرأة ضمن حدود العراق بل تعداه الى سفاراته في الخارج. فقد وضعت النساء في مكان منعزل في داخل حرمة السفارة العراقية في لاهاي – هولندا اثناء التعزية التي اقامتها السفارة لتأبين ضحايا جسر الائمة. المضحك ان عريف الحفل "ذهب في خياله لدرجة نصح الحضور ان يتعلموا من الشعب الهولندي الذي يعيشون معه معنى الديمقراطية! دون ان ينتبه ان القانون الهولندي يحاسب على العنصري وخصوصا ضد المرأة حتى داخل البيت"


الفدرالية

رفع شعار الفدرالية في العراق كتجسيد للوحدة الاختيارية بين قوميتين رئيسيتين تعايشت سوية لقرون عديدة. وبالرغم مما تعرض له الشعب الكوردي من اضطهاد قومي في العراق وايران وتركيا وسوريا وصل حد الابادة او محاولات الابادة فقد اختارت قيادات الشعب الكوردي طريق الاتحاد مع باقي مكونات الشعب العراقي بصيغة الاتحاد الفدرالي.

اذن هو صيغة معينة لاتحاد طوعي لقومية اقرت جميع القوى الوطنية حقها في تقرير مصيرها. ولابد لنا من التأكيد من ان حق تقرير المصير يعني حقها بالانفصال اذا ارادت ذلك. الا ان الشعب الكوردي في العراق اختار الحل الافضل له، وهو ايضا الافضل لعموم العراق. وهذا الاختيار جاء تعبيرا عن موازين القوى القطرية والعالمية اضافة الى كونه تعبيرا عن التلاحم النضالي بين كل فصائل الشعب العراقي .

"ان الدولة الحديثة قامت على مبدأ الديمقراطية وهي الحكم بالرضى وحكم الاغلبية، لكن الدولة الحديثة قامت ايضا على مبدأ القوميات: لكل أمة دولتها. واوضحت التجربة التاريخية وجود تعارض بين مبدأ الديمقراطية (حكم الاغلبية بالاقتراع)، ومبدأ القوميات في الدول المختلطة قوميا ودينيا، وهو تعارض افضى الى استبداد الاثنيات الكبرى (ethnocracy)، ولحل هذا التعارض وجدت صيغ الفيدرالية، او التوافقية، او مزيج الاثنين" .

فاذا اقرينا بمبدأ الفدرالية للشعب الكوردي على اساس انه يمثل الحل الافضل للقضية القومية المستعصية في العراق فما هي الخصوصيات المستعصية في كل محافظة ليجيز لها الدستور باعلان نفسها "محافظة" يحق لها "ممارسة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية" ؟

من الطبيعي ان لكل قرية وناحية ومدينة، بل ولكل شارع وزقاق خصوصيته الاقتصادية والاجتماعية والتاريخية، وفي بعض الحالات العرقية او الدينية او الطائفية. ولكن لااعتقد ان مشرعي الدستور يقصدون هذه الانواع من الخصوصيات.

ان قراءة بسيطة للدعوات التي نادت بشمولية النظام الفدرالي وتعميمه على العراق تظهر بوضوح ان المقصود بهذا النداء هو تكوين فدرالية "شيعية" في جنوب العراق . واذا كان هذا هو المسار فسيقسم العراق الى ثلاث اقاليم: اقليم كوردستان في الشمال، الاقليم الشيعي في الجنوب والاقليم السني في الغرب مع حصر السلطة الاتحادية في بغداد فقط.

المادة 117 - اولاً تقر:

لسلطات الاقاليم الحق في ممارسة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وفقا لاحكام هذا الدستور، باستثناء ما ورد فيه من اختصاصات حصرية للسلطات الاتحادية.

اذن لابد من العودة الى مواد الدستور الاخرى لمعرفة في اي اتجاه يمكن ان تسير الصلاحيات التشريعية للاقليم، وهو بدون شك يمكن ان يؤدي الى سن قوانين ذات طابع طائفي في اقليم ما، حتى وان لم يكن الحال كذلك في باقي الاقاليم . يعبر الدكتور خليل ابراهيم ال عيسى، وهو مقيم في فرنسا ومن المتحمسين لفدرالية الجنوب، بوضوح عن التطلعات المذهبية: " لابد لنموذج الفيدرالية الذي سيطبق في أدارة العراق أن يتم دراسته من كافة الجوانب السياسية والأقتصادية والجغرافية على أساس الموازنة بين الفيدرالية الجغرافية والتطلعات المذهبية والقومية التي هي تحصيل حاصل لأنعدام الثقة المتبادلة ولعدم الأطمئنان لتلك القوى الظلامية الغارقة بدماء ملايين العراقيين التي لاتزال ليومنا هذا تتبع أستراتيجية عدائية واضحة" .

من دون شك، عانى الشيعة العراقييون من السياسات الطائفية المقيتة لنظام صدام حسين كما عانى الشعب الكوردي من السياسات العنصرية. ولكن النظام مارس سياسات استبدادية ضد معظم الشعب العراقي، ولم تتوقف عند مذهب معين ولا قومية واحدة بل شملت ايضا اليسار واليمين السياسي، الكادحين والطبقة الوسطى التي حطمها كليا، الرجال والنساء والاطفال، وهلم جرى.

الروح الدفاعية عند الوسط الداعي الى الفدراليات المتعددة، بالتحجج بالموازنة اذا اقرت الفدرالية لكوردستان، والخلط بين الفدرالية واللامركزية، برز بشكل قوي بعد صدور المسودة الاولى واستمر الى يومنا هذا. عكس هذه الروحية السيد عبد العزيز الحكيم، ملوحاً بخطر اكبر فيما لو رفضت الفدراليات الاخرى: "واليوم عندما نقول ان في العراق اقاليم، نعني أن تكون هناك حال من التوزان. ولا بد أن تقبل الفكرة في كل مناطق العراق وليس من المعقول أن يكون في منطقة ما اقليم، ومناطق أخرى تحرم من هذا الحق، ولو حدث ذلك فان حالة من عدم التوازن السياسي ستعرقل ادارة العراق وهذا خطير" .


الاستنتاجات

ان الايجابيات في مسودة الدستور، على سعتها، قد فقدت محتواها كثوابت لدستور عصري يواكب المسيرة الانسانية نحو الديمقراطية واحترام حرية وكرامة الانسان، رجالاً ونساءاً.

فهو اولاً يؤدي، شئنا ام ابينا، الى قيام "ولاية الفقيه"، بدون تسميات. ولهذا الدستور نكهة طائفية هي استمرار للتقسيم الطائفي الذي شاهدناه مؤخراً. في الظروف الحالية لايمكن الحديث عن الفصل الكلي بين الدين والدولة في العراق ولكن ان يكون الاسلام دينا للدولة شئ واقامة ولاية الفقيه شئ اخر.

الدستور يتضمن تعداداً للحريات والحقوق العامة، ولكنه يقيدها في نفس المواد او في مواد اخرى مما افقدها العمق الانسانس كحقوق مشروعة ومطلقة. وهو خالي تقريبا من الاشارة الى الاعلان العالمي لحقوق الانسان، لا بل ان المسودة الاولى، التي اقرت من قبل الجمعية الوطنية، تضمنت حقاً بامكانية الاعتماد على المعاهدات والوثائق الدولية، ولكنها (المادة 44) تبخرت من المسودة المقدمة الى الامم المتحدة لطباعتها قبل الاستفتاء.

المرأة تبقى الخاسر الاكبر، حيث فقدت قانون الاحوال الشخصية الحالي، وستصادر حقوقها الاجتماعية والاقتصادية الاخرى. بالحقيقة الدستور لايتطرق الى الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للمرأة ويكتفي بالتطرق الى الحقوق السياسية فقط.

اما عن الفدرالية فقد مسخ المفهوم كاتحاد طوعي بيى القوميات في بلد واحد، وتعداه الى مايمكن ان يؤدي الى فدرالية طائفية.

هذه المكونات الاربعة متداخلة، ولايمكن فصلها وتجزأتها. فلكل منها تأثير مباشر على الاخر. ويجب ان يقرأ الدستور من منظور متكامل، من الديباجة الى المادة 139، ومن شمولها على المقومات الاربعة التي تطرقت لها في هذه الدراسة.

انني لااستطيع ان استوعب الشكل النهائي للدولة العراقية بعد هذا الدستور الا من المنظور والشكل الايراني وبديمقراطية عاجزة متعثرة وبتقسيم طائفي خطر.

"إن الإصرار على (كل شيء أو لا شيء) ينتهي دائماً بلا شيء" . المشكلة التي تواجهننا الان هي ان الشعب العراقي قد خسر قروناً من النضال والمكتسبات التي حققها، ناهيكم عن التطلعات التي كان يأمل بها بعد سقوط النطام الصدامي.

يجب رفض الدستور بشكله الحالي، وتثقيف الجماهير بمعانيه المعلنة والخفية. فاذا كنا نؤمن بالديمقراطية، وليس الحديث باسمها فقط، فلا ضير من الصراع الديمقراطي حول شكل العراق المستقبلي. واذا لم يتحقق الحلم بدستور حضاري الان، فالسكوت عن دستور متخلف والاكتفاء باعلان التحفظات، لن يخدم الاجيال المقبلة، ولن يحفظ ذكرى النضال الدموي والطويل من اجل عراق حضاري (اقل مايقال عن اهداف النضال الجماهيري في العراق).

انا متأكد من ان معظم الجماهير التي تطبل الان لهذا الدستور، كما نشاهدها على شاشات الفضائيات، سوف تتردد بالتصويت له اذا فعلا تعرفت على مضمون هذا الدستور. بالصيغة الايرانية وولاية الفقيه وحرمان المرأة، ومايعني عملياً قيام الفدراليات المتعددة والغاء الاعتراف بالمعاهدات الدولية، وغيرها من السلبيات التي نسفت المفهوم الحضاري للدولة العراقية.

اما المحاولات التي نشاهدها ونسمعها يوميا من "تخوين" كل الذين يخالفون الدستور الحالي ، فعدى كونها محاولات غير ديمقراطية، فأنها بالتالي تصب في عملية تمزيق الوحدة الوطنية، التي لاتعني السكوت عن "كل شئ". من الطبيعي ان تعارض القوى الطائفية التكفيرية والاصولية السلفية ومخلفات الحكم الدكتاتوري. ولكن مواجهة هذه القوى لايأتي بتخوين القوى الديمقراطية الاخرى، ولا الى طرح طائفي مقابل.

كما ان العديد من القوى التي شاركت في عملية التغيير قد ابدت معارضتها وحتى رفضها للصيغة الحالية، بينما ذهب اخرون الى تثبيت تحفظاتهم على بعض مواده.

في حالة رفض مسودة الدستور من قبل الاغلبية العراقية، ستحل الجمعية الوطنية الحالية، وسوف تنظم انتخابات جديدة، ومن ثم مسودة دستور اخر. بالرغم من التجاوزات التي رافقت الانتخابات السابقة فأنها تعتبر، على العموم، انتخابات ديمقراطية شارك فيها الاكثرية الغالبة للشعب العراقي. ولكن لظروف موضوعية وبتكتيك اعلامي تمخضت الانتخابات عن استقطاب لايمثل بالضرورة موازين القوى السياسية. الانتخابات الجديدة قد تتمخض عن تالفات تختلف عن أئتلافات كانون الثاني 2005 ونتائج قد تكون اقرب الى الموازين الحقيقية للقوى السياسية والمكونات الاخرى للشعب العراقي، خصوصا اذا اخذنا بنظر الاعتبار فشل التحالفات الحالية في السلطة من معالجة اهم المتطلبات المعيشية للجماهير.

ان الرفض لايعني الوقوف بوجه التطور الديمقراطي في العراق، بل العكس هو تعزيز للعملية الديمقراطية وللصراع الديمقراطي. ومن اجل هذا يجب ان نتعلم كيف ندير الصراع السياسي.



#نعمان_منى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- الجيش اللبناني يعلن تسلمه 3 معسكرات تابعة لفصائل فلسطينية لب ...
- منظر مذهل في تركيا.. تجمد جزئي لبحيرة في فان يخلق لوحة طبيعي ...
- إندونيسيا تحيي الذكرى العشرين لكارثة تسونامي المأساوية التي ...
- ألمانيا تكشف هوية منفذ هجوم سوق الميلاد في ماغديبورغ، وتتوعد ...
- إصابات في إسرائيل بعد فشل اعتراض صاروخ حوثي
- شولتس يتفقد مكان اعتداء الدهس في ماغديبورغ (فيديو+ صور)
- السفارة السورية في الأردن تمنح السوريين تذكرة عودة مجانية إل ...
- الدفاع المدني بغزة: القوات الإسرائيلية تعمد إلى قتل المدنيين ...
- الجيش الروسي يدمر مدرعة عربية الصنع
- -حماس- و-الجهاد- و-الشعبية- تبحث في القاهرة الحرب على غزة وت ...


المزيد.....

- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نعمان منى - قراءات في مسودة الدستور العراقي