|
قصيدة لشاعر ومربي نرويجي تتحدث عن ( أحمدين ) عربيين
محمد حاج صالح
الحوار المتمدن-العدد: 1325 - 2005 / 9 / 22 - 11:28
المحور:
الادب والفن
سباق فورميلا1 وعرب في النرويج " قلْ لي. ألمْ يكن هذا النصّ خشناً، قليل الاحتشام؟" سألت الملكة صونيا، ملكة النرويج. هكذا ما إن تخامد آخر صدى حتى بادرت الملكة، وهي تميل بجسدها إلى الأمام عبر الطاولة لتسأل سياسياً محلياً. أما الشاعر،كاتب الكلمات والمؤدي الأول في فرقة الغناء الشعبية، فيعلّق بطرافة: " كأن الملكة أحسّتْ أن مملكتنا صارت في ضوء أكثر جاذبية ولمعانَ " النص موضوع تعليق الملكة، هو نص أغنية تؤدى على أنغام الموسيقى الشعبية الايرلندية بموسيقى Irsk folke musikk كتبه الأستاذ المربي ( ترون توّا ) Trond Thue وهو أستاذ جامعي سابق وخبير حالي في تدريس النرويجية للأجانب. يؤدي النص رجال ونساء في سن تقع بين الـ 45 والـ 60 . ليس من غرابة هنا، فالبلاد الاسكندنافية تزخر بفرق كهذه. الكاتب يعرف النصَّ هكذا " إنه وضْع إصبع على الاختلاف البيّن في استقبال عربيّين يحملان الاسم ذاته... " Den setter bare fingeren på hvor ulikt to arabere med samme navn kan bli mottat . كان الملك والملكة في جولة في الجنوب النرويجي، حيث تقع مدينة آرندال Arendal . وهي مدينة تصييف. هنا تصل درجة الحرارة في الصيف إلى أقصى مدياتها " 27 ". وهنا في آرندال يجري السباق الدولي للزوارق " فورميلا Formela 1 ". في مناسبة كهذه يُدعى سياسيون محليون، ورجال أعمال، وشخصيات شهيرة أو ذات نفوذ. يمكن للمرء أن يتخيّل أن حدثاً كهذا سيشدّ عشرات الألوف، فالناس هنا ينجذبون بقوة إذا ما كانت الفرصة متاحة لرؤية مشاهير. والحدث الذي نكتب عنه تمّ عام 2000 ميلادية وكان يضمّ شخصيتين شهيرتين في سباق القوارب. الأول روكا "Kjell Inge Rokke " وهو من أغنى أغنياء النرويج ( الغنى هنا فاحش أحيانا، ويمكن تشبيهه بصنوه الخليجي ). الثاني هو أوغلاندْ " Ove Andreas Ugland " سليل عائلة سفّانة ( من سُفُن )، الأمر الذي يجعله محبوباً وقريباً من أن يكون بطلاً شعبياً. شارك في السباق أيضا برازيليون وإيطاليون، وللمرة الثالثة إمارتيون. الإماراتي الأشهر كان هناك كمتسابق، إنه الشيخ " محمد آل مكتوم " ولي عهد دبي آنذاك ووزير الدفاع. يعمد الشاعر على تسمية الشيخ محمد باسم " أحمد " لأسباب فنيّة، أهمها الانسجام الموسيقي. لم يكن من الصعب تتبع شيئاً من التنميط في المخيال النرويجي عن أمير عربي يشارك في سباق، ويستأجر فندقا، وينصب سرادق لـ" الكرم العربي " كالعادة! حتى النصّ الذي ندرسه حوى شيئاً من هذا الخلط بين الواقع وبين مخيال قادم من ألف ليلة وليلة. العربي الثاني الذي يُلقي بظلّه على النص هو فلسطيني. هذا الفلسطيني يحمل اسم أحمد أيضاً، ويقيم مؤقتاً في معسكر للاجئين بالقرب من مدينة آرندال. أحمد الفلسطيني هذا، مثله مثل اللاجئين الأُخر، كان عليه أن يمرّر بترقب مُمضّ سنوات الانتظار كي توافق السلطات على قبوله لاجئاً في النرويج. هنا يتدوال اللاجئون كلمتين، إحداهما للقبول " إيجابي " والثانية " سلبي " تعني الرفض، والرفض هنا يعني إعادة اللاجئ من حيث أتى. ليس غريباً إذن إذا ما هجس اللاجىء بهاتين الكلمتين: سلبي Negativ وإيجابي Positiv ليس غريباً إذا ما عبّر أحدُ المنتظرين " أرأيت كيف يُوسم البقر بالحديد... أنا أشعر بأن حروف الكلمتين يبطّنان مُخّي من الداخل! ". أحمد الفلسطيني بالأمس فقط، وفق االنص الشعري، أُبلغ بالرفض. عليه أن يتهيّأ للطرد إذنْ. المقاطع الثلاثة الأولى من القصيدة، تُغنّى بلسان أحمد اللاجئ وصحبه في المعسكر. بالنسبة للمواطنين النرويجييين الذين يعرفون جغرافيا المكان؛ ينشأ لديهم تخييل مُمسرح! فمعسكر اللجوء يطل على مسرح السباق، ويقع بالضبط عند النهاية التي تلتفت فيها الزوارق لنصف الدورة. هنا يأخذ الصخب أعلى مدياته. هنا تضطر الهيلوكبترات إلى الانحراف الحاد مصدرة صخباً لا يطاق. هنا يشعر المرء أن الأبعد محرّم وممنوع. للمرء أن يتخيّل إذن جمعاً من لاجئين محشوّين بالقلق يرقبون سباقاً بمثل هذه الحيوية، له أن يخمّن ما تعتلج به قلوبُهم. المقطع الرابع من القصيدة يغنّى من قبل مجهول يعلّق على هذا التعامل المخْتلف بين أحمد وأحمد. القصيدة في أفكارها تعتمد على ثنائيات ضدية، لا تظهر في اللفظ أحياناً وإنما تقف كالغلالة الشفافة في أفق مسرح، واحيانا أخرى تتجلّى صلبة قاسية كما هي الحقائق. أحمد وأحمد. روكا وأوغلاندْ. سلب وإيجاب. ابتهاج وقلق. أناس مواطنون في بلد راسخ وأناس مرتحلون يقيمون إقامة مؤقتة كطيور مهاجرة تقف للاستراحة.... أما " وزن " القصيدة فيعتمد على كلاسيك القصيدة الأوربية: النبر
أحمد وسباق القوارب
المقطع الأول
نَسْمَعُ زوارقَ تَصخبْ. هنا في "هوفا" و "تروموي" غربْ المدينةُ في عيدٍ وسباقِ قواربْ " آرندال" في هياجْ. الناسُ وقوفٌ على كلّ جرفْ ونحن نختلسُ نظراتْ، فالبلدُ جدُّ سخيّ! بلى! قليلاً ويبدأُ سباقٌ دوليْ مُشاركون من إيطاليا والنرويج ودُبَيْ التلفزيونُ جاهزْ، سِيِ بِيِ إِسْ، أَسُّوشْيِيتِدْبْرِسْ ومن هناك تنطلقُ الإشارهْ هيلا هيلا هُبْ
المقطع الثاني
الجمهورُ للنرويجيين يهتفْ. هيّا "روكا" يصرخونْ و " أغلانْ" مدلّلُ المدينة يُحيُّونْ هل آملُ الفوزَ لذاك الذي من دبيْ؟ لأنّ اسمَهُ مثل اسمي، أحمدْ! ذاك الذي بدولار النفْطِ اشْترى احتراما، وبهجةً في الوجوه، ولشهواتِهِ مناما. أَكان ذا سيّداً أمْ عبدْ؛ " أُوُلا " نرويجيٌّ لا يُعيرُ اهتماما طالما ( ) مِرْوحَة الدفع ِ( )تنثرُ المالَ
المقطع الثالث
تَوّاً أبلغوني: لا حقّ لكَ في اللّجوءْ قريباً سيطرقُ شرطيّ البابا أحمدُ مليونيرْ في زورقِ سباقْ يمكنه الفوزْ أحمدُ الآخر ما هو إلا تافِهٌ مَوْبوءْ ميناء ُالحريةِ عن النرويجْ؛ قالوا وإلى هنا جئنا من سجونٍ وعَوْزْ لنجومِ السباقِ ولهُ البخورُ والعطورُ وكرمُ الضيافهْ أما نحن فالسّوءْ
المقطع الراابع
سائقُ سباقٍ. طالبُ لجوءٍ. كلماتٌ مُتماثِلهْ إنما في الشعر والنّغمْ لمَهِيضِ الجناحِ ـ أحمدْ: طَرْدْ أما السَّمِيُّ فلْلنصرِ وأهلٌ للنِّعَمْ كلما صَخَبُ القواربِ ارْتفعْ، قلوبنُا له تركعْ بلى فالمالُ يُبَرّحُ عُشّاقَهْ أبدْ لاأحدْ يُكَلِّفُ خاطرهْ، إذا ما أحمد الـ/بدونْ من مملكتِنا انْطَرَدْ أبدْ لا أَحدْ
الخط الرفيع يؤديه المغني الأساسي وهو الأستاذ ترون نفسه. الخط الغليظ تؤديه المجموعة المرافقة. يحصل تداخل بين الصوتين في بعض المراحل، تمليه ضرورة المعنى و" وزن النبر " حيث من المستحيل أن يترجم المرء إلى العربية مع المحافظة على رواء وقواعد النصّ. يقع معسكر اللاجئين "هوفا " في جزيرة صغيرة " ترومويْ غربْ " قبالة مدينة آرندال. هناك الأشجار عالية راسخة قديمة، ومن الغريب أن يكون الموقع ذاته معسكراً للاجئين ومصيفاً للنرويجيين. هنا في خلفية الوضع يقف صراع النرويجيين بين من يريد انفتاحاً غير متحفظٍ، ومن يريد للنرويج نوعاً آخر من الانفتاح هو في حقيقته ليس سوى انغلاقاً مشوباً بالعنصرية. هكذا فالقصيدة التي غُنّيت مرات ومرات في مناسبة عديدة، لها أصل واقعي ملموس وحار. هذا الواقع هو مشكلة اللاجئين القادمين من العالم الثالث في أغلبيتهم. المشكلة حيّة ويومية في النرويج، وتناولها بهذه الطريقة الساخرة قليلا والصريحة كثيراً تميز أحزاب اليسار. في " اليوم العالمي " خطرت فكرة التحدّي في رأس الأستاذ العاشق للثقافة. " لم لا تلقي القصيدة أمام الجمهور؟ " " كيف؟ هذا صعب عليّ فأنا لا أجيد النرويجية..." " أقصد أن تترجمها إلى العربية وتلقيها بالعربية....! " وهكذا كان. باللغة العربية ولأول مرة في مدينة في أقصى أقاصي شمال الكرة الأرضية، تُلقى قصيدة أمام أناس يحملون خمسة وخمسين جنسية. خمسة وخمسون لغة تصغي للغة العربية. كان تحدياً خاصاً بالنسبة لي. لذلك قرأت مازجا أسلوب الخطابة العربية في الإلقاء مع شيء من التمثيل وتلوين الصوت. وبعد إلقائي أدت الفرقة المتجدّدة القصيدة غناء. كُثُرٌ يودون سماع جرس الكلمات العربية. وهذا اهتمام ليس بمعزل عن السياسة، بل هو نتيجة لها. البعض يريد أن يكره، والبعض يريد أن يستطلع، وقليلون هم المحبّون. لكن اللغة ستظل تحفر دربها خارج الكراهية والحب الطارئين، أي خارج العواطف الجائشة الآن ضد الارهاب، والتي يسحبها ضحلو الرؤى على اللغة. والدليل ذاك الوجوم المخيف المتطاول بعد الانتهاء من الإلقاء، ثم ذاك التصفيق الحاد والجاد والبعيد عن المرح. اللغة ورغم كل شيء تنفذ لأنها لا تختصر ولا تندرج أبداً تحت أي مسميات، ولا حتى تحت المسمى المدهش " الحرب على الارهاب ". أما سباق الزوارق الفورميلا1 المقام في مدينة آرندال سنوياً فقد أُجّل منذ سنتين وهو على الأغلب سيلغى نهائياً. أما الأسباب فتتلخص في أن صخب القوارب يزعج الطيور ويبعدها عن المدينة، وأنه يجعل من المحادثة العادية شيئاً مستحيلاً، وأنه غير منسجم مع تقاليد الملاحة النرويجية المتّسمة بالهدوء والسكينة والصبر. هذه أسباب جدية بالنسبة لبعض النرويجيين، يحاربون من أجلها، ويحبرون ويكتبون وينشرون ويناقشون في التلفزيون والراديو مدافعين عنها، وغير مستعدين للتخلي عنها حتى لصالح ربح اقتصادي ونشاط سياحي.
#محمد_حاج_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القاعدة والبعث العراقي طلاق لزواج لم يتم
-
بلاهة أم ضلوع للناطق الرسمي للتجمع الوطني المعارض في سوريا
-
كنا في العراق. رحلة إلى بغداد 2002
المزيد.....
-
-المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية
...
-
أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد
...
-
الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين
...
-
-لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
-
انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
-
فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو
...
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|