سعد عودة رسن
الحوار المتمدن-العدد: 4755 - 2015 / 3 / 22 - 20:51
المحور:
الادب والفن
نصوص العاصفة
(الدعوة لنص بملامح الواقع)
................................
مازلنا داخل العاصفة ومازالت الاشياء تتحرك حولنا بشكل فوضوي تصطدم بنا احيانا فتولد صرخات هائلة من الالم والموت والضياع ولكن الم نعتد وجودنا داخلها؟ فنحن منذ عمر كامل نتحرك داخل هذه العاصفة التي تتشكل بأشكال مختلفة ,توابيت مغطاة بنجوم ثلاثة وتوابيت بلا نجوم ,اعدامات وسجون وبطل حليب عليك ان تدخل فيه وألا سيدخل هو فيك او سيارات مفخخة تمنع الهواء من الوصول اليك ربما رغيف خبز معجون بذرات الجص او التفكير طويلا في طريقة ما للحصول على سيكارة سيئة الصنع ,البحث عن مستشفى للشفاء لا لتصدير الجثث .
العاصفة هائلة وتفاصيلها كثيرة وأبواب الخروج منها هي ابواب لدخول اخر بشكل جديد ,نفس العاصفة بثوب اخر ووجه مختلف ,لكن الموت نفسه والضياع ذاته ونحن نحاول فقط ان نمد يدا ونتلمس الهواء خارج دواماتها الهائلة .
طبعا الكتابة داخل هذه العاصفة يتطلب رؤية اخرى ,ان تكتب وعشرات الايادي تصفعك كل لحظة ,صحيح انك الان تستطيع ان تتجنب بشكل او بأخر بعض هذه الصفعات ونخرج لسانك مستهزئا من الأيادي التي تصفعك لكنك اولا عليك ان تتخلص من أثارها على وجهك ,على تفكيرك وعلى طريقة رؤيتك للعاصفة نفسها .
لابد ان نخرج في يوم ما ولكن من المخجل والمعيب حقا ان نخرج من دون نص مختلف لا يشبه اي شئ اخر يخرج من عاصفة مختلفة ,والسؤال هنا
هل نحن نقوم حقا بكتابة هكذا نص ؟
او على الاقل نحاول كتابة نص يستطيع ان يستوعب الالم الذي تتسبب فيه لحظة اصطدام شظية بجسد حي او ما يفكر فيه طفل وهو يشتعل قبل ان يتفحم بالكامل ,اليس من المخجل ان تذهب هذه اللحظات دون ان ندونها بل دون نحولها بكل تفاصيلها الصغيرة الى متلقي قادم .
اين هو هذا النص وكيف يجب ان يكون وهل تستطيع الفذلكات اللغوية الاحاطة بنص من هذا الشكل ,ما قيمة اللغة اذا كانت تشوه اللحظة وتشوه الرؤية الحقيقية وتمنحها شكلا مختلفا ,دعونا نرى عاصفتنا كما هي ومن دون ادوات ماكياج ,نراها بشعرها المشعث ووساختها التي تتبدل الوانها ومكوناتها كل دقيقة ,وإذا كان فرج الحطاب يصرخ بأعلى صوته (لاسامع سواي) فأن صدى النص الجديد يجب ان يصل الى كل جهات العاصفة ويجب ان يسمعه الجميع ,صباغو الاحذية وصباغو الكلمات بل حتى مشعلو الحرائق ,النص الجديد هو صفعة هائلة للكون وسؤال تصل حيرته الى مسامع الالهة .
العلاقات في هذا النص كلها مؤجلة وغير حقيقية لأنها متحركة ومتغيرة ,والوجه الذي يحتل الفراغ امامك في هذه اللحظة سرعان مايختفي ليحتل المكان وجه اخر بالتالي فعلاقاتك الحقيقية ستكون مع الفراغ ,الثابت الوحيد امام ناظريك اما الوجوه والعلاقات فهي في لعبة تغيير كبيرة.
من هنا يصبح الاتصال الجسدي مع جسد سيارة مشتعلة اكثر منطقية من الاتصال الجسدي بجسد امرأة ,ليست هي في لحظة قادمة ,السيارة هنا جزء من جسد العاصفة اما المرأة فهي وهم يقع خارجها وعليك ان تصف هنا عملية اتصال جسدي مع شئ ما (امرأة او سيارة محترقة) داخل عاصفة متحركة بقوة.بالتالي نحتاج الى شئ من الوهم لأنه يمنحنا طريقا محتملا للخروج .
محاولات الخروج هي محاولات لتضخيم حجم الكارثة والرؤية من خلال عدسة مكبرة ليس للنار التي ترتفع ولكن لمخلفاتها المتطايرة في كل الاتجاهات من خلايا الاجساد التي تنفصل بعد لحظة الانفجار الى ذرات الهواء التي تتحول الى سكاكين في جسد الفراغ وربما الرؤية الزمكانية بين انفجار ما وأثاره في اجساد الموجودات لايهم هنا ان يكون الجسد لحما بشريا او حيوانيا او جسد حائط وربما الوجع الذي يستشعرهُ جسد الزجاج وهو يتحول الى سكاكين بيد القاتل ,الرؤية من خلال هذه النتف المنتشرة .نتف اللحم والطابوق والزجاج ومحاولة تصدير مشاعرها قبل وبعد الانفلات من الجسد.
والحقيقة لا أحد منا يعرف متى سنخرج ولكن اؤكد مرة اخرى من المخجل حقا ان نخرج من دون نص هائل بحجم هذه العاصفة التي تحركنا بضياع غريب .
والسؤال هنا اي لغة تصلح لكتابة هكذا نص وهل تستوعب اللغة التي نكتب بها الان رؤية بهذا الحجم .
الجواب هنا مجرد احتمال اول ينفتح على احتمالات ورؤى مؤجلة ربما تصنعها الكتابة نفسها ولكن من المهم وضع الخطوط العريضة لهذا الشكل المحتمل اعتمادا على شكل وطبيعة المؤثرات .
فالعاصفة التي نتحرك نحن داخلها بشكل دائري صعودا وهبوطا والأشياء التي نرتطم بها وتعيق حركتنا داخل هذه الدائرة بنسق غير محدد يتطلب منا اولا كسر الانساق المحتملة داخل حركة دائرية بشكلها الافقي وفوضوية بشكلها العمودية ,اعني هنا ان على الشاعر ان يكسر انساقه الكتابية بين نص وأخر ولكن بطريقة تدور بنفس الوقت حول مركز العاصفة نفسها وان لايبتعد كثيرا عن مركزها ,بالتالي فأي شكل كتابي يتم انتاجه داخل النص نفسه وكل نص يجب ان يحمل شكله الكتابي الذي يتلاءم مع حركة الشاعر داخل العاصفة وان تحديد النص بأي انساق شكلية ثابتة يجرده من فعالية الاكتشاف داخل هذه ألحركة, النص هنا ينفلت من الشاعر ويتحرك بدوامات الواقع فيصطدم بالآخرين ويحاول تغيير حركتهم او على الاقل خلق نوع من الممانعة الفردية على أمل ان تتحول هذه الى ممانعة جماعية قد تدفعنا للخروج من هذه العاصفة ,النص هنا محاولة ممانعة حقيقية يصل للجميع بشكل واحد ويستخدم كل الآليات الموجودة من دون محددات مُسبقة.
هنا نضع للشعر مهمة محددة ,مهمة لاتصلح ربما لغيرنا ولكن يمكن تصديرها على اعتبار انها تجربة تمتلك من الغرابة والدهشة والوجع بالشكل الذي يمثل تجربة انسانية هائلة قابلة للاستقراء والتفاعل والتشكيل ,واللغة هنا يتم تطويعها لتلائم هذه التجربة وبما ان التجربة ذاتها متحركة ومتشكلة وتحمل اللاتوقع وتصل الى حدود اللامعنى فاللغة ايضا يجب ان تكون فاعلة ومتحركة ومتغيرة ,لاتمتلك نمطا معينا وليس لها قواعد ثابتة ويمكن ان تستغل كل التكوينات الصوتية والكتابية التي تدور داخل هذه العاصفة اما الشاعر فهو مكون ملتصق بغيره وذاته لاتبتعد كثيرا عن الذوات الاخرى التي تدور في نفس المحنة ,مما يعطي للشاعر دورا قياديا ولكن ليس بالشكل الرامبوي وإنما بالشكل التنبؤي الذي يدفع الاخرين بالمسير خلف الشاعر لأنه يمكنه ان يتوقع طرق الخلاص .
النص هو الشاعر ذاته وحركة النص هو استباق بخطوة واحدة فقط لحركة الشاعر وما ينتجه النص من تأثير تؤكده مباشرة حركة الشاعر لذلك اول مايفعله الشاعر هو الخروج من الغرف المقفلة والانزياح للحياة بكل تناقضاتها ووجعها والاهم في كل هذا هو الاستمرارية الذي تجعل النص والشاعر في حركة متناغمة داخل واقع فوضوي ,وهذا يتطلب تحديد هذه الحركات لا تجنبها حتى اذا منحت الشاعر شكل الفوضى مادام يمتلك الوعي اللازم لتغييرها لا الهروب منها والصراخ عليها من بعيد.
الحياة هي الكائن الاعلى وإنسانية الشاعر داخل هذه الحياة هي من تحرك النص واللغة هنا صوتية ,كتابية وحركية بالتالي فالشاعر يجب ان يكون منبريا بغض النظر عن شكل هذا المنبر ,منصة او شارع او مقبرة او حتى مزبلة ,المكان يقع ضمن حركة النص وجسد الشاعر يلتصق بجسد النص ويتبرعمان في مكان يجعل من الثلاثة (النص والشاعر والمكان) منبرا لجمهور قائم في الخارج لايحده مكان سوى حدود العاصفة ذاتها .
هذا النص الذي ندعو اليه قد يكون موجودا هنا او هناك في هذا الديوان او في تلك المجموعة الشعرية ولكن بدون تأسيس ومن دون رؤية ,هوانفلات للحظة الحقيقة من ذهن شاعر ما نريد ان تكون منهجا تؤسس لنص عراقي قادم ,نص يحمل كل سنوات الخراب ويكتب كلماته من الفحم المتبقي بعد انفجار ما..
هذا لايعني ان يتخلى الشعر عن أي من وظائفه الاخرى جمالية او بلاغية ولايعني الانزياح نحو المباشرة اوالضياع بالغرائبية والرمزية واستحضار البلاغة بصيغتها الكلاسيكية وإنما البحث في منطقة البلاغة التي تعتمد على المفارقة التي تخرج من رئة الواقع والتي تمنح لهذا الواقع رؤية مختلفة عن السائد وتحاول تحطيم الرؤى التي ساندت الخراب مع الاخذ بنظر الاعتبار تضمين هذا النص كل عوامل الجذب الداخلية والخارجية القادرة على سحب المتلقي لساحة النص ,هذا يتطلب ايضا شاعرا ذو حساسية كبيرة وقارئ جيد للواقع ,انساني ومحفز دائم ويمتلك كل اساليب البلاغة التي تجعل من نصه يحمل كل الرؤى الممكنة برغم الشكل الكتابي السهل ظاهريا والذي يخلو من التكلف والقصدية ويتخلص من كل القيود البلاغية كنتيجة مباشرة لسيطرته الكبيرة على زمام هذه البلاغة.
الدعوة هنا ليست محاولة في تشكيل حداثوي ولا قراءة لنصوص كُتبت سابقا ممكن ان تشكل رؤية شعرية جديدة وإنما دعوة لأعادة الشعر لحضن الواقع بدعوة مباشرة من الواقع نفسه الذي يحتاج الان لكل ادواته الممكنة للخروج من دوامات هذه العاصفة.
#سعد_عودة_رسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟