عماد عبد اللطيف سالم
كاتب وباحث
(Imad A.salim)
الحوار المتمدن-العدد: 4755 - 2015 / 3 / 21 - 23:28
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
في الحرب العراقية الأيرانية ، كان معنا نائب ضابط يحبّ مخالطة الجنود " الخريجين " .. ويقول عنهم انهم " مثقفّين " .. و " خوش يحجون " .
وكلما اشتدّ القصف ، وانحشَرْنا في المواضع " الشقيّة " ، جاء وانحشَرَ معنا . وبينما نحنُ نرتجف من الخوف ، كان هو لايملّ من الحديث ، عن دور سعد بن أبي وقّاص ، و رستم فرّخزاد ، في نشوب " القادسية الأولى " و اندلاع " القادسية الثانية " ، التي كنّا نُطحَنُ في وسطها " وإحنه لاماكلين ولا شاربين " كما يقول .
وفي يوم أسود من تلك الأيام ، قُتل نائب ضابط ، بسيط ، وطيّب القلب ، في الستينيات من عمره ، كان على وشك الأحالة على التقاعد بعد ايام قليلة ( لأسباب صحيّة ) ، بعد ان شارك في كلّ حروب العراق حتّى لحظة مقتله .
وبينما كانت القذائفُ تتساقط حولنا من كل حدب وصوب ، كان أحد جنود " الموضع الشَقّي " يبكي على مصير نائب الضابط الذي قُتِل ، دون ان ينعم بشيء من السلام في آخر عمره .
وهنا انبرى صديقنا نائب الضابط لتأنيبه قائلاً بصوتٍ طغى على كل انواع المتفجرّات :
شوف وليدي . في يوم من الأيام مرّ الرسول الكريم بأمرأةٍ تولولُ بصوتٍ عالٍ ، وتضربُ بقوّة على صدرها ، وتخمشُ خدّيها ، وتُهيلُ التراب على رأسها . فقال لها الرسول : مابك يا امرأة ؟ فقالت : لقد مات ابني يارسول الله . فقال لها : كم هو عمر ابنكِ يا امرأة ؟ فقالت : أكثر من مائة عام يارسول الله . فقال لها الرسول : " اصمتي يا ..... " !!؟؟
وهنا نسينا القصف والحرب ، و " نوع " القادسيّة .. ولم يبق فينا ماركسي " لينيني " أو ماركسي " ماوي " ، أو وجودي " سارتري " ، أو "سيّد " ابن سيّد ، أو بعثي ، أو " مُنتمٍ حتّى وأن لم ينتمي " أو " مستقّل " فكريّاً ، أو " سائر في خط الحزب والثورة " .. لم يوبّخ صديقنا نائب الضابط ، و يعترض على روايته للواقعة . لقد صرخنا في وجهه صرخة رجل واحد قائلين : استغفِر ربّك عمّي . لا يمكن لرسول الله ان يستخدم الفاظاً كهذه . انه رسول الله .
ودون خوف من الشظايا التي كانت تطِنُّ وتتطاير فوق رؤوسنا كنحلٍ هائج ، وقف نائب الضابط الذي كان إلى تلك اللحظة ( صديق الخريجين و نصير المثقّفين ) على قدميه ، ونصف جسده كان قد أصبح خارج " الموضع " ، وصاح بنا بغضب :
- لا أشو كَال .
من كان بأمكانه الردّ على محتوى " السرد " الذي اختاره نائب الضابط لتلك " الواقعة " ، في تلك اللحظات السوداء ؟
لا أحد .
فكُلّنا الآن ، هنا ، في هذه الحفرة السوداء .. نتقاسمُ موتنا وخبزنا الأسود مع الجميع .. ولم يكن أحدٌ منّا هناك .
نعم . لم يكن أحدٌ منّا هناك .
وكل حرب .. والرواةُ بخير .
#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)
Imad_A.salim#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟