عايد سعيد السراج
الحوار المتمدن-العدد: 4753 - 2015 / 3 / 19 - 16:33
المحور:
الادب والفن
شهلا عبد العظيم العجيلي - وعين الهرّ(القصة الرقية )
*عايد سعيد السِّراج
كاتبة تنقل لك الواقع بيدين من ذهب , وترسم لوحات مختلفة ومتناقضة , بريشة فنان ماهر يقذف الأحداث بوجه العالم , ليكمل لوحته المتباينة الألوان بوجه القارئ , وتتركه أكثر تساؤلاً وارتياباً من الذي جرى في الواقع , وما هو جار ٍ في عالم الرواية ، واقعية – ترى الكاتبة تتركها تعتصر المدينة بيدها , تشتم رائحتها , تغار عليها , وتؤرقها طيبة أهلها , فتلعن أشياءهم , ولا تنام على وسائدهم الخالية , بل يؤرقها الحجر , والطبيعة , والنهر وإدمانهم على الخنوع , هي المرأة التي تحتد وتصرخ , فلا ترى إلا أحاسيسها , مجيبة لها , فتأكل ذاتها , ويظل الألم هو الوحيد الباقي لديها , في عالم ذهب بعيداً عن الجذور , إذ العمة سيدة الوفاء , باقية في الذاكرة , تُلهب حنين الصبا , فهي منحازة إلى المرأة 0 إذ هي الأ درى , أليست الكاتبة امرأة من طلسم هذا العالم المملوء بالضلالات الكئيبة , التي كانت وما زالت تئـِدُ روح النساء , ومن مثل امرأة أكثر عمقاً ورؤيوية , يرى , ويحاول تفكيك هذا العالم الذي قدّ من هزائم جعل عالم المرأة مسرحاً , لتبرير جميع خيبات عوالم الرجال
( أيوبة ) هي الشخصية المحورية في العمل الروائي للكاتبة – شهلا العجيلي- فالكاتبة تترك هذه الشخصية المحورية – تأخذك ومنذ بدء نطقها , حيث يظل هاجسك هذه الأيوبة التي تتحرك على مدى الصفحات الماءة وخمسة وخمسين في العمل الأدبي , تعيش معها طفولتها – إذ هي ومنذ صغرها قادرة على طرح الأسئلة الصعبة , الأسئلة الأكثر عفوية وحرية لطفلة في المرحلة الابتدائية من الدراسة , أسئلة تجعلها في حيرة من أمرها , أسئلة غالباً ليس لها إجابات , فالأم الطيبة الودودة القانعة بكل شيء , والتي ليس لها سوى رأسمال واحد في هذه الحياة ألا وهي الحفاظ على أولادها , وابعاد أيوبة عن المأساة التي تعيش , أمام سلطان أب متجبر , لا يرى في الحياة إلا ذاته , ونشوته لا لشيء , فقط لأنه رجل يأمر وينهى ويفعل ما يشاء , في هذا الجو الخانق المملوء بالشرور والكراهية واحتقار الآخر – تنشئ – أيوبة – الذكية الجميلة – النبيهة التي ليس للضيم من مكمن في نفسها , رغم المحيط الذي سلب منها ومن والدتها كل شيء , وعلى النقيض من الترويض الشرس , تظل الشمعة الداخلية تضيء أعماقها , لتظل أكثر تأرقاً وحيرة من هذا المحيط الذي يمنع الهواء
(( كان أبي قد قتل كل إحساس بالأنوثة لدى أمي ، لم يكن يعدّها زوجة إلا من أجل أن ينسب إليها كل ّ خطأ أو فشل يحصل في البيت , أو حتى في العمل , حتى مزاحها لم يكن يحتمله , ضحكاتها القليلة لا يحتملها , وحينما يتناقشان , كان صوته يعلو ليتحول النقاش إلى معركة حقيقية , مع استخفاف بآرائها , وشيئاً فشيئاً , راح اليأس يطوي كل معرفة , أو ثقة , أو كلام لديها , فقدت قدرتها على العيش الطبيعي – حقاً نجح في أن يجعلها بلهاء ))0
وتستمر الكاتبة في فضح هذا العالم المزيف , المليء بالكثير من المتناقضات والزيف والقهر المركب في دو اخل الإنسان , ورغم ذلك تظل هذه المرأة الأم وفية لأمومتها , فقد يُفقدونها كل شيء ما عدا إنسانيتها , ومشاعر الأمومة لديها 0 رغم الاضطهاد غير الإنساني الذي ينالها منه الكثير , ويفيض لتُورِّث ابنتها – أيوبة – ما طفح منه , فتعيش عوالم من المآسي – تبدأ بإخراجها عنوة من المدرسة , وارتداءها الإشارب منذ الصغر , وبعد ذلك تتويجها ملكة للمأساة بتزويجها صغيرة , لرجل لم تر وجهه , يهبط فوق جسدها الغض وحشاً بأنفاس كريهة , وهكذا نتعايش مع – أيوبة – في عوالمها المختلفة , فتاة بائسة , ومطلقة تُشردها الحياة , لتُستقبل محظية – في عوالم أثرياء التجارة – بين مدينة – حلب – ومدينة – دبي – لترى عوالم المنعّمين وما ينتابها من بريق خارجي , كالأحجار الكريمة ودواخلها من نحاس – عالم مزيف من الرأس حتى أخمص القدمين وتظل تدور مع الكاتبة – وهي تُدوِّر شخوصها – وترصد حيواتهم – وهذه البـُلهـْنية التي يعيشون وكأنها قدت من غباء – رصدت الكاتبة هذا الشكل الخارجي للقصور الفارهة – وللعمارات المتطاولة إلى السماء , وتلك النسوة الثريات المستحمات بالطيب والآ ّئِي ْ ،حتى الغباء لايني يتقاطر منهن , كنساء من لحم طري على مذابح الجهالة , وتحكم سلطان الرجال المترعين بالمال ،
حيث – ايوبة – صرخة تحد وضمير , يرفض عالم البريق المنافق , ليعيش حراً مع روائح المسك والكافور واللبان , تعطرهن روائح الجنائن التي تتواصل مع عبق اللذات الصمدية في بروج السحر الإلاهي , ونشوة التكبير للجسد المتناغم مع مزامير الوجد الصوفي , حيث الروح تتغايب عن الجسد المتهالك لتشع بنورانيات الصفاء , ويظل الوحيد الباقي للذات البشرية – هذا النورالنّوار الذي يضيء الداخل , بعيداً عن عفونتهم ووخمهم الآدمي
فالكاتبة تصر على المدنية في أماكنها – فالمدن هي أساس العيش – عمان – حلب – دبي – الرقة – وناسها يعملون بالتجارة , وتسترهم الحيطان المرتفعة , فلا مجال إلا ّ للنظر إلى كواكب السماء , رغم الانتماء العميق إلى شواطئ الفرات , ومقابر الأهل ، ولكنها ترى الأشياء بمنظار أبنة المدينة ( المدنية ) وتؤكد على دور العلم والمعرفة والثقافة في حياة شخوصها , فهي على سفر – وترحالها دائماً إلى مدن بعيدة أوقريبة فالسفر – هو الحركة وهو الخلاص من رتابة الحياة – وديمومته هي التجدد والبحث عن الطهر الداخلي – كسبّحات أيوبة
- شهلا العجيلي – روائية متميزة – يشدك عملها , (عين الهرّ) – منذ الصفحات الأولى – وتنتهي من قراءة الرواية – دون أن تصاب بعسر الهضم – فالرواية – لها طيب – بعد أن تخْلص من قراءتها تقول: ماذا قرأت , وربما تلوي عنقك , ولكن ما أن تفطن لذاتك حتى ترى أنك دخلت في عوالم الرواية – البسيطة– حيث الجمل تعرف وظيفتها , والشخوص يحتاجون منك إلى النظر عميقاً إلى أعماقهم , فتبدأ آنئذ ٍ تشدك الأسئلة , فتحاول مرة أخرى , العودة لقراءة العمل السهل الممتنع لكي لا تظلم نفسك من قراءته في المرة الثانية , ليس من الإمتاع فقط بل لتحكم عليه بعقلية القارئ الحصيف , المكان مدن وأحياء تضج بالحياة , والزمان يتناسب مع حياة كاملة لبطلة الرواية , الذي يمتد سن الطفولة إلى اقتراب الكهولة , فهو فوار في بداية الرواية يضج بالحركة الداخلية الممتدة مع الأمكنة , وهادئ ومستقر بجانب الأماكن المقدسة ( الجامع ) حيث تستقر أيوبة – ويستمر الزمن بطيئاً ومتكاسلاً في نهاية العمل , كسبّحات الشخصية المحورية في الرواية , حيث الزمن الآخر – للكاتبة – لا يقف عند حده , في السفر والذهاب والإياب والخطف خلفاً , أو الهروب أماماً , متحاوراً مع الزمان الداخلي النزق للكاتبة , حيث هناك في الرواية – زمنين – متحركين – واحد داخلي – وآخر خارجي – يجعلان للأمكنة طعم العيش المليء بالإحساس , مما ترك الجملة تسترسل لتوظف الحدث بلا مواربة, فتترك القارئ أسير الحالة , بلا إرباك أو غموض , أو أية بهرجة كلامية – من التي يستخدمها البعض ، بسبب العجز لكيفية توظيف الشخوص والمكان - فيلجؤن الى بهرج الكلام والمثاقفة المجانية
* عين الهرّ – رواية –
* المؤلفة – شهلا العجيلي – الطبعة الأولى /2006/ -
* المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت
*تم –في-30 -1-2007م ---- محبتي
#عايد_سعيد_السراج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟