أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نبيل عودة - فلسفة مبسطة: الإدعاء الدائري















المزيد.....

فلسفة مبسطة: الإدعاء الدائري


نبيل عودة
كاتب وباحث

(Nabeel Oudeh)


الحوار المتمدن-العدد: 4753 - 2015 / 3 / 19 - 16:32
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


فلسفة مبسطة: الإدعاء الدائري
وقصة: شتاء بارد جدا جدا
ما هو الادعاء الدائري؟
هو محاولة إثبات ادعاء ما بالاعتماد على الإدعاء نفسه. هذا الإدعاء يحمل في مضمونه روح نقضه، بل وقد يشكل حالة ساخرة تبعث على الضحك، كما سأبين ذلك لاحقا بالقصة..
من الممكن مثلا مشاهدة شخص يركض لمجمع تجاري لشراء بعض احتياجاته، سيلفت الانتباه، فورا ينتشر الخبر ان المجمع التجاري يبيع بأسعار رخيصة.. وسنجد عشرات بل مئات قد اقتنعوا وشدوا الخطى للمجمع التجاري.
هذه يسمى ادعاء دائري. أي الارتكاز على "نقطة قطع" لموضوع معين.
مثلا في الرواية أو القصة توجد "نقطة قطع"، وهي التي تشكل المفاجأة.. وهي هامة جدا، نلاحظها أكثر بالطرفة أو بالأغنية..
نقطة القطع قد تجعل القارئ يعيد القراءة مرة أخرى.. ليستوعب الرموز الروائية ( "رموز تلميح" كما تسميها الفلسفة) التي لم يلحظها القارئ في القراءة الأولى، والان بعد المفاجأة ( نقطة القطع) يقرا ليتمتع أكثر بما غاب عنه في القراءة الأولى ليعيش المفاجأة بوعيه – بمعرفته الكاملة!!
الادعاء الدائري هو نفسه الإثبات الدائري لأنه ينطلق من نفس الحالة. في اللاتينية يسمى (circulus in probando ) البعض يترجمه ب"الافتراض المرغوب" لأنه ادعاء لإثبات افتراض مسبق بدون أي براهين خاصة. أي ادعاء بحد ذاته غير مقنع، لكن صاحب الإدعاء يلبسه ثوب جديد(نفس السيدة لكن بلباس آخر) نحن هنا أمام أشكال تتابعية تبدو محكمة إلى حد ما، لكن التفكير المنطقي يثبت انها بعيدة عن ان تكون معقولة.
مثلا لو قلنا ان زياد لا يكذب. الافتراض ان من لا يكذب يقول الصدق دائما. إذن الاستنتاج ان زياد يقول الحقيقة دائما..!!
من ناحية مرادفات لغوية هذا صحيح، لكن المنطق لا يقبل هذا الافتراض كأمر نهائي لأنه افتراض غير عقلاني.
طبعا هذا فشلا عقليا دارجا في المجتمعات البشرية بأشكال متفاوتة، خاصة بمجال الإيمان الديني والغيبيات. الإيمان ينتقل بالوراثة بدون تفكير وبدون تحكيم الوعي حتى بشكله البسيط. خطر هذا "الادعاء الدائري" أو "الإيمان الدائري" أنه يقود الإنسان إلى داخل إطار يفقده وعيه الخاص، يشل قدراته العقلية بموضوع الدين وغيبيات الدين، تصبح الخوارق حقائق حتى لدى أشخاص يحملون أعلى الشهادات الجامعية. الغيبيات تجعلهم أشبه بالببغاوات.. أو بالروبوت المبرمج سلفا.
قال احد الحكماء: "حدث إنسان عاقل بما هو غير عقلاني. اذا قبله فهو بدون عقل!!"
ان الادعاء الدائري يحتاج احيانا ، بل على الأغلب إلى إثباتات لا تقل بجوهرها عن الإدعاء نفسه. أساطير كثيرة نرويها لأطفالنا عن أمور خارقة، مثلا حصان له جناحان ويطير. أو حيوانات تتكلم لغة البشر. أطفالنا تعجبهم هذه القصص وتُطور خيالهم. لكن كيف يمكن ان نقيم عقل إنسان واع يقبل قصصا مشابهة أو غير مشابهة لكنها قصص تروي معجزات تملأ كتب الدين بكل أنواعها؟
الفيلسوف الإغريقي أرسطو في كتابه "تحليلات مبكرة" عالج هذا الموضوع وهو الذي اوجد الاصطلاح الدارج اليوم – الإدعاء الدائري.
الافتراض الذي يحتاج إلى إثبات هو ليس علميا، لذا إثباته هو افتراض آخر. العلم كما نعلم مبني على ثلاثة مراحل: أولا الفرضية.. الفرضية وتعني طرح أو تفسير مقترح لظاهرة منطقية تطرح علاقة ارتباط بين ظواهر متعددة. عادة الافتراض هو وجهة نظر غير مثبتة علميا إلا بافتراضات قابلة للنقض والسقوط أو التغيير أو التطوير إلى شبه نظرية ثم نظرية علمية. المرحلة الثانية هي النظرية، طبعا هنا الجانب العلمي واضح،نظرية النسبية مثلا لألبرت أينشتاين (1879 – 1955) يهودي ألماني هاجر إلى أمريكا، من أهم علماء الفيزياء، واضع النظرية النسبية الخاصة والنظرية النسبية العامة الشهيرتين اللتان كانتا اللبنة الأولى للفيزياء النظرية الحديثة. إذن النظرية قابلة للتطوير والتغير، لا يمكن نفي علميتها. المرحلة الثالثة هو القانون وهو غير قابل للنقض، أي علمي تماما مثل قانون الجاذبية للعالم الإنجليزي إسحاق نيوتن (1642 - 1727) الذي يعد من أبرز العلماء مساهمة في الفيزياء والرياضيات عبر العصور وأحد رموز الثورة العلمية..
لدي قصة توضح بشكل ساخر الإدعاء الدائري:
شتاء بارد جدا جدا / نبيل عودة

الزعيم الجديد لقبيلة من الهنود الحمر، القاطنين في محمية طبيعية في أمريكا بعد هزيمتهم على أيدي البيض.. لم يتعلم طرق أجداده في الكشف عن الآتي، وخاصة معرفة ما سيكون عليه فصل الشتاء من أمطار وبرد..
كان فصل الشتاء على الأبواب، أراد زعيم قبيلة الهنود الحمر ان يعرف حال الشتاء القادم، وهل سيكون باردا .. أم لطيفا ؟ وكيف سيوجه أبناء قبيلته للاستعداد للشتاء؟ ما هي النصائح الصحيحة من اجل الاستعداد للشتاء؟
لعدم خبرته بأساليب أبائه وأجداده في الكشف عن حال الطقس والتنبؤ بما سيكون عليه الشتاء من برد، قرر أن الإحتياط أفضل، لذا دعا أبناء قبيلته إلى جمع الحطب استعدادا لشتاء بارد. بدا أبناء القبيلة بجمع الحطب استعدادا لشتاء بارد. من أجل التأكد من قراراته، اتصل زعيم القبيلة بدائرة الأحوال الجوية مستفسرا عن توقعاتهم للشتاء القادم.. وهل سيكون باردا؟ قالوا انهم يتوقعون شتاء باردا. اطمأن لقراره وشجع قبيلته على جمع المزيد من الحطب.
تراكمت كميات كبيرة جدا من الحطب، أبناء القبيلة بدؤوا يتشاورن عن أفضل الطرق لمواجهة الشتاء القارص الذي يقترب منهم. جمعوا الكثير من الطعام أيضا خوفا من ان تغلق الطرق بسبب الثلوج.
بعد أسابيع اتصل زعيم القبيلة مرة أخرى بدائرة الأرصاد الجوية، ليطمئن على صحة قراراته. قالوا أنهم حقا يتوقعون شتاء باردا جدا جدا. بناء على ذلك أصدر توجيهاته بجمع المزيد والمزيد من الحطب لأن الشتاء سيكون باردا جدا جدا...وقد يكون طويلا أيضا أكثر من فصول الشتاء السابقة. أصيبت محمية الهنود بقلق كبير، جددوا جمع الحطب حتى من أماكن بعيد جدا، كي لا يفاجئهم الشتاء ببرده وثلوجه. أضحت المحمية مخزنا هائلا للحطب... فقط ممرات ضيقة ظلت مفتوحة بين البيوت من اجل حالات الطوارئ.
عاد زعيم القبيلة للاتصال مع دائرة الأرصاد الجوية .. حتى يطمئن على سلامة قراراته بجمع الحطب، اذ كان فصل الشتاء قد بدأ ولا يظهر البرد الشديد، فهل تكون كميات الحطب التي ملأت بيوت وساحات المحمية الطبيعية بلا فائدة، وتظل متراكمة في الصيف القادم في مكانها ؟
سأل زعيم القبيلة المسئول في دائرة الأرصاد الجوية:
- هل حقا انتم متأكدون ان هذا الشتاء سيكون باردا جدا ؟
- أجل باردا جدا جدا !!
- وكيف تأكدتم من ذلك؟
أجابه المسئول: نحن متأكدون ان الشتاء سيكون باردا جدا لأن الهنود الحمر في المحمية المجاورة يجمعون الحطب بشكل جنوني .. لذلك عرفنا إننا مقبلون على شتاء بارد جدا جدا!!

[email protected]



#نبيل_عودة (هاشتاغ)       Nabeel_Oudeh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انتصار نتنياهو: سيطرة دولة المستوطنين على دولة إسرائيل!!
- سنة على انتخاب رئيس بلدية الناصرة علي سلام: لتتحالف كل القوى ...
- حماة الوطن...
- فلسفة مبسطة: الفلسفة التجريبية - وقصة فلسفية
- الأمنية...
- فلسفة مبسطة: الأنانية الأخلاقية
- احتفال للنسيان
- الجواهر...!
- خطاب نتنياهو: لامع وفارغ..!!
- هل التطرف الديني بديل لعصر التنوير العربي؟!
- جسران وعالمان...!!
- فلسفة مبسطة: -الإمباتيا- أو الدخول في أحاسيس الآخر!!
- الخنزيرة سيدة محترمة…
- الكتاب الذي لم يعرفه سعيد
- خواطر سياسية: ما الذي يخفيه -استفزاز- نتنياهو للإدارة الأمري ...
- الشرق والغرب لا ينفصلان...!
- فلسفة مبسطة: الفلسفة العملية
- ليس بالصلاة فقط..!!
- نتنياهو قوميسار سياسي جديد- جدانوف إسرائيلي
- فلسفة مبسطة: حتمية اجتماعية أم إرادة حرة؟


المزيد.....




- برلمان كوريا الجنوبية يصوت على منع الرئيس من فرض الأحكام الع ...
- إعلان الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. شاهد ما الذي يعنيه ...
- ماسك يحذر من أكبر تهديد للبشرية
- مسلحو المعارضة يتجولون داخل قصر رئاسي في حلب
- العراق يحظر التحويلات المالية الخاصة بمشاهير تيك توك.. ما ال ...
- اجتماع طارئ للجامعة العربية بطلب من سوريا
- هاليفي يتحدث عما سيكتشفه حزب الله حال انسحاب انسحاب الجيش ال ...
- ماسك يتوقع إفلاس الولايات المتحدة
- مجلس سوريا الديمقراطية يحذر من مخاطر استغلال -داعش- للتصعيد ...
- موتورولا تعلن عن هاتفها الجديد لشبكات 5G


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نبيل عودة - فلسفة مبسطة: الإدعاء الدائري