|
فساد أم إفساد الدولة
هشام حمدي
الحوار المتمدن-العدد: 4751 - 2015 / 3 / 17 - 21:54
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا شيء منظم في البلاد عدا الفساد، عناصره عبارة عن مافيا تفوقوا حتى على أعتى العصابات المنظمة التي تتخذ من الإجرام مهنة لها خصوصا في إيطاليا، نفوذها متعدد ومتمدد الفروع في جميع المناصب صغيرة ووضيعة كانت أم كبيرة ورفيعة، هدفها القضاء على كل حلم واستعداء كل أمل وتعطيل المشاريع الجادة وإقصاء كل موهبة واعدة، شرير أنت في نظرهم إذا كنت من أصحاب الموهبة وخطر أنت عليهم إذا كنت من ذوي الكفاءة والخبرة. مواطنون بدون مبادئ مثل الأشجار الجرداء والبيداء القاحلة، إنهم كواحة تأمل فيها فيئ النخيل الظليل، حتى إذا دنوت منها حرقت أقدامك رمالها، وأصابت رأسك ضربة شمسها. المفسدون لا يحبون إلا الوصوليين الانتهازيين، ولا يعشقون إلا الأصغار ولا يستكينون إلا للعاجزين والفاشلين ولا يطمئنون إلا للكاذبين المنافقين. إذا أراد أحد الاستثمار في هذا الوطن شنوا عليه الحرب بإطلاق الإشاعات عليه أو وضعوا أمامه العراقيل والصعوبات، لا يحتملون رؤية مواطن مرفوع الرأس ويريدونه منحنِيَ الشهامة متدني الهامة، المفسدون يجاهدون ويجتهدون في إكثار الخرائب والزيادة في الضرائب، المفسدون يجعلون من الحجارة قلادة يلقونها على من يخدم البلاد ومن الطوب نيشانا يُنعَم به على أي مواطن فكر في العمل لمصلحة العباد، المفسدون يعملون بكدٍ وجَدٍ حتى تكف عن مقاومتك وكفاحك لتصبح مشاهدا مسلوب الإرادة ومتتبعا جاهلا وكسولا. إفساد للدولة حين تقرأ أو يبلغ إلى مسامعك أن مسؤولا يسرق وينهب الدولة وهذه الأخيرة لم تكتف فقط بالتستر عليه وعدم تقديمه للقضاء بل تستميت في الدفاع عنه والذود عليه وحمايته، إفساد للدولة حين تدرك أن مواطنين يخدمون وطنا قاضاهم وانقض عليهم، إفساد للدولة حين تعلم أن مواطنين قدسوا العمل لوطن دنس سمعتهم وكنس مجهودهم ولوث صورهم ونال من شرفهم وعرضهم وتجعلهم يشعرون بالندم على التضحية بالثروة والصحة والحياة لأجل هذا الوطن. إذا أردت ببساطة أن تنقب وتراقب أخطبوط الفساد، فلن تجد صعوبة في إيجاد أرجله المتفرعة التي توجد وتملأ كل مناحي الوزارات ومصالحها والشركات العمومية والشبه العمومية بمديرياتها، أو بقراءة لن تأخذ من وقتك الثمين " أزعم أن وقتك كذلك " لتقارير المجلس الأعلى للحسابات التي تتيح لك أيها المواطن معرفة أسماء المسؤولين الكبار الأعضاء في هذه المافيا الذين أرغموا شبابا، جاء من الخارج حاملين سلاح المعرفة العلمية العالمية والخبرة العملية الدولية ليفيدوا ويستفيدوا ويشتركوا ويشاركوا في وضع لبنات التقدم والرقي، للعودة من حيث أتوا بضرر نفسي ينخرهم وطعم المرارة تفتك بهم والخيبة تلحق بهم، لأنهم وجدوا في كل موضع رجل عقبة وفي كل مقعد مسمار وفي كل ممر حفرة. وفي أي وطن آخر حكومته ديموقراطية وتحترم دستورها قبل قوانينها، لوجدت أعضاء نادي الفساد اعتقلوا وقدموا للقضاء ليقول حكمه فيهم بتهم تخريب الاقتصاد وخيانة أمانة العباد، لكن في مغربنا الطيب جدا الذي يقول دستوره في الفصل الأول منه بفصل السلط وتوازنها وتعاونها والديموقراطية المواطنة والتشاركية، وعلى مبادئ الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة، نجده يرقي تارة بعضهم وأخرى يستبقيهم بل ويكافئهم بمناصب أعلى وأسمى، هذه هي طريقة مسؤولينا في وطننا المغرب الذي كذبوا علينا بشعاراتهم الرنانة من قبيل تعزيز آليات الحكامة الجيدة، وتخليق الحياة العامة، ومحاربة الفساد، ومراقبة المال العام، وترسيخ مبادئ الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة، وعدم الإفلات من العقاب، وإنشاء هيأة وطنية للنزاهة ومحاربة الرشوة والوقاية منها. تخيل معي عزيزي القارئ، لولا مؤسسة الفساد لما كان هذا التراجع والتخلف، لعرف الدرهم ارتفاعا ينافس اليورو ولما بقي مواطن يشكو العطالة وقلة المداخيل، ولاستقطبت الرساميل والاستثمارات وكثرت المصانع وازدادت المعامل، وعم الازدهار وساد الرخاء.
إن كل مفسد هو من لا يتحرج ولا يشعر بالخجل في وضع المتاريس والعراقيل والإشكالات في طريق بناء هذا الوطن، إنه يطعن من الخلف ظهر هذا الوطن تارة بسيفه وأخرى بسكينه والطعنة هنا لا تهم لكن حجم السيف أو السكين هو الموجع، ويغتال مواطني هذا الوطن بإفساد أي تحصيل مدرسي علمي معرفي أو محصول فلاحي أو منتوج صناعي.
أخيرا، إذا كان كل راع بالفساد مضروبا، فمن العادي أن تكون شيمة رعيته الغش والإفساد، والامام الشافعي الذي قال ذات يوم " ومَنْ طَلبَ العُلا سَهرَ الليالي " لم يعرف أو يعلم أنه أصبح بإمكان المفسد أن ينام قرير العين ويغير سهر الليالي بدفع الرشاوي للحصول على حكم براءة بطريقة عفو قانونية أو آلية غير شرعية سياسية، المفسدون مازالوا بيننا ومرتاحون في أعمالهم وعملهم، ولأن مقالي هذا هو مساهمة بسيطة لتعرية وكشف فساد فإني أمشي على خطى إيقاعهم، الأهم إخراج طبق كلمات المقالة حاسما وناضجا نضوج وعيك ونباهتك أيها القارئ.
الإنسانية هي الحل
#هشام_حمدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإعلام الافتراضي ومواطنو التواصل الاجتماعي
-
الاستهلاك حرب إيديولوجية جديدة
-
الإساءة للرسول وأنموذج شارلي إبدو
-
إنسانية الإنسان بين مطرقة التدمير وسندان التعمير
-
متلازمة فلسطين..... (غزة) و الهوان
-
التراث الفكري الإسلامي القديم بين تنقيح وتصحيح أم تجديد! ؟
-
أنا أعتذر، إذن أنا موجود
-
القوة الناعمة....الجيل الرابع من الحروب
-
أنفاق حماس...معابر غزة... حدود فلسطين
المزيد.....
-
-لا يتبع قوانين السجن ويحاول التلاعب بالشهود-.. إليكم ما نعر
...
-
نظام روما: حين سعى العالم لمحكمة دولية تُحاسب مجرمي الحروب
-
لأول مرة منذ 13 عامًا.. قبرص تحقق قفزة تاريخية في التصنيف ا
...
-
أمطار غزيرة تضرب شمال كاليفورنيا مسببة فيضانات وانزلاقات أرض
...
-
عملية مركّبة للقسام في رفح والاحتلال ينذر بإخلاء مناطق بحي ا
...
-
إيكونوميست: هذه تداعيات تبدل أحوال الدعم السريع في السودان
-
حزب إنصاف يستعد لمظاهرات بإسلام آباد والحكومة تغلق الطرق
-
من هو الحاخام الذي اختفى في الإمارات.. وحقائق عن -حباد-
-
بيان للجيش الإسرائيلي بعد اللقطات التي نشرتها حماس
-
اختتام أعمال المنتدى الخامس للسلام والأمن في دهوك
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|