جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 4749 - 2015 / 3 / 15 - 19:57
المحور:
المجتمع المدني
منذ أن وعيتُ على هذه الدنيا وأنا أعمل في العمل الثقافي في وسط عالم لا يميز بين العدل وبين الحاكم العادل المستبد برأيه, الذي يريد من كل الناس أن تلبس على مقاسه الضيّق, ولي أكثر من ربع قرن وأنا أحرث في البحر وأزرع في الرمل وألعقُ الملح والحصى والتراب بلساني, لم أرّ يوما جميلا من حياتي لأحسبه على نفسي, لم أرَ عيدا للثقافة ولا للسياسة ولم ألبس إلا من ملابس غيري , وعملت خمس سنوات تقريبا في العمل السياسي ولكن يئستُ منذ البداية لأنني لم أصطدم إلا بالمخبرين وبالانتهازيين الذين يريدون شراء الذمم بأموالهم وشراء الجنس بدل بذل الحب والعطف والرعاية للمرأة, منذ أن وعيتُ على هذه الدنيا وأنا أناضل وأجاهد بالعقول المتحجرة التي لا تعرفُ من الثقافة ولا حتى أسمها, منذ أن وعيتُ على هذه الدنيا وأنا أمشي في الظلام الدامس حاملا بيدي مشاعر النور والضياء للذين يطعنوني من الخلف ومن الأمام , هنا عالمٌ لا يعرف عن الحرية إلا حقهم بضرب الثقافة والتنوير, هنا يطالبون المرأة بأن تتحجب عن أعين الرجال ولا يطالبوا الرجال برفع مستواهم الفكري وبرفع نظرتهم للمرأة, هنا لا يرون في المرأة إلا مكانا لكب نفاياتهم وخستهم ونذالتهم, هنا لا يرفعون من مستوى أخلاقهم حين يرون امرأة جميلة متمدنة ويطالبون المرأة بالعفة ولا يطالبوا أنفسهم برفع مستواهم الثقافي, حتى عنترة العبسي في العصور التي اتهموها بالجهل كان يرفع من مستواه الأخلاقي حين يلاحظ سيقان امرأة تظهر له حين تكشف الرياح عن ساقيها فيقول: وأغضُ طرفي ما بدت لي جارتي...حتى يواري جارتي مثواها, هنا هم الجهلاء والذين عاشوا في العصر الجاهلي أكثر أخلاقا منهم من ناحية المستوى والمضمون, منذ أن وعيتُ على هذه الدنيا وأنا أناشدُ العالم بالسلام وأطالب بحق الآخرين بالتعايش معنا من مسلمين ويهود ومسيحيين وحتى بوذيين, منذ أن وعيتُ على هذه الدنيا وكل الناس والأهل والأصدقاء والجيران يعادونني ويلحقون بي الأذى, منذ أن وعيت على هذه الدنيا وأنا أتمنى أن أعيش يوما كاملا فيه حلاوة الروح وصفاء الذهن وراحة البال, منذُ أن استيقظتُ على وجه الوجود وأنا ألملم بأوراقي وكتبي وقصائد شعري, لأصور للناس الحياة وأزينها للذين يطيقون عنها صبرا, حاولتُ جاهدا نشر ثقافة المحبة والعدل والإخاء والمساواة بين الناس, ناديتُ بالسلام العالمي بين المسلمين والمسلمين والمسيحيين والمسيحيين واليهود واليهود, فنحن بحاجة إلى نشر السلام أيضا بين أصحاب الدين الواحد على اختلاف المذاهب بينهم وتعددها, نحن بحاجة لنشر السلام وتحقيق التفاهم بين المسلمين أنفسهم قبل أن ننادي بالسلام وتحقيقه بين أصحاب الأديان والمعتقدات المختلفة, منذُ أن وضعتُ قدمي على بداية هذا الطريق وأنا أحاولُ أن أشقُ طريقي في الصخر, حاولتُ رسم الابتسامة ع7لى وجوه الأطفال والثكلى والحزانا, منذ أن بدأتُ أشعر بدماء الثقافة تمشي في عروقي وأنا أحاول أن أقول للمسلمين بأنهم ليسوا وحدهم على هذا الكوكب, وبأن هنالك أناسٌ سبقوهم إلى الحضارة منذ زمن بعيد وبأنه اليوم يوجد هنالك أناس أيضا تقدموا عليهم في مجالات التكنولوجيا الاجتماعية, هؤلاء القوم وهم قومي ما زالوا يعيشون في ظلام القرون الوسطى ويحاولوا فتح الأرض وهم لم يجربوا أن يفتحوا كتابا, هؤلاء العرب أعداء الحرية والثقافة والمساواة.
أنا أعيش بين أناسٍ لا يحترمون الثقافة ولا المثقفين, أعيش مع أناسٍ لا يعرفون من السياسة والديمقراطية ولا حتى أسمها, هنا لا أحد يستلذُ إلا بطعم الدم وهو ينزف, هنا أناس لا يتذوقون إلا لون الشر ويستمتعون بقطع الرؤوس , هنا عصابات تحاول أن تكون دولة, وهنا دول عربية لا هي دينية ولا هي علمانية ولا هي ديموغراطية غير أنها عبارة عن دول فيها عصابات قانونية من شِلل مكونة من أغبياء وجهال يتصورون أنهم يحكمون الناس بالعدل وبالمساواة, هنا أناس لا يعرفون الحب ولا الرومانسية ولا يستذكرون من النساء إلا النكاح الثنائي والثلاثي والرباعي , هنا أقوام يهزؤون باتفاقية سيداو ويلاحقوا المثقفين والسياسيين بشتى وسائل الملاحقات الأمنية, هنا المعارضة والأحزاب التجميلية تشرفُ عليها أجهزة المخابرات وأمناء الأحزاب موظفون لدى أجهزة المخابرات ومدراء النقابات ورؤساء الجمعيات, هنا كل شيء عبارة عن حركات تجميلية وعبارة عن خِدع بصرية, هنا ليس للمثقف أن يعيش بأمان وليس للسياسي أن يعيش بأمان وليس للحزبي أن يعيش بأمان, هنا يزرعون الشوك في الطرقات ويبنون السجون في الأماكن التي من الواجب عليهم فيها أـن يبنوا بمحلها المنتزهات ومؤسسات المجتمع المدني, هنا المثقف والفنان ينزفُ من شِدة الجوع حتى الموت, هنا لا يمكن للفنان الحقيقي أن يشبع من الخبز أو أن يرتوي من الماء, هنا لا يمكن أن يصلوا على الميت في المساجد إلا إذا كان طوال حياته ماهرا بمسح الغبار عن أحذية السماسرة والدجالين والانتهازيين والعصابات والقوادين وكل من يخالف هذه الشروط يعتبرونه زنديقا وكافرا وخارجا عن المِلة, هنا أي رجل يحترم المرأة ينعتونه بأقذع المواصفات وينكرون عليه رجولته, هنا من ينادي بالمساواة بين الجنسين ومن ينادي ب(الجندرية) يعتبرونه إمعة.
وأنا هنا وعلى هذه الأرض فقدت بكارتي ورجولتي وأعيش كإمعة الكل يطعن بي وبوطنيتي وخصوصا حين أنادي باحترام الدول التي تكفل للمواطن الحرية والعيش بكرامة, هنا الجحيم من الممكن لك أن تشاهده على أرض الواقع, هنا الأوباش وأعداء الثقافة يتحكمون بسعر الثقافة والفنون, هنا لا يمكن لك أن تنطلق بمخيلتك بعيدا وأن تعيش مع نفسك حياة هانئة, هنا العصا والكُرباج والجلد والسلخ والملاحقات والتجويع وفي النهاية يخرج علينا رجل ليقول: بالروح بالدم نفديك يا حاكمنا وجلادنا, هنا يمجدون العصابات والمخاتير بدل أن يمجدوا العدل والحرية وينشرون رائحة بول البعير في كل مكان بدل أن ينشروا ثقافة حقوق الإنسان
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟