بشاراه أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 4748 - 2015 / 3 / 14 - 11:26
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ماذا تعني كلمة آية في القرآن الكريم؟
الآية في القرآن الكريم ليس المقصود بها فقط تلك التي تتكون منها السورة التي يتكون منها القرآن الكريم, مِنْ تلك التي تصور قول الله تعالى للناس والجن وباقي المخلوقات الأخرى, وإنما لها معانٍ أوسع وأشمل من ذلك بكثير, فمثلاً,, قد تكون الآية "كونية", كالسماوات والأرض والجبال والبحار والقمر والنجوم والشمس والقمر,,, الخ, من ذلك, فمثلاً:
1. إحياء الأرض بعد موتها تعتبر آية كونية, قال تعالى في سورة يس: (وَآيَةٌ لَّهُمُ « الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا » « وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ » 33). وسلخ النهار من الليل بذهاب ضوء الشمس وضوء القمر آية كونية بالغة العجب ورائعة الإبداع, جديرة بالتدبر والتفكر, قال تعالى: (وَآيَةٌ لَّهُمُ « اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ » ←-;---;-- فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ 37). وبقاء الفلك على ظهر الماء وسط الأمواج آية كونية عظيمة بليغة, حيث تقل الناس هم ومتاعهم من مكان لآخر بأمن الله وأمانه ومشيئته ولفضله, قال تعالى: (وَآيَةٌ لَّهُمْ « أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ » 41), (وَخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ 42), (وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ ←-;---;-- فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنقَذُونَ 43), (إِلَّا رَحْمَةً مِّنَّا ←-;---;-- وَمَتَاعًا إِلَىٰ-;---;-- حِينٍ 44).
2. كما أن إنزال مائدة من السماء على الحواريين من قوم عيسى قطعاً تعتبر آية معجزة خارقة للنواميس الطبيعية,, قال تعالى في سورة المائدة: (إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ « هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ » ←-;---;-- قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ 112), (قَالُوا - « نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا » ←-;---;-- وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ 113), (قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ - « اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ » - تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا - «« وَآيَةً مِّنكَ »» « وَارْزُقْنَا » ←-;---;-- وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ 114).
3. حكى الله تعالى لنبيه الخاتم من أنباء وقصص ومواقف وأحداث أنبيائه ورسله مع الأمم السابقة, وإعتبرها آيات وعلامات, فمثلاً قال في سورة البقرة: (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ «« إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ »» - أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ-;---;-- وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ ←-;---;-- إِنَّ فِي ذَٰ-;---;--لِكَ « لَآيَةً لَّكُمْ » إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ 248), وقال عن قصصهم ومواقفهم ومعاناتهم مع أقوامهم: («« تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ »» - نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ←-;---;-- وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ 252).
ومثلها ما يلي من قوله تعالى,, في سورة آل عمران: ( « تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ » - نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ←-;---;-- وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَ 108). وقوله في سورة الجاثية: ( « تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ » - نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ←-;---;-- فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ 6), وقال: (« يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَىٰ-;---;-- عَلَيْهِ » - ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا ←-;---;-- فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ 8).
4. والله تعالى – في سورة آل عمران - قد وصف مقام إبراهيم في البيت الحرام من ضمن تلك « الآيات البينات » التي فيه, ومنها أنَّ من دخل البيت كان آمناً, قال تعالى عنه: (فِيهِ «« آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ »» - مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ - « وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا » - وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ←-;---;-- وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ 97), ومثلها قوله تعالى عن قصص الأمم السابقة مع أنبيائهم:
(أ) في سورة الشعراء, قال: (تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ 2),
(ب) وفي سورة القصص: قال: (تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ 2),
(ج) وفي سورة لقمان, قال: (تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ 2),
(د) وفي سورة يونس, قال: (الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ 1),
(ه) وفي سورة يوسف, قال: (الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ 1),
ثانياً: وقد تكون الآية معجزة خَلْقِيَّة, كخلق الإنسان من تراب, ثم جعلهم أنساب وذريات وصهراً,, كقوله في سورة الروم: (« وَمِنْ آيَاتِهِ » - أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ←-;---;-- ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ 20), ومثلها في ذلك قوله في سورة الروم:
1. («« وَمِنْ آيَاتِهِ »» - 1« أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا » 2« وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً » ←-;---;-- إِنَّ فِي ذَٰ-;---;--لِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ 21),
2. («« وَمِنْ آيَاتِهِ »» - 3« خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ » 4« وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ » ←-;---;-- إِنَّ فِي ذَٰ-;---;--لِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ 22),
3. («« وَمِنْ آيَاتِهِ »» - 5« مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ » 6« وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ » ←-;---;-- إِنَّ فِي ذَٰ-;---;--لِكَ « لَآيَاتٍ » لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ 23),
4. («« وَمِنْ آيَاتِهِ »» - 7« يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا » 8« وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا » ←-;---;-- إِنَّ فِي ذَٰ-;---;--لِكَ « لَآيَاتٍ » ←-;---;-- لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ 24),
5. («« وَمِنْ آيَاتِهِ »» - 9« أَن تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ » 10« ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ » 25),
6. («« وَمِنْ آيَاتِهِ »» - 11« أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ » 12« وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحْمَتِهِ » 13« وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ » 14« وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ » ←-;---;-- وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ 46),
7. وفي سورة فصلت, قال: («« وَمِنْ آيَاتِهِ »» - « اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ » - لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ «« وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ »» ←-;---;-- إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ 37), وقوله: (« وَمِنْ آيَاتِهِ » - « أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ » - إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَىٰ-;---;-- ←-;---;-- إِنَّهُ عَلَىٰ-;---;-- كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ 39),
وقد بين الله تعالى في سورة يونس أن النبي مهما قال للمكذبين ونبههم ولفت أنظارهم لما في السماوات والأرض من عجائب لن تجدي هذه الآيات ولا النذر معهم نفعاً, قال له: (قُلِ « انظُرُوا » - مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ؟ ←-;---;-- «« وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ !!»» 101),
ثالثاً: آيات متعددة متنوعة, مثلاً:
1. قد تكون الآية برهاناً على صدق النبي وتأييداً له كالمعجزات, أو آية العذاب, مثلاً,, أنظر إلى قول الله تعالى في سورة غافر: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ - « مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ » - وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ - وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ «« أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ »» ←-;---;-- فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ « قُضِيَ بِالْحَقِّ » ←-;---;-- وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ 78).
2. وقد تكون لفت نظر الناس إلى أنعم الله التي هم فيها وتعتمد حياتهم عليها ولكنهم عنها غافلون رغم أن فيها آيات بيات وعبر ظاهرة ولكنهم لها منكرون, قال تعالى: (اللَّهُ الَّذِي - جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ 1« لِتَرْكَبُوا مِنْهَا » 2« وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ » 79), (3« وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ » 4« وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ » 5« وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ » 80), ليس ذلك فحسب, بل أيضاً: («« وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ »» ←-;---;-- فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنكِرُونَ 81)؟؟؟,
رابعاً: وقد تأتي الآيات « "تفصيلاً" », وتأتي « تصريفاً », مثال ذلك:
(أ): الآيات التي تأتي مفصلة تفصيلاً:
أنظر هنا كيف يفصل الله الآيات تفصيلا, مثلاً:
1. في سورة الأنعام, قال تعالى: (قُل 1« لَّا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ » 1« وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ » 3« وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ » - إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ-;---;-- إِلَيَّ ←-;---;-- قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ-;---;-- وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ 50)؟؟؟، ثم قال له أن يقتصر إنذاره بالقرآن على المؤمنين الذين يخافون عاقبة الأمور عند ربهم عندما يرجعون إليه, فقال له: (وَأَنذِرْ بِهِ - « الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوا إِلَىٰ-;---;-- رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ » ←-;---;-- لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ 51).
فينجوا من العذاب ويفوزوا بالثواب,, ثم أمره بألَّا يستمع إلى المشركين المتكبرين فيطرد فقراء المؤمنين فيستجيب إلى إشتراط أولئك الكفار بطرد الفقراء حتى لا يجمعهم الإيمان بهم فيتساوون معهم لإحتقارهم لهم وإستصغار شأنهم عندهم,, قال تعالى له: (« وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ » - مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ « وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ » ←-;---;-- فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ 52).
ثم قال له: (وَكَذَٰ-;---;--لِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ - « لِّيَقُولُوا أَهَٰ-;---;--ؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا ؟» ←-;---;-- أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ 53)؟؟؟, ثم أوصاه على المؤمنين فقال له: (وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا - «« فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ »» - كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ-;---;-- نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ «« أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ »» ←-;---;-- فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ 54), ثم بعد كل هذا التفصيل, قال لنبيه مبيناً الغاية منه: (وَكَذَٰ-;---;--لِكَ 1« نُفَصِّلُ » الْآيَاتِ 2«« وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ »» 55).
2. ثم أنظر كيف فصل الله الآيات للناس « لعلهم يرجعون » عن غيهم وكفرهم وضلالهم, قال تعالى في سورة الأعراف مبيناً هذا التفصيل: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ - « إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا » - الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ « لَا إِلَٰ-;---;--هَ إِلَّا هُوَ » - يُحْيِي وَيُمِيتُ - « فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ - النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ » ←-;---;-- وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ 158)، (وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ-;---;-- أُمَّةٌ ←-;---;-- يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ 159)، ثم ذكرهم بالأمم السابقة, تحديداً بقوم موسى وهم بني إسرائيل, قال: (وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ-;---;-- مُوسَىٰ-;---;-- إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ « أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا » - قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ - 1« وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ » 2« وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ-;---;-- » - كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ←-;---;-- وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰ-;---;--كِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ 160)، كل هذه آيات بينات من الله تعالى ولكن أكثر الناس لا يؤمنون.
ثم قال: (وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ - 1« اسْكُنُوا هَٰ-;---;--ذِهِ الْقَرْيَةَ » 2« وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ » 3« وَقُولُوا حِطَّةٌ » 4« وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا » - نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ ←-;---;-- سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ 161)، فماذا فعل هؤلاء القوم المعاندون المشاكسون بعد كل هذا الكرم الإلهي الفياض؟ قال فيهم: (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ « قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ » - فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِّنَ السَّمَاءِ ←-;---;-- بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ 162).
ثم قال لنبيه الكريم: (وَاسْأَلْهُمْ - عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ - « إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ » « إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ » ←-;---;-- كَذَٰ-;---;--لِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ 163)، (وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ « لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ؟» - قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَىٰ-;---;-- رَبِّكُمْ ←-;---;-- وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ 164)، (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ « أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ » « وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ » ←-;---;-- بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ 165)، وهذه تذكرة وتخويف المشركين بآية عذاب وقعت على طائفة من بني إسرائيل, حتى أن الله تعالى عاقبهم بعذاب بئس جزاءاً على فسقهم الذي أدمنوه.
فكانت لهم عظة وتحذير شديد, ولكنهم إزدادوا فسقا وعتواً فكان الله تعالى لهم بالمرصاد, قال في ذلك: (فَلَمَّا عَتَوْا عَن مَّا نُهُوا عَنْهُ - « قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ » 166)، ليس ذلك فحسب, بل توعدهم بإستمرارية سوء العذاب عليهم إلى يوم القيامة, قال: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ « لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ-;---;-- يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ » - إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ ←-;---;-- وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ 167). فهذه الآيات رادعة لمن كان له عقل وقلب,, فالذي فعل هذا كله بمن هم أقوى من قوم محمد هو نفسه الذي يتوعدهم بنفس المصير إن إستمروا في غيهم وبغيهم وفسوقهم.
ومع ذلك, أكد بأنهم ليسوا سواء, بل منهم صالحون أيضاً, وأنه قد إبتلاهم بإبتلاءات شتى منها إبتلاءات بالحسنات من مال وجاه وسلطان,,, ومنها السيئات, من فقر ومرض وإذلال وضنك... كل ذلك الغاية منه لفت نظرهم لما هم فيه من الضلال على أمل أن يرجعوا إلى صوابهم وينقذوا أنفسهم من العذاب الاكبر يوم القيامة,, قال: (وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا «« مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ »» « وَمِنْهُمْ دُونَ ذَٰ-;---;--لِكَ » - وَبَلَوْنَاهُم بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ←-;---;-- لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ 168)،
ولكن للأسف الذين خلفوهم وورثوا الكتاب أضاعوا كل شيء, وإنشغلوا بأعراض الدنيا ونسوا الآخرة, ونسوا الميساق الذي أخذ عليهم بألَّا يقولوا على الله إلَّا الحق,, قال تعالى عنهم في ذلك: (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ « وَرِثُوا الْكِتَابَ » - يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَٰ-;---;--ذَا الْأَدْنَىٰ-;---;-- - وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا - « وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ » - أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لَّا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ ؟- وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ ←-;---;-- أَفَلَا تَعْقِلُونَ 169)؟؟؟ .... هذه طائفة منهم, (وَالَّذِينَ - 1« يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ » 2« وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ » ←-;---;-- إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ 170).
بالإضافة إلى ذلك, ذكرهم بآية أخرى لهؤلاء الجبابرة في المعصية والفسوق, قال: (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ «« كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ »» - وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ - خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ ←-;---;-- وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ 171).
ثم قال لنبيه الكريم: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ « مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ » « وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ-;---;-- أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ-;---;-- شَهِدْنَا » ←-;---;-- أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰ-;---;--ذَا غَافِلِينَ 172), (أَوْ تَقُولُوا - « إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ » ←-;---;-- أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ 173)؟, إذاً,, كل ما مر من آيات بينات هي في إطار تفصيلها لغاية واحدة هي مساعدة الضالين والمسرفين على أنفسهم والمشركين على التفكير في مصيرهم في الدنيا والآخرة,, كل ذلك لعلهم يرجعون فيخرجون أنفسهم من ورطة الكفر وسوء العاقبة, قال تعالى: (وَكَذَٰ-;---;--لِكَ - «« نُفَصِّلُ الْآيَاتِ »» ←-;---;-- وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ 174). أرأيت كيف يكون تفصيل الآيات؟
3. ثم أنظر هنا كيف « صَرَّفَ الله الآيات » ليبين للناس, قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ - «« فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَىٰ-;---;-- »» «« يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ »» «« وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ »» - ذَٰ-;---;--لِكُمُ اللَّهُ ←-;---;-- فَأَنَّىٰ-;---;-- تُؤْفَكُونَ 95)؟؟؟, ليس ذلك فحسب,, بل: («« فَالِقُ الْإِصْبَاحِ »» « وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا » « وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا » ←-;---;-- ذَٰ-;---;--لِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ 96),
وفي نموذج آخر من تفصيل الآيات قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي - «« جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ »» ←-;---;-- قَدْ «« فَصَّلْنَا الْآيَاتِ»» لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ 97).
وقال: (وَهُوَ الَّذِي - «« أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ »» - « فَمُسْتَقَرٌّ » « وَمُسْتَوْدَعٌ » - قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ ←-;---;-- لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ 98).
(وَهُوَ الَّذِي - « أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً » « فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ » « فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا » « وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ » « وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ » « وَالزَّيْتُونَ » « وَالرُّمَّانَ » - مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ - «« انظُرُوا إِلَىٰ-;---;-- ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ »» ←-;---;-- إِنَّ فِي ذَٰ-;---;--لِكُمْ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ 99),
4. ثم أنظر هنا إلى مزيد من تفصيل الآيات,, (هذه المرة لقوم "يذكرون"), قال تعالى:
في سورة الأنعام: ( وَهَٰ-;---;--ذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا - « قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ » ←-;---;-- لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ 126),
وفي سورة الدخان, قال: (وَآتَيْنَاهُم مِّنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُّبِينٌ 33 )
وفي سورة النور , قال: (وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ 18),
وفي سورة آل عمران, قال: (ذَٰ-;---;--لِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ 58),
وفي سورة يوسف, قال: (ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّىٰ-;---;-- حِينٍ 35),
(ب): تصريف الآيات:
وفي إطار تصريف الآيات هنا المزيد منها لعل الناس يستطيعون التفريق ما بين تفصيل الآيات وتصريفها,
1. قال تعالى أيضاً في سورة الأعراف: (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ « الْجِنَّ » - وَخَلَقَهُمْ - «« وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ »» ←-;---;-- سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ-;---;-- عَمَّا يَصِفُونَ 100), هو الله: ( «« بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ »» - أَنَّىٰ-;---;-- يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ ؟؟؟- «« وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ »» ←-;---;-- وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ 101).
(ذَٰ-;---;--لِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ - «« لَا إِلَٰ-;---;--هَ إِلَّا هُوَ »» - خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ « فَاعْبُدُوهُ » ←-;---;-- وَهُوَ عَلَىٰ-;---;-- كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ 102), هو الله الذي: («« لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ »» - وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ←-;---;-- وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ 103), ثم أمر نبيه يقول للناس, مبينا مهمته المحصورة فقط في التبليغ والتبصرة, والخيار لهم, لأنه ليس حفيظاً عليهم, قال: (قَدْ جَاءَكُم بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ « فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ » « وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا » ←-;---;-- وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ 104), فبعد كل هذا الوضوح والتبصرة وبعد أن تبرأ النبي عن الوكالة عليهم, قال تعالى أن كل ذلك في إطار تصريف الآيات وبيانها لقوم يعلمون, قال: (وَكَذَٰ-;---;--لِكَ «« نُصَرِّفُ الْآيَاتِ »» - وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ ←-;---;-- وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ 105).
خامساً: وقد تأتي الآية تصريفاً للهلاك الذي وقع للمكذبين من أهل القرى الهالكة, والغاية منها التخويف كفرصة أخيرة للمكذبين ليرحموا أنفسهم ويرجعوا عن غيهم الذي سيوردهم المهالك في الآخرة,, وعليه قال تعالى في سورة الأحقاف: (وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ - إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ - وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ «« أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ »» ←-;---;-- إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ 21)، ولكنهم لم يصدقوه, وأعرضوا عنه: (قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا ؟←-;---;-- فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ 22), (قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ - « وَأُبَلِّغُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ » ←-;---;-- وَلَٰ-;---;--كِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ 23).
فوقع عليهم من العذاب الذي حذرهم منه ولم يصدقوه, وظنوا أن السحب كانت بشرى خير وسقيا لهم ولم يخطر ببالهم انه العذاب الذي كذبوا به قد أصبح حقيقة ماثلة أمام ناظريهم, قال تعالى: (فَلَمَّا رَأَوْهُ - «« عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَٰ-;---;--ذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا »» - بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ ←-;---;-- رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ 24)، ليست ريحاً عادية وإنما هي ريح عذاب من الله: («« تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا »» - فَأَصْبَحُوا لَا يُرَىٰ-;---;-- إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ ←-;---;-- كَذَٰ-;---;--لِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ 25).
لم يبلغوا من الهلاك ما بلغوه بهذه الريح لضعف في بنيتهم أو في ما عندهم من قدرات مادية تفوق كثيراً ما عندكم أيها المشركون, وإنما على العكس من ذلك, قال: (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ - « فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ » - «« وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً »» - فَمَا أَغْنَىٰ-;---;-- عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ « إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ » ←-;---;-- وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ 26).
بين الله تعالى أن غايته من إيحاء هذه القصص لنبيه الخاتم عن الأمم السابقة التي أهلكها الله بظلمها هو أن يتعظ بها قوم محمد لعلهم يرتدعون ويرجعون من مسببات غضب الله وتعجيله العذاب الأدنى لهم دون العذاب الأكبر للمتكبرين والمكذبين, ليس ذلك فحسب, بل, قال تعالى بأنه قد أهلك قرى من حولهم وها هو ذا يُصَرِّفُ لهم الآيات لعلهم يرجعون وليس هم بمعجزين ولا أقدر ممن سبقهم من الهالكين, قال لهم: (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُم مِّنَ الْقُرَىٰ-;---;-- - « وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ » 27).
بعد هذا العرض من القرآن الكريم مباشرة, قد تبين جلياً أن كلمة (آية), ليست ذات معنى ومفهوم واحد في كتاب الله تعالى, بل ذات مفاهيم ومعطيات كثيرة, وليست فقط الآية القرآنية المكتوبة بالحروف الهجائية, وكل هذه الأنواع والمفاهيم والمعطيات لكلمة آية قابلة للنسخ ما عدا آيات القرآن الكريم, فالشمس بغيابها تسلخ النهار من الليل, فتنسخه وتمحوه, تدبر إن شئت قوله تعالى في سورة الإسراء: (وَجَعَلْنَا - « اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ » «« فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ »» « وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً » - لِّتَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ - «« وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ »» ←-;---;-- وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا 12).
والموت ينسخ الحياة والعكس صحيح, والغيث ينسخ موت الأرض فيحييها, وكذلك الجفاف ينسخ حياة الأرض فتصبح ميتة بعد أن إهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج, وكذلك الحال فالشيخوخة وأرزل العمر ينسخان زهرة الشباب وقوته فيحل الضعف والهزال والوهن والشيبة,, شاهدةً على الشباب المنسوخ,,, الخ وكل من الناسخ والمنسوخ عبارة عن آية من آيات الله تعالى "بنص القرآن الكريم فيما سبق من تدبر لبعض الآيات. فما دامت آيات الله لن يستطيع كائن من كان أن يحصيها, وأن عملية التناسخ بينها مستمرة على مدار الثانية واللحظة إلى أن يشاء الله تعالى,,, فما الغريب في أن الله تعالى يذكر الناس بهذه الحقيقة الغائبة عن مدارك الكثيرين منهم فيقول لهم: (مَا - « نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ » أَوْ « نُنسِهَا » - نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا - «« أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ-;---;-- كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ؟»» 106), وقد ربط ذلك بالقدرة المطلقة والهيمنة على كل شيء من كبيره لصغيره لمهينه, قال لنبيه الكريم مباشرة, وبكل وضوح: (أَلَمْ تَعْلَمْ «« أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ؟؟؟»» « وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ؟؟؟» 107), فالسؤال الأهم هنا:
1. ما الذي جعل رواد وعباقرة وجهابذ النسخ والتنسيخ يفهمون كلمة "ننسخ" - التي جاءت في قوله تعالى في (مَا - « نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ » أَوْ « نُنسِهَا ») – على أن المقصود بها آيات القرآن الكريم؟
2. ولماذا "تحديداً وجهوها لآيات القرآن الكريم, علماً بأنهم لو تدبروا الآيات التي قبلها والتي بعدها لوقفوا على القرائن التي تؤكد نفي ما ذهبوا إليه من ترجيح فاشل غير مبرر؟
3. ولماذا لا يكون المقصود منها أي من الآيات التي ذكرها الله تعالى في ما عرضناه آنفاً من آيات فصلها الله تفصيلاً لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا, ولماذا لم تخطر هذه الفكرة التي هي أقرب للفهم وأوثق للموضوعية والمنطق؟ هل هو الجهل أم لعله الضلال المبين؟؟؟
ولإلقاء مزيد من الضوء على حتمية الإجابة على هذه الأسئلة سنقوم بتدبر بعض الآيات التي قبلها والتي بعدها, ثم نقوم بتحليل المعطيات والإحتمالات والحتميات التي ستقودنا إلى الطريق القويم ما دمنا في واحة القرآن الكريم الغناء الرحبة العطرة.
الآية التالية تبين حسد الكافرين من أهل الكتاب والمشركين وكراهية الخير للمؤمنين وتربصهم بهم, ولكن الله تعالى يختص برحمته من يشاء وليست رحمته بعباده رهناً بهوى ومشيئة هؤلاء الكافرين, قال تعالى: (مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ « أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ » - وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ ←-;---;-- وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ 105). فما هو ذلك الخير "تحديداً" الذي نزله الله على المؤمنين فتمنى الكافرين لو أنه لم ينزل عليهم؟؟؟
أكد الله تعالى, انه قد ينسخ بعض الآيات وينسها, فهو لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء,, فإن فعل ذلك جاء بأحسن من الآية التي نسخها أو أنساها, أو على الأقل يأتِ بمثلها,, وقد بين أن نسخ الآيات التي قصدها في هذه الآية يلزمه قدرة غير محدودة وغير منقوصة لا بعجز ولا بإعجاز, مما يدل على أن الآية التي أشار إليها الله تعالى هنا ليست آية قولية, إذ أن القول لا يحتاج إلى قدرة كبيرة من البشر, فما بالك من الله تعالى الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء وهو القوي العزيز.
والذي يؤكد هذا المعنى ما جاء في الآية التي تليها مباشرة, قال تعالى فيها: (مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا - « نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا » ←-;---;-- أَلَمْ تَعْلَمْ «« أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ-;---;-- كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ »» 106)، ثم أكد هذه القدرة التي له على الكون كله, فذكَّر بأكبر ما يشاهد من هذه الآيات الكونية وهي السماوات والأرض, فما بالك بما بينهما من آيات ذكرها الله تعالى في مساق الآيات السابقة, وهي بلا شك تحتاج إلى طلاقة القدرة وكامل الهيمنة وحرية التصرف في كل شيء, لذا قال لنبيه الكريم: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ «« لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ »» ←-;---;-- وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ 107)، وعليه فلا بد من أن ينصرف الذهن بعيداً عن الآية القولية المنطوقة إلى الآيات الكونية التي تدل طلاقة التصرف والتحكم فيها وقهرها على طلاقة القدرة إلإلآهية غير المحدودة.
وما يؤيد ذلك, وينفي تماماً إمكانية تبديل قول الله تعالى والرجوع فيه ما جاء في قول الله تعالى بسورة ق: («« مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ »» ←-;---;-- وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ 29), وفي سورة يونس, قال: (لَهُمُ الْبُشْرَىٰ-;---;-- فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ - «« لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ »» ←-;---;-- ذَٰ-;---;--لِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ يونس 64).
الآن,, وبعد أن فرغنا من تدبر وتحليل كلمة « آية » في مفهوم وإستعمال القرآن الكريم, وأثبتنا أستحالة حصر معانيها وإختزالها في آيات سور القرآن, وكشفنا تحايل وتخابث وتدليس المغرضين وضيق أفق الجهلاء المتعلمنين,,, بقي عليها أن نتدبر معاً مادة "النسخ" نفسها في القرآن الكريم حتى تكتمل لنا عناصر دحض فرية النسخ والإنساء في القرآن التي بَهَتُوهُ بها وهو بريء من قولهم وإدعائهم ومكرهم وبهتانهم الظالم.
أولاً: الملاحظ أن كل الذين تناولوا مادة النسخ التي ذكرت في القرآن الكريم ذهبوا إلى كل المعطيات التي تدل عليه كلمة "نسخ", فمرة يقولون بالمحو, وأخرى يقولون بالتثبيت, وثالثة يقولون بالإزالة ,,, الخ, دون تدبر الإية التي جاءت فيها الكلمة, ومن ثم كلما أمعنوا في التوسع في المعاني والمدلولات كلما إزدادوا بعداً من مراد الآية منها, وهذا هو التخبط عينه, لأنهم وضعوا كل البيض في سلة واحدة, تماماً كما فعلوا مع الحروف المقطعة التي في فواتح بعض السور, وقد وئدوها بجعلها كلها جروفاً هجائية وبالتالي مهما تعددت وتنوعت لن تزيد عن هذه الصفة وأنها من مكونات ولبنات آيات القرآن الكريم.
يُفترض دائماً النظر إلى الكلمة أو المفردة من خلال الآية التي جاءت فيها, ثم النظر إلى الآية من خلال السورة التي جاءت بها,,, ولا يتم ذلك إلَّا إذا وضع المتدبر في إعتباره أن الله تعالى قد فصل كل شيء في هذا القرآن من بعد إحكام لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وأن يضع في إعتباره أن محاولة إدخال الهوى والرأي الشخصي في تدبره للآيات يعني هذا مجافاته للصدق والأمانة وبالتالي يكون قد كتب على نفسه البعد والإبعاد عن نور كتاب الله وعرض نفسه للختم على المدارك لديه أو طمسها. ومن ثم فإن المتدبر للقرآن الكريم بتجرد وإلتزام,,, لن يجد أي صعوبة في الوصول إلى أكبر قدر يمن الله به عليه من العلم والهدى والتبصر والتفقه.
فإذا نظرنا بتدبر عميق مثلاً إلى قوله تعالى في سورة البقرة: (« مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ » « أَوْ نُنسِهَا » - « نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا » أَوْ « مِثْلِهَا » ←-;---;-- أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ-;---;-- كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ؟ 106), نجد أنفسنا في مواجهة معنى محدد تماماً لكلمة "ننسخ" و كذلك لكلمة "ننسي", وذلك للآتي:
1. إذا أخذنا كلمة "ننسخ", تدافعت كل المعاني التي يمكن أن تتضمنها هذه الكلمة, ولكن بمجرد سماعنا لعبارتي (« نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا » أَوْ « مِثْلِهَا »), تتراجع كل المعاني ويبقى معنى واحد هو (الإستبدال), لقوله "نأت بخير منها أو مثلها", لوجود القرينة التي تمنع أي إحتمال للإزالة والحذف, وذلك بإشتراط الإتيان بخير منها أو مثلها,,
2. وإذا ما أخذنا كلمة "ننسها", تدافعت كل المعاني التي يمكن أن تتضمنها هذه الكلمة, ولكن بمجرد سماعنها لعبارتي (« نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا » أَوْ « مِثْلِهَا »), تتراجع كل تلك المعاني ويبقى معنى واحد هو (الإستبدال) أيضاً, لقوله "نأت بخير منها أو مثلها", ولوجود القرينة المانعة لوجود أي إحتمال للإزالة والحذف مطلقاً, ولإشتراط الإتيان بخير منها أو مثلها,, ومن ثم لا مجال للف والدوران حول معاني ليس لها وجود أصلا في معطيات هذه الآية المحكمة.
ثانياً: فلنتدبر ما جاء في سورة الأعراف عن نبي الله ورسوله موسى, عندما كلفه الله بالرسالة, وآتاه الكتاب: (قَالَ يَا مُوسَىٰ-;---;-- « إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي » ←-;---;-- فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ 144), قد بين الله تعالى كيف كان الكتاب الذي أعطاه لنبيه ورسوله موسى, فقد كتب له كل شيء في ألواح ثم أعطاها له, قال تعالى: (« وَكَتَبْنَا لَهُ » فِي الْأَلْوَاحِ « مِن كُلِّ شَيْءٍ » ←-;---;-- « مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِّكُلِّ شَيْءٍ » - فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ « وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا » ←-;---;-- سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ 145), إذاً في ضوء هذا البيان والوضوع والتفصيل الذي جاء بهذه الآيات:
1. هل هناك مجال للتخبط والتوهان والإجتهادات الفارغة التي لا تستند على دليل يُخرج كلمة "نسختها" من معناها المحدد بهذه الآية الكريمة؟
2. لاحظ,,, قال تعالى لنبيه موسى إنه قد إصطفاه على الناس « برسالاته وبكلامه », وأمره بأن يأخذ ما آتاه إياه ويكون من الشاكرين, فما الذي آتاه له؟ هل هو إيحاء فقط؟ أم كلام مباشر؟؟, أم هو مادي مكتوب على شيء ما "محسوس ملموس جسيم"؟؟؟
3. أليست كلمة (« وَكَتَبْنَا لَهُ » كافية لتخرج أي إحتمالات أخرى من إيحاء وكلام مباشر؟ وتؤكد أن الله تعالى قد أعطى نبيه موسى "كتاباً مكتوباً" وليس مجرد إيحاء أو كلام مباشر, فقام بكتابته أحد آخر غير الله تعالى؟
4. أليس قوله تعالى « وَكَتَبْنَا لَهُ » تدل على أن الله تعالى هو بذاته الذي كتب لموسى الكتاب الذي آتاه إياه؟,, وعبارة « فِي الْأَلْوَاحِ » دليل قطعي على أن رسالات الله وكلامه الذي إصطفى رسوله موسى بتبليغه للناس بقوله « إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي » - كان مكتوباً في ألواح مادية, "بغض النظر عن مادتها وجرمها؟
5. ثم أنظر إلى التأكيد على أن كلمة "نسختها" في قوله تعالى: (وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ « وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ » لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ 154), فهل هذه الآية تترك أي مجال أو ثغرة يدخل منها أي مفهوم لهذه الكلمة سوى (النسخة الأصلية التي كتبها الله تعالى وآتاها موسى وأمره أم يأخذها ويكن له بها من الشاكريم...)؟؟؟
ثالثاً: ثم أنظر إلى كلمة " فَيَنسَخُ ", في قوله تعالى في سورة الحج: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّىٰ-;---;-- « أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ » - «« فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ»» «« ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ »» ←-;---;-- وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ 52), وتدبرها جيداً:
1. هل هذه الآية يمكن أن تعطي أي معنى آخر لما يلقيه الشيطان في أمنية الأنبياء والرسل سوى الشر والحسد,,, لقوله تعالى (إِذَا تَمَنَّىٰ-;---;-- « أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ »)؟
2. وهل هناك أي معنى لكلمة "ينسخ", سوى معنى واحداً وهو (الإزالة والإبعاد), لذلك الشر الذي ألقاه الشيطان في أمنيات الأنبياء والمرسلين, لقوله تعالى: (« فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ»)؟
3. وهل هناك أي إحتمال آخر لكلمة " يُحْكِمُ", سوى تثبيت آياته بعد تنقيتها ممَّا ألقاه الشيطان ولا يزيلها مع ما أزاله من إلقاءات ذلك الشيطان, لقوله تعالى: (« ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ »)؟
إذاً,, فعلام يسهر الخلق جراها ويختصموا؟؟؟ وكتاب الله تعالى قد فصله تفصيلاً ويسره للذكر؟؟؟
رابعاً: قوله تعالى في سورة الجاثية: (هَٰ-;---;--ذَا « كِتَابُنَا يَنطِقُ » عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا « كُنَّا نَسْتَنسِخُ » مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ 29), عند تدبر هذه الآية المحكمة علينا أن نعير مفردتين إهتمامنا وتفكيرنا حتى نبلغ درجة من التصور عالية, خاصة وأن فهمنا لمثل هذه الآيات التي سبقت الثورة التقنية بآلاف السنين, فإنسان اليوم لن يجد صعوبة في فهم المغزى من ورود هاتين المفردتين التين قد يرى السابقون فيها غبش أو ضبابية لعدم وجود أمثلة عملية مشاهدة في حياة الناس آنذاك بينما أصبحت في عالم اليوم من الأمرو العامة.
فلو نظرنا إلى هذه الآية بمنظور التحليل نستطيع بسهولة الإقتراب أكثر فأكثر من روعة الإحكام فيها وذلك لما يأتي:
1. في المفهوم العام - في وقت نزول القرآن - قد يصعب فهم عبارة (هَٰ-;---;--ذَا « كِتَابُنَا يَنطِقُ » عَلَيْكُم), إذ أن الكتاب في العادة "لا ينطق", خاصة إذا كانت هذه العبارة بجانب عبارة (إِنَّا « كُنَّا نَسْتَنسِخُ »), فيدلنا على أن الإستنساخ ليس كتابة, وإنما توثيق ناطق,
2. فهل معنى هذا أن كل أعمال البشر مستنسخة عند الله تعالى صوت وصورة, أم لعلها نسخة حقيقية كأنْ يرى المجرم نفسه بنفسه في كل موقف أو جرم,,, وهو يقوم بجرمه ذاك, ويسمع صوته بأذنيه ويرى شفاهه تتحرك بالكلمات فلا يستطيع أن ينكر ما يفعله حقيقةً أمام ربه؟
كل هذا وغيره يؤكد مدى ضلالة الذين قالوا بإمكانية نسخ القرآن محاولين إيهام العامة بأن القرآن فيه شيء يمكن أن يكون قد سقط أو نقص أو حُرِّفَ،،، الخ. فالقرآن فوق كل هذا وذاك, فهو كله مضابط يشهد بعضه على كله, وكله على بعضه, وها نحن ذا نتصدى لكل إدعاء وشبهة بثقة كاملة وثبات, والكل يرى كيف أن القرآن جاهز ومستعد لإقامة الحجة على من ظن "واهماً" في نفسه القدرة على إعجازه وتعجيزه وتمرير الشبه عليه.
أما نسخ آيات الكتاب,, فهذا ليس سراً أو يحتاج إلى دليل ومغالطات أو يلزمنا أن ننفيه ونتحرج منه, بل على العكس من ذلك فنحن نقول به ونؤكده لتأكيد الله تعالى له, ولكن المهم معرفته هو الآتي:
1. هل كلمة "كتاب" تعني القرآن الكريم فقط؟ ..... أليست التوراة كتاب من عند الله تعالى؟ وأليس الإنجيل أيضاً كتاب من عند الله تعالى؟ ... وكذلك الحال مع الزبور, أليس هو الآخر كتاب من عند الله تعالى؟
2. هل يستطيع أحد أن ينكر فضل وقدسية أي من هذه الكتب التي أنزلها الله تعالى رحمةً للعالمين؟
3. وهل من قلل من شأن أي من هذه الكتب أو خاض فيها أو في أنبيائها ورسلها يمكن أن يبقي لنفسه أي حظ من إيمان, أو يتطلع إلى أي قدر من رحمة؟؟؟
ولكن يجب أن يفهم الناس أن الله تعالى يفعل ما يشاء ويختار, وهو لا يُسْألُ عمَّا يفعل وهم يُسالُونَ, فقد وصى الله تعالى أنبياءه ورسله بدءاً من أول نبي, مروراً بأول رسول وهو نوح, ثم صحف إبراهيم وموسى التي جاءت التوراة فنسختها, فجاء الله تعالى بأحسن منها أو مثلها وهو التوراة التي هي مصدقة لما بين يديها من شرائع سابقة, قد تضمنتها, وما نسخه الله منها أو أنساه جاء بأحسن منه أو مثله في توراة موسى, ثم جاء عيسى لتصحيح مسار التوراة التي حُرِّفَتْ وجاء معها بالإنجيل ناسخاً بذلك ما سبقه من تحريف وقد أحل الله لبني إسرائيل ما كان قد حرم عليهم من قبل عقاباً لهم, فأظر إلى قوله تعالى على لسان عيسى عليه السلام في سورة آل عمران: (« وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ » « وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ » « وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ » ←-;---;-- فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ 50).
لاحظ هنا وضوح النسخ الذي تم في التوراة التي آتاها الله تعالى لعيسى مع الإنجيل, فعلى سبيل المثال لا الحصر:
1. قول المسيح عيسى لبني إسرائيل: (« وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ »), فهذا نسخ وإنساء من الدرجة الأولى, فقد كان التحريم عليهم من الله "بآية" منه,, ما دامت توراة موسى قائمة ومعمول بها, فنسخ الله تعالى آيات منها وهي التحريم, ثم أنساها وأتى بخير منها وهو العفو عنهم وإستبدل التحريم بالتحليل وذلك في التوراة الي علمها الله تعالى لعيسى, قال تعالى: (وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ 48),
فأصبح العمل بالتوراة والإنجيل معاً لا يُقْبَل من أحد منهم إلَّا عبر ما جاء به عيسى عليه السلام. فتاه النصارى بعد ذلك عن مسار عيسى وأدخلوا فيها من عندهم وحرفوها وإبتدعوا فيها حتى ألَّهُوا عبد الله ورسوله فألحقوه بالله إبناً بل وشريكاً, بل وبديلاً. فكان أنْ نسخ الله تعالى بالقرآن الكريم كل الكتب السابقة فجاء بأحسن منها أو مثلها. وقد ضمنه الله كل خير أنزله في كتبه السابقة وحفظه من العبث والتحريف. فكان شامخاً يشهد لكل التكب السابقة بالقدسية والخير وعلى أتباعها بالحجة يوم القيامة, ولكنه لن يقبل أي عمل خارج إطار الإسلام الذي كتابه القرآن الكريم المتضمن كل شرع الله تعالى قديمه وحديثه, ولن يكون غيره أو معه لكل أهل الأرض من إنس وجن.
فقد ضمن الله تعالى ألَّا يفتقد أحد من أهل الكتاب خيراً فيه إلَّا وجدوه في القرآن, حيث يكون الله تعالى قد أبدله بخير منه أو مثله, وبالتالي فإن القرآن الكريم سيكون حجةً عليهم وقد أمروا أن يتبعوه ولكنهم أنكروا ذلك كبراً وغروراً فسيلقون ما يستحقونه من الله تعالى على هذا الجحود والإدبار,, فلهم مطلق الحرية في إختيار دينهم لأنفسهم,, ولكن عليهم التفكير ومراجعة الموقف قبل مفارقة الحياة وضياع الفرصة بأن يتدبروا القرآن "بحيادية", وسيتأكدون من أنه البديل الأفضل مما كان عندهم, أما إن أصروا على ما هم عليه من تحكيم الأهواء وزهدوا فيما عند الله تعالى,, فلهم ذلك وقد ضمن الله لهم في القرآن هذه الحرية,, ولكنه أقام الحجة عليهم, فمن عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد.
السؤال المحوري الأول: هل النبي الخاتم محمد « جعله الله وكيلاً على الناس »؟
الجواب على هذا السؤال يقفل الباب أمام لغط كبير وكثيف بين المتنطعين والمدلسين والجهلاء والسفهاء الذين يخوضون في آيات الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير. وهل هناك من يستطيع أن يرد على هذا السؤال المحوري سوى كتاب الله وآياته البينات المبينات؟؟؟ ..... لذا سنتدبر معاً و نناقش ونحلل بعض الآيات الحاسمة لهذه القضية التي أرَّقت الناس وأدخل المبطلوب شبهاتهم وأكاذيبهم وإقتراءاتهم فضلوا وأضلوا وضلوا عن سواء السبيل.
سنعرض فيما يلي عدد من الآيات التي تحسم أمر الوكالة التي يدعيها بعض الجهلاء للنبي بينما ينفيها الله تعالى ويؤكد نفيها كثيراً, كما سنرى عبر الآيات البينات التالية, قال تعالى:
1. في سورة: (وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ «« وَهُوَ الْحَقُّ »» ←-;---;-- قُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ ), هنا يؤكد الله له أنَّ تكذيب قومه للقرآن لا ينفي أنه الحق من ربه, ولكنه مع ذلك أكد له بأن يكتفي فقط بالتبليغ لا أكثر من ذلك - « لأنه ليس عليهم بوكيل »,
2. وفي سورة الشورى, قال تعالى: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ « اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ » ←-;---;-- وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ 6), هنا يؤكد له أن الحفيظ عليهم هو الله تعالى وحده لا شريك له, وليس النبي, ثم يؤكد لنبيه الكريم بأنه « ليس عليهم بوكيل » أيضا,
3. وفي سورة الأنعام, قال تعالى: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا - 1« وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا » 2« وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ » 107), هنا ينفي عنه أن يكون "حفيظاً" على المشركين, وأيضاً ينفي عنه أن يكون عليهم "وكيلاً" عليهم,
4. وقال له في سورة الزمر: (إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ « فَمَنِ اهْتَدَىٰ-;---;-- فَلِنَفْسِهِ » « وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا » ←-;---;-- وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ 41), هنا أضاف إليه مزيد من التفصيل, فقال له نعم هذا الكتاب أنزلناه عليك للناس بالحق, ولكن ليس لك عليهم سلطاناً, ولا حفظاً, لأن الهداية بالخيار وليس بالإلزام فمن إهتدى إهتدى لنفسه وسيلقى ما يستحقه على هذه الهداية, ومن ضل فإنما يضل على نفسه وسيدفع ثمن هذا الضلال يوم يلقى ربه, فكن في حدود مهمتك الأساسية وهي التبليغ, لأنك لست وكيلاً عليهم بأي حال,
5. كما أمره في سورة يونس أن يبلغ الناس بأن الحق قد جاءهم من ربهم وليس منه هو, وأن مسألة الهداية متروكة لهم, فلا أحد يملك أي سلطان على أحد بأن يلزمه بدين هو لا يريده أو يقبل عليه بإختياره وبكامل إرادته, فقال له: (قُلْ - « يَا أَيُّهَا النَّاسُ » - قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ - «« فَمَنِ اهْتَدَىٰ-;---;-- فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ »» «« وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا »» ←-;---;-- وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ 108), إذاً,, قد أمره الله تعالى أن يجعل الناس على بينة من أمرهم, ويبلغهم بأنه لا يملك أي سلطان على أحد منهم, وإنما فقط يبلغهم ما أمره الله به, ويوضح لهم الأمور ويكشف لهم العواقب, لأن الله ما هو عليهم وكيلاً.
6. وفي سورة الأحزاب, أمره بتقوى الله, ولا يطع المنافقين والكافرين فيما يخالف شرع الله الذي أوحاه له وأمره به, وليعلم بأن الله عليم بما يحدث معه منهم وحكيم يعلم كيف يكفيه إياهم, قال له: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ « اتَّقِ اللَّهَ » ←-;---;-- وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ ←-;---;-- إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا 1)، ركز فقط في المهمة التي أرسلت من أجلها: (« وَاتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ-;---;-- إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ » ←-;---;-- إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا 2)، وأصبر على كل ما يأذيك به هؤلاء المنافقين والمشركين: (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ - وَكَفَىٰ-;---;-- بِاللَّهِ وَكِيلًا 3), فأنت لست بوكيل على غيرك بل الله تعالى هو الوكيل عليك وعليهم. وأكد له ذلك مرة أخرى في قوله: (وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ « وَدَعْ أَذَاهُمْ » - وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ←-;---;-- وَكَفَىٰ-;---;-- بِاللَّهِ وَكِيلًا 48).
7. نهى الله تعالى بني إسرائيل - في سورة الإسراء - على لسان موسى من أن يتخذوا من دون الله وكيلاً, قال تعالى: (وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ « أَلَّا تَتَّخِذُوا مِن دُونِي وَكِيلًا » 2), وهذا يعني أن موسى أيضاً قد نفى الله تعالى عنه أن يكون وكيلاً على بني إسرائيل,
8. ثم أمر الله نبيه بأن يقول لعباده: (رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ « إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ » « أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ » ←-;---;-- وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا 54),
9. كما أعلم الله الشيطان بأنه تعالى لم يجعل له سلطاناً على عباده المؤمنين, ويكفيهم أن الله تعالى هو وكيلاً عليهم, قال: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ←-;---;-- وَكَفَىٰ-;---;-- بِرَبِّكَ وَكِيلًا 65),
10. قال تعالى للمشركين: (أَفَأَمِنتُمْ - « أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ » « أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا » ←-;---;-- ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا 68), وهذه الآية مع الآيات السابقة أن الوكيل هو الله تعالى بلا منازع ولا شريك, ولم يجعل أحداً من خلقه وكيلاً على غيره من الخلق,
11. وقال في سورة الفرقان: (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰ-;---;--هَهُ هَوَاهُ «« أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا »» 43), فمن ذا الذي أعطاك ذلك التوكيل عن الله تعالى؟؟؟ ..... فمن إتخذ إلهه هواه لا شأن لك به بعد تبليغه ما أمرت بتبليغه وكفى,
12. حتى النبي نفسه ليس وكيلاً على نفسه, وليس لديه وكيل آخر سوى الله تعالى, لذا قال له: (رَّبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَٰ-;---;--هَ إِلَّا هُوَ ←-;---;-- فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا 9),
13. وفي سورة النساء قال له: (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَىٰ-;---;-- بِاللَّهِ وَكِيلًا 132),
14. وفي سورة الإسراء, كان هناك تحذير للنبي الخاتم نفسه قال الله تعالى له فيه: (وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ←-;---;-- ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا 86).
من هذا التأكيد في هذه الآيات البينات يتضح بما لا يدع مجالاً للشك بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعله الله تعالى وكيلاً على الناس من كفار ومشركين وغيرهم, ولم يجعله على نفسه وكيلاً, بل ولم يجعل له ولا لغيره من دون الله وكيلاً.
والسؤال المحوري الثاني: هل النبي الخاتم محمد « جعله الله حفيظاً على الناس »؟:
أيضاً هذا السؤال لن يستطيع أن يجيب عليه أحد سوى كتاب الله الكريم, فهو وحده القادر على أن يسكت الأفواه ويخرس المتشدقين بالباطل ليدحضوا به الحق المبين. فلنتدبر الآيات التالية لنعرف إن كان الله تعالى قد جعل لنبيه الخاتم أو لغيره من الأنبياء والرسل الذين سبقوه أن قدر أو تكليف بأن يكون أي منهم حفيظاً على الناس من أهل كتاب أو مشركين أو منافقين أو حتى مؤمنين؟؟؟
قال تعالى:
1. هنا نرى أن نبي الله شعيب ينصح قومه بأن يوفو المكيال ويقيموا الوزن بالقسط, ولا يبخسوا الناس أشياءهم, ولا يعثوا في الأرض مفسدين, ثم أعلمهم بأنه ناصح لهم ليس إلَّا,, ولكنه ليس عليهم بحفيظ, فأنظر إلى قوله تعالى في سورة هود: (بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ←-;---;-- وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ 86), إذاً,, كل أنبياء الله ورسله مكلفون بأن يعلنوها على الملأ وبكل وضوح بأنهم لا سلطان لهم على قومهم وأنما هم ناصحون لهم وليسوا عليهم بوكلاء من الله تعالى الذي تولى ذلك بنفسه دون سواه,
2. قال تعالى في سورة الأنعام على لسان نبيه الكريم: (ذَٰ-;---;--لِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَٰ-;---;--هَ إِلَّا هُوَ « خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ » - فَاعْبُدُوهُ ←-;---;-- وَهُوَ عَلَىٰ-;---;-- كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ 102)، فأكدت هذه الآية أن الله وكيل على كل شيء متفرداً, فقال: (لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ - « وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ » ←-;---;-- وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ 103)، ثم أمره بأن يبلغهم بما جاءهم من الله, ثم يؤكد لهم صراحةً انه ليس عليهم بحفيظ, قال تعالى: (قَدْ جَاءَكُم بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ « فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ » « وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا » ←-;---;-- وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ 104).
3. وفي سورة الشورى, قال: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ - « اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ » « وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ » 6), وحتى في حالة إعراضهم عنك, فليس أمامك خيار سوى أن تتركهم وشأنهم لأن الله تعالى لم يرسلك عليهم "حفيظاً", قال تعالى له: (فَإِنْ أَعْرَضُوا - «« فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا »» - إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ - وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنسَانَ كَفُورٌ 48).
4. وفي سورة ق, قال تعالى: (قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ 4),
5. وفي سورة هود, قال: (فَإِن تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ-;---;-- كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ 57), (بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ « وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ » 86 ).
6. وفي سورة سبأ, قال تعالى عن الغاوين: (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ « فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ » 20), علماً بأن إبليس ليس لديه أو وسائل ضغط أو سلطان عليهم, بل هم بإختيارهم إتبعوه فصدق ظنه فيهم, قال: (وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ « إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ » ←-;---;-- وَرَبُّكَ عَلَىٰ-;---;-- كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ 21).
7. وفي سورة النساء, قال تعالى: ( « مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ » « وَمَن تَوَلَّىٰ-;---;-- » ←-;---;-- فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا 80).
السؤال المحوري الثالث: هل النبي الخاتم محمد « جعله الله جباراً أو مسيطراً على الناس »؟:
1. قال تعالى في سورة الغاشية: (لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ 22), إذاً ليس له أي سيطرة على أحد, فقط مهمته التذكرة, ثم يتركهم لخالقهم الذي يعلم السر وأخفى, ويعلم بذوات الصدور, فكيف يكون للنبي ببشريته سلطاناً أو توكيلاً أو يكون حفيظاً على الناس وهو لا يعلم الغيب, ومع ذلك أكد الله تعالى له عدم تكليفه بكل هذه المهام التي لن يقدر عليها سوى من بيده ملكوت السماوات والأرض, وقد أعد الله يوماً للجزاء.
2. وقال في سورة ق, مبينا لنبيه خارطة الطريق: ( 1« نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ » 2« وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ » 3« فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ » 45).
أبعد كل هذا المنهج الواضح البين, الذي أوحاه الله لنبيه الخاتم, والذي أداه تماماً كما أمر به, وبأكمل وجه,, بل وقد إمتدحه الله تعالى وأكد بأنه بلغ كامل الدين الذي أراده الله للناس والجن على حد سواء يأتي من يدعي بأن النبي محمد قد وضع السيف على رقاب الناس ليجبرهم على الدخول في الإسلام؟؟؟ ما أغبى هذه الفكرة الساذجة الضالة المضلة؟؟؟ ألا يعي هؤلاء الأغبياء الجهلاء أن القهر على العقيدة لا يأتي "في أحسن حالاته" سوى بشرائح من المنافقين إن لم يشكلوا طابوراً خامساً وسط المؤمنين,,, ألا يرون أن مشكلة أمة الإسلام التي نعاني منها الآن هي وجود غثاء السيل من المنافقين الذين بيننا, وليس لدينا أي آلية أو سلطان أو وكالة لأن نبعدهم وننقي صفوفنا منهم؟؟؟
أيعقل أن يأتي الإسلام بأعدائه ويدمجهم في وسطه فيعملون كدابة الأرض التي أكلت منسأة سيمان؟ ألم يطلع هؤلاء الأغبياء ويتدبروا أو على الأقل يفهموا أن الله تعالى قد تبرأ من هؤلاء المنافقين وإعتبرهم كافرين؟ إن لم يفعلوا ذلك فعليهم بالرجوع إلى سورة "براءة" وتدبر الآيات البينات المبينات من الآية رقم (38) وحتى الآية رقم (90). فهولاء المنافقين لم يجبروا على الدخول في الإسلام, ولكنه دخلوه بأجندتهم وهي التخريب من الداخل,, ولكن الله تعالى كشفهم لرسوله وقد قبل منهم ظاهرهم ولم يؤاخذهم ببواطنهم ولكنه حذر المؤمنين منهم ومن شرهم الذي يفوق شر أعدائهم الظاهرين.
وقال الله تعالى مؤكداً كمال الدين الإسلامي وقيام النبي المصطفى الخاتم بكل ما أمر به, قال في سورة المائدة « دستور المؤمنين » مخاطباً لهم دون سواهم: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَٰ-;---;--لِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ - 1«« الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ » 2« وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي » 3« وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا »» ←-;---;-- فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ 3).
تحية طيبة للقارءات والقراء الكرام
بشاراه أحمد
#بشاراه_أحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟