|
الثقافة الفلسطينية بين الماضي والراهن
شاكر فريد حسن
الحوار المتمدن-العدد: 4747 - 2015 / 3 / 13 - 01:55
المحور:
الادب والفن
الثقافة الفلسطينية بين الماضي والراهن شاكر فريد حسن تحيي جماهير شعبنا في آذار من كل عام شهر الثقافة الفلسطينية ، إدراكاً منها بأهمية ودور الثقافة كسلاح فعال ومؤثر في معارك البقاء والصمود والمواجهة ، والدفاع عن الوطن ، والحفاظ على الهوية ، وصيانة التاريخ الوطني الكفاحي الفلسطيني . وليس من قبيل الصدفة اختيار شهر آذار لمشروع الثقافة الفلسطينية ، ففيه ولد شاعر المقاومة والثورة الراحل محمود درويش ، كما يلتقي فيه يوم المرأة العالمي وعيد الأم ويوم الأرض الخالد وبداية فصل الربيع وتفتح أزهاره ، وكل هذه المناسبات تكتسب أبعاداُ وطنية وإنسانية وثقافية . لقد نشأت وتبلورت لدى شعبنا ثقافة وطنية تقدمية إنسانية تقدمية مقاومة ومقاتلة وملتزمة مناهضة للصهيونية والاستعمار والاحتلال . وعبر مسيرة النضال الوطني التحرري استطاع المثقفون والمبدعون الفلسطينيون تحقيق الكثير من الانجازات الثقافية ، ولم يستغلوا القضية الوطنية لأهداف وغايات ومصالح شخصية ضيقة ، بل اندمجوا فيها ووضعوها في أعماقهم ، وانغمسوا بالهم والجرح الفلسطيني ، وحملوا فلسطين في قلوبهم وعقولهم . وقد شهدت الثقافة الفلسطينية عصرها الذهبي إبان المد الوطني الثوري وانطلاق الثورة الفلسطينية ، وظهور المقاومة الفلسطينية كعنصر أساسي في مواجهة التحديات ومقاومة الاحتلال والمحتلين ، وشكل مركز الأبحاث في بيروت ، الذي أسسه الدكتور أنيس صايغ - طيب اللـه ثراه - ، وكان يعتبر أهم وأعظم مركز أبحاث في العالم العربي ، مفخرة فلسطينية لدوره العظيم في حفظ الذاكرة وصيانة التراث الفلسطيني ، ولما قدمه من فكر سياسي وثقافي حضاري متنور ومتقدم . لقد مرت الثقافة الفلسطينية بمراحل عدة ، وكل مرحلة عبرت عن تداعياتها وإفرازاتها . ففي مرحلة ما بعد النكبة عبرت الثقافة الفلسطينية عن الحنين إلى الوطن ، ورسم صور ومشاهد وتفاصيل النكبة ، وتصوير أحوال وأوضاع اللاجئين في الخيام ومخيمات البؤس والشقاء والتشرد ، وانتقاد موقف الأنظمة العربية الرجعية المتواطئة مع الاستعمار . وفي مرحلة ما بعد هزيمة ونكسة حزيران العام 1967 جاءت الثقافة الفلسطينية انعكاساً وتجسيداً للواقع الجديد ، واقع التحدي والنضال والكفاح ضد الاحتلال الصهيوني ، والتزاماً بقضايا الوطن وهموم الناس وجراحاتهم وعذاباتهم ، وتعبيراً عن الطموح الجماهيري والشعبي بالخلاص من ربقة المحتل . أما في مرحلة الانتفاضة فالثقافة الفلسطينية صورت ممارسات الاحتلال التنكيلية القهرية والعدوانية تجاه الفلسطينيين ، والإشادة بالمناضلين والمقاتلين بالحجر والمقلاع . وفي مرحلة ما بعد أوسلو وقيام السلطة الوطنية واكبت الثقافة الفلسطينية المرحلة الجديدة وصورت العودة إلى أرض الوطن ، وعكست أحوال الناس وعلاقتهم بالسلطة . والواقع أن ثمة أسئلة تدور في الأذهان حول الوضع البائس الذي آلت إليه الثقافة الفلسطينية بعد أوسلو وإنشاء السلطة الفلسطينية . فماذا حدث وجرى لثقافتنا ؟ ولماذا هذا التراجع والنكوص الثقافي ، ومن عمل على تصحر واحتضار هذه الثقافة ؟ . لماذا احتجبت وغابت المجلات الثقافية الأدبية والفكرية الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة ؟ وهل يعقل أن شعباً تحت نير الاحتلال ، ويقاوم لأجل الحرية والاستقلال والديمقراطية لا يملك صحيفة أو مطبوعة تكفل حرية الرأي والتعبير ؟!. كيف يحدث كل ذلك بينما كان شعبنا في الشتات والمنافي القسرية وداخل الوطن المحتل يملك المؤسسات الثقافية والمنابر الأدبية والفكرية ، ويصدر الصحف والمجلات والدوريات الثقافية اليومية والأسبوعية والشهرية ، أما اليوم فلا يملك سوى صحيفتين شبه رسميتين ناطقتين باسم السلطة ، هما "الأيام" و"الحياة الجديدة" . فالناظر في الحالة الثقافية الفلسطينية الراهنة يلمس غياب الدور النقدي للمثقف الفلسطيني ، الذي كان يدفع ثمن التزامه الفكري والعقائدي والأيديولوجي ، بدلاُ من يقبض مقابل ذلك ، ونشوء وتفاقم ظاهرة المثقفين السلطويين السعداء الذي لا يحتاجهم الوطن الفلسطيني السليب ، ولا الشعب الذي يئن تحت حراب الاحتلال . باعتقادي أن كل ذلك مرده غياب وتراجع المشروع الوطني الفلسطيني ، وحالة الضياع والإحباط والتشتت التي تلف شعبنا بفعل اتفاقات أوسلو التي لم تحقق شيئاً خلال العقدين الماضيين . وكذلك الحالة الانقسامية التي يشهدها الشارع الفلسطيني وتأثيراتها وإفرازاتها على النضال الوطني التحرري الفلسطيني ، وسقوط المبدعين والمثقفين الفلسطينيين وانخراطهم في صفوف السلطة وتحولهم لأبواق سلطوية تأكل من خبز السلطان وتضرب بسيفه . وإزاء ذلك لا بد من انطلاقة جديدة تعيد الاعتبار للثقافة الفلسطينية التي تقاوم وتتحدى الهزائم والنكسات ، وتبث الأمل والتفاؤل الثوري في النفوس بالانتصار على الظلم والقمع والتعسف والاحتلال والطغيان ، وولادة مبدعين ومثقفين نقديين جدد يعيدون الوهج والسطوع للفكر النقدي والروح النقدية التي اتسمت فيها ثقافتنا الفلسطينية على امتداد مسيرتها قبل أوسلو .
#شاكر_فريد_حسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حنين زعبي تقض مضاجعهم ..!
-
استهداف المقدسات الإسلامية والمسيحية
-
شلت أيدي قتلة البشر وإرثهم الحضاري
-
المطر في آذار أحلى ..!
-
الدواعش يحرقون مكتبة الموصل
-
ملاحظة على الهامش
-
المجلات الثقافية والفكرية في بلادنا / مجلة الأسوار العكية
-
إصدار العدد الحادي عشر من مجلة -الإصلاح- الشهرية الثقافية
-
فشل المؤامرة على سورية ..!
-
في مواجهة التطرف الديني والفكر الداعشي الظلامي ..!
-
مجلة -الجديد-
-
صدور عدد كانون ثاني من مجلة -الإصلاح- الثقافية
-
على هامش أحداث العنف في أبو سنان ..!
-
ارفعوا أيديكم عن الثقافة والإبداع أيها الظلاميون ..!
-
عدد جديد من -الإصلاح- الثقافية
-
مجتمعنا إلى أين ؟!
-
انتصار الديمقراطية في تونس الخضراء ..!
-
الدور الغائب للمثقف ..!
-
صدور عدد تشرين اول من مجلة (الإصلاح)
-
في خطاب التكفير ..!
المزيد.....
-
تركيا تقضي باعتقال مديرة أعمال فنانين مشهورة بتهمة محاولة ال
...
-
-من هو النمبر وان؟-.. الفنان المصري محمد رمضان يسأل والذكاء
...
-
الثقافة السورية توافق على تعيين لجنة تسيير أعمال نقابة الفنا
...
-
طيران الاحتلال الاسرائيلي يقصف دوار السينما في مدينة جنين با
...
-
الاحتلال يقصف محيط دوار السينما في جنين
-
فيلم وثائقي جديد يثير هوية المُلتقط الفعلي لصورة -فتاة الناب
...
-
افتتاح فعاليات مهرجان السنة الصينية الجديدة في موسكو ـ فيديو
...
-
ماكرون يعلن عن عملية تجديد تستغرق عدة سنوات لتحديث متحف اللو
...
-
محمد الأثري.. فارس اللغة
-
الممثلان التركيان خالد أرغنتش ورضا كوجا أوغلو يواجهان تهمة -
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|