|
العراقيون وثقافة المؤامرة حكاية طويلة..؟
طلال شاكر
الحوار المتمدن-العدد: 4740 - 2015 / 3 / 6 - 19:38
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ثقافة المؤامرة هي جزء من تراث قيمي بدوي ريفي قلق ومهتز. موغل في قدمه وتأثيره على العقل الجمعي العراقي صنعته تراكمات هائلة من الافكار والمعتقدات والانكسارات والاحداث الجسام التي مر بها العراق كدولة فاشلة او كجغرافية مضطربة. وفي كل منعطف تاريخي يصنع العراقي صورة مجسدة لهذه المؤامرة حسب قيمة وتأثير الحدث الذي ترتبط فيه .يشارك فيها الانسان البسيط والمثقف والمتعلم، ويجري التمحيض لهاعادة من قبل أفراد أومنظمات اودولة اقليمية أوقوى كونية تعي غرضها وتأثيرها وهومسعى مقصود لحرف الوعي والتشويش عليه نحو وجهة ليس لها علاقة بالسبب الرئيسي والجوهري لمنشأ واسباب الظاهرة كمعضلة كبيرة يعاني منها البلد سواء كانت سياسية او اقتصادية .الاشكالية تكبر وتتواصل عندما يصبح المثقف والسياسي جسراً لنشر الاوهام والافكار الخرقاء عن تلك المؤامرة التي يحيكها الاعداء مثالاً لاحصراً امريكا واسرائيل. حيث تغدو الاستعارات الرخيصة اوالساذجة مرجعية لتفسير المعضلات وصنع التبريرات. ثقافة المؤامرة تزدهر عادة في البيئات المغلقة ذات المجتمعات الهشة التي تسود وتزدهر فيها ثقافة الاوهام من دينية واجتماعية وعشائرية وبخاصة المحكومة من قبل قوى سياسية عقائدية تجد في تضليل ومصادرة وعي الناس جزءاً من ادائها السياسي . ومن المؤسف القول ان بعض المتأثرين بمنطق المؤامرة هم من قوى ذات ثقافة مدنية اويسارية.. ثقافة المؤامرة هي التعليل الاسهل لتفسير الاخفاق المتواصل الذي تعاني منه السلطات الفاشلة وهي في الوقت ذاته محاولة سقيمة للتنصل من تحمل المسؤولية ومواجهة المعطيات بشرف وواقعية. من غير المستبعد ان لا تتأمر دول على غيرها اوتسعى لاضعافها في حال تضارب المصالح وتصادمها، لكن فهم هذا التأمر يجب ان ينطلق من قاعدة عقلانية متوازنة لتفسيره وفهمه ومقاومته، دون الوقوع في اجندات مضللة اوترويج لسياسة متقاطعة مع مصلحة بلادنا.. وسأضرب أمثلة ملموسة تحتمل الحوار والجدل والخلاف لكنها جديرة بالمعاينة والتأمل دون اللجوء الى لغة الابتزاز والاتهام الجاهز للنيل من فكرة الحوار الموضوعي للنفاذ من استحقاقات المراجعة وتقويم الموقف، فالغرض ليس اقناع من له وجهة مخالفة بقدر توسيع الرؤية لمعاينة الموضوع من زوايا مختلفة... قبل سنوات طرح نائب الرئيس الامريكي جو بايدن فكرة تقسيم العراق الى ثلاث فدراليات شيعية ، سنية, وكردية. فقامت الدنيا ولم تقعد وصرخت الاغلبية من المثقفين والسياسيين بأن مؤامرة امريكية صهيونية تقف وراء هذه الرؤية لتقسيم العراق وتحطيمه.....من الوهلة الاولى يبدو الامر صادماً ومثيراً ففكرة تقسيم البلد تستحق تسميتها بالمؤامرة القذرة.... بيد ان الرؤية المتأملة تشير الى واقع عصي على الارض، فالبلد منقسم بشكل حقيقي والاحتراب الدموي بين مكوناته الرئيسية متواصلاً وانعدام فكرة التفاهم مستمرة، مما شجع مسؤولاً رفيعاً في الادارة الامريكية من تقديم هذه الرؤية كألتماس لحل يراه واقعياً لانهاء الصراع لبلد لم يتدارك انقسامه واضطرابه. المثال الاخر. . صناعة داعش من قبل امريكا واسرائيل.. الكثير من المفكرين والمثقفين والسياسيين العراقيين جادلوا واصروا بان امريكا والغرب هم من صنعوا داعش كما صنعت امريكا القاعدة في افغانستان من قبل وان هنالك مؤامرة امريكية صهيونية لتدمير العراق والامة الاسلامية من خلال داعش،تبدو هذه الفكرة من خلال تفكيكها رؤية خرقاء لاتصمد امام توالي الوقائع ومعاينتها. فداعش وافكارها متجذرة في البنية الاجتماعية والدينية والنفسية العربية الاسلامية، والمؤامرة لاتصنع مثل هذا الامتداد والتحشيد العقائدي الجارف في تلك ألبيئات ألسنية ألمختلفة .. ولم يسلم حتى الغرب من تأثير تلك الافكار المتعصبة رغم اختلاف بيئته وثقافته. وهواليوم يواجه الكراهية والحقد والعنف ، رغم عيش ملايين المسلمين والعرب كمواطنين فيه اليس هذا مدعاة للتأمل والتفكير الحي..؟ من السذاجة الاعتقاد بأن مؤامراة خارجية مهما كانت حبكتها ان تصنع عملاء مأجورين من طراز داعش ، لو لم يكن الظرف السياسي والاجتماعي والفكري مهيئا لظهور مثل هذا التطرف والارهاب الوحشي وارتباط ذلك بالصراع الطائفي الملتهب الذي تقوده مرجعيات متعصبة متخلفة واعلام تعبوي تحريضي تدعمه دول متعددة في المنطقة.. لكن من غيرالمنطقي هنا اغفال الدور الامريكي مثلاً لاحصراً الذي ساعد في تقوية وظهور هذه الحركات المتطرفة وامتدادها بشكل غير مباشر من خلال سياسة اتسمت بالتناقض والازدواجية مثلاً الوقوف الى جانب اسرائيل ضد المطالب المشروعة للفلسطينيين اوالمعالجة الخاطئة لهذا الموضوع الحساس، واستمرار هذا الصراع كبؤرة جاذبة للعنف والتطرف وعدم الاستقرار في المنطقة. ولايبدو الموقف من تقدير ابعاد الصراع في سوريا متوازناً أو رصيناً من قبل امريكا وحلفائها كما جرى ويجري.. أوماهو حاصل في لبييا عندما جرى انجاز نصف المهمة والاكتفاء بأسقاط القذافي دون التفكير بعواقب هذا الموقف.. كل هذه الثغرات وغيرها نفذت منها تلك الجماعات المتطرفة نحو الهيمنة وعرقلة حركة الحياة بأشاعتها للارهاب والدمار والكراهية. بيد ان هذا الموقف الامريكي لايجوز ان نعده سبباً رئيسياً لهذا التدهور ونبني عليه افتراضات قسرية في تناسل مشاكلنا من خلال مؤامرة خارجية مزعومة... متجاهلين انحطاط البيئة الاجتماعية وتلاشي الوعي المدني و تكاثرالحاضنات الطائفية وانتشارالافكار الدينية السالفة المتناقضة مع روح العصر كسبب رئيسي وجوهري في انبثاق هذه الحركات الظلامية الهمجية والاهم من ذلك افتقاد بلداننا الى نظم سياسية جديرة بتحمل شرف المسؤولية وقادرة على الادارة والقيادة بروح معرفية وبرؤية وطنية جامعة... خلاصة القول ان المؤامرة من يصنعها نحن واذا نجحت فبفضل جهودنا وغباء وخيانة حكامنا وتهاوي وعي شعوبنا، ولااعتقد اننا من القوة والسيادة والوطنية بحيث نجبر الاخرين على التأمر علينا.. فنحن في كل يوم نتاًمر على بلدنا وعلى شعبنا من خلال قوانيينا ومعتقداتنا الدينية المتخلفة وفسادنا المدمر.أن الهروب من مواجهة الحقائق على الارض وافتقادنا لثقافة المكاشفة والنقد المعرفي هوالذي جعل السياسيين والمثقفين يلوذون بظلال المؤامرة لتفادي استحقاقات المسؤولية و شرف الموقف...
#طلال_شاكر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
البعث... مشروع عقيم تقيئهُ التاريخ.
-
الاسلام العراقي ومستقبل الدولة المدنية الموعودة..؟
-
الاستعانة بقوات امريكية.. لدحر داعش ضرورة وطنية...
-
عامر عبدالله ..كما عرفته ليس شيوعياً..؟
-
عشر سنوات على انقاذ العراق من الدكتاتورية..
-
تحت.. راية الطائفة.. والعشيرة..السنة.. هيأوا مرجعيتهم ..؟
-
حين يتهاوى الموقف الى حضيض العار...؟
-
الصراع العربي.. الكردي.. في العراق الى أين...؟
-
الرئيس احمدي نجاد.. يبشر بالمهدي المنتظر...؟
-
عمر بن الخطاب : تفكيك شفرة العدالة..؟
-
التجمع العربي لنصرة القضية الكردية.. وصناعة الاوهام..
-
الاحزاب الشيوعية وازمة التعاقب القيادي ..؟
-
العراق. والعراقيون. أزمة القيم والتكوين..؟
-
خارطة طريق طائفية : وراء موقف المالكي من الانتفاضة السورية..
...
-
القادة الأكراد يستغفلون شعبهم...؟
-
صدر الدين القبانچي.. بين أزمة المنطوق الديني ولسان التضليل .
...
-
تباً لبرلمان نائبه حسن العلوي.. وسحقاً لجمهورية رئيسها جلال
...
-
المالكي.. أما خروج متحضر..أو أمارة حجارة
-
دروس من مظاهرات25 شباط ومغزى رعب المالكي منها...؟
-
مستعمرة العبيد في الناصرية...؟!
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|