أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رضا لاغة - العرقية و القومية: تأصيل إيديولوجي أم أنثروبولوجي؟















المزيد.....


العرقية و القومية: تأصيل إيديولوجي أم أنثروبولوجي؟


رضا لاغة

الحوار المتمدن-العدد: 4738 - 2015 / 3 / 4 - 20:14
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


المشروع الحضاري العربي ، الإسلامي القومي ، الناصري ،الوحدوي ،التقدمي ...، فلتمحضه ما شئت من التسميات الناصعة و البرّاقة لأنك في كل الأحوال لن تجد تباينا فيما يتضمنه من عزم مستنير للتحرر و تدارك الفعل العاجز للتنمية و كسب رهان التنافسية و الاعتماد على الموارد الذاتية للأمة العربية و مواجهة المشروع الصهيوني... إنه يحمل في طيّاته رهان على المستقبل تتحسس فيه نخبنا العربية بيئة سياسية يمكن من خلالها تفعيل أداء عربي هيكلي برسالة ذات مضامين قومية تكون باعثا و محركا لإرساء دعائم مرحلة جديدة يكون فيها العرب قوة فاعلة في العالم. إن نبضات هذا الشحن الفكري تكاد تتحول إلى ما يشبه تسييل اللعاب الغدّي عند بافلوف؛ فهي خواطر لها إيحاءات بلاغية متضادة مع ما يطرأ في الهنا و الآن:تشرذم عربي ، انقسامات متزايدة ، عرقية و مذهبية ، وهن في مواجهة التحديات ( إرهاب، فقر، ماء، غذاء ، تلوث ...)، فأضحى من الضروري مراجعة الخطاب القومي و تطويره و تحيين انشغالاته . و قد اخترنا في هذه الإطلالة: التماسك السياسي و دوره في المحافظة على الهوية العربية الإسلامية بما هي نتاج صيرورة تاريخية لشعب عربي واحد تجمعه لغة واحدة و مصير واحد. من المضحك أن نتدحرج في الحديث من الوجود القومي كمسلمة بيّنة بذاتها، ننطلق منها لصوغ نظرية تعنى بضبط الأساليب العلمية التي بمقتضاها تتحول إلى وجود عيني . وهذا ما استنفد جهود أعلام من المفكرين العرب أذكر منهم دــ عصمت سيف الدولة ، و نديم البيطار و زكي نجيب محمود و الجابري و محمد عمارة...إلى صون الهوية التي شرعت في التشظّي عقب بزوغ هذه النعرات العرقية و المذهبية. يقول ديمتري أديب في هذا الصدد:" العنصرية و العرقية ليست شأنا من شؤون الماضي ، طويت و انتهت بهزيمتها بل هي شاغل الحاضر أيضا"1 .
و تبرهن التجارب أن الأنثروبولجيا قطعت شوطا في تقصّي العلاقات العرقية و تتبّع الطرق و الروابط التي تنوجد من خلالها الوحدة الاجتماعية. و مهما كانت درجة التنوع العرقي و المذهبي في وطننا العربي ، حيث يضم عددا كبيرا من المجموعات الاثنية و الدينية و المذهبية فتوجد دوما آفاق إنسانية رحبة يجب اكتشافها لديمومة لحمة هذا الكيان المتنوع. غير أننا نسجل اليوم للأسف بعض السرديات المحبوكة التي تخطط لتوليفات تنتعش في مناخ ملبد بالضغائن و الأحقاد و مضاجعة سواكن الفتنة التي تدفن كل بصيص أمل في تكاتفنا و تواشجنا. هنا تتنزل الإذاية السحرية للأقباط الذين نحروا ظلما فسمعنا تعجيزا في المطارحة لدولة داعش تتناسل من روضة المحبين لمذهب التكفير الوهابي . وهو مآل قيّض لهذه الأمة أن تعيش فواجع الوسواس القهري و استيهام مسرّة انبعاث هكذا اصطفاف و ربما حروب بين سنة و شيعة و أقباط و أكراد و أرتودكس و كاثوليك و أرمن و دروز...
لكل هذه الأسباب اخترنا أن نبحث عن إسهامات الأنثروبولوجيا في دراسة العلاقة بين العرقية و القومية. وهو مشغل أساسي اهتم به اريكس هايلاند في كتابه:" العرقية و القومية ، وجهات نظر أنثروبولوجية".
ينطلق الكاتب من التوصيف التالي: " شهدت العقود القليلة الماضية انفجارا في تنامي المطبوعات العلمية عن العرقية و القومية ، خاصة في مجالات العلوم السياسية و التاريخ و علم الاجتماع و الأنثروبولوجيا الاجتماعية. و قد لا يوازي ذلك سوى الانفجار في الدراسات التي تناولت العولمة، الهوية ، و الحداثة و التي تثير عرضا إلى الظواهر ذات الصلة القريبة بالعرقية و القومية"2 .
سنسلّط الضوء و نحن نستعرض هذه المساجلة الانثروبولوجية حول العرقية و القومية إلى التساؤلات التالية:
هل من تعارض بين النضال العرقي و النضال القومي؟
بمعنى آخر هل يمكن أن تتحول العرقية إلى تنظيم سياسي داخل الوجود القومي؟
هل تهدد العرقية التماسك السياسي و الهوية القومية؟
يحدد الكاتب ابتداء وظيفة العمل الأنثروبولوجي و يثني على مزاياه. فهو أولا ينشد توليد المعرفة العلمية المباشرة للحياة الاجتماعية بعيدا عن التعصب الإيديولوجي سواء كان عرقيا أم قوميا... و هو ثانيا يتقصّى الطرق التي يدرك بها جماعة من الناس العلاقات العرقية التي تشق وجودهم. و هو ثالثا يرصد الاختلافات و التشابهات بين الظواهر العرقية .
إن استخدام ظاهرة هنا يحيل إلى الموضعة العلمية التي تتقيد بها الأنثروبولوجيا.
إن نسحب معاني العلمية وما ترمز إليه من استبطان غير بريء للحياد و الصفاء و النقاء لا يبدد حضور المفارقة التي نلمحها منذ الفصل الأول من الكتاب، فتعريف العرقية لا يخلو من مشاكلة . فهي من حيث النشأة التاريخية تتداخل مع كلمة عرقي التي تنحدر من اشتقاق إغريقي يضعنا إزاء اثنو و اثنيكوز و تعني وثني ؛ و مفهوم العرقية كاستخدام علمي حديث يشير إلى الخصائص العنصرية لجماعة إنسانية ما.
على الرغم من هذه الصعوبة يعتبر الكاتب أن تعريف تشابمان ، لا يزال يحتفظ بجاذبيته ؛ فالخطاب " المعني بالعرقية يميل إلى أن يشغل نفسه بالوحدات الفرعية على الصعيد القومي أو الأقليات من نوع آخر"3 .
إن هذه الملاحظة الموجزة توحي بعمق التغلغل الذي لا ينضب للعرقية في مجتمعاتنا المعاصرة بوصفها ظاهرة اجتماعية ذات صلة بالوجود القومي. و رغم عدم وجود معيار أساسي أو مرجعي لتحديد مفهوم العرقية فإن الكاتب يلجأ إلى إستراتيجية العلم المقارن عبر رصد الفوارق الحاصلة ما بين العرقية و العنصر. فإذا كانت العرقية تحيل إلى دلالة علمية باعتبارها قابلة للتقنين العلمي عبر منهج فرضي استنباطي ، فإن العنصر ليس مصطلحا علميا ، إذ لا معنى للحديث عن ضوابط ثابتة بين الجماعات العنصرية ، فضلا على أنه لا يوجد ما يبرر علميا أن الجماعات العنصرية تجمعها خصائص وراثية متماثلة يمكن الاستعاضة بها لشرح التنوعات الثقافية التي ترسّبت عليها.
ينتهي الكاتب إلى أن العرقية تنشد التعرف على " النحن" بينما العنصرية تقوم على تصنيف " الهم". و هو ما يدفعه لإسناد صفة السلبية للعنصر و الإيجابية للعرق. يقول:" إن العنصر سلبي يؤذن بالإقصاء و العرقية تقوم على الإدماج الإيجابي"4 .
الخطورة إذن تكمن في تحول العرقية إلى تكتل يأخذ منحى العنصر . في هذه الحالة نحن نتحدث عن إيديولوجيا عرقية تقوم على مفترضات غير علمية: الأصل المشترك و الخصائص الثابتة. رغم هذا التباين لا يزال بوسع البعض أن يتحدث اليوم عن تداخل يصل حد التماهي بين العرقية و العنصرية ، وهو تداخل يشكل جزءا من الايدولوجيا العرقية المضرّة بوحدة الوجود القومي. في هذا الإطار يجب أن نميّز بين:
ـــ مدخل أنثر وبولوجي إثنولوجي يهتم بمفهوم العرق و يسلّط الضوء على التماثلات الثقافية و تاريخ السلالات . وهو تمش يفتح الباب على مصراعيه للتبرير العنصري.
ـــ مدخل أنثروبولوجي إجتماعي يعالج العرقية قصد الدمج و التذويب و التعددية.
ما هو مضمون المقاربة الأنثروبولوجية التي يعتنقها أريكس ها يلاند ؟
إن المتمعّن في المسار الفكري الذي استحوذ على الكاتب ، يجد تصويبا جديرا بالاعتبار لمعنى القومية التي تلوح في أفق، له حوافز جديدة مشذّبة عن ارتهانيتها الايديولوجية . يقول:"ّ إن القومية لا تعود إلى يسار أو يمين الطيف السياسي من خلال التشديد على المساواة بين المواطنين"5 ، ليغدو الهدف الأساسي للايدولوجيا القومية هو إعادة ابتكار عواطف الكلية و الاستمرارية مع الماضي و أن تسموا بالاغتراب الذي يطرأ بين مكوّناتها. إنها بحاجة أن تعنى بقيم العدل و الحريات العامة. إنها بحاجة أن تنظر للإنسان كذات محصنة بمبدأ الحق . يقول:" إن الايديولوجيا القومية وظيفية بالنسبة للدولة" 6 ؛ و متى غاب هذا الشرط الوظيفي " أثناء مواجهة ظرف واقعي للتعددية العرقية و الثقافية قد تتهم الدولة بالظلم7 .
إن هذا التخمين العلمي يبدو منطقيا ، وهو ضرب من الترسيخ الجديد للفكرة القومية بعيد عن الشعارات الإيديولوجيات الطنانة . فكل أمة لها صيرورة ذاتية داخلية تخص سبل الحياة ووسائطها وفق نظام اجتماعي تبادلي و اتصالي:
ـــ تبادلي : بمعنى تعزيز فكرة التقاطعية التي تجعل من عامل التنوع شرطا لازما للتطور، أي الذود عن الوحدة التي ينبثق عنها مطلبيات اجتماعية و اقتصادية و سياسية و ثقافية متعددة وفق شرعية مبدأ الحق الذي يحرص على تذويب الخلافات قصد الإدماج و الصهر.
ـــ اتصالي : بمعنى ديمقراطي ،تشاركي يؤسس لهوية مركبة في الداخل ( وحدة الوجود القومي) و هوية نشطة و منفتحة على الخارج( وحدة الوجود الإنساني العالمي و ليس العولمي حسب ادغار موران).
و لأن الشرط الديمقراطي لا يزال في حالة مخاض عسيرة حتى لا نقول منعدما و لأن الهذيان التكفيري للمجتمع يكاد يتحول إلى حلقة تصورية حاملة لخصائص أنثروبلوجية تراثية لا إنسانية ( القتل المؤسس)، فان هذه الغائية تخفي في طياتها انحباسات حقيقية تحول دون تطور أمتنا العربية لتظهر الصراعات العرقية كهوية مدهوسة تريد أن تنتقم لذاتها.
و ليس مغالاة حين نقول أن تحقيق هذا التمثل الأنثروبولوجي في عالمنا العربي المعاصر يتوقف على مدى قدرتنا على أن نظهر أكثر تماثلا و أكثر اختلافا في الآن نفسه. إننا نحتاج إلى :
ــ تأكيد الوحدة في سبيل تحرر أمتنا من الانقسام. و يبقى السؤال كيف؟( كفيدرالية عربية)
ـــ تأكيد الحرية لا بوصفها حالة مفترضة لا تتحقق إلا داخل دولة الوحدة و إنما بالانغماس ضمن الحراك الديمقراطي و فرضه جماهيريا ضمن الدولة الوطنية .و يبقى السؤال بأية وسائل؟( التعبئة الجماهيرية و عدم التخابر ضد أمن الدولة و ضرب استقلالية القرار الوطني)
ــ تأكيد أنه لا حرية و لا استقرار بدون مبدأ التعايش الذي يضمن الحق لكل مواطن بقطع النظر عن عرقه و مذهبه و لونه. و يبقى السؤال ضمن أية شروط ( عدالة اجتماعية )
ألم يخطر ببال نخبنا الثقافية اليوم أن ذاك هو مدخل حداثتنا؟
المراجع:
1 ـــ جذور العرقية و أسطورة الجنس المتفوق، ص 7 . ديمتري أديب، دار كنعان للدراسات.
2 ـــ العرقية و القومية ، ص 3 . اريكس ، ترجمة عبد الحسين لاهاي، عالم المعرفة.
3 ــ نفس المرجع ص 7
4 ـ نفس المرجع ص 14
5 ــ نفس المرجع ص 164
6 ــ نفس المرجع ، ص 160
7 ـ نفس المرجع ، ص 221



#رضا_لاغة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ملاسنة حول السفسطائي: رحلة من معاقل الميتافيزيقا إلى معاول ا ...
- أدب الجريمة : دوستويفسكي و البصمة الأنثروبولوجية
- استلاب الوعي و القهر السياسي لنظام بن علي
- الطريق من الجريمة إلى الأنثروبولوجيا
- الحرب: أزمة قيم أم أنثروبولوجيا؟
- التصوف تحت مجهر علم النفس خال ينمّ عن عقدة بلوغ أوج القمّة
- الإرهاب و الثورة : أزمة عصر أم ميلاد عصر جديد؟
- نوابض خفيّة للصورة


المزيد.....




- الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و ...
- عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها ...
- نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
- -ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني ...
- -200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب ...
- وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا ...
- ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط ...
- خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد ...
- ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها ...
- طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا ...


المزيد.....

- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رضا لاغة - العرقية و القومية: تأصيل إيديولوجي أم أنثروبولوجي؟