|
في مدني ، وأسيني الأعرج يتجلي فيمتدح الأمير !
جابر حسين
الحوار المتمدن-العدد: 4734 - 2015 / 2 / 28 - 13:55
المحور:
الادب والفن
أمسية الجمعة 2/2/ 2015 الماضية حظيت مدني بالروائي الجزائري الكبير واسيني الأعرج بقاعة قصر الثقافة . وكان واسيني قد حضر للسودان ضمن المدعوين لحضور فعاليات جائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي وهي الجائزة التي تمولها بالكامل وترعاها " شركة زين للإتصالات " . هي المرة الأولي التي يأتي واسيني للسودان ، وتلك ، لا شك ، فرصة حظ عظيمة القدر أن يشاهد بعضا من بلادنا ويلتقي بعضا من مثقفينا . واسيني ولد في 8 أغسطس 1954 بقرية سيدي بوجنان تلمسان الحدودية ، وهو أستاذ كرسي بجامعتي الجزائر والسوربون في باريس ، ويعد أحد أهم الأصوات الروائية في العالم العربي ، له أكثر من عشرين عملا روائيا ويكتب في النقد وجماليات الكتابة الروائية ، يكتب بالعربية والفرنسية وترجمت أعماله لأكثر من عشرين لغة ونال العديد من الجوائز وشهادات التقدير العربية والعالمية . جل رواياته تتمحور حول جواهرها بالذات ، حيث كرست ، في جميع وجوهها تقريبا ، في تبيان مظاهر الطغيان وذمه وتبيان قبحه الوحشي الخشن وتأثيره في حياة ومصائر الإنسان . لقد جاء واسيني الخرطوم ، مثلما جاء غيره من ضيوف الجائزة العرب ، في اعقاب إغلاق إتحاد الكتاب السودانيين وإلغاء تسجيله بلا أي مبرر مقبول ، لا من الناحية القانونية ولا الإجرائية ، تم ذلك " الحظر " التعسفي علي نشاط الإتحاد مباشرة بعد إستضافته الروائي والكاتب المغربي الكبير محمد بنيس ! وهما معا ، واسيني ومحمد بنيس وغيرهما لا شك قد جاءوا تحت الظلال الوريفة لسيرة وأعمال كاتبنا الكبير الراحل الطيب صالح ، نوعا ما من الإلفة وتلويحة إنسانية لمقامه العالي وذكراه المزهرة في ضميرنا الثقافي . لكن ، للأسف العميق ، لم تشير فعاليات الجائزة ، ولو بإشارة خجول للهجمة الضارية علي إتحاد الكتاب ، وذلك الإجرء التعسفي هو ، في ظني ، أحد أهم الأحداث في راهننا الثقافي . تري هل لم يعلم واسيني ، وهو الذي يعنينا هنا دون سائر ضيوف الجائزة ، بأمر ذلك الحدث التي طالت تداعياته جل وسائط الميديا الأقليمية والعالمية ، أم جري " تغييب " هذا الأمر الجلل عنه بالقصدغير الحميد ؟
الرواية والتاريخ ...
واسيني ، له منهج عرف به في شأن كتابة الرواية ، وإلتزم جانبه ورؤياه في كل أعماله بلا إستثناء : سلك دروب الكتابة " الحرة " في سمتها الجديدة ، وسار في تجاريب الكتابة حيثما تأخذه إليها ، فلم يلتفت ، وهو يكتب رواياته ، إلي تلك " المدارس " الكلاسيكية للرواية وأشراطها ، بل ظل وفيا للنهج الحر الذي يجعل الرواية تتخلق من ذات نفسها ، من جواهرها الذاتية ومسارات مصائر حيواتها ، لهذا ، في ظني ، ومن هذا النبع السيال إكتسبت أعماله فرادتها وتوهجها وإبتكاراتها التي تنمو في بؤرتها شواردها كلها حتي تغدوا ، وهي في نموها وتطورها ، في ملامح وجهها هي في غير مألوف الكتابة الروائية علي ما تعارفنا عليها و ... لا تزال سائدة بيننا بهذا الحضور أو ذاك . وأسيني ، إذن ، هو الوحيد ، فيما أري ، الذي حمل هذا الوجه الروائي الجميل من بين كل ضيوف الجائزة سواء في الرواية أو الشعر ، فهو شاعر ، يكتب الشعر ويقول به في أعماله كلها ، مزهوا يبدو في كتابته و ... ناصعا كما ضوء النجوم في أفق معتم . له ، أيضا ، تجوال و" تنقيب " كثير في لغة الرواية ، لم يجعلها ، أبدا ، في أي وقت تستقر علي حال واحدة ولا لحظة واحدة ، في كل مرة كان يصنع لها شكلا هو شكلها بالذات وملامحا هي ملامحها وحدها . يقول واسيني ، كما جاء في حديثه بمدني أنه " لا يردد صدي التاريخ وأحداثه " ، هكذا ، كيفما أتفق ، بل هو " يبحث في وجوه السرد الضائعة / المبهمة فيه و ... عن نظمها الداخلية " لكي يرينا إياها بعد أن يلبسها أرديتها الملونات في زهو ألوانها العديدة ... ، يظهر ذلك جليا في عمله الرائع " الليلة السابعة بعد الألف " في جزءيها : " رمل الماية " و " المخطوطة الشرقية " . ذلك هو التجلي الأهم و الجوهري في أعماله الروائية كلها تقريبا . ولعلها ، هي المرة الأولي التي تنفتح فيها الرواية العربية فتدخل ردهات التاريخ ، علي كثير عتماتها وادغالها الكثيفة المتشابكة ، لا لكي تنظر وتسرد وتصور أحداث التاريخ ، بل لأجل تأمله والبحث في أحداثياته عما هو إنساني فيجلوه ويكتبه في الإبداع الذي هو شأن عظيم القيمة في أي عمل إبداعي ، وللرواية ، حتما ، صيرورتها الجمالية وسط ذلك الركام الهائل للتاريخ ، تلك مآثرة واسيني الأعرج في طلوعها البديع !
إمتداح الأمير أم البحث عن إنسانيته وروحه الثائرة ؟
لست أدري لم إختار واسيني أن يبدأ حواره مع الحضور بالحديث عن عمله المهم " الأمير " ، وفي البال ، عند النظر إلي عنوانه ، كتاب ميكافيللي الشهير " الأمير " ! لعله بسبب من نظرته ، وقناعاته ، بالغوص عميقا في التاريخ ، فكتاب ميكافيللي كتاب سياسي بالدرجة الأولي ، وقد كتبه في تمجيد سياسة الأمر وضمنه " نظرياته " ونصائحه إليه بشأن الدولة وسياساتها لكيما تحظي بالقبول من الجماهير وتظل في تعاليها عليها وتحكم وتوجه كل أمورها وشئونها ! أما " أمير " واسيني فهو الثائر الجزائري عبد القادر الجزائري ، وقد كانت " ثورته " أشبه ما تكون ، في عديد وجوهها بثورة محمد أحمد المهدي عندنا . لواسيني الحق ، كل الحق طبعا ، أن يري من تاريخ الجزائر وجه الثائر عبد القادر و يجله فيجعله في " ثيمة " جوهرية واساسية في عمله الروائي ، ولكن ، هل يملك حق أن لا ينظر من تاريخه الشخصي ومصائره في حياته النضالية سوي تلك الأضواء الباهرة فلا يكاد يري غيرها من سوءات و " تشوهات " أحاطت بها ؟ تماما كما ظل يحدث عندنا عند النظر إلي المهدية وحقبتها التاريخية ؟ ذلك مما تجيب عليه القراءة البصيرة العادلة لأحداث ووقائع التاريخ عندما يتناولها العمل الروائي وفق المنظور الإبداعي للروائي نفسه ! وأسيني ، إذن ، يري أن التاريخ ليس مادة " جاهزة " ، بل تكمن خطورتها في جاهزيتها تلك ، في وقائعها المعقدة وكيف علينا أن ننظر إليها لكيما نوظفها في العمل الروائي ، تلك هي المسألة ! هو ، أيضا ، يطرح " وظيفة " الكاتب وهو في مقام أسئلته العديدة للتاريخ ، وتلك الأسئلة " حيوية جدا وضرورية " بالنسبة إليه كما قال . أما ، لماذا الأمراء و ... هذا الأمير ؟ فيقول أنه قد كتب رواية " الأمير " لمحاولته الإجابة علي السؤال الوجودي ( العربي – العالمي ) حول مصير البشرية وتشوهاتها وجراحاتها بسبب من الخلافات الدينية المتكاثرة وغيرها ، ورأي أن الأمر برمته ، لديه ، هو سؤال الحضارة في راهننا المزرئ . وتبعا لذلك ، كما يري ، وجد في عبد القادر الجزائري أبن المنطقة وأبن بيئته وظروفها ، ومعبرا ، كما رأه ، عن ما هو إسلامي و ... ما هو ديني ، في بلبال تلك الحقبة من تاريخ وطنه الجزائري والوطن العربي . لهذا نراه ، قد ضمن رواياته أضواء تاريخية وثبت وقائعا منه في العديد من رواياته ، فليس ممكنا ، كما يقول ، أن يظل غير معنيا بأحداث ووقائع هذا العصر الذي يعيش فيه . هكذا ، كانت ، صوب هذه الوجهة ، " سياحة " واسيني الأعرج في ود مدني التي ذخرت في الأسابيع الماضية بزخم ثقافي وفني كبير . إليك التحية أيها الروائي الجميل وشكرا لتلك اللحظات الباهرة في كنف الرواية العربية فجعلتنا فيها . --------------------------------------------------------------------- * ود مدني هي ثاني أكبر مدن السودان بعد العاصمة الخرطوم ، حاضرة ولاية الجزيرة في وسط السودان .
#جابر_حسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ود المكي وكت نزل مدني ...
-
القدل الآن في تأمل حال البلد ...
-
سكينة عالم ، شعاع الضوء في النفق ، والراية في الوطن !
-
عن مرض كجراي الذي رحل فيه !
-
حين دخلت الكنيسة !
-
في الليل أيضا ، و ... في عشقها !
-
لشعرها ، جمالا في الجسد !
-
آخيرا ، آخيرا يا وردي تحققت أمنيتك !
-
كلمات لأقولها لسميح القاسم !
-
أصوات في غرفة سميح القاسم في المشفي !
-
لا عيد إلا أغنية للنصر ...
-
محجوب شريف نزل مدني بالحزب الشيوعي !
-
جنون امرأة عاشقة ...
-
الوليد مادبو ، حفريات في اللغة و ... تأملات في حال البلد !
-
أبو ألق ، عاشق الأطفال والحياة !
-
تأملات في أحدوثة تاجوج ، في المرأة و ... في الجسد !
-
محجوب شريف مات مقتولا !
-
مبارك أزرق ، في ريادة القصة القصيرة و ... في المسرح .
-
كمال عبد الحليم ، الشعر حين يلتجئ إلي خشبة المسرح ...
-
أبو ذكري لا يريد الموت ، رغما عنه !
المزيد.....
-
أسلوب الحكيم.. دراسة في بلاغة القدماء والمحدثين
-
الممثل السعودي إبراهيم الحجاج بمسلسل -يوميات رجل عانس- في رم
...
-
التشدد في ليبيا.. قمع موسيقى الراب والمهرجانات والرقص!
-
التلاعب بالرأي العام - مسرحية ترامبية كلاسيكية
-
بيت المدى يؤبن شيخ المخرجين السينمائيين العراقيين محمد شكري
...
-
مصر.. الحكم بحبس مخرج شهير شهرين
-
مصر.. حكم بحبس المخرج محمد سامي بتهم -الاعتداء والسب-
-
مصر.. حكم بحبس المخرج محمد سامي شهرين لهذا السبب
-
الكويت توزع جوائز الدولة وتحتفي باختيارها عاصمة للثقافة العر
...
-
حتى المواطنون يفشلون فيها.. اختبارات اللغة الفرنسية تهدد 60
...
المزيد.....
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
المزيد.....
|