|
أدب الاعتراف
عدنان حسين أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 4733 - 2015 / 2 / 27 - 10:48
المحور:
الادب والفن
صدر عن مشروع «كلمة» التابع لهيئة أبوظبي للثقافة والتراث كتاب «ترجمة النفس.. السيرة الذاتية في الأدب العربي» وهو من تأليف مجموعة من أساتذة الأدب في أميركا، تحرير دويت راينولدز وترجمة سعيد الغانمي. وكما هو معروف فإن «ترجمة النفس» أو كتابة «السيرة الذاتية» لم تحظَ باهتمام النقّاد والدارسين العرب والمستشرقين على حد سواء على الرغم من كونها جنسا أدبيا يتوفر على ملامح واشتراطات خاصة. ويعود هذا الإهمال إلى بعض المغالطات التي شاعت في الأدب الغربي بأن السيرة الذاتية هي نوع غربي خالص لم يعرفه الكتّاب العرب من قبل. كما عزّز هذه الأوهام بعض الاستنتاجات النمطية الجامدة التي تقول بأن المسلمين لم يعرفوا أدب «الاعتراف» الذي يتمحور حول البوح بهدف التكفير عن الخطايا التي يرتكبها الإنسان المُذنِب، وهذا يعني أن السيرة الذاتية العربية تبقى ناقصة لأنها تفتقر إلى تقنية البوح الذاتي الداخلي التي يعدها النقاد واحدة من أهم تقنيات السيرة الذاتية الحقيقية. لقد ردّ جلال الدين السيوطي قبل بضعة قرون حينما قال: «ما زال العلماء قديما وحديثا يكتبون لأنفسهم تراجم». وهذا يعني أن الأدباء والكُتّاب العرب والمسلمين كانوا منهمكين على مدى عشرة قرون في الأقل في كتابة التراجم والسير الذاتية. لا شك في أن بعض التراجم مكتوبة بضمير الغائب، وليس بضمير المتكلم، وأنها تركز على الفعل أكثر من الانفعال، وقد لا تنطوي على اعترافات كبيرة، وربما تكون مناسبة لتعظيم الذات وتحمل صاحبها على المبالغة والتباهي والغرور، ولكن هذا لا يمنع من كونها سيرا ذاتية تنطوي على قدر كبير من الحقيقة. فدافع المؤلف العربي أو الإسلامي في كتابة سيرته الذاتية هو دعوة القارئ إلى الاقتداء بسيرته أو تبيين نعم الله عليه بدليل الآية الكريمة التي تقول "وأما بنعمة ربك فحدّث»، وهذا لا يمنع طبعا مؤلف السيرة الغربية من القول «تلك هي الأخطاء التي ارتكبتها، فتحاشوا السقوط بها". يركز الفصل الأول من هذا الكتاب على أن السيرة الذاتية هي نوع غربي خالص كما أشرنا سلفا. وأن الثقافة الغربية تعامل الذات باعتبارهما منقسمة بين «النفس الخارجية» المُعلَنة، و«النفس الداخلية» المُضمرة، فيما تنحصر وظيفة الكتابة في إشهار المضمر وإعلان المكتوم ومحاولة المطابقة الصريحة بين الذات الداخلية والخارجية. فيما يرى مؤلفو هذا الكتاب التسعة بما فيهم المحرر دويت راينولدز أن هذه الثنائية ليست ضرورية ولا مطلقة، بل هي نتيجة للثنائية الفرويدية التي شاعت بين الوعي واللاوعي والتي لم تتبلور في الثقافة الغربية إلا في القرن التاسع عشر. يسلّط الفصل الثاني الضوء على أبرز أنماط الكتابة الحميمة وهي السيرة، والترجمة، والبرنامج، والفهرسة والمناقب. وكما هو معروف فقد شاع النمطان الأولان وانتشرا بشكل واسع على المستويين التاريخي والجغرافي. أما مصطلحا البرنامج والفهرسة فقد ارتبطا بمناطق جغرافية وحقب زمنية محددة. إذ استُعمِل مصطلح «برنامج» بمعنى سيرة حياة في إسبانيا الإسلامية وتحديدا منذ القرن الثامن حتى القرن الخامس عشر، فيما انحصر استعمال الفهرسة بمعنى السيرة أو السيرة الذاتية في شمال أفريقيا في السياقات الصوفية فقط. أما مصطلح المناقب الذي يعني «الفضائل» بالمعنى الحرفي فقد ارتبط ارتباطا واضحا بالثناء والمدائح قبل أن يتحوّر ليعني السيرة الذاتية. يؤكد مؤلفو هذا الكتاب أن السير الذاتية المبكرة قد ألفت بمعزل عن بعضها كما هو الحال في سيرة حُنين بن إسحاق والمُحاسبي والترمذي، لكن بحلول القرن العاشر وبدايات القرن الحادي عشر بدأ تداول سير ذاتية قصيرة كتبها أطباء وفلاسفة مثل الرازي وابن الهيثم وابن سينا وقد حظيت باهتمام القرّاء في مساحة جغرافية واسعة. ثم ظهرت سير ذاتية طويلة مثل سيرة ابن بلقين والغزالي. ولا بد من الإشارة إلى ظهور بعض السير الذاتية التي تتمحور على موضوع التحوّل الديني من اليهودية أو المسيحية إلى الإسلام كما هو الحال مع السموأل المغربي وفراي أنسليمو تورميدا (عبد الله الترجمان(. تختلف دوافع المؤلفين تبعا لتوجهاتهم الفكرية والروحية والثقافية فقد كتب حُنين بن إسحاق والرازي سيرتيهما دفاعا عن نفسيهما ضد نقادهما، بينما كتب المُحاسبي سيرة ذات طبيعة روحية، فيما كتب ابن الهيثم والمؤيد الشيرازي والداني تقارير بحثية عن حياتهم. ومع بدء القرن الثاني عشر حتى القرن الرابع عشر ظهرت نصوص لسير ذاتية مكتوبة بأشكال مختلفة بعضها على شكل لمحات مدرسية، وبعضها الآخر على شكل إرشادات روحية، أو أعمال أدبية خالصة مثل سيرتي عمارة اليمني وأسامة بن منقذ. ثم حدثت نقلة كبيرة في السيرة الذاتية في أواخر القرن الخامس عشر وبداية القرن السادس عشر حينما ظهرت سير للسخاوي والسيوطي وابن طولون الدمشقي والعيدروس وغيرهم الكثير. درس مؤلفو الكتاب التسعة السيرة الذاتية العربية في الفصل الرابع دراسة نصية واعتمدوا على نماذج تطبيقية مهمة أبرزت خصوصية الذات، ونمو الشخصية عبر مراحل متعددة تبدأ من الطفولة، مرورا بالصبا والشباب وذروة النضج، وانتهاء بالشيخوخة. كما ركزوا في هذا الفصل على أهمية الأحلام والهواتف والرؤى وتضمين السير الذاتية باستشهادات شعرية مهمة بغية التركيز على الانفعالات الداخلية لكاتب السيرة الذاتية لأن المنتقدين يرون أن السير الذاتية العربية تميل إلى الفعل لا الانفعال، كما أنها تصوّر انفعالات الآخرين وتهمل انفعالات الذات. يتضمن القسم الثاني من الكتاب ترجمة لثلاث عشرة سيرة ذاتية عربية إلى الإنجليزية غير أن المترجم سعيد الغانمي اعتمد على الأصول العربية لهذه السير كما ساهم في تحقيقها وإضافة بعض المعلومات التي وجدها ضرورية ومفيدة للنصوص الأصلية ومن بين هذه السير الذاتية نذكر سيرة حُنين بن إسحاق وعبد اللطيف البغدادي وجلال الدين السيوطي وعلي مبارك. كما عزّز المؤلفون الكتاب بكشّاف إحصائي للسير الذاتية العربية يضم ما يزيد على مائة وأربعين سيرة ذاتية عُثر على نصوصها أو وجدوا أخبارا متداولة عنها. كما أضاف المترجم سعيد الغانمي عددا من السير الأخرى التي لم يقع عليها المؤلفون التسعة للكتاب. ضم الكتاب في خاتمته ثبتا بعدد من المصطلحات التي استعملت في متن الكتاب مع شروح وافية لها توفر للقارئ معلومات دقيقة تضيء متن هذا الكتاب وتستجلي موضوعه الشيق. وفي الختام لا بد من الإشارة إلى أن سعيد الغانمي هو كاتب ومترجم عراقي معروف، يقيم في أستراليا حاليا، أصدر أكثر من أربعين كتابا مؤلفا ومترجما نذكر منها «المعنى والكلمات» و«أقنعة النص» و«منطق الكشف الشعري»، ومن كتبه المترجَمة «العَمى والبصيرة» لبول دي مان، و«السيمياء والتأويل» لشولز.
#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رواية سعد محمد رحيم الماكرة!
-
التقنية الميتا- سردية في رواية -كاباريهت- لحازم كمال الدين
-
أولاد أبو غرّيب
-
دراسات في سياسات التعليم لنديم العبدالله
-
سينما التحريك لبرنار جينان وترجمة صلاح سرميني
-
السخرية الصامتة في فيلم شاشاتنا
-
باثولوميو بيل يترجم -الأرض اليباب- إلى صورٍ بصريةٍ مُدهشة
-
شخصيات غير مألوفة، وثيمات صادمة بعض الشيئ
-
الطاقة المؤلمة في معرض تركيبي مشترك
-
قراءة نقدية لديوان غريب على قارعة الطريق
-
قل متى؟ للمخرجة الأميركية لين شيلتون
-
تنظيرات الناقد لجمهورية الشعر
-
حياة ثقيلة تستمد مادتها من المذكرّات والسيرة الذاتية
-
ويسترن أم أنتي ويسترن؟
-
الانتحار الجماعي الغامض
-
عفوية الأداء في بلد تشارلي
-
مهرجان روتردام السينمائي الدولي بافتتاح بريطاني واختتام أمير
...
-
يان ديمانج يرصد محنة جندي وحيد وأعزل في متاهة معادية
-
الشاعر صلاح نيازي: ليست هناك قاعدة في الترجمة
-
الانتحار في السجون البريطانية
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|