العناية الالهية 1977 الن رينيه:اللغة الأخلاقية

بلال سمير الصدّر

الحوار المتمدن-العدد: 4730 - 2015 / 2 / 25 - 23:01
المحور: الادب والفن
    

في رواية مقتبسة عن كاتب المسرحيات (David Merce-) يتابع الن رينيه مسيرته السينمائية المتميزة وهو الذي لم يكن ينقصه ذلك التميز الشكلي أو السردي الذي امتعنا به منذ هيروشيما يا حبي،ويحقق فيلم العناية الالهية كفيلم أول له ناطقا باللغة الأنجليزية...
سيفيل لانجهام على وشك استقبال عيد ميلاده السبعين وهو يبدو في ايامه الأخيرة،وهو الآن شخصية من الممكن القول عنها بانها تعيش مخاض الرواية فهو يحاول أن يحقق روايته الأخيرة،وهنا نعيش بدقة عالم المخاض الروائي ولكن الطريقة مختلفة عن فيلم الساعات (ستيفن دالادري) الذي يخوض في المشاعر في تركيز مكثف،فرينيه في فيلمه هذا مع تركيزه على المشاعر يقودنا الى العالم الروائي المشكل داخل ذهن الكاتب الذي سوف يكون بطبيعة الحال عالم معلق بين الخيال والواقع،وسيبقى الجزء الأكبر والأساسي في الفيلم ليس سو ى مجرى ذهني ليس إلا لصياغة روايته الأخيرة.
إذا الفيلم وبكل أحداثه-إذا تغاضينا فقط عن المشهد الأخير للفيلم-بكل أحداثه ومجرياته مسقط على عالم واقعي وشخصيات حقيقية ولكنها تعيش داخل عقل الكاتب،والعوالم التي يصوغها رينيه قريبة جدا من عوالم فرانسوا تروفو في فيلمه (فهرنهايت 451-1966)،أو حتى عوالم بازوليني في فيلمه حظيرة الخنازير.
دورية من الجيش تلاحق عجوزا،وهذه الملاحقة تجعل من المجند (كيفن وودفورد) يقتل هذا المسن بناءا على طلبه،فهو كان مصابا بجروح قاتلة وعلى وشك الى التحول الى كائن مشوه وذئب في نفس الوقت،ومن ثم يتولى كلاود المحامي الحاد الصريح محاكمة هذا الرجل الذي سيحكم ببراءته لاحقا...
يقاطع الأب هذه اللحظات الروائية والمشهد يعود الى الواقع،فكأن لينجام يتخيل كل ذلك،أو يعيد الكشهد السابق في مخيلته ثم يسأل:سونيا لماذا تزوجت من هذا الرجل المتحجر ابني؟
ومن ثم يتابع رينيه مسارات أخرى تقريرية للرواية، من حيث قرار مثل:
تبا سأجعلك صديقا لأبني،وهو يتحدث عن الطبيب الشرعي العجوز(أدينتجون)
ومن ثم هناك ايضا أحلام وانعكاسات ذهنية عارضة،حين يعرض رينيه لقطة تشريح بشري انعكاسا من تأمل لينجهام وتصوراته على ان أدينتجون سوف يشرح جسده...
إذا هو فيلم يقف بين الأسقاط والواقعية...يقف بين الصياغة الحقيقية والصياغة الروائية
فالتقرير مع التعليق الساخر اصبح واضحا ومن كل النواحي،وهو يقرر الأسماء أيضا،فهيلين صحفية مثقفة تبدو في اواخر الخمسينات من العمر،فيجعل الروائي منها عشيقة لكلاود،وهي في العالم الحقيقي ليست سوى مولي المنتحرة نتيجة صراعها مع السرطان...
إذا الموضوع صار واضحا،فكتائب الشرطة هي عبارة عن ملائكة الموت،أو ربما يكونون هم الموت نفسه،والذين يجلسون على المدرجات هم اشخاص اقترب موتهم....
لينجهام يصور أحيانا مجتمع الرواية،وكأنه مجتمع يحكم بالقتل على الهرميين من امثاله،وتصوراته الداخلية أصبحت مفهومة أكثر...
فيلم(العناية الألهية)هو فيلم عن موت من نوع خاص جدا وفي النهاية يفقد المرء السيطرة على كل شيء...على الجسد وعلى الذاكرة
أنت لاتهرم أبدا...أنت تموت من غير رجعة...
وكل هذا يصب في الخانة المركزية للفيلم:البحث عن لغة أخلاقية
ان قلنا سابقا ان الصياغة الفيلمية لازالت تشكل نوعا من غبقرية المخرج،وعلى الحس التهكمي العالي للفيلم،تبقى اللغة من حيث الشكل غاية في الشعرية والأدبية،واللغة الأخلاقية التي يبحث عنها الكاتب هي تنحصر في التعبير الروائي عن شيء ما،أو اسقاط شخصية على شخصية ترمز لها من قريب أو من بعيد...
ووجهة النظر تكمن ان كل الروايات الأدبية والأفلام الكبرى مهما كانت ذات تفاصيل سيئة أو عنيفة فهي في مضمونها تكثف لغة للتعبير عن شيء معين اخلاقي في النهاية،وبذلك تكون اللغة المستخدمة في فيلم شبق أو فيلم المسيج الدجال للدانماركي المثير للجدل (لارسن فون تراير) هي لغة أخلاقية شئنا أم ابينا،بينما فيلم الأم والعاهرة للفرنسي المنتحر(جون اسكيتش) فيلم قائم على حوار أخلاقي مهما كانت درجة المجون التي تحيط بحوار هذا الفيلم وهو فيلم قائم اصلا على الحوار او افلام لارسن فون تراير السابقة....
بلال سمير الصدّر 1/11/2014

#بلال_سمير_الصدّر (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات