|
هوجة الانتخابات
السيد نصر الدين السيد
الحوار المتمدن-العدد: 4730 - 2015 / 2 / 24 - 21:55
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في غضون الأسابيع القادمة سيذهب المصريون، للمرة الثلاثون منذ صدور دستور 1923، الى صناديق الاقتراع لانتخاب من يمثلهم في البرلمان وستعيش الامة زمن الانتخابات. وزمن الانتخابات هو زمن تكاثر الكيانات السياسية ففيه تولد وتموت التحالفات وتنشأ وتنفض الائتلافات. وهو ايضا زمن الوعود البراقة التي تسعي لجذب الأصوات، والاكاذيب الزاعقة التي تشيطن الخصوم، والعطايا التي تشتري الاصوات. وفي غبار المعارك الانتخابية قد تختفي الحقائق عن الابصار وتغيب عن الاذهان طبيعة الصراع. انه في نهاية المطاف الصراع بين قوى "التقدم" الداعية للحداثة والناظرة للمستقبل والساعية لرفاه الانسان في "عالم الشهادة"، وقوى "التخلف" الداعية للتجمد وتقديس الماضي وتحصر اهتمامها فقط في "عالم الغيب". ويشكل الوعي بطبيعة هذا الصراع البوصلة التي تهدينا الى الاختيار الصائب. الا اننا قبل الاستطراد سنستدعي من التاريخ مشهدين قد يسهم سرد ما جاء فيهما من احداث في ارهاف حسنا بما نواجهه اليوم من تحديات. المشهد الأول: جدل البيزنطيين في 5 ابريل 1454 بدأ الجيش العثماني، بقيادة السلطان مُحمَّد الثاني بن مُراد العُثماني ذو الأحد وعشرين (21) ربيعًا، حصارها لمدينة القسطنطينية، عاصمة الإمبراطورية البيزنطية. وكان في حوزة هذا الجيش واحدا من أحدث منجزات تكنولوجيا هذا العصر "المدفع الشاهاني"، الذي كان يبلغ طوله حوالي 8 أمتار ويزن 700 طن ويحتاج جره 100 ثور يساعدها مائة من الرجال والتي تزن الواحدة منها 272 كيلوجرام؟ وبينما كانت قنابل هذا المدفع تدك اسوار المدينة كان مجلس شيوخ المدينة منهمكا مناقشة قضايا من قبيل ما هو جنس الملائكة أهم من الذكور أم من الإناث؟، وما هو حجم إبليس هل هو كبير بحيث لا يسعه أي مكان، أم صغير بحيث يمكنه العبور من ثقب إبرة؟، وكم عدد الملائكة اللذين يمكنهم الوقوف على رأس دبوس؟ وكانت النتيجة الحتمية ... ففي يوم 29 مايو من نفس السنة انهارت دفاعات المدينة ودخلتها جيوش العثمانيين. المشهد الثاني: زفرة الموري (العربي) الأخيرة في 2 يناير 1492 دخلت جيوش الملكان المسيحيان "فرديناند الخامس" و"إيزابيلا"، ملكا قشتالة وأراجون، غرناطة، آخر دويلات المسلمين في اسبانيا. وكان هذا الدخول هو المشهد النهائي لحصار طويل وخانق كانت بدايته في 30 ابريل1491، ودفعت وطأته أخر ملوك الطوائف "أبو عبد الله محمد" لتوقيع اتفاقية تسليم غرناطة للملكين الكاثوليكيان 30 ابريل 25 نوفمبر 1491. ويقف الملك المهزوم، وهو في طريقه الى منفاه في المغرب، علي تل قريب من المدينة ناظرا اليها باكيا ليأتيه صوت أمه قائلة: "ابكي مثل النساء ملكا مضاعا لم تحافظ علية مثل الرجال". مشهدان تاريخيان من القرن الخامس عشر تم استدعاءهما لمساعدتنا في رسم صورة حية لما يحدث في مصر الآن والذي يمكن ايجازه في النقاط الرئيسية التالية: 1. مصر الآن هي أمة تحت الحصار .... حصار تقوم به قوي الإسلام السياسي الأكثر تطرفا شرقا (غزة) وغربا (ليبيا) وجنوبا (السودان) وداخليا (الأحزاب ذات المرجعية الدينية). 2. تفتت قوي التيار المدني وعجزها عن تكوين تحالف عريض يشكل رأس الحربة في المعركة الدائرة بين قوى "التقدم" وقوى "التخلف" الخارجي منها والداخلي. ان ما يحدث في مصر الان يذكرنا بما جاء في المشهد الأول. واحتمال خسارة التيار المدني للمعركة يستدعي بالضرورة المشهد الثاني. فإن ما تخبرنا به أجهزة الاعلام عن أحوال هذا التيار، تحالفات تتكون واخري تُفض، انقسامات متكررة داخل كيانات التيار المدني، ...، ترفع من نسبة احتمال خسارته. وتدفعنا النتائج الكارثية لهذه الخسارة المحتملة الى عدم الاكتفاء بما تنشره الصحف والى سماع ما يقوله أصحاب الشأن في هذا الأمر. لذا قررت الى طرح سؤالين على أصدقاء الفيسبوك ممن يمتلكون خبرات ميدانية في العمل السياسي، التي افتقدها، وادعوهم الى محاولة الإجابة عليهما حتى نتجنب حدوث المشهد الثاني. 1. ما هو سبب (او أسباب) تفتت او تشرذم التيار المدني وضعف فعاليته؟ 2. كيف يمكن تشكيل إطار جامع لكافة القوي المدنية يوحد جهودها ويعظم من فعاليتها في مواجهة اخطار الخارج والداخل؟ ولقد نبهنا هذا الحوار الى ضرورة تبني تعريف محدد للمقصود من عبارة "تيار مدني" حتي نخلصه من أي التباس. وهو الالتباس الذي استغله البعض فألصقوا صفة "المدنية" بأسماء ما انشأوه من كيانات ليخفوا بذلك مرجعيتهم الحقيقية ويخدعوا بذلك الكثير من الشباب. ومن يتأمل ما دار في الانتخابات والاستفتاءات التي شهدتها مصر في الأربع سنوات الأخيرة سيكتشف امثلة عديدة لمثل هذه الكيانات "الملتبسة". والان يمكنا تقديم تعريف محدد للتيار المدني. فالتيار المدني هو التيار الذي يضم كافة الكيانات (أحزاب، تحالفات، حركات، ...) التي تتبني "العلمانية" على مستوى الفكر الحاكم لحركتها وافعالها على ارض الواقع، وتمتلك رؤي متكاملة لكيفية الارتقاء بمستوى "رفاه الانسان". رؤية تتبني "المنهج العلمي" كأداة للتعامل مع مشاكل الواقع (مجدي أبو دخانة، مي العزب). وعن أسباب ضعف التيار المدني المتمثلة في تشرذمه وفي عدم قدرته على التواصل الفعال مع الجماهير تأتينا عدة إجابات نوجزها في النقاط التالية: -;- الاختلاف حول الوسائل على الرغم من الاتفاق حول الغايات. فغاية الكل هي مصر الديموقراطية الحديثة الا انه لا يوجد اتفاق حول الوسائل (مؤمن سلام). -;- ميوعة مواقف نخب التيار المدني او تغافلهم عن طبيعة الصراع. ومن امثلة هذه الميوعة الحديث عن المدنية بمرجعية دينية أو حزب مدني يؤيد الشريعة، "اتفاق فيرمونت" الذي تحالف فيه مدعوا الليبرالية من التيار المدني مع تيار الإسلام السياسي (مجدي أبو دخانة، كمال غبريال). -;- افتقاد هذا التيار للغة حوار بسيطة تمكنه من التواصل مع الجمهور فكرا وعملا (مجدي أبو دخانة). -;- تصدر الجوانب الشخصية (فتحي فرج). واضيف -;- استنزاف الجهد في التعرض لقضايا يمكن تأجيل مناقشتها لوقت لاحق، على الرغم من أهميتها، ويحضرني هنا وقائع المشهد الأول.
وبالطبع هذه محاولة أولية وقاصرة للتعرف على أوجه القصور في ممارسات التيار المدني نأمل ان تكون بداية لحوار موسع بين كافة مكونات التيار المدني (طبقا للتعريف الذي اوردناه). وبدون التعرف على أوجه القصور تصبح الإجابة على السؤال الثاني من الأمور الصعبة. وفي النهاية أتقدم بخالص الشكر والتقدير لكل من ساهم في هذا الحوار المصغر وهم بالترتيب الابجدي: فتحي فرج، كمال غبريال، مجدي أبو دخانة، مؤمن سلام، مي العزب.
#السيد_نصر_الدين_السيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فيها حاجة مش ولابد !
-
على هامش حوارات المجموعة 42: الديموقراطية
-
الديموقراطية من تحت لفوق
-
هي فوضى ...؟ تبدل الأحوال (2/2)
-
هي فوضى ...؟ الابجدية (1/2)
-
تاتا تاتا خطي العتبة
-
ويسألونك ... ؟ (2/2)
-
ويسألونك عن ...؟ (1/2)
-
البكسل التائه والصورة الغائبة: خارطة طريق (2/2)
-
البكسل الحائر والصورة الغائبة: الرؤية (1/2)
-
وكنتم خير أمة ... !
-
في البدء كانت الكلمة !
-
حكاية البيضة والفرخة
-
المستقبل مضارعا
-
الديموقراطية وقيمها الغائبة
-
فنجرة البق وملاعيب الكلام
-
سلالالالام سلاح
-
لا يا شيخ ... ! (أو نقد المرجعيات)
-
عقلك في راسك اعرف خلاصك
-
كشف الغمة عن عقل الأمة
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|