أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - اعتقالات الفصول الأربعة -2-














المزيد.....

اعتقالات الفصول الأربعة -2-


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 4730 - 2015 / 2 / 24 - 13:14
المحور: الادب والفن
    


الاعتقال الثالث .. ربيع ..

جَلَسَ رب الأسرة على كرسي الخيزران مُتكئاً بذراعهِ اليمنى على طاولةِ "الفراميكا" شقراءَ اللون .. لم يكن قد مضى على شراءها سوى بضعة أيام .. على الطاولة وفوق ورقةٍ من دفتر تلميذ قديم ثمة حفنة من فستق العبيد .. صحناً بلاستيكياً أزرقاً رقدتْ فيه بضعة قطع من الخيار والبندورة .. وكأساً زجاجياً امتلأ حتى نصفه بالعرق الممزوج بالماء .. وبجانبه بطحة زجاجية مسطحة .. شارف محتواها على النهاية.

من علبة البريزة المكسورة والمتوضعة على الجدار الرطب .. برزت أسلاك كهربائية غير محمية تثير الخوف في كل مرة .. أَدخَلَ فيها فيشَ الراديو الجديد ذا اللون الأحمر .. الذي اشتراه في اليوم ذاته من حلاق الضيعة أبو سليم .. كان في تلك اللحظات فخوراً بجهازه الجديد .. ولعله غزل في رأسه خيوط حكاية شراء الراديو ومزاياه .. تلك التي سيرويها بكل تأكيد في أقرب وقت لصديقه أبو جازي.

من شباك الغرفة الوسيعة .. أطلت نسائم العصر وحَيّته .. عدّل جلسته .. انتابته نشوة ربيعية .. دلق ما تبقى في كأسه إلى فمه .. وملأه ثانيةً ... البطحة فارغة إلا من الرائحة .. نظر صوبَ حصيرٍ جوار قدميه .. عليه انبطح الصغير "علي" ذو الأعوام السبعة .. يرسم فصل الربيع بعد أَنْ كتبَ وظائفه المدرسية.

ناداه .. أتاهُ مسرعاً .. أعطاه البطحة الفارغة .. وبعض النقود ولم ينسى إضافة بعض القروش إليها لشراء قطعة من السكر المعلل .. ثم أعطاه الأمر .. أن يذهب بسرعة البرق إلى دكان الشيخ رويش .. ليعبئ البطحة من عرق التين .. وأضاف بصوته الجميل: هل تعرف أين يقع دكان الشيخ رويش؟ أجابه: قرب الروضة!

غمرته السعادة .. أخيراً .. أصبحَ رجلَ "الفراميكا" يَشْعُر بوجودهِ .. أخيراً بدأ يحتاج إليه .. لقضاء بعض المهمات الرجولية .. وتسائلَ في سره .. ما هي سرعة البرق؟ هل تشبه سرعة باص الخوجا؟
كان الباص مدهوناً بالأزرق و الأبيض .. يشبه مالكه وسائقه الخوجا بعيونه الزرقاء وقميصه الأبيض وشَعره البني.

لطالما حَلمَ سراً .. حينما كان هدير المحرك يتناهى إلى سمعه .. أن يتدلى من السلم الحديدي المعلّق في مؤخرة الخوجا .. باص الخوجا .. مثل كل الأولاد .. لكن خوفه كان أكبر من حلمه .. كان يخاف على نظارته من الضياع .. ومن غضب جدته .. من الخدوش والدم بفعل السقوط .. ومن تمزق صدرية المدرسة.

ارتدى حذاءً لا يشبه الأحذية وانطلقَ إلى الشارعِ .. مشى حتى وصل محطة القبو .. حيث يتفرع الشارع إلى شارعين .. أحدهما باتجاه مشايخ البيبا والحارة القبلية .. والآخر باتجاه دكان الشيخ رويش .. والخوجا يدخل القرية مسرعاً .. يتوقف في المحطة الأولى .. محطة القنطرة .. لثوانٍ معدودات .. لإنزال ركابه .. وينطلق ليصل محطة المحيفر .. ثم تأتي محطة دلعونا الاستثنائية .. بعدها يصل محطة القبو .. ليغادرها باتجاه المحطة النهائية .. محطة المحطة.

في محطة القبو التقى "علي" الصبيين "نزير" و"ساري" أحفاد الشيخ رويش .. كانا كعادتهما ينتظران ركوب مؤخرة الخوجا .. كي يصلان إلى منزل جدهما .. فرح لرؤيتهما .. في ذاك اليوم قرر أن يهدم جدار عذريته .. حياهما .. وانتظر معهما .. ركوب مؤخرة الخوجا والتمسك بها جيداً.

وصل الباص .. نزل الركاب .. أعطى "ساري" إشارة التَدَلِّي .. تمسك "علي" بالسلم الحديدي بيده اليمنى .. وأسندَ طرف قدمه اليمنى على أحد الأفاريز .. وباليد اليسرى أمسك بعنق البطحة المسطحة وبالنقود ..
على يمينه تدلى "نزير" .. خبيراً .. مُرخياً بعضاً من جسده على كتف "علي" .. أما "ساري" فقد عَانقَ بإتقانٍ الزاوية الخلفية اليمنى.

كانوا معَلَّقَون مثل عَنَاقِيد عِنَب تَدَلَّتْ مِنَ الكَرْمِ .. علا أنين الخوجا .. تمايل مغناجاً .. أطلقت مؤخرته ريحاً سوداء .. صرخت العناقيد الثلاثة من الرغبة وخوف السقوط .. كان هدير الباص أعلى من صرخاتهم .. شعر "علي" بانتماءه لأولاد الحارة .. تعبت الأيادي .. وصل الخوجا محطة المحطة .. لم تستغرق رحلة الوصول أكثر من بضعة ثوان .. وصل الخوجا ولم يفرمل كالمألوف .. بل نفّذ نصف دورة .. استعداداً للسفر إلى المدينة من جديد .. ولعله استلذ بطعم العناقيد في مؤخرته .. فوّد مداعبتهم .. مناكفتهم.

سقط "علي" من التعب قبل البدء بالدورة .. عانق جسده زحفاً أرض الشارع الخشن .. سقط قابضاً على عنق البطحة والليرات .. يُنقذها من التشظي والضياع .. يرفعها للأعلى .. كمقاتل يخوض حرباً .. سقط ورأسه للأعلى منقذاً نظارته من التفتت .. سقط وعيونه ترقب المارة .. خشيةَ أن يفضحَ أحدهم سره الصغير.

نهض من سقوطه .. نفض عنه غبار الشارع .. قطراتُ دم تسيل من الركبتين .. من كف اليد اليمنى .. وأخرى من الفم .. حمدَ الله إذ أن البطحة ما زالت بخير.

وصلا "نزير" و"ساري" إليه .. كانا قد أنْها لعبة التدلي التي اعتادا عليها دون خسائر .. تابعوا سيرهم باتجاه دكان الشيخ رويش وكأن شيئاً لم يكن .. تابعوا سيرهم .. و"علي" المختبئ في جسده المرضوض .. مغموراً بنشوة العودة للبيت .. وتنفيذ المهمة بنجاح وبسرعة البرق .. والبطحة مملوءة بعرق التين .. والفصل ربيع.



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جينات بسندلية -3-
- حوارية فيسبوكية عن الوطن السوري
- غابة الإسكافي اللقيط
- اعتقالات الفصول الأربعة -1-
- خواطر من التجربة الفيسبوكية
- الكوافير الألماني
- أَنا يُوسف الألماني يا أمي!
- جينات بسندلية -2-
- جينات بسندلية -1-
- نداء القطط الليلية
- خربشات بسندلية -C-
- كيف سقط كتاب الجغرافيا رمياً بالرصاص؟
- هواجس فيسبوكية -G-
- هواجس فيسبوكية -F-
- روضة بسنادا والمكدوسة البرميلية
- كي تصير كاتباً؟
- حكاية لن تكتمل قبل سقوط القمر
- هواجس فيسبوكية -E-
- كيف أصبح كيس الطحين الفارغ بطلاً في الكاراتيه
- خربشات بسندلية -B-


المزيد.....




- نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد ...
- مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
- مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن ...
- محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
- فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م ...
- ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي ...
- القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة ...
- صحفي إيرلندي: الصواريخ تحدثت بالفعل ولكن باللغة الروسية
- إرجاء محاكمة ترامب في تهم صمت الممثلة الإباحية إلى أجل غير م ...
- مصر.. حبس فنانة سابقة شهرين وتغريمها ألف جنيه


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - اعتقالات الفصول الأربعة -2-