|
- شينوار إبراهيم - شاعراً .. في قصيدته - فتوحات - يفتح نافذة تتسع لرؤية عالم يغصّ بالضجيج / قراءة نقدية
شينوار ابراهيم
الحوار المتمدن-العدد: 4729 - 2015 / 2 / 23 - 23:25
المحور:
الادب والفن
حامد عبدالحسين حميدي / ناقد عراقي ...............................................
من بين انقاض التأريخ ، تولد أجنة الاحداث وهي تشي بمفرداتها وتراكيبها الشعرية بهمس الحنين الى تصفح ما بين دفتي الكتب ، فالإطلاع على التراث حاجة ماسة ، نحن بأمس الحاجة الى لثم رحيقه ، لكن عندما يمتزج التراث بتلكم الخوالج الفاعلة بتوثيق لعالم اضطرم فيه الجنون البشري ، واجتاح غلواؤه التعطش لتغيير سواقي الحياة النابضة ، يكون علينا لزاماً ان نحدد مساراتنا الانسانية ، وعلى وفق مبدأ الأرشفة التأريخية ، كي نستعيد قراءة ذاكرة تآكلت بين مكنونات ما مضى .. لننفض عنها غبار الزمن كي نطّلع عن كثب عمّا يدور بين إتونها من احداث مرّت عبر عصور غابرة ... " شينوار ابراهيم " شاعراً .. في قصيدته " فتوحات " يفتح نافذة تتسع لرؤية عالم يغصّ بالضجيج ، عالم ساد فيه الخوف / السرقة / الاغتصاب / النهب / الحرق / لغة الدم / اختناقات الانسان ، وهو يرى تلك المشاهد المروعة ، انها مشاهد ( تسجيلية ) تكرّر على مرّ الزمن .. لكن عند الوهلة الاولى لقراءة هذه القصيدة التي تميزت بسمة خاصة وهي : ( ان الشاعر لم يجنح الى استخدام المفردات والتراكيب في السطر الشعري بكثافة عددية وحشو بل اكتفى بإطلاق المفردة الشعرية الواحدة او المفردتين على اعتبارات خاصة ، لانه لم يرد ان تكون قصيدته ذات ثقل تعبوي ممل ّويعاني من رتابة السرد والإطالة مثلما نجده عند اكثر الشعراء تارة ، أو ان الشاعر يمتلك افق ثقافي واع وقدرة فائقة في تطويع المفردة الواحدة او المفردتين باعتبارهما كيان قائم لا يستوجب منا إلا ان نريح ذهن القارئ / المتلقي من ضوضاء اللغة السردية ) .. حيث يقول : سرقوا أحرف التاريخ ... خاتم جدتي ... اغتصبوا لون الورد من فم صغيرتي ...
من هم الذين ( سرقوا ) ؟ وما سرقوا ؟ ولِمَ يبدأ الشاعر قصيدته بهذه المفردة ؟ الشاعر يحثنا الى ان هناك حدثاً جسيماً متجسّداً بهذه المفردة التي اعطت صبغة ايحائية ، كي ينبه القارئ / المتلقي الى أمر خطير : أن السارقين ليسوا الا مجهولي الصفة / مخربين / عثة تنخر التأريخ / تسرق الارث الذي نعتزّ به ( خاتم جدتي ) / يغتصبون ( لون الورد ) الحياة وما حوته من جمال الذي يحاكي ( صغيرتي ) براءة الطفولة التي لا تعرف مثل هذه الوحشية . اجهضوا مواسم التين رايات سود احرقت صوت الشمس في جبين امي بكت صرخت اعتقلت ... اغتصبت ... هذه الوحشية الممزوجة بإجهاض الحياة ( مواسم التين ) / وقلعها من جذورها وتحوليها الى رماد / انها ( رايات سود ) اشارة من الشاعر المبدع " شينوار ابراهيم " الى اولئك الاوباش الذين لا يفهمون معنى الحياة الحقيقة ، بل هم عبارة عن رعاع / وطفيليين على الحياة / انهم صورة مشوهة من البؤس والشقاء يحاولون سرطنة معالم البياض بسوداوية مقيتة ( صوت الشمس / في جبين / امي ) تلكم الام التي هي اشارة لـ ( الارض ) التي افصحت عما في داخلها من ضغط ٍ عال ٍ ، وهي تعاني من قساوة ومرارة ما تلقاه منهم : (بكت / صرخت/ اعتقلت / اغتصبت ...) هذا التدرج الهرمي المتناسق للأفعال اعطى صورة واضحة المعالم عما يدور في فضاءاتها المتلاطمة . خرجوا من جحر الارض يحملون رؤوسا يشربون دماء الغد ملثمون لا ينطقون الابجدية تسيل من بين أنيابهم الدماء تتعالى اصواتهم عند قطع كل رأس الله اكبر
ثم يبدأ الشاعر المبدع " شينوار ابراهيم " بالكشف عما تخبئه تلكم الاقنعة السوداء التي تخفي ملامحها عن وحشية من يمارسون اذلال الانسان من خلال زجّ التدرجات الاتساقية للأفعال : ( خرجوا / يحملون / يشربون / لا ينطقون / تسيل / تتعالى ) والتي تترك انطباعات ذهنية خطابية في توحيد الرؤيوية ، أولئك هم مَن قطع رحم الحياة ( الغد ) و لغتها ( لا ينطقون الأبجدية ) ثم نرى الشاعر يسلط الضوء في هذا المقطع عن الجرائم الدموية التي ارتكبوها (تسيل من بين أنيابهم الدماء ) بذريعة واهية تندى لها جبين الانسانية . ثم يقول :
اعادوا مذابح التاريخ الجزية ... القتل ... تقاسم الغنائم فتوحات نهب اغتصاب انهم نسخة مصوّرة لماضٍ يعيشه التأريخ ثانية ، من ظلامية العصور التي مرّت على الوطن العربي ، وهو يعاني من انتكاسات وخذلان وضياع الانظمة .. فأيّة وحشية ؟! وأية جريمة ؟! وأيّ حدث تتساقط امامه كلّ القيم الانسانية الكبرى ؟! انهم اعادوا الحياة الفوضوية من ( الجزية / القتل / الغنائم / النهب / الاغتصاب ) هذه المفردات التي تعكس عما في بواطنهم من اضطرابات نفسية وحقد أعمى ، وفراغات تغص بالسوداوية / انهم ( اعادوا المذابح ) وهي تدور كالرحى تطحن ما يقع بين حجرها الدوّار دون ان تعي مفهومات ما يدور من حولها . ..... تتطاير في رحم السماء اجزاء الصليب كنائس لزمت الصمت اسواق تباع فيها حفيدات البابا بطرس و زرادشت جوامع مات فيها صوت الله
وبذا المقطع تتضح معالم النفس الانسانية التي يحملها الشاعر المتألق " شينوار ابراهيم " حيث يكشف عما في خوالجه من عظمة الاحداث في رغبة " توحيد " لغة الاديان انطلاقاً منه لمشروعية العالم الدين الاكبر الذي يتسامى فيه ( صوت الله ) وتتصاغر امامه كل الرذائل والصغائر الاخرى .. إلا أنه يستغرب مما يراه من صمت ( الكنائس ) وموت الاذان في ( الجوامع ) وما يفعله المارقون بـ ( حفيدات / البابا بطرس / وزرادشت ) من الاستخفاف والاستهانة بالعرض والشرف والدين . هذا هو " شينوار ابرهيم " يحلّق في ( فتوحات ) شاعراً يمسك مفرداته وتراكيبه ، وهو يسلسلها في انسيابية مذهله ، في رؤية لإنسان استطاع بما يحمله من قيم انسانية ان يعرض امام العالم كله ، ما نتعرض له من معوقات ومنغصات حياتية .. ابداع متواصل .. في تحفيزات ممغنطة .. تعطي للقارئ ايعازات لمواجهة الافكار السوداوية ضمن انفتاحات خلاقة .
#شينوار_ابراهيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جواز سفر كونيّ ... الى صديقي الشاعر شينوار إبراهيم ... بقلم
...
-
قراءة في قصيدة الشاعر شينوار ابراهيم (( جان )) بقلم الكاتب م
...
-
شينوار ابراهيم شاعر الحب والسلام ... ( فراشات دمشقية ) حمولا
...
-
همسات على سرير العشق .. لوحة حكائية ملوّنة / قراءة نقدية ...
...
-
همسات على سرير العشق
-
معيارية الرمز المكثف سمفونية النصر ... شنكال .. غمز التين !
-
شنكال .. غمز التين !
-
عشوائية السلوك الفيس بوكي
-
قراءة وأضاءة على قصيدة الشاعر المغترب شينوار ابراهيم ((أنفاس
...
-
ستائر الأنوثة
-
خشية...!!
-
فراشات دمشقية
-
والدي....
-
الى ضحايا هيت
-
صناع الحياة
-
من أنتفاضة الروح على حزنها وأستلامها للحزن وألألم
-
حفيدات الشمس
-
جعبة الغرباء
-
القديسة كوباني
-
انيس السمر
المزيد.....
-
-دوغ مان- يهيمن على شباك التذاكر وفيلم ميل غيبسون يتراجع
-
وسط مزاعم بالعنصرية وانتقادها للثقافة الإسلامية.. كارلا صوفي
...
-
الملك تشارلز يخرج عن التقاليد بفيلم وثائقي جديد ينقل رسالته
...
-
شائعات عن طرد كاني ويست وبيانكا سينسوري من حفل غرامي!
-
آداب المجالس.. كيف استقبل الخلفاء العباسيون ضيوفهم؟
-
هل أجبرها على التعري كما ولدتها أمها أمام الكاميرات؟.. أوامر
...
-
شباب كوبا يحتشدون في هافانا للاحتفال بثقافة الغرب المتوحش
-
لندن تحتفي برأس السنة القمرية بعروض راقصة وموسيقية حاشدة
-
وفاة بطلة مسلسل -لعبة الحبار- Squid Game بعد معاناة مع المرض
...
-
الفلسفة في خدمة الدراما.. استلهام أسطورة سيزيف بين كامو والس
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|