|
النَّثْرُ الفَنيُّ
شريف رزق
الحوار المتمدن-العدد: 4725 - 2015 / 2 / 19 - 13:35
المحور:
الادب والفن
النَّثْرُ الفَنيُّ
وَأطَوارُهُ التَّأسيسيَّة في الأدبِ العَرَبيِّ
" وَقَدْ اسْتَعْمَلَ المُتأخِّرُونَ أسَاليبَ الشِّعرِ وَمَوَازينَهُ في المَنْثورِ، مِنْ كثرَةِ الأسْجَاعِ وَالتزَامِ التَّقفيَةِ وَتقديْمِ النَّسَيبِ بَيْنَ يَدِيْ الأغْرَاضِ ، وَصَارَ هَذَا المَنْثورُ إذَا تأمَّلتَهُ مِنْ بَابِ الشِّعرِ وَفنِّهِ ، وَلمْ يفترِقَا إلاَّ في الوَزْنِ ."
عبد الرَّحمن بن خلدون مُقدِّمةُ ابن خلدون – ص : 567 .
" إنَّ النَّثرَ الفنيَّ لَمْ يَنْشَأْ إلاَّ على أسَاسِ نِظَامِ شِعْريٍّ مُعَيَّنٍ ، يكونُ هَذَا النَّثرُ الفَنيُّ كَأنَّهُ رَفْضٌ لَهُ ."
يوري لوتمان تحليل النَّصِّ الشِّعريِّ - ص : 49
مفهومُ النَّثرِ الفَنِّيِّ ، وَمَحَطَّاتُهُ الأسَاسِيَّةُ النَّثرُ الفَنِّيُّ هو نثرٌ إبْدَاعِيٌّ ؛ يتأسَّسُ على قواعدِ الصِّناعةِ الفنيَّةِ ؛ مِنْ تشكيلاتٍ لُغويَّةٍ ، وَمَجَازيَّةٍ ، وإيقاعيَّةٍ ؛ تعتمدُ السَّجعَ أوْ الازْدواجَ ، وَتُهَيمِنُ على أدائِهِ التَّوازُنَاتُ وَالتَّوازيَاتُ وَالتَّصويرُ، وفي حَالاتٍ كثيرةٍ يعتمدُ شَتَّى القِيمِ الفنيَّةِ التي اشْتَغَلَتْ عليها شِعْريَّةُ القَصِيدِ ، وَهُو أقدمُ الأجناسِ الإبداعيَّةِ في خريطةِ الأدبِ العَربيِّ على الإطْلاقِ ، وَأطْولُهاُ عُمْرًا ، وَهُوَ الجِنسُ الإبْدَاعيُّ الذي تَوَاشَجَتْ فيه إمْكانيَّاتُ (الشِّعرِ) ، وَإمكانيَّاتُ (النَّثرِ) ، لأوَّلِ مَرَّةٍ ، في عِدَّةِ تجلياتٍ وأنْسَاقٍٍ، شَكَّلتْ - في حَالاتِهَا النَّاجزةِ الصَّافيةِ - الشَّكلَ الأدبيَّ المُعَادلَ للقصيدةِ الشِّعريَّةِ ؛ وذلكَ لاعْتِمَادِ كُلٍّ مِنْهُمَا على أسَاسَينِِ مُشْتَرَكينِ هُمَا: سِيادَةَُ الإيقاعِ ، وَالحِرْصُ على تَشْكِيلِ خِطَابٍ إبْدَاعِيٍٍّ فَارقٍٍ . وَقَدْ اعْتَمَدَ النَّثرُ الفَنيُّ في مَسِيرتِهِ الطَّويلةِ المُزْدَحِمَةِ على قِيمَتَينِ إيقَاعِيتينِ هُمَا: السَّجعِ ؛ وَالازْدواجِ ، تنقَّلتْ بَيْنَهُمَا أطْوَارُهُُ الإبدعيَّةُ ،عَبْرَ عُصُورِهِ الطَّويلةِ ، وَتَحَوُّلاتِهِ المُخْتلِفةِ . وفي النَّثرِ الفَنيِّ المَسْجوعِِ مَثَّلَ (السَّجْعُ) مَا تُمثَّلُهُ (القَافيَةُ) في (الشِّعرِ) ؛ فقدْ لاحَظَ زكي مُبارك أنَّ السَّجعَ (الكِتَابَةََ) كَالقَصِيْدِ(1)، كَمَا لاحَظََ شوقي ضيف أنَّ السَّجعَةََ أصْبَحَتْ "هِيَ الوحدةُ البَلاغيَّةُ في النَّثرِ ، كَمَا كانَ البيتُ هُوَ الوحدةُ البَلاغيَّةُ في الشِّعر، وَهِيَ وحدةُ أضْيَقُ مِنْ وحدةِ البيتِ وَأقْصَرِ؛ إذْ قدْ تُصْبِح ُكلمةًً أوْ كلمتينِ .(2) أمَّا الازْدِوَاجُ؛ الذي حَرَّرَ النَّثرَ الفَنيَّ مِنْ قيدِ التَّقفيَةِ في الكَلامِ ، فـقد رأى فيه أبو هلال العسكري(-359هـ) شَرْطاً لِحُسْنِ مَنْثُورِ الكَلامِ ؛ فـ" لا يَحْسُنُ مَنْثُورُ الكَلامِِ وَلاَ يَحْلو حَتَّى يكونَ مُزدَوجًا ." (3) وَلَقَدْ بَدَأَ الوعْيُُ بِِشِعْريَِّةِ هذا النَّّصِّ في عَمَلِ نُقَّادِنَا وَفَلاسِفَتِنَا القُدامَى حِيْنَ رَكَّزُوا على المكوناتِ الجماليةِ للخطاب ِفي ( الشِّعرِ) وفي ( النَّثرِ) على حَدِّ السَّواءِ . وَالنَّثرُ الفَنيُّ هُوَ أقْدَمُ فنونِ القَوْلِ الأدَبيِّ حُضُورًا ؛ إذ ْ يَسْبقُ الشِّعرَ الجَاهليَّ وَيَمْتَدُ فِعْلُهُ إلي الرُّبعِِ الأوِّلِ مِنِ القرنِ العشرينِ ؛ فَهُوَ كَائِنٌ مُعَمَّرٌ ، شَهِدَ تَحَوُّلاتٍ جَمَّة ً شَارَكَتْ فيها أسْمَاءُ لا يُمكِنُ حَصْرُهَا أوْ إحْصَاؤها ؛ فَالمَشْهَدُ العَامُ للنَّثرِِ الفَنيِّ زَاخِرٌ وَمُتَشَابِكٌ وَزَاخِمٌ وَمُتَواشِجٌ وَلَكنَّنَا نَرَى أنَّ النَّثرَ الفنيَّ قدْ مَرَّ بِبِدَايَاتٍ ثَلاثٍ أسَاسِيَّةٍ يُمْكِنُ - مِنْ خِاِلهَا- رَصْد المَشْهَدِ الرَّحيبِ، في حَرَكَاتِهِ الأسَاسِيَّةِ :
ـ البِدَايَةُ الأوْلَى : النَّثُرُ الجَاهِليُّ المَسْجُوع: وَأبْرزُ مَا يُوضِّحُ هَذِهِ المَرْحَلةََ سَجْعُ الكُهَّانِ وَخُطُبُِ الخُطَباءِ المَسْجُوعَةِ ، وَهُوَ أقدَمُ مَا وَصَلَنَا مِنْ ضُرُوبِ الإبْدَاعِِ الأدبيِّ قاطِبةًَُ ؛ حَيْثُ تَفَرَّعَ عَنْهُ الرَّجَزُ ، ثُمَّ الشِّعرُ المَوْزون.(4)
ـ البِدايَةُ الثَّانيَةُ : النَّثرُ الفنيُّ المُرْسَلُ : وتبدأُ هَذِهِ المَرْحَلةُُ بِنِتَِاجِِ سَالمٍ مَوْلىَ هِشَامٍ بن عبد الملك ، وَتَتَلخَّصُ فنّيًّا في عَمَلِ عبد الحميد بن يحيى الكَاتِبِ ، وَتَأكَّدَ حُضُورُهَا بِمُنْجَزَاتِ عبد الله بنْ المُقَفَّع ، ثُمَّ سَهْلٍ بنْ هَارون ، حَتَّى وَصَلَتْ إلى ذِرْوتِهَا لدى أبي عمروٍ بنْ بَحْرٍ الجَاحِظ .
ـ البِدَايَةُ الثَّالثةُ :ـ انْبِعَاثةُ النَّثرِِ المَسْجُوعِِ المُكَدَّسِِ بِأشْكَالِِ البَدِيعِِ وَضُرُوبِ البَيَانِ ،وَهُوَ مَا أطلقْنَا عَليْهِ : النَّثرَ الفَنيَّ التَّزيينيَّ المَسْجُوع : وَقَدْ بَرَزَتْ نَمَاذِجُهُ الرَّائدةُ المُؤسِّسةُ عَلى أيْدي أعْلامِِ الكِتَابةِ الفَنيَّةِ في القرنِ الرَّابعِِ الهِجْريِّ ، وَمِنْهُمْ ابْنُ العَمِيد ، وَالصَّاحِبُ بنْ عَبَّاد وَالخُوَارِزْمِيُّ ، وَقَابوسٌ بنْ وَشْمَكير ، وَبَدِيعُ الزَّمَانِ الهَمَذَانيُّ ، وَسِوَاهُمْ. وَقَدْ ظلَّتْ هَذِهِ المَرْحَلةُ فَاعِلةًً بِقوَّةٍ في (الكِتَابَةِ) العَربيَّةِ ؛حَيْثُ امْتَدَّتْ إلى فَضَاءَاتِ الرُّبْعِ الأوَّلِ مِنَ القرنِ العِشْرين . سَنَنْظُرُ في كُلِّ بِدَايةٍ مِنْ هَذِهِ البِدَِايَاتِ إلى عَمَلِهَا الأسَاسِيَّ ، وإلى مَنْطِقِهَا الإبْدَاعيّ ، رَاصِدِيْنَ مَجْمُوعَةًً مِنَ الأسْمَاءِ التي قَادَتْ هَذِهِ التَّحوُّلاتِ ، مِنْ عَهْدِ الشُّروقِ حَتَّى أوَان الغَسَق .
البِدَايَةُُ الأُوْلى النَّثرُ الجَاهِليُّ المَسْجُوعُ
مَفْهُومُ السَّجْعِ تُرْجِعُ المَعَاجِمُ كلمَةَ (السَّجْعِ ) إلى هَدِيلِ الحَمَام ِ؛ حَيْثُ يُردِّدُ أصْوَاتًا مُتَشَابِهَةًً لا مَعْنَى لَهَا ، وَنَقْرَأُ أنَّ السَّجْعَ " هُوَ الكَلامُ المُقَفَّى غَيْرُ المَوْزُونِ ؛ وَالسَّجْعَةُ الفِقْرةُ مِنَ الكَلامِِ المَسْجُوعِِ (5)، وَسَجَعَ الشَّيء سَجْعًا اسْتَوَى وَاسْتَقَامَ وَأشْبَهَ بَعْضُهُ بَعْضًا ، وَيُقَالُ: سَجَعَتْ الحَمَامَةُ وَالناَّقةُ ، رَدَّدَتْ صَوْتَهَا على طريقةٍ واحدةٍ ، وسَجَعَ فُلانٌ في سَيْرِهِ : اسْتَوَى وَاسْتَقَامَ لا يَمِيْلُ عَن القَصْدِ ، وَفُلانٌ : تَكَلَّمَ بِكَلامٍ لَهُ فَََوَاصِلُ كَفَوَاصِلِ الشِّعرِ؛ مُقَفَّى غير مَوْزُونٍ ، وَالسَّجْعُ الكَلامُ المُقَفَّى غَيْرُ المَوْزُونِ(6). أمَّا "التَّرجَمَةُ الإنْجِليزيَّةُ فَتُسَمِّيه النَّثرَ المُقَفَّى"(7). وَقَدْ جَعَلَ ابْنُ الأثيرِ(637ـ هـ) حَدَّهُ تَوَاطؤ الفَوَاصِلِِ في الكَلامِ المَنْثُورِ على حَرْفٍ وَاحِدٍ" (8)، ورأى الخطيبُ القزويني (739 هـ) أنَّهُ " تَواطؤُ الفَاصِلتينِ مِنَ النَّثرِ عَلى حرفٍ واحدٍ ، وَهَذَا مَعْنَى قول السَّكاكيِّ (-626هـ) : الأسْجَاعُ مِنَ النَّثرِ كالقوافي مِنَ الشِّعر" ، وَقَالَ ابْنُ أبي الأصْبعِ (- 654 هـ ) في المَجَالِ ذَاتِهِ :" التَّسجِيعُ هُوَ مَا يَتَوخَّاهُ المُتَكلَّمُ أوْ الشَّاعرُ، في أجْزاءِ كلامهِ ؛ بَعْضُهَا مُتَّزنةٌ بِزنَةٍ عَروضِيَّةٍ وَمَحْصُورَةٍ في عَددٍ مُعَيَّنٍ ، بشرطِ أنْ يكونَ رويُّ الأسْجَاعِ رَويَّ القَافيَةِ"(9)، ويُقدِّمُ بِلا شير تَعْريفًا وَافيًا لِمُصْطَلحِ السَّجعِ ،حَيْثُ يقول إنَّه " نوعٌ مِنَ النَّثرِ، يتميَّزُ بِاسْتِخْدَامِ وَحَدَاتٍ مَوْزونَةٍ ،عَادَةً مَا تكونُ قَصِيرةًُ ، يَتَرَاوحُ عَدَدُ مَقَاطِعِهَا بينَ أربعةٍ إلى ثَمَانيَةِ مَقَاطع ، وأحيانًا أكثر مِنْ ذَلكَ ، وَتَنْتَهي هَذِهِ الوَحَدَاتُ بِقَافيَةٍ ، وَتَنْقَسِمُ هَذِهِ الوَحَدَاتُ المَوْزونَةُ إلى مَجْمُوعَاتٍ ؛ بِحَيْثُ يكونُ لِكُلِّ مَجْمُوعَةٍ قَافِيَةً وَاحِدة ، وفي هَذِهِ المَجْمُوعَاتِ لا يُشْتَرَطُُ أنْ تَتَسَاوَى الوَحَدَاتُ في مَقَاطِعِهَا ، وفي التَّحليلِ الأخيرِ، فَإنَّ العُنْصرَ الأسَاسِيَّ هُوَ التَّقفيَةُ ، وَعَلى هَذَا نَسْتَطِيعُ أنْ نُعَرِّفَ السَّجعَ تَقْريبًا بأنَّهُ نَثْرٌ مَوْزونٌ مُقَفَّى ."(10) وَاللاَّفتُ في تَعريفِ بِلاشير للسَّجعِ بأنَّهُ (النَّثرُ المَوْزونُ) ، أنَّه أتَى أكْثَرَ دَلالةً وَاشْتِمالاً مِنْ دَلالةِ التَّرجَمَةِ الإنْجليزيَّةِ لهُ: (النَّثر المُقفََّى)؛ لأنَّهُ سَيَتَعَدَّى التَّركِيزَ عَلى دَلالةِ تِكْرَارِ أحْرُفِ نِهَايَاتِ الفَوَاصِلِ إلى تَعَادُلِ أقْسَامِ الكَلامِ ، وَتَوَازُنِ مِسَاحَاتِهِ الصَّوتيَّة ، وَقَدْ أوْشَكَ ابْنُ الأثيرِ أنْ يَضَعَ الضَّوابِطَ الحِسَابيَّةَ لأوْزَانِ السَّجعِ ، المُسْتَخْلَصَةِ مِنْ أنْظِمَةِ السَّجعِ في القُرآنِ ، وَهُوَ يَضَعُ أقْسَامَهُ وَعَدَدَ كَلِمَاتِ الفَوَاصِلِ(11) ، كَمَا تَحَّدثَ ابْنُ سِينَا ، مِنْ قَبْلُ ، عَنْ أشْكَالِ النَّثرِ الموزونِ ، وَكَمَا تَحَدَّثَ مِنْ بَعْدُ ابْنُ عبد الغفور الكَلاعيِّ عَنْ أوْزَانِ السَّجعِ ، وَقَوَانينِ الإبْدَاعِ فِيْهَا . (12)
سَجْعُ الكُهَّانِ سَجْعُ الكُهَّانِِ هُوَ أقدَمُ مَا وَصَلَنَا مِنْ عَمَلِ النَّثرِ الفَنيِّ ؛ حَيْثُ كَانَتْ الكَهَانَةُ - في الجَاهِليَّةِ - مَحْفُوفَةً بِالقَدَاسَةِ وَالمَهَابةِ وَالنُّفوذِ، وَحَيْثُ اعْتَقَدَ مُعَاصِرُوهُمْ بِمَعْرِفَتِهِمْ للغَيْبِ ،عَنْ طَريقِِ الجِنِّ ، وَيَذْكُرُ ابْنُ خلدون (-808هـ) أنَّ الكَاهِنَ كَانَ لا يَقْوَى" عَلى الكَمَالِ في إدْرَاك المَعْقُولاتِ ؛ لأنَّ وَحْيُهُ مِنْ وَحْي الشَّيطَانِ ، وَأرْفَعُ أحْوَالِ هَذَا الصِّنفِ أنْ يَسْتَعِيْنَ بِالكَلامِ الذي فيهِ السَّجعُ وَالمُوَازنةُ ؛ لِيَشْتَغلَ بِهِ عَن الحَوَاسِ وَيَقْوَى بَعْضَ الشَّيءِ عَلى ذَلكَ الاتَّصالِ النَّاقصِ ، فَيَهْجِس في قلبِهِ عَنْ تِلكَ الحَرَكةِ ، والذي يُشيَّعها مِنْ ذَلكَ الأجنبيِّ ، مَا يَقْذِفُهُ عَلى لِسَانِهِ فَرُبّمَا صَدقَ وَوَافَقَ الحَقَّ ،وَرُبَّمَا كَذبَ ؛ لأنَّهُ يُتَمِّمُ نَقْصَهَ بِأمْرِ أجْنَبِيٍّ عَنْ ذَاتِهِ المُدْرِكَةِ ، وَمُبَاينٍ لَهَا غَيرِ مُلائِمٍ ، فَيَعْرضُ لَهُ الصِّدقُ وَالكَذبُ جَمِيعًا ، وَلا يَكُونُ مَوْثُوقًا بِهِ ،وَرُبَّمَا يَفْزَعُ إلى الظّنونِ وَالتّخمينَاتِ ؛ حِرْصًا على الظّفرِ بِالإدٍراكِ بزَعْمِهِ ، وَتَمْويهًا على السَّائِلينَ ، وَأصْحَابُ هَذَا السَّجعِ هُمْ المَخْصُوصُونَ بِاسْمِ الكُهَّانِ ؛ لأنَّهُمْ أرْفَعُ سَائِرِ أصْنَافِهِمْ .(13) وَقَدْ تَمَيَّزَ سَجْعُ الكُهَّانِ بِالتَّنبُّؤِ المُلْغِزِ وَالغَرَابَةِ وَالتَّعتِيمِ والاسْتِغْلاقِ السِّحريِّ ؛ لِيُوحِيَ لِلْمُتَلقِّينَ باتَّصَالِ الكَاهِنِ بِالغَيْبِ ، فَأَتَى السَّجْعُ ، فى كَثِيْرٍ ، أشْبَهَ بِمَا يَقْذِفُهُ المُشَعْوذُونَ مِنْ عِبَاراتٍ مَسْجُوعَةٍ ، وَنَقَلَتْ لَنَا كُتُبُ الأدبٍ أسْمَاءَ العَديدِ مِنْهُمْ ، وَبَعْضَ أسْجَاعِهِمْ ،وَمِنْهُمْ " شِقُّ أنْمَار ؛ وَتَحْكِي الأسَاطِيرُ عَنْ خِلْقتِهِ أنَّهُ كَانَ شِقَّ إنْسَانٍ ؛ لَهُ عَيْنٌ وَاحِدَةُ ، وَيَدٌ وَاحِدَةٌ ، وَرِجْلٌ وَاحِدَةٌ ، وَمِنْهُمْ سَطِيْحُ الذّئبيُّ ؛ وَيَقُولونَ عَنْهُ أنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيْهِ عَظْمٌ سِوَى جُمْجُمَتِهِ ، وَأنَّ وَجْهَهُ كَانَ في صَدْرِهِ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عُنُقٌ ، وَمِنْهُمْ المَأمُورُ الحَارِثيُّ كَاهِنُ بني حَارثٍ بنْ كَعْبٍ ، وَعُزَّي سَلًمَة، وَمِنْ أشْهَرِ الكَاهِنَاتِ طَرِيفةُ الكَاهِنَةُ وَكَانَتْ بِاليَمَنِ ، وَفَاطِمَةُ الخَثْعَمِيَّةُ وكانت بِمَكَّةََ ، وَالزَّرقاءُ بِنْتُ زُهَير ، وَزَبْرَاءُ كَاهِنَةُ بني رِئَام". (14) وَهُنَاكَ تَشْكِيكٌ عامٌّ في الصِّحةِ التَّامةَِ لروايَةِ هَذِهِ الأسْجَاعِ ؛ فَمِنَ الوِجْهَةِ التَّاريخيَّةِ هُنَاكَ مَسَافةُ طَويلةُ بَيْنَ رِوايتِهَا وَكِتَابَتِهَا(15)، حَيْثُ دُوِّنتْ هذه الأسْجَاعُ الجَاهِليَّةُ في العَصْرِِ العَبَّاسِيِّ ، وَلكنَّ الذي لا شَكَّ فيهِ هُوَ تَوفُّرُ آليَاتِ السَّجعِ في سَائِرِهَا ؛ بدليلِ قولِ الرَّسولِ - صَلَّى الله عَليهِ وَسَلَّمَ - : " أسَجْعًا ؛ كَسَجْعِِ الكُهَّانِ ؟" ، وَقَدْ تَبَدَّى السَّجعُ الجَاهِليُّ في عِبَارَات ٍ قَصِيْرَة ٍ مُرَكَّزة ٍ مُتَعَادِلة ٍ ومُبْهَمَةٍ غَالبًا ، وَ" كَانَتْ نُبؤاتُ الكُهَّانِ وَالعَرَّافينَ تعتمدُ عَلى السَّجعِ ، وَكَانَ لِلسَّجعِ مِنْ ثَمَّ دَلالةٌ في الضَّميرِ الثَّقافيِّ عَلى أنَّ هَذَا الكَلامَ ليسَ مِنْ كَلامِِ البَشَرِ النَّاطقِِ بِهِ"(16) ، وَقَدْ كَانُوا يَلتَزِمُونَ بِهِ التزامًا غَرَائبيًّا تَامًّا ؛ يُضْفِي طَقْسًا مِنَ السِّحريَّةِ المُغْلَقةِ عَلى خِطَابِهِمْ.
ألوانٌ مِنْ سَجْعِ الكُهَّانِ يَنْقلُ لَنَا الجَاحِظُ (- 255هـ ) مِنْ سَجْعِ عُزَّي : "وَالأرْضِ وَالسَّمَاء ، وَالعُقَابِ وَالصَّعْقَاء، وَاقِعَةٌ بِبَقَعَاء، لَقَدْ نَفَّرَ المَجْدُ بَنِي العَشْرَاء ، لِلْمَجْدِ وَالسَّنَاء ." (17)
كَمَا ينقلُ لنَا أبُو عليِّ القالِي (-356هـ) أنَّ" زَبْرَاءُ أنْذَرتْ قَوْمَهَا غَارَةً عَليهِمْ ، فَقَالَتْ : " وَاللوحِ الخَافِق ، وَالليلِ الغَاسِق ، وَالصَّبَاح ِ الشَّارِق، وَالنَّجْمِ الطَّارِق ، وَالمُزْنِ الوَادِق ، إنَّ شَجَرَ الوَادِي لَيَأدِّوا خَتَلا ، ويَحْرِقُُ أنْيَابًا عُصْلا، وَإنَّ صَخْرَ الطَّودِ ليُنذِرَ ثكْلا ، لا تَجِدُونَ مَعَهُ مَعْلا ."(18)
وَأوْرَدَ الأصْفَهَانِيُّ (-356هـ) في كِتَابِهِ :( الأغَانِي): إنَّ حُجْرًا أبَا امْريء القَيْسِ رَقَّ لبني أسَدٍ " فَبَعَثَ في أثْرِهِمْ ، فَأقْبَلوا ، حَتَّى إذَا كَانُوا عَلى مَسِيْرَةِ يومٍ مِنْ تِهَامَة ، تَكَهَّنَ كَاهِنُهُمْ ، وَهُوَ عَوْفُ بنْ رَبِيْعَة، فَقَالَ لبني أسَدٍ:" يَا عِبَادِي! قَالُوا : لبَّيكَ رَبَّنَا ، قَالَ : مَنِْ المَلِكُ الأصْهَبُ ؟؛ الغَلاَّبُ غَيْرُ الُمُغَلَّب ؟ ،في الإبِلِ كَأنَّهَا الرَّبْرَبُ ، لا يَعْلَقُ رَأسُه الصَّخَب، هذا دمه يَنْثَعِب ، وَهَذَا غدًا أوَّلُ مَنْ يُسْلَب، قَالُوا: مَنْ هُوَ يَا رَبَّنَا ؟ قَالَ : لَوْ أنْ تَجِيْشَ نَفْسُ جَاشِِيَة ، لأخْبَرْتُكُمْ أنَّهُ حُجْرٌ ضَاحِيَة ، فَرَكَبُوا كُلَّ صَعْبٍ وَذَلُولٍ ، فَمَا أشْرَقَ لَهُمْ النَّهَارُ، حَتَّى أتَوا عَلى عَسْكَرِ حُجْرٍ، فَهَجَمُوا عَلى قُُبَّتِهِ، وقتلوه."(19)
وَفَسَّرَ سَطِيحُ رُؤيا رَبِيْعَة بنْ مُضَر؛ مَلِكِ اليَمَنِ ،عَلى هَذا النَّحوِ؛ الذي أوْرَدَهُ ابْنُ إسْحَاق (-151 هـ) في: ( سِيْرَةِ النَّبي ) : " رَأيْتُ حُمَمَة ، خَرَجَتْ مِنْ ظُلُمَة، فَوَقَعَتْ بِأرْضِ تُهَمَة ، فَأكَلَتْ مِنْهَا كُلَّ ذَاتِ جُمْجُمَة"، والرُّؤيَا نَفْسُهَا فَسَّرَهَا لَهُ شِقُّ أنْمَار، بِقَوْلِهِ :" رَأيْتُ حُمَمَة ، خَرَجَتْ مِنْ ظُلُمَة ، فَوَقَعَتْ بَيْنَ رَوْضَةٍ وَأَكَمَة ، فَأَكَلَتْ مِنْهَا كُلَّ ذَاتِ نَسَمَة."(20) وَقَدْ ذَهَبَ عبدُ المَسِيح إلى سَطِيح ؛ لِتَأويلِ رُؤى ارْتِجَاجِ إيْوانِ كِسْرَى وَخُمودِ النَّار بِفَارِس ، وَعَدَم جَرَيَانِ المَاءِ بِبُحَيْرَةِ طَبَريَّة ؛ لِيؤِّلَ لَهُ، فَوَجَدَهُ قَدْ احْتُضِرَ، فَنَادَاهُ ،فَلَمْ يُجِبْهُ ،وَكَلّمَهُ ، فلَمْ يَرُدّ عَلَيْهِ، وَدَعَاهُ شِعْرًا، فَرَفَعَ إليْهِ رَأسَهُ، وَقَالَ: " عَبْدُ المَسِيْح ،عَلى جَمَلٍ مُشِيْح، إلى سَطِيْح ، وَقَدْ أوْفَى إلى الضَّريْح، بَعَثَكَ مَلِكُ بَنِي سَاسَان؛ لارْتِجَاجِ الإيوَان ، وَخُمُودِ النِّيرَان ، وَرُؤيَا المُوْبِذَان ، رَأى إِبِلاً صِعَابًا ، تَقُودُ خَيْلاً عِرَابا ، قَد اقْتَحَمَتْ في الْوَاد، وَانْتَشَرَتْ في البِلاَد، عَبْدَ المَسِيْح : إذَا ظَهَرَتْ التِّلاوَة، وَفَاضَ وَادِي السَّمَاوَة ، وَظَهَرَ صَاحِبُ الهَرَارَة ، فَلَيْسَتْ الشَّامُ لِسَطِيْحِ بِشَامٍ يَمْلُكُ مِنْهَا مُلُوكٌ وَمَلِكَات، عَدَدَ سُقُوطِ الشُّرفَات ، وَكُلُّ مَا هُوَ آتٍ آت ."(21) وَنَقرَأُ ، مِنْ حَديثِ خُنَافر الحِمْيَريِّ ، مَعَ رِئيَّهِ شِصَار: " قَالَ: خُنَافِر، فَُقُلتُ: شِصَار، فَقَالَ : اسْمَعْ أقُلْ، قُلْتُ : قُلْ أسْمَعْ، فَقَالَ :عِهْ تَغْنَمْ ؛ لِكُلِّ مُدَّةٍ نِهَايَة ، وَكُلُّ ذِي أمَدٍ إلى غَايَة ، قُلْتُ: أجَلْ ، قَالَ: كُلُّ دَوْلةٍ إلى أجَل ، ثُمَّ يُتَاحُ لَهَا حَوَل، انْتُسِخَتْ النَّحَل ، إنَّكَ سِجِّيْرٌ مَوْصُول ، وَالنُّصْحُ لَكَ مَبْذُول ."(22) وَمِمَّا وَصَلَنَا، كَذَلِكَ ،" مِنْ غَمْغَمَاتِ الكَهَانَةِ وَطمْطَمَةِ الكُهَّانِ وَنَفْثِ الكَاهِنَاتِ، قَوْلُ كَاهِنَةٍ مِنْ حِنْدِس : " أُنْذِرُكُمْ قَوْمًا خُزْرا، يَنْظُرُونَ شُذْرا، وَيَقُودُونَ الخَيْلَ نَتْرا، وَيُهْرقُونَ دَمًاً عِكْرا"(23) وَيَنْسِبُونَ لأحَدِ الشَّياطِين قَوْلهُ لِعُلْقُمَة بنْ صَفْوَان : " عُلْقُمَة إنِّي مَقْتُول ، وَإنَّ لَحْمِي مَأكُول ، اضْرِبْهمْ بِالْمَسْلًول ، ضَرْبَ غُلامٍ مَشْلول ، رَحْبَ الذِّراعِ بهلول ."(24) وَمِنْ هَذِهِ النَّمَاذجِ يَتَّضِحُ لَنَا اعْتِمَادُهُمْ الكَامِلِ على السَّجْعِ ؛ ذِي النَّبرِِ الوَاضِحِ ، وَلَقَدْ كَانَ سَجْعُ الكُهَّانِ أجْلَى مَا يُمَثَّلُ السَّجْعَ الجَاهليَّ ، وَيَعْتَبرُ "جُوْلد زُهير" السَّجْعَ " أقْدَمَ صُوْرَةٍ مِنْ صُورِ التَّعبيرِ الشِّعريِّ في العَرَبيَّةِ ؛ إذْ يَسْبِقُ الأرَاجِيْزَ وَالقَصَائِدَ جَمِيعًا "(25)، وَمِنْ الوَاضِحِ أنَّهُ اعْتَمَدَ بِشَكلٍ أسَاسِيٍّ ، في تَشْكِيلِ فَضَائِهِ الشِّعْريِّ ، عَلى طُقوسِ السِّحْرِ، وَآلياتِ الشَّعْوَذةِ ، وَغَرَائِبيَّةِ الأدَاءِ اللغَويِّ، وَالْهَنْدَسَةِ الصَّوتيَّةِ ؛ بِتَوَازُنَاتِهَا الدَّقِيقَةِ ، وَتَوَازيَاتِهَا المَحْسُوبَةِ ، وَمِنَ الوَاضِحِ ، كَذَلِكَ ، أنَّهُ لَمْ يَتَبَقَ لَنَا مِنْ هَذِا النَّتَاجِِ القَديمِِ إلاَّ النَّذرَ اليَسِيْرَ؛ المُتَنَاثِرَ في كُتُبِ التَّارَيخِ الأدَبيِّ ، وَالمُنْتَخَبَاتِ وَكُتُبِ البَلاغَةِ ؛ وَمِنْ هَذِهِ الكُتُبِ : البَيَانُ وَالتَّبين ، وَالأغَانِي ، وَالأمَالِي ، وَالعِقْدِ الفَرِيْدِ ، وَتَارِيْخِ الطَّبريِّ، وَسِيْرَةِ بنْ هِشَام، وفي هذا يَنْقلُ الجَاحِظُ عَنْ عبدِ الصَّمَدِ بنْ الفَضْلِ بنْ عِيْسَى الرُّقَاشِيِّ قَوْله:" مَا تَكَلَّمَتْ بِهِ العَرَبُ مِنْ جَيِّدِ المَنْثُورِ، أكْثَرُ مِمَّا تَكَلَّمَتْ بِهِ مِنْ جَيِّدِ المَوْزُونِ ، فَلَمْ يُحْفَظْ مِنَ المَنْثُورِِ عُشْرَهُ، وَلا ضَاعَ مِنَ المَوْزُونِ عُشْرَهُ ."(26) وَلئِنْ كَانَ عَلينا أنْ نَحْتَرسَ في تَلَقِّي بَعْضَ هَذِهِ الأسْجَاعِ ، فَإنَّ الجَاحِظَ يُؤكِّدُ لَنَا أنَّ النَّبيَّ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الذي رَوى خُطْبَةَ قُسِّ بنِ سَاعِدَة الأياديِّ ،في سُوقِ عُكَاظٍ ؛ إذْ رَآهُ على جَمَلٍ أحْمَرٍ يَتْلُوهَا ، وَهُوَ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - الذي رَوَاهَا لِقُرَيْشٍ وَللعربِ :" وَهَذَا إسْنَادٌ تَعْجَزُ عَنْهُ الأمَانِي ، وَتَنْقَطِعُ دُونَهُ الآمَالُ"(27)، وَرُوِىَ أنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ :" قَدِمَ وَفدُ أيَادٍ عَلى رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أيُّكُمْ يَعْرِفُ قُسَّ بنَ سَاعِدَةَ الأيَادِيّ ؟، قَالُوا : كُلُّنَا يَعْرِفُهُ ، قَالَ: فَمَا فَعَلَ ؟، قالُوا :هَلَكَ ، قَالَ: مَا أنْسَاهُ بِسُوقِ عُكَاظٍ في الشَّهرِ الحَرَامِ ،عَلى جَمَلٍ لََهُ أحَْمرٍ، وَهُوَ يَخُْطُبُ النَّاسَ."(28) وَمِنْ هَذِهِ الخُطْبَةِ : " أيُّهَا النَّاسُ اجْتَمِعُوا وَاسْمَعُوا ، وَاعُوا ، مَنْ عَاشَ مَاتَ، وَمَنْ مَاتَ فَاتَ وَكُلُّ مَا هُوَ آتٍ آتٍ . آيَاتٌ مُحْكَمَات ، مَطَرٌ وَنَبَات ، وَآبَاءٌ وَأُمَّهَات ، وَذَاهِبٌ وَآت، ضَوْءٌ وَظَلاَم ، وَبِرٌّ وَآثَام ، وَلِبَاسٌ وَمَرْكَب ، وَمَطْعَمٌ وَمَشْرَب ، وَنُجُومٌ تَمُور، وَبُحُورٌ لا تَغُور، وَسَقْفٌ مَرْفُوع ، وَمَهَادٌ مَوْضُوع ، وَليْلٌ دَاج ، وَسَمَاءٌ ذَاتُ أبْرَاج ، مَالِي أرَى النَّاسَ يَمُوتُونَ وَلا يَرْجِعُون ، أَرَضَوا فَأَقَامُوا؟ ، أوْ حُُِسُوا فَنَامُوا؟.."(29) وَلَيْسَ يَخْفَى عَلينَا هُنَا أنَّ السَّجْعَ هُوَ الأسَاسُ الحَقيقِيُّ ، الذي يَنْهَضُ عَليهِ بُنْيَانُ هَذِهِ الخُطْبَةِ ؛ حَيْثُ يَتَحَكَّمُ في اصْطِفَاءِ الحَقلِ اللغويِّ، وَالأبْنيَةِ الصَّرفيَّةِ ، وَالأنْظِمَةِ النَّحْويَّةِ المُتَكرِّرةِ . مَوْقِفُ الإسْلامِ مِنَ السَّجْعِ أوْرَدَ الجَاحِظُ (159-255 هـ) أنَّه قِيلَ للرَّسُولِ – صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّم - يَا رَسُولَ اللهِ أرَأيْتَ مَنْ لا شَربَ وَلا أكَلَ وَلا صَاحَ وَاسْتَهَلَّ ، ألَيْسَ مِثْلُ ذَلكَ يُطَلّ ؟، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم- : أََسَجْعُ كَسَجْعِ الجَاهِليَّةِ ؟(30)، وَقَدْ ذَهَبَ قُُدَامَى النُّقادِ والبَلاغِيِّينَ وَالمُتَكَلَّمِينَ في تَأويْلِ هَذَا الكَلامِ كُلَّ مَذْهَبٍ ؛ فَالجَاحِظُ يُقْرنُ مَوْقِفَ الرَّسُولِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - مِنَ السَّجْعِِ بِمَوْقِفِهِ مِنَ الكَهَانَةِ ، فَيَقُولُ :" وَقَعَ النَّهْيُ في ذَلِكَ لِقُرْبِ عَهْدِهِمْ بِالجَاهِليَّةِ ، وَلِبَقيِّتِهَا في صُدُورِ كَثيرٍ مِنْهُمْ ، فَلَّمَا زَالَتْ العِلَّةُ زَالَ التَّحْريْمُ ، وَقَدْ كَانَتْ الخُطَبَاءُ تَتَكَلَّمُ عِنْدَ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدينَ ، فَيَكُونُ في تِلكَ الخُطَبِ أسْجَاعٌ كَثيرَةُ فَلا يُنْهُونَهُمْ"(31)، بَيْنَمَا يَرَى قُُدَامةُ بن جَعْفر (-337هـ) أنَّ الرَّسُولَ - صَلّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم - خَصَّ السَّجْعَ المُتَشَابِهَ بِسَجْعِ الكُهَّانِِ المُتَكلَّفِ المُسْتَغْلَقِِ ، أمَّا إذَا " لَمْ تَكُنْ القَوَافِي مُتَكلَّفةً وَلا مُتَمَحَّلَةً مُسْتَكْرَهَةً ، وَكَانَ ذَلكَ عَلى سَجِيَّةِ الإنْسَانِ وَطَبْعهِِ فَهُوَ غَيْرُ مُنْكرٍ وَلا مَكرُوه"(32)، وَقَدْ رَأى ابْنُ خلدون(-808 هـ) أنَّ إضَافَةَ السَّجْعِ إلى الكُهَّانِ " جَعَلَ السَّجْعَ مُخْتَصًا بِهِمْ بِمُقْتَضَى الإضَافَةِ "(33)، أمَّا ابْنُ الأثير (-637هـ) فَيَرَى أنَّّ النَّهى هُنَا لا يَتَعَلَّقُ بِالسَّجْعِ نَفْسِهِ ؛ وَإنَّمَا بِالنَّهي عَنْ الحُكْمِ المَتْبُوعِ في قوْلِ الكَاهِنِ ؛ أيْ: أحُكْمًا كَحُكْمِ الجَاهِليَّةِ ، وَلَوْ رَفَضَ السَّجْعَ مُطْلقًا ، لَقَالَ :(أَسَجْعًا؟) ثُمَّ سَكَتَ ، وَكَانَ المَعْنَى يَدَلُّ عَلى إنْكَارِ هَذَا الفِعْلِ ؛ لِمَ كَانَ ؟، فَلَمَّا قَالَ :" أسَجْعًا كَسَجْعِ الكُهَّانِ ؟،" صَارَ المَعْنَى مُعَلَّقًا على أمْرٍ؛ وَهُوَ إنْكَارُ الفِعْلِ ، لِمَ كَانَ على هَذَا الوَجْه ؟ "(34)، وَيَلْتَقِي رَأي أبِي هِلالٍ العَسْكريِّ ،(- 395هـ) مَعَ رَأي ابْنِ الأثيرِ، في أنَّه لَوْ صَحَّ أنَّ مَقْصِدَ الرَّسُولِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم - كَانَ الاعْتِرَاضُ عَلى السَّجْعِ في ذَاتِهِ لَقَالَ:" أسَجْعًا "، بَدَلاً مِنْ قَوْلِهِ :" أسَجْعًا كَسَجْعِ الكُهَّانِ ؟"؛ فَالمَخْصُوصُ بِاعْتِرَاضِ الرَّسُولِ ، في رَأي أبِي هِلالٍ العَسْكريِّ، هُوَ سَجْعُ الكُهَّانِ "؛ لأنَّ التَّكَلُّفَ في سَجْعِهِ فَاشٍ ."(35) وَيَدْعَمُ هَذِهِ الآرَاءَ أنَّ الرَّسُولَ - صَلَّى اللهُ عَليه وَسَلَّمَ - هُوَ الذي رَوَىَ لَنَا خُطبَةَ قُسِ بن سَاعِدَة ، وَهِيَ مَسْجُوعَةُ ، وَمَا يَرْويِهِ لَنَا قَُدَامَةُ بنُ جَعْفر، مِنْ أنَّ طخْفةَ بنَ زُهير النَّهْدِي قَالَ للرَّسُولِ - صَلَّى اللهُ وَعَليهِ وَسَلَّمَ - في كَلامٍٍ طَويْلٍ أغْرَبَ فِيهِ ، نَقْرَأُ مِنْهُ :" وَلَنَا نَعَمٌ هَمَلٌ أغْفَال ، مَا تَبُضُّ بِبِلال ؛ وَوَقيرٌ قليلُ الرِّسْل ، كَثِير الرَّسَل ، أصَابَتْهَا سِنَةٌ حَمْرَاءُ مُؤْزَلَة ، لَيْسَ لَهَا عِلَلٌ وَلا نَهَل " ، فَقَالَ النَّبيُّ - صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ - فِيْمَا قَالَ :" اللهُمَّ بَارِكْ لَهُ في مَحْضِهَا وَنَحْضِهَا وَمَذْقِهَا , وَاحْبِسْ رَاعِيْهَا في الدَّثْر, بِيَانِع الثَّمر, وَافْجُرْ لَهُ الثَّمد , وَبَارِكْ لَهُ في المَالِ وَالْوَلَد ."(36) وَيَذْهبُ ابنُ الأثيرِ أبْعَدَ مِنْ ذَلكَ ؛ فَيَرَى أنَّ الرَّسولَ - صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ -" نَطَقَ بِهِ في كَثيرٍ مِنْ كَلامِهِ ؛ حَتَّى إنَّهُ غَيَّرَ الكَلمَةَ عَنْ وَجْهِهَا ؛ اتِّباعًا لَهَا بِأَخَوَاتِهَا ، مِنْ أجْلِ السَّجْعِ ، فَقَالَ لابْنِِ ابْنَتِهِ - عَليْهِمَا السَّلامُ - :" أُعِيْذُهُ مِنَ الهَامَّة ، والسَّامَّة ، وَكُلِّ عَيْنٍ لامَّة ", وإنَّمَا أرَادَ: مُلِمَّة ؛ لأنَّ الأصْلَ فِيْهَا هُوَ مِنْ ألمَّ فَهُوَ مُلِمٌّ , وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ – صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ - : " ارْجِعْنَ مَأْزُورَاتٍ ، غَيْرَ مَأجُوْرَاتٍ "، وَإنَّمَا أرَادَ: (مَوْزُورَاتٍ) مِنَ الوِزْرِ، فَقَالَ: (مَأزُوْرَاتِ) لِمَكَانِ (مَأجُوْرَاتٍ) ؛ طَلَبًا للتَّوازُنِ وَالسَّجْعِِ ، وَهَذَا مَا يَدُلُّكَ على فَضِيلَةِ السَّجْعِِ .(37) كَذَلِكَ أوْرَدَ قُُدَامَةُ بنُ جَعْفَر (- 337 هـ)، في " نَقْدِ النَّثرِ"، ألْوَانًا مِنَ الأحَادِيثِ النَّبويَّةِ المَسْجُوعَةِِِ(38) ، وَاسْتِنَادًا إلى نَفْي القُرآنِ أيَّ تَشَابُهٍ لَهُ مَعَ سَجْعِ الكُهَّانِ ، في قَولِهِ تَعَالَى :" وَمَا هُوَ بِقولِ شَاعرٍ؛ قليلاً مَا تُؤْمِنون ، وَلا بِقولِ كَاهِنٍ ؛ قليلاً مَا تَذْكُرُون "(39)، تَشَكلَّ مَوْقِفٌ مُضَادٌ لِظَاهِرَةِ السَّجْعِ ؛ تَرَكَّزَ هَذَا المَوْقِفُ حَوْلَ تَنْزِيهِ القُرْآنِ عَنِ التَّشْبِيهِ بِالبَيَانِ العَرَبيِّ المَسْجُوعِ ؛ بَلْ وَالحَطَّ مِنْ قَيْمَةِ السَّجعِ كَذَريْعَةٍ إبْدَاعيةٍَّ ، وَمِنْ أصْحَابِ هَذَا المَوْقفِ : الرُّمَانِيُّ ( -384هـ) ؛ الذي يَرَى أنَّ السَّجعَ بِحُكْمِِ تَعْرِيْفِهِ : قَالبٌ شِعْرِيُّ لِكَلامٍ لا قِيْمَةَ لَهُ ، وَأتَى بِمَثل ٍ مِنْ سَجْعٍٍ مَنْسُوبٍ لمُسَيْلِمَةَ الكَذَّابِ ؛ قَالَ فِيهِ :" يَا ضُفْدَعُ نِقّي كَمَا تَنِقِّين ، لا المَاءَ تُكَدِّرين ، ولا النَّهْرَ تُفَارِقين "(40). وَقَدْ رفضَ أصْحَابُ هَذَا المَوْقِفِ اعْتِبَارَ السَّجْعِ مَوْجُودًا في القُرآنِ، وَأسْمَوا (القَافِيََةَ)؛ التي تَخْتمُ الجُمْلةَ القُرآنيَّةَ ، بـِ(الفَاصِلَةِ) ؛ اعْتِمَادًا على مَا وَرَدَ في سُوْرَة( فُُصِّلَتْ ) :" كِتَابٌ فُُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرَآنًا عَرَبيًّا لِقَومٍٍ يَعْلَمون"(41)، وَمِنْ أصْحَابِ هَذَا المَوْقِفِ أيْضًا :البَاقِلانيّ (-403هـ) ؛الذي يَذْهَبُ في كِتابِهِ :(إعْجَازِ القُرآنِ) ، إلى عَدَمِ وجودِ السَّجْعِ في القُرآنِ ؛ بِاعْتبَارِ نظريَّةِ إعْجَازِ القُرآنِ لا تَقْبَلُ بِجَوَازِ مُقَارَنَتِهِ بأيِّ نَوْعٍ إنْشَائيٍّ بَشَريٍّ(42)"، وَعَلى هَذَا فإنَّ الزَّعْمَ بِأنَّ القُرآنَ مَسْجُوعٌ ، يُؤدِّي إلى نِسْبَةِ شَيءٍ دُنْيَويٍّ إلى اللهِ تعالى ، أمَّا عبدُ القَاهر الجُرْجَانيُّ (-471هـ ) فَقَدْ رَفَضَ السَّجْعَ إذَا كَانَ مُتَكَلَّفًا ، وَكَانَ الاهْتِمَامُ فِيهِ بِاللفظِ مُفْسِدًا للْمَعْنَى ، فَقَالَ :" رَأيْتُ العُلَمَاءَ يَذُمُّونَ مَنْ يَحْمِلُهُ تَطَلُّبُ السَّجْعِ وَالتَّجْنِيسِ ،عَلى أنْ يَضُمَّ لَهُمَا المَعْنَى ، وَيُدْخِلُ الخَلَلَ مِنْ أجْلِهِمَا ."(43) هَكَذََا كَانَ المَوْقفُ مِنْ ظَاهِرَةِ السَّجْعِ مَوْقِفًا إشْكَاليًّا ؛ حَيْثُ لمْ يَتَجَرَّدْ لَدَى الكَثيرينَ ، مِنْ أيدلوجيَّةِ الكَهَانَةِ ، بَيْنَمَا تَعَامَلَ البَعْضُ مَعَ السَّجْعِ كَشَكْلٍ تَعْبيريٍّ مَحْضٍ ، وَلَكنَّ الفَصْلَ بينَ أنْظِمَةِ الخِطَابِ في القُرآن ِالكَريمِ ، وَأنْظِمَةِ الخِطَابِ في سَجْعِ الكُهَّانِ ، وَمُجَابَهَةِ اسْتِرَاتِيْجِيَّاتِ الكَهَانَةِ ، وَأسْجَاعِ مُدَّعِي النُّبوَّةِ (44)، قَدْ أثّرَ بِقوَّةٍ على مَسِيْرَةِ النَّثرِ المَسْجُوعِ ، في مَطَالِعِ العَهْدِ الإسْلاميِّ ، بِالإضَافَةِ إلى الحَقِيقَةِ القَائِلَةِ بأنَّ كُلَّ تَحَوُّلٍ حَقِيْقِي فِي المُجْتَمَعِ يُوَاكِبُهُ تَحَوُّلٌ في أنْظِمَةِ الخِطَابِ الإبْدَاعِيِّ .
غَيْرَ أنَّ السَّجْعَ لَمْ يَنْعَدِمْ حِيْنَئِذٍ ؛ حَيْثُ وُجِدَ في خُطبِ الصَّحَابَةِ وَالخُلفَاءِ الرَّاشِدينَ، وَمِنْهُ هَذِهِ الخُطبَةُ ، المَنْسُوبَةُ إلى الإمَامِ عليٍّ بنِ أبِي طَالِبٍ (34ق هـ - 40هـ ) : " دَارٌ بِالبَلاءِ مَحْفُوفَة ، وَبِالْغَدرِ مَعْرُوفَة ، لا تَدُومُ أحْوَالُهَا ، وَلا يَسْلَمُ نِزَالُهَا ، وَأحْوَالٌ مُخْتَلِفَة ، وَتَارَاتٌ مُنْصَرِفَة ، العَيْشُ فِيْهَا مَذْمُوم ، وَالأمَانُ فِيْهَا مَعْدُوم ، وَإنَّمَا أهْلُهَا فِيْهَا أغْرَاضٌ مُسْتَهْدَفََة : تَرْمِيْهِمْ بِسِهَامِهَا ، وَتُفْنِيْهِمْ بِحِمَامِهَا ، وَاعْلَمُوا عِبَادَ اللهِ أنَّكُمْ وَمَا أنْتُمْ فِيْهِ مِنْ هَذِهِ الدُّنيَا عَلى سَبِيلِ مَنْ قَدْ مَضَى قَبْلَكُمْ ، مِمَنْ كَانَ أطْوَلَ مِنْكُمْ أعْمَارا ، وَأعْمَرَ دِيَارا ، وَأبْعَدَ آثَارا ، أصْبَحَتْ أصْوَاتُهُمْ هَامِدَةً وَرِيَاحُهُمْ رَاكِدَة ، وَأجْسَادُهُمْ بَالِيَة، َودِيَارُهُمْ خَالِيَة ، وَآثَارُهُمْ عَافِيَة ؛ فَاسْتَبْدَلُوا بِالقُصُورِ المُشَيَّدَة ، وَالنَّمَارِقِ المُمَهَّدَة ، الصُّخُورَ وَالأحْجَارَ المُسْنَدَة ، وَالقُبُورَ اللاطِئَةَ المُلْحَدَة ؛ التي قَدْ بُنِىَ بِالخَرَابِ فِنَاؤهَا ، وَشُيَّدَ بِالتُّرَابِ بِنَاؤهَا ؛ فَمَحَلُّها مُقْتَرِب ، وَسَاكِنُهَا مُغْتَرِب ، بَيْنَ أهْلِ مَحَلَّةٍ مُوْحِشِيْن ، وَأهْلِ فَرَاغٍ مُتَشَاغِلِيْن ، لا يَسْتَأنِسُونَ بِالأوْطَان ، وَلا يَتَوَاصَلُونَ تَوَاصُلَ الجِيْرَان ، عَلى مَا بَيْنَهُمْ مِنْ قُرْبِ الجِوَار، وَدِنوِّ الدِّيَار، وَكَيْفَ يَكونُ بَيْنَهُمْ تَزَاورٌ وَقَدْ طَحَنَهُمْ بِكَلْكَلِهِ البِِلَى ، وَأكَلَتْهُمْ الجَنَادِلُ وَالثَّرَى ، وَكَأنْ قَدْ صِرْتُمْ إلى مَا صَاروا إليْهِ وَارْتهَنَكُمْ ذَلِكَ المَضْجَع ، وَضَمَّكُمْ ذَلكَ المُسْتَوْدَع ، فَكَيْفَ بِكُمْ لَوْ تَنَاهَتْ بِكُمْ الأمُور، وَبُعْثِرَتْ القُبُور؟."(45) كَمَا جَاءَتْ الرِّسَالةُ الشَّهيرَةُ ؛ التي أرْسَلَهَا عمرو بنُ العَاص (-43هـ) ، إلى الخَليفةِ عُمر بن الخَطَّابِ (-23هـ) ، وَاصِفًا لَهُ طَبِيْعَةَ مِصْرَ ـ التي فَتَحَهَا ـ مَسْجُوعَةً كُلّهَا ، كَذَلِكَ وَرَدَتْ خُطَبٌ عَدِيْدَةٌ ، قِيْلَتْ بَيْنَ يَديْ الخُلَفََاءِ ، وَقَدْ غَلَبَ عَلَيْهَا السَّجْعُ ، وَلَمْ يُنْكِرُوهَا ، وَيَأتِي في طَلِيْعَتِهَا خُطََبٌ دِينيَّةٌ ؛ كَخُطَبِ المُخْتَارِ الثَّقَفيِّ ؛ خَطِيبِ الشِّيعَةِ في العَصْرِ الأُمَويِّ ، وَخُطَبِ الحَسَنِ البَصْريِّ (-110هـ) ، وَخُطَبٌ حَربيَّةٌ " كَخُطَبِ عبد الرَّحمنِ بن مُحمَّد الأشْعَث (-85هـ ) ، وَرَغْمَ هَيْمَنَةِ الازْدِوَاجِ في الحِقْبَةِ التّاليَةِ ، فَقَدْ ظَلَّ (السَّجْعُ) قَائِمًا في عَمَلِ كَلثوم بن عمرو العَتَابيّ (-218 هـ) ، وعبد الله بن المُعْتز(-296هـ ) ، قَبْلَ أنْ يَنْطَلِقَ كَتَيَّارٍ فَنّيٍّ جَديدٍ ، في القرنِ الرَّابِعِ ،على يد ابْنِ العَمِيد (-360هـ ) وَرِفَاقِهِ ؛ الذين سَيَصْنَعُونَ تيَّارًا، سَيَسْتَمرُّ مُهَيْمِنًا لِقُرونٍ تِسْعَةٍ ، وَقَدْ ظَهَرَتْ البِدَايَةُ الثَّانيَةُ للنّثْرِ الفَنّيِّ في الرُّبْعِ الأوَّلِ مِنَ القَرْنِ الثَّانِي للهجرةِ ، عَلى أيْديْ طَائِفةٍ مِنَ الكُتَّابِ الفَارسِيِّينَ ؛ الذين قَادُوا النّثْرَ الفَنّيَّ إلى مَرْحَلَةٍ جَدِيْدَة ، أصْبَحَ الازْدِوَاجُ فِيْهَا هُوَ مُحَرِّكُ الفِعْلِ الإبْدَاعِيِّ ، وَاسْتَحْوَذَ على مِسَاحَاتٍ عَدِيدةٍ ، كَانَتْ كُلُّهَا فِيْمَا قَبْلَ تَحْتَ سَيْطَرَةِ (السَّجْعِ)، وَأصْبَحَ (الازْدِوَاجُ) عَلامَةً عَلى كِتَابَةٍ أخْرَى وَمِعْيَارًا لِحُسْنِ مَنْثُورِ الكَلامِ ، وَهُوَ مَا حَدَا بِأبِي هِلالٍ العَسْكَريِّ (-395 هـ) إلى القَوْلِ بِأنَّ مَنْثُورَ الكَلامِ لَنْ يَحْلُوَ حَتّى يكونُ مُزْدَوجًا .
البِدَايَةُ الثّانِيَةُ النَّثْرُ الفَنيُّ المُرْسَلُ
كَانَ لاتِّسَاعِ أرْجَاءِ الدَّولةِ الإسْلاميَّةِ ، وَحَاجَةِ الوُلاةِ إلى المُكَاتَبَاتِ أعْظَمَ الأثَرِ في ظُهورِ طَبَقةِ الكُتّابِ تَقلِيدًا للنِّظَامِ الفَارِسِيِّ (46)، في دِيوانِ الرَّسَائلِ ؛ الذي بَدَأ في عَهْدِ عبدِالمَلِكِ بن مَرَوان ، فَكَانَ إيْذانًا بِبِدَايَةٍ جَدِيدَةٍ ، لِكِتَابَةٍ فنيَّةٍ أُخْرى، وَنَقلَةًً نَوْعيَّةًً في شَكْلِ الكِتَابَةِ الفَنيَّةِ ، وَيُعَدُّ هَذَا الدِّيوانُ بِحَقٍّ أوَّلَ مَدْرَسَةٍ فَنيَّةٍ لِلكِتَابَةِ العَرَبيَّةِ ؛ حَيْثُ بَرَزَ في رِِحَابِهِ أبو العَلاءِ سَالمٌ ؛ مَوْلَى هِشَامٍ بنِ عبدِ المَلِكِ (105ـ 125هـ)، ثُمَّ عبدُ الحَميدِ بن يحيى الكَاتِبِ (-132هــ) ، وَكَانَ مِنْ أبْرَزِ قِيَمِ هَذِهِ المَدْرَسَةِ الفَنّيَّةِ، تَخَلّصُ الكِتَابَةِ مِنَ القِيَمِ التَّشْكِيليَّةِ التي هَيْمَنَتْ عَلى الخَطَابَةِ الجَاهِليَّةِ ؛ كَالتّنغيمِ القَائِمِ عَلى التزَامِ السَّجْعِ وَقِصَرِِ السَّجْعَاتِ وَالتّجْنِيسِ وَالإبْهَامِ النّاتِجِ عن غَرَائِبِيَّةِ اللغةِ ، وَالإلغَازِ ، كَمَا وُجِدَتْ في سَجْعِ الكُهَّانِ ، وَخُطَبِ الخُطَبَاءِ، كَذَلكَ التّخلُّص مِنَ القِيَمِ التي هَيْمَنَتْ على الخَطَابَةِ الإسْلاميَّةِ ؛ كالاعْتِمَادِ عَلى جَزَالَةِ اللغَةِ، وَالإيجَازِ، وَالاعْتِمَاد عَلى أسَالِيبَ مُحَدَّدةٍ ؛ كَالتَّوكِيدِ وَالنِّدَاءِ، وَمُحَاذَاةِ أسَالِيبِ القُرَآنِ الكَريمِ ، وَتَوْشِيْحِ الخُطَبِ بِالآيَاتِ وَالأحَادِيثِ ، وَهَيْمَنَةِ الرِّسَالَةِ الدِّينيَّةِ ، وَتَتَفِقُ القِيمُ الجَاهِليَّةُ وَالإسْلاميَّةُ في اعْتِمَادِهمَا عَلى الشِّفَاهيَّةِ وَتَرَاوحِ حُضُورِ السَّجْعِ بِهَا. بَيْنَمَا رَكَّزَتْ الكِتَابَةُ الجَدِيْدَةُ على خَصِيْصَةِ الكِتَابيَّةِ ؛ فَتَجَاوَزَتْ آليَّاتِ الشِّفاهِيَّةِ ، وَاسْتَبْدَلتْ الازْدِوَاجَ بِالسَّجْعِ ، وَنَزَعَتْ إلى الإطنَابِ وَالتَّصويرِ ، وَالبِنَاءِ الإيقَاعِيِّ الهَنْدَسِيِّ الدَّقيقِ في بِنَاءِ الجُمَلِ وَالعِبَارَاتِ ، وَإحْدَاثِ التَّوازُن وَالازْدِوَاجِ وَالتَّقسِيْمَاتِ الإيْقَاعِيَّةِ المَنْطِقيَّةِ ، يِتَبَدَّى هَذَا بِوُضُوحٍ في كِتَابَةِ عبدِ الحَميدِ الكَاتِبِ ؛ حَيْثُ تَلْعَبُ التَّوَازيَاتُ التَّركِيبيَّةُ وَالدِّلاليَّةُ دَوْرَهَا الوَاضِحَ في إنْتَاجِ إيقَاعيَّةِ النَّصِّ ، عَبْرَ عِبَارَاتِهِ المُتَضَافِرَةِ ؛ التي تَتَسِقُ جُمَلُهَا، وَتَتَآلفُ وَتَطَّردُ وَتَتَكَامَلُ، في بِنَاءٍ عَقليٍّ مُحْكَم ٍوَدَقِيْقٍ ، وَقدْ أرْجَعَ أحمدُ أمين (1886ـ 1954) هَذَا التَّحولَ في نِظَامِ الكِتَابَةِ عَلى أيْدي الكُتَّابِ الفَارسيِّينَ الأصْلِ ، إلى أنَّهُمْ كَانُوا - في جُمْلَتِهِمْ - أقْدَرَ على التَّدوينِ وَالتَّأليفِ للسَّبَبِ الذي ذَكَرَهُ ابْنُ خلدون وَهُوَ تَعَمُّقُُهُمْ في الحَضَارَةِ ؛ وَلأنَّهُمْ مُرِّنُوا مِنْ قَدِيْمٍ على التَّأليفِ بِلُغَتِهِمْ هُمْ وَآبَاءُهُمْ ، فَلَمَّا دَخَلوا في الإسْلامِ وَتَعَلَّّمُوا العَرَبيَّةَ ، كَانَ تَألِيْفُهُمْ بِالعَرَبيَّةِ سَهْلاً يَسِيْرًا ؛ لأنَّهُ لَيْسَ إلاَّ احْتِذَاءً لِلْمَنْهَجِ ، وَإنْ اخْتَلَفَ المَوضُوعُ وَاللغَةُ (47)، وَهَكَذَا انْتَقَلَتْ صِنَاعَةُ الكِتَابَةِ الرَّسميَّةِ مِنْ أيْدِي العَرَبِ ، إلى أيْدِي الأجَانِبِ ؛ إذْ جَعَلَ هِشَامٌ عَلى رَأسِ دِيْوَانِهِ سَالِمًا مَوْلاهُ ، وَعَلى يَدِ سَالمٍ وَتَلامِيْذِهِ ، وَخَاصةً عبد الحَميد ، أخَذَتْ الكِتَابَةُ الدِّيوَانيَّةُ في هَذَا العَصْرِ شَكْلَهَا الأخِيْرَ(48)، وَتُعَدُّ هَذِهِ المَرْحَلَةُ ، بِحَقٍّ ، أوَّلَ تَحَوُّلٍ حَقِيقيٍّ لِطَبيعَةِ الكِتَابَةِ الفَنيَّةِ العَرَبيَّةِ، تَحْتَ تَأثيرِ اتِّصَالِهَا بِثَقَافةٍ اجْنَبِيَّةٍ ، عَبْرَ هَؤلاءِ الكُتَّابِ الذينَ صَارُوا عَرَبًا . وَثَمَّةَ إجْمَاعٌ عَلى رِيَادَةِ سَالم (-125هـ) ، وَتَأثيرِهِ في عَبدِ الحَميدِ ؛ غَيْرَ أنَّ سَالمًا ذَاتَهُ ، لَمْ يَبْقَ مِنْ آثَارِهِ سِوىَ رَسَائِلَ مَعْدُودَةٍ ، وفي مَنْزِلَتِهِ يقولُ إحْسَان عبَّاس (1920- 2003): لَمْ تَعْرِفْ الرِّسَالَةُ الدِّيوانيَِّةُ مُسْتَوى فَنّيًّا ، قَبْلَ سَالمٍ أبِي العَلاءِ في عَهدِ هِشَامِ بنِ عبدِ المَلِكِ(49)، وَيُرْجِِعُ السَّبَبَ في إهْمَالِ دَوْرِهِ إلى" أنَّ الذي خَلََفََهُ - وَهُوَ عَبدُ الحَميد - كَانَ قِمَّةً شَاهِقةً، فَاسْتَطَاعَ ، بِإيْجَادِ النَّموذَجِ الأعْلَى حِيْنَئِذٍ ، أنْ يَكْسِفَ شَمْسَ سَالِمٍ(50)، وَيُضِيْفُ إحْسَان عبَّاس: يَكْفِي أنْ نَقولَ أنَّ الرِّسَالَةَ التي كَتَبَهَا في بَيْعَةِ وَلَدَيْ الوَليد بنِ يَزِيدَ تُؤْذِنُ أنْ تَفَرُّدَهَا وَتَمَيُّزَهَا عَنْ كُلِّ مَا سَبَقَهَا في تُرَاثِ العَهْدِ الأُمَويِّ ، لَيْسَ وَلِيدَ مَلكَةٍ فَذَّةٍ وَحَسْب ؛ بَلْ هُوَ أيْضًا نِتَاج مُؤثِّراتٍ أجْنَبِيَّةٍ . لَقَدْ كَانَتْ عَبْقَرِيَّةُ سَالمٍ في أنَّهُ اسْتَطَاعَ أنَّ يُحَوِّلَ (يُونانيَّةَ) أرسطاطاليس إلى جَوٍّ إسْلاميٍّ ، في وَصِيَّةِ الوليدِ ، دُونَ خُضُوعٍ لِطُغيَانِ النَّموذَجِ المُحْتَذَى(51) ، وَمِنْ هَذِهِ الخُطْبَةِ نَقْرَأُ: " وَالطَّاعَةُ رَأسُ هَذَا الأمْرِ وَذِرْوَتُهُ وَسَنَامُهُ ، وَزِمَامُهُ وَمِلاكُهُ ، وَعِصْمَتُهُ وَقَوَامُه بَعْدَ كَلِمَةِ الإخْلاصِ التي مَيَّزَ اللهُ بِهَا بَيْنَ العِبَادِ ، وَبِالطَّاعَةِ نَالَ المُفْلِحُونَ مِنَ اللهِ مَنَازِلَهُمْ ، وَاسْتَوجَبُوا عَليْهِ ثَوَابَهُمْ ، وَبِالْمَعْصِيَةِ مَا يَحِلُّ بِغَيْرِهِمْ مِنْ نَقَمَاتِهِ ، وَيُصُيْبُهُمْ مِنْ عَذَابِهِ ، وَيَحِقُّ مِنْ سَخَطِهِ ، وَبِتَرْكِ الطَّاعَةِ وَالإضَاعَةِ لَهَا وَالخُروجِ مِنْهَا وَالإدْبَارِ عَنْهَا وَالتَّبدُّلِ بِهَا أهْلَكَ اللهُ َمنْ ضَلَّ وَعَتَا ، وَعَمى وَغَلا ، وَفَارَقَ مَنَاهِجَ البِرِّ وَالتَّقوَى؛ فَالْزَمُوا طَاعَةَ اللهِ فِيْمَا عَرَاكُمْ وَنَالَكُمْ وَأَلَمَّ بِكُمِْ مِنَ الأمُورِ ، وَنَاصِحُوهَا وَاسْتَوسِقُوا عَلَيْهَا، وَسَارعُوا إليْهَا، وَخَالِصُوهَا ، وَابْتَغُوا القُرْبَةَ إلى اللهِ بِهَا ، فَإنَّكُمْ قَدْ رَأيْتُمْ مَوَاقِعَ قَضَاءِ اللهِ لأهْلِهَا في إعْلائِهِ إيَّاهُمْ ،وَإفْلاجِهِ حُجَّتَهُمْ ، وَدَفْعِهِ بَاطِلَ مَنْ حَادَّهُمْ وَنَاوَأهُمْ وَسَامَاهُمْ وَأرَادَ إطْفَاءَ نُورِ اللهِ مَعَهُمْ ، وَخَبرَتُمْ مَعَ ذَلكَ مَا يَصِيْرُ إليهِ أهْلُ المَعْصِيَةِ مِنَ التَّوبيخِ لَهُمْ وَالتَّقصِيْرِ بِهِمْ حَتَّى يَؤولَ أمْرُهُمْ إلى تَبَارٍ وَصَغَارٍ ، وَذِلَّةٍ وَبَوَارٍ ، وَفي ذَلِكَ لِمَنْ كَانَ لَهُ رَأي مَوْعِظةٌ وَعِبْرَةٌ ، يَنْتَفِعُ بِوَاضِحِهَا وَيَتَمَسَّكُ بِحُظْوتِهَا ، وَيَعْرِفُ خِيْرَةَ قَضَاءِ الله ِلأهْلِهَا."(52)
وَسَيَكُونُ لِهَذَا المَنْهَجِ الفَنّيِّ ؛ القَائِمِ عَلى البَسْطِ وَالتَّقسِيمِِ ، أثَرهُ الفَاعِل في كِتَابَةِ عَبدِ الحَميدِ الكَاتِبِ ؛ التي سَتُمَثِّلُ رُوحًا كِلاسِيكيَّةً، قَائِمَةً على كَبْحِ الثَّورَةِ العَاطِفيَّةِ ؛ بِلِجَامٍٍ مِنَ التَّنظِيمِ القَائِمِ على الازْدِواجِ ، هَذَا الأسْلُوبُ الذي يَبْدَأ بِإيْرَادِ عِبَارَتينِ مُتَقَارِبَتَيْنِ في المَعْنَى ؛ وَلكِنَّهُ لا يَتَوقَّفُ عِنْدَ هَذَا الحَدِّ ، وَإنَّمَا تَتَعَدَّدُ المُزْدَوجَاتُ فيهِ ، بِحَسَبِ حَاجَتِهِ إلى إبْرَازِ الفِكْرَة .(53)
وَهَكَذَا سَتَكُونُ كِتَابَة سَالِمٍ تَأسِيْسًا لِبِدَايَةٍ جَدِيدَةٍ للنَّثرِ الفَنّيِّ العَرَبِيِّ ، سَيُسَاهِمُ في تَشْكِيلِهَا تَلامِيْذُ مُخْلِصُونَ ؛ في طَليعَتِهِمْ : عَبدُ الحَميدِ بنُ يَحْيى ، وَعبدُ اللهِ بنُ المُقَفَّعِ ،ثَمَّ سَهْلٌ بنُ هَارون ، وَأبو عُثْمَان عمرو بنُ بَحْرٍ الجَاحِظ ؛ هَؤلاءِ الذين سَنُطَالِعُ شُكُولاً مِنْ إبْدَاعَاتِهِمْ الخِصْبَةِ ، المُمَثِّلَةِ لِهَذِهِ المَرْحَلَةِ التَّأسِيْسِيَّةِ .
عَبْدُ الحَميدِ الكَاتِبِ (ت مَقتُولاً 132هـ ) (54) يُعَدُّ عَبدُ الحَميدِ بنُ يحيى - بِحَقٍّ – أبْرَزَ مَنْ يُمَثّلُ بِدَايَةَ هَذَا التَّحوُّلِ – النَّاتجِ عَنْ امْتِزَاجِ الثَّقّافّةِ العّربيَّةِ بِغَيْرِهَا مِنَ الثَّقَافَاتِ - وَهُوَ أبْرَزُ المُتَرسِّلينَ ، وَعَلى يَدَيهِ تَأسَّسَتْ مَلامِحُِ كِتابَةٍ جَدِيدَةٍ تَسْتَبْدِلُ بِالسَّجعِ الازْدِوَاجَ ، وَتَعْمَدُ إلى الاسْتِرْسَالِ المُتَدَفِّقِ ، وَتَقَصِّي أصْدَاء الكَلام ِ، في الفَوَاصِلِ التي تَتَعَادَلُ وَتَتَنَاسَلُ ، وَتَصْنَعُ إيقَاعَاتِهَا المُوصُولَةَ، في مَزيجٍ مِنَ التَّنوُّعِ التَّصويريِّ ، وَتَعَدُّدِ الأسَاليبِ وَتَنَوُّعِهَا، في فَواصِلَ مُتَنَاغِمَةٍ وَمُتَعَادِلةٍ ، تَتَقَصَّى أبْعَادَ الفِكرَةِ، وَتَأتِيهَا السَّجْعَةُ ، أحْيانًا ،عفوًا ، وَقَدْ آذَنْتْ هَذِهِ المَلامِحُ المُتَواشِجَةُ بِحِلُولِ كِتَابَةٍ جَدِيدَةٍ ؛ وَلِذَا قَالَ الثَّعَالبيُّ (-429هـ):" بُدِئَتْ الكِتَابَةُ بِعبدِ الحَميدِ ، وَخُتِمَتْ بِابْنِ العَمِيدِ(55) ، وَقَالَ ابْنُ النَّديمِ :" عَنْهُ أخَذَ المُتَرَسِّلونَ ، وَلِطَريْقَتِهِ لزَمُوا، وَهُوَ الذي سَهَّلَ سَبِيلَ البَلاغَةِ وَالتَّرسُّلِ "(56)، وَقَالَ جَعْفَرُ بنُ يَحيى :" عَبدُ الحَميدِ أصْلٌ ، وَسَهْلٌ بنُ هَارون فَرَعٌ ، وَابْنُ المُقَفَّعِ ثَمَرٌ"(57)، أمَّا طه حُسُين (1889- 1973) فَقَدْ رَأى أنَّهُ "رُبَّمَا لَمْ يُوْجَدْ كَاتِبٌ يَعْدلُ عَبدَ الحَميدِ فَصَاحَةََ لَفْظ ٍ، وَبَلاغَةََ مَعْنَى ، وَاسْتِقَامَةَ أسْلُوبٍ ؛ فَهُوَ أحْسَنُ مَنْ كَتَبَ العَرَبِيَّةَ وَمَرَّنَهَا ، وَأقْدَرُ عَلى أنْ يَتَنَاوَلَ المَعَانِي المُخْتَلِفَةَ وَيُؤدِّيَهَا، رُبَّمَا كَانَ عبدُ الحَميدِ الأسْتَاذَ المُبَاشِرَ لِلْكُتَّابِ المُتَرَسِّلِينَ ، وَبِنَوع ٍ خَاص ٍٍّ الجَاحِظ"(58). وَيُمْكِنُنَا أنْ نَرَى مَلامِحَ ذَلِكَ التَّأسِيسَ الجَديدَ ،عَلى يَدَيْ عَبدِ الحَميدِ ، في رِسَالَتَينِ ، مِنْ أهَمِّ مَا وَصَلَنَا مِنْ رَسَائِلِهِ ؛ هُمَا رِسَالَتَهُ لِلْكُتَّابِ ، وَرِسَالَتَهُ في وَصْفِ الصَّيدِ ؛ ففي رِسَالَتِهِ لِلْكُتَّابِ نَقْرَأُ : " أمَّا بَعْدُ ـ حَفظَكُمْ اللهُ يَا أهْلَ صِنَاعَةِ الكِتَابَةِ ، وَحَاطَكُمْ وَوَفَّّقَكُمْ وَأرْشَدَكُمْ ؛ فَإنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ النَّاسَ بَعْدَ الأنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلينَ ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلامَهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعِيْنَ ، وَمِنْ بَعْدِ المُلُوكِ المُكَرَّمِين ، أصْنَافًا ، وَإنْ كَانُوا في الحَقِيْقَةِ سَوَاءً ، وَصَرَّفَهُمْ في صُنُوفِ الصِّنَاعَاتِ ، وَضُرُوبِ المُحَاولاتِ ، إلى أسْبَابِ مَعَاشِهِمْ وَأبْوَابِ أرْزَاقِهِمْ ؛ فَجَعَلَكُمْ مَعْشَرَ الكُتّابِ في أشْرَفِ الجِهَاتِ ، أهْلَ الأدَبِ وَالمُرُوءاتِ ، وَالعِلْمِ وَالرَّازَنَةِ ؛ بِكُمْ تَنْتَظِمُ للخِلافَةِ مَحَاسِنُهَا ، وَتَسْتَقِيْمُ أُمُورُهَا ، وَبِنَصَائِحِكُمْ يُصْلِحُ اللهُ لِلْخَلْقِ سُلْطَانُهُمْ ، وَتَعْمُرُ بُلْدَانُهُمْ ، لا يَسْتَغْنِي المَلِكُ عَنْكُمْ ، وَلا يُوْجَدُ كَافٍ إلاَّ مِنْكُمْ ؛ فَمَوْقِعِكُمْ مِنَ المُلُوكِ مَوْقِعُ أسْمَاعِهِمْ التي بِهَا يَسْمَعُونَ ، وَأبْصَارِهِمْ التي بِهَا يُبْصِرُونَ ، وَألْسِنَتِهِمْ التي بِهَا يَنْطِقُونَ ، وَأيْدِيهِمْ التي بِهَا يَبْطِشُونَ ، فَأمْتَعَكُمْ اللهُ بِمَا خَصَّكُمْ مِنْ فَضْلِ صِنَاعَتِكُمْ ، وَلا نَزَعَ عَنْكُمْ مَا أضْفَاهُ مِنَ النِّعمَةِ عَليْكُمْ ! . وَلَيْسَ أحَدٌ مِنْ أهْلِ الصِّنَاعَاتِ كُلِّهَا أحْوَجَ إلى اجْتِمَاعِ خِلالِ الخَيْرِ المَحْمُودِ ، وَخِصَالِ الفَضْلِ المَذْكُورَةِ المَعْدُودَةِ مِنْكُمْ ، أيُّهَا الكُتّابُ، إذَا كُنْتُمْ عَلى مَا يَأتِي في هَذَا الكِتَابِ مِنْ صِفَتِكُمْ ، فَإنِّ الكَاتِبَ يَحْتَاجُ في نَفْسِهِ ، وَيَحْتَاجُ مِنْهُ صَاحِبُهُ الذي يَثِقُ بِهِ في مُهِمَّاتِ أمُورِهِ ، أنْ يَكُونَ حَلِيْمًا في مَوْضِعِِ الحِلْمِ ، فَهِيْمًا لِلْعَفَافِ في مَوْضِعِِ الحُكْمِ ، مِقْدَامًا في مَوَاضِعِ الإقْدَامِ ، مِِحْجَامًا في مَوَاضِعِ الأحْجَامِ ، مُؤْثِرًا للعَفافِ ، وَالعَدْلِ وَالإنِْصَافِ ، كَتُومًا لِلأسْرَارِ ، وَفيًّا عِنْدَ الشَّدَائدِ عَالِمًا بِمَا يَأتي مِنَ النَّوَازِلِ ، يَضَعُ الأمُورَ في مَوَاضِعِهَا ، وَالطّوارِقَ في أمَاكِنِهَا ، قَدْ نَظَرَ في كُلِّ فَنٍّ مِنَ فُنُونِ العِلْمِ فَأَحْكَمَهُ ، وَإنْ لَمْ يُحْكِمْهُ أخَذَ مِنْهُ بِمِقْدَارِ مَا يُكْتفَََى بِِهِ ، يَعْرفُ بِغَريْزَةِ عَقْلِهِ ، وَحُسْنِ أدَبِهِ ، وَفَضْلِ تَجْرِبَتِهِ ، مَا يَرِدُ عَلَيْهِ قَبْلَ وُرُودِهِ ، وَعَاقِبَةُ مَا يَصْدُرُ عَنْهُ قَبْلَ صُدُورِهِ ، فَيُعِدُّ لِكُلِّ أمْرٍ عُدَّتَهُ وَعِتَادَهُ ، وَيُهيِّئُ لِكُلِّ وَجْهٍ هَيْئَتَهُ وَعَادَتَهُ . (59)
وَمِنْ رِسَالَتِهِ التي وَصَفَ فِيْهَا الصَّيدَ نَقرَأُ: " خَرَجْنَا إلى الصَّيدِ بِأعْدَى الجَوَارِحِ ، وَأثْقَفِ الضَّوَارِي ؛ أكْرَمُهَا أجْنَاسًا ، وَأعْظَمُهَا أجْسَامًا ، وَأحْسَنُهَا ألوَانًا ، وَأحَدَّهَا أطرَافًا، وَأطوَلَهَا أعْضَاءُ ، قَدْ ثُقّفتْ بِحُسْنِ الأدَبِ ، وَعُوِّدَتْ شِدَّةَ الطَّلبِ ، وَسَبَرَتْ أعْلامَ المَوَاقِفِ ، وَخَبَرَتْ المَجَاثِمِ ، مَجْبُولَةً على مَا عُوِّدَتْ ، وَمَقْصُورَةً على مَا أُدِّبَتْ، وَمَعَنَا مِنْ نَفَائِسِ الخَيْلِ المَخْبُورَةِ الفَرَاهَةِ ، مِنَ الشَّهْريَّةِ المَوْصُوفَةِ بِالنَّجَابَةِ وَالجَرْي وَالصَّلابَةِ فَلَمْ نَزَلْ بِأخْفَضِ سَيْر، وَأثْقَفِ طَلَب ، وَقَدْ أمْطَرَتْنَا السَّمَاءُ مَطَرًا مُتَدَاركًا ، فَرَبَتْ مِنْهُ الأرْضُ وََزَهَرَ البَقلُ ، وَسَكَنَ القَتَامُ مِنْ مَثَارِ السَّنَابِكِ، وَمُتَشَعِّبَاتِ الأعَاصِيْرِ، مُهْلَة َأنْ سِرْنَا غُلْوَات ، ثُمَّ بَرَزَتْ الشَّمْسُ طَالِعَةً وَانْكَشَفَتْ مِنَ السَّحَابِ مُسْفِرَةً ، فَتَلألأتْ الأشْجَارُ وَضَحَكَ النَّوَارُ ، وَانْجَلَتْ الأبْصَارُ ، فَلَمْ نَرَ مَنْظرًا أحْسَنَ حُسْنًا ، وَلا مَرْمُوقًا أشْبَه شَكْلاً ، مِنَ ابْتِسَامِ نُوْرِ الشَّمْسِ عَن اخْضِرَارِِ زَهْرِ الرِّيَاضِ ، وَالخَيْلُ تَمْرَحُ بِنَا نَشَاطًا، وَتَجْذِبُنَا أعِنَّتُهَا انْبِسَاطًا، ثُمَّ لَمْ نَلْبَثْ أنْ عَلَتْنَا ضَبَابَةٌ تُقْصِرُ طََرَفَ النَّاظِرِ، وَتُخْفِي سُبُلَ السَّلامِ ، تَغَشَانَا تَارَةً وَتَنْكَشَفُ أخْرَى، وَنَحْنُ بِأرْض ٍدَمِثَةِ التُّرَابِ ، أشِبَهةِ الأطرَافِ مُعْذِقَةِ الفِجَاجِ ، مَمْلُؤةٍ صَيْدًا مِنَ الظِّبَاءِ وَالثَّعَالِبِ والأرَانِبِ ، فَأدَّانا المَسِيْرُ إلى غَابَةٍ دُونَهَا مَألَفُ الصَّيدِ ، وَمُجْتَمَعُ الوَحْشِ وَنِهَايَةُ الطَّلَبِ ، وَقَدْ جَاوَزْنَاهَا وَنَحْنُ عَلى سَبِيْلِ الطَّلَبِ مُمْعِنُونَ ، وَبِكُلِّ حُرَّةٍ جُوْنَة ٍ مُتَفَرِّقُونَ، فَرَجَعَ بِنَا العَوْدُ عَلى البَدْءِ ، وَقَدْ انْجَلَتْ الضَّبَابَةُ ، وَامْتَدَّ البَصَرُ، وَأمْكَنَ النَّظَرُ، فَإذَا نَحْنُ بِرَعْلةٍ مِنْ ظِبَاءٍ ، وَخِلْفةِ آرَام يَرْتَعْنَ آنِسَاتٍ ، قًَدْ أحَالَتْهُنَّ الضَّبَابَةُ عَنْ شَخْصِنَا ، وَأذْهَلَهُنَّ أنِيْقُ الرِّيَاضِ عَنْ اسْتِمَاعِ حِسِّنَا ، فَلَمْ نَعُجْ إلاَّ وَالضَّوَارِي لائِحَةٌ لَهُنَّ عَنْ بُعْدِ الغَايَةِ ، وَمُنْتَهَى نَظَرِ الشَّاخِصِ ، ثُمَّ مَدَّتْ الجَوَارِحُ أجْنِحَتَهَا ، وَاجْتَذَبَتْ الضَّوَارِي مَقَاودَهَا ، فََأُمِرَتْ بإرْسَالِهَا عَلى الثِّقَةِ بِمُحْضَرِِهَا ، وَسُرْعَةِ الجَوَارِحِِ في طَلَبِهَا ، فَمَرَّتْ تَحُفُّ حَفِيْفَ الرِّيحِ عِنْدَ هُبُوبِهَا ، تَسِفُّ الأرْضَ سَفًا ، كَاشِفَةً عَنْ آثََارِِهَا، طَالِبَةً لِخِيَارِهَا، حَارِشَة ٌ بِأظفَارِهَا، قَدْ مَزَّقَتْهَا تَمْزِيقَ الرِّيْحِ الجَرَاد ، فَمِنْ صَائِحٍ بِهَا وَنَاعِرٍ، وَهَاتِفٍ بِهَا وَنَاعِقٍ ، يَدْعُو الكَلْبَ بِاسْمِهِ وَيَفدِيْهِ بِأَبِيْهِ وَأُمّهِ ، وَرَاكِضٍ تَحْتَ مُفِرِّه ، وَخَافِقٍ يَطْلُبُهُ الرُّمْحُ ، وَطَامِحٍ يَمْنَعُهُ ، وَسَائِحٍ قَدْ عَارَضَهُ بَارِِحٌ ، قَدْ حَيَّرَتْنَا الكَثْرَةُ ، وَألْهَجَتْنَا القُدْرَةُ حَتَّى امْتَلأتْ أيْدِيْنَا مِنْ صُنُوفِ الصَّيد .(60) يَكْشِفُ هَذَانِ النَّموذَجَانِ لَنَا بِجَلاءٍ خَصَائِصَ الكِتَابَةِ الفَنّيَّةِ عِنْدَ عبدِ الحَميد الكَاتِبِ ؛ التي تتأسَّسُ عَليْهَا شِعْريَّةُ الخِطَابِ ، وَتَتَمثََّلُ في عِنَايَتِهِ بِالتَّرَادُفِ الإيقاعيِّ بينَ الفَوَاصِلِ طُولاً وَقِصَرًا، اعْتِنَاءً ليسَ يَخْفََى ؛ لِيُؤسِّسَ أمْوَاجَ إيقاعِهِ ، وَقَدْ لاحَظَ طه حُسَين (1889- 1973) ، أنَّهُ يُقَسِّمُ كَلامَهُ إلى فُصُولٍ وَأجْزَاءٍ ، وَهَذَا النَّوعُ مِنْ تَقْسِيمِ الكَلامِ نَوْعٌ يُونَانِيٌّ مِنْ خَصَائِصِ النَّثرِ اليُونَانِيِّ القَديمِ(61)، أمَّا شوقي ضَيف (1910- 2005) فَيَلْحَظُ ، اعْتِمَادَه على التَّرَادُفِ ؛" فَالفِكْرَةُ تُؤدَّى أداءً مُبَسْطًا في عِبَارَتينِ ، أوْ عِبَارَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَهيَ تُؤدَّى هَذَا الأداءَ حَتَّى تُكْسِبَ الأسْلوبَ ضَرْبًا مِنَ التّوقيعِ المُوسِيقيِّ ، أوْ قُلْ مِنَ التَّعادُلِ الصَّوتيِّ ؛ فَالعِبَارَتَانِ عِندَ عبدِ الحَميدِ تَتَعَادَلانِ في شِبْهِ مُوَازَنَاتٍ صَوْتيَّةٍ ؛ إذْ كَانَ يَأبَى أنْ يُؤدِّي فِكْرَتَهُ في عِبَارَةٍ وَاحِدَةٍ ، بَلْ يَطْلُبُ أدَاءَهَا في عِبَارَتينِِ أوْ أكْثَرِ ، حَتَّى يُخْرجَهَا إخْرَاجًا إلى مَا يُريدُ مِنْ مُوَازَنَات ٍمُوْسِيقيَّةٍ وَمُعَادَلاتٍ صَوتيَّةٍ ، وَلَمْ يَكُنْ عبدُ الحَميدِ يَحْتَكِمُ إلى اللفظِ الغَريبِ ، كَمَا وَلَمْ يَكُنْ يَحْتَكِمُ أيْضًا إلى السَّجعِ .. بَلْ كَانَ يَحْتَكِمُ إلى ضَرْبٍ مِنَ التَّوقيعِ الصَّوتِيِّ ، كَانَ يَلْتَمِسُهُ فِيْمَا يَأتِي بِهِ مِنْ تَرَادُفٍ يُوَازنُ بِهِ بينَ عِبَارَاتِهِ، إنَّ الخَصَائِصَ الأسَاسِيَّةَ عندَ عبدِ الحَميدِ ،هِيَ أنَّهُ يَخْضَعُ في تَفْكِيرِهِ إلى المَنْطِقِ وفي لفظِهِ للتَّرَادُفِ(62) ؛ فَنَحْنُ نَرَى في عِبَارَاتِهِ: "جَوْدَةَ التَّقسِيمِ وَالتَّحلِيلِ ، وَفِيْهَا أيْضًا هَذَا التَّرَادُفُ المُوسِيقِيُّ ؛ الذي يُتِيحُ لِعِبَارَاتِهِ ألوَانًا مُخْتَلِفَةً مِنَ الإيقاعَاتِ الصَّوتيَّةِ الطَّرِيفَةِ "(63) ؛ فَقَدْ كَانَ يَسْعَى دَائِمًا إلى تَحْقِيقِ مَعَانِيهِ على أسَاسٍ مِنَ المَنْطِقِ وَالفِكرِ الدَّقيقِ ، كَمَا كَانَ يَسْعَى إلى تَحْقيقِ ألفَاظِهِ عَلى أسَاسٍ مِنَ الإيقاعِ وَالصَّوتِ الأنِيقِ .(64)
عَبْدُ اللهِ بنُ المُقَفَّعِ ( ت مقتولاً 142هـ ) وَقَدْ سَاهَمَ ابْنُ المُقَفَّعِ(65) بِجُهدٍ أسَاسِيٍّ في تَرْسِيْخِ بُنْيَانِ الكِتَابَةِ الفَنّيَّةِ الجَدِيدَةِ ، مَعَ عبدِ الحَميدِ الكَاتِبِ ، وَقَدْ اعْتَبَرَ طَه حُسَين " أنَّ أوَّلَ مَنْ أحْدَثَ في نُفُوسِنَا لَذَّةَ الكِتَابَةِ الفَنّيَّةِ في العَصْرِ الإسْلامِيِّ هُوَ عَبدُ الحَميدِ وَابنُ المُقَفَّعِ "(66) ، وَبِالرَّغْمِ مِنْ عِنَايَةِ ابْنِ المُقَفَّعِ الشَّديدَةِ بِلُغَتِهِ وَأُسْلًوبِهِ نَرَى الكَثيرينَ يُلِحُّونَ على قُصُورِ أدَاءِ التَّعبيرِ لَدَيْهِ أحْيَانًا(67) ؛غَيْرَ أنَّنَا بِحَقٍّ نّجِدُ لدى ابْنِ المُقَفَّعِ " عِبَارَاتٍ مِنْ أجْوَدِ مَا نَقرَأُ في العَرَبيَّةِ ، وَبِنَوعٍ خَاصٍّ في الأدبِ الكبيرِ ، وفي" كليلة ودمنة " (68) ، وَمِنْ ذَلِكَ هَذَا المُجْتَزَأ مِنْ " كليلة ودمنة " ؛ الذي يُشَارِفُ تُخُومَ الشِّعرِ المَنْثُورِ : ".. وَكُنْتُ أُقَرِّعُ نَفْسِي إذَا هِيَ نَازَعَتْنِي إلى أنْ تَغْبِطََ أُولئِكَ وَتَتَمَنَّى مَنَازِلَهُمْ ، وَآبَى لَهَا إلاَّ الخُصُومَةَ ، وَأقُولُ : يَا نَفْسُ أَمَا تَعْرفِيْنَ نَفْعَكِ مِنْ ضُرِّكِ؟ ، ألا تَنْتَهِيْنَ عَنْ الرَّغبةَِ فِيْمَا لَمْ يَنَلْهُ أحَدٌ إلاَّ قلَّ انْتِفَاعُهُ بِهِ ، وَكَثُُرَ عَنَاؤُهُ فِيْهِ ، وَاشْتَدَّتْ مَؤنَتُهُ عَليْهِ عِنْدَ فِرَاقِهِ ، وَعَظُمَتْ التَّبِعَةُ عَليْهِ بَعْدَهُ ؟، يَا نَفْسُ أَمَا تَذْكُريْنَ أَمَامَكِ فَتَنْسَيْ مَا تَشْرَهِيْنَ إليهِ فِيْمَا بَيْنَ يَدِكِ ؟، ألاَ تَسْتَحِيْنَ مِنْ مُشَارَكَةِ الفََجَرَةِ الجُهَّالِ في حُبِّ هَذِهِ الفَانِيَةِ البَائدَةِ التي مَنْ كَانَ في يَدِهِ مِنْهَا شَيءٌ فَلَيْسَ لَهُ ، وَلا بِبَاقٍٍ عَلَيْهِ ، وَالتي لا يَأْلَفُهَا إلاَّ المُغْتَرُّونَ الغَافِلُونَ ؟، يَا نَفْسُ أقْصِرِي عَنْ هَذَا السَّفَهِ ، وَمَا أنْتِ عَلَيْهِ مِنْ خَطَلِ الرَّأي فِيْهِ ، وَأقْبِلِي بِقُوَّتِكِ وَسَعْيِكِ وَمَا تَمْلُكِيْنَ عَلى تَقْدِيْمِ الخَيْرِ وَالأجْرِ مَا اسْتَطَعْتِ ، وَإيَّاكِ وَالتَّسويْفِ وَالتَّوَانِي ، وَاعْلَمِي أنَّ هَذَا الجَسَدَ ذُو آفَاتٍ ، وَأنَّهُ مَمْلُوءٌ أخْلاطًا فَاسِدَةً قَذِرَةً يَجْمَعُهَا أرْبَعَةُ أشْيَاء مُتَعَادِيَةٍ مُتَغَالِيَة ٍ تُعَمَّدُهُنَّ الحَيَاةُ ، وَهِيَ إلى نَفَادٍ ، كَالصَّنَمِ المُفَصَّلَةِ أعْضَاؤُهُ إذَا رُكِّبَتْ جَمَعَهَا مِسْمَارٌ وَاحِدٌ ، وَأمْسَكَ بَعْضَهَا عَلى بَعْضٍ ، فَإذَا أُخِذَ المِسْمَارُ تَسَاقَطَتْ الأوْصَالُ ، يَا نَفْسُ لا تَغْتَرِّي بِصُحْبَةِ أحِبَّائِكِ وَأخِلاَّئِكِ ، وَلا تُحَرِّضِي عَلى ذَلِكَ ، فَإنَّهَا عَلى مَا فِيْهَا مِنْ السُّرورِ وَالبَهْجَةِ كَثِيْرَةُ الأذَى وَالمَئونَاتِ والأحْزَانِ ؛ ثُمَّ تَخْتِمُ ذَلكَ بِقِطَعِ الفُرَاقِ كَالمِغْرَفَةِ تُسْتَعْمَلُ في صِحَّتِهَا وَجِدَّتِهَا في حَرَارَةِ المَرَقِ وَسُخُونَتِهِ ، فَإذََا هِيَ انْكَسَرَتْ صَارَ عَاقِبَةُ أمْرِهَا إلى النَّارِ، يَا نَفْسُ لا يَحْمِلَنَّكِ مَا تُرِيْدِيْنَ مِنْ صِلَةِ أهْلِكِ وَأقَارِبِكِ وَالتِمَاسِ رِضَاهُمْ عَلى جَمْعِ مَا تَهْلَكِيْنَ فِيْهِ ، فَإذَا أنْتِ كَالدُّخْنَةِ الطَّيبَةِ التي تَحْتَرِقُ وَيَذْهَبُ بِعَرَْفِهَا آخَرُونَ ، وَكَالذُّباَلَةِ تُضِيءُ لِغَيْرِهَا بِاحْتِرَاقِهَا ، يَا نَفْسُ لا تَغْتَرِّي بِالغِنَى وَالمَنْزِلَةِ التي تُبْطِرُ أهْلَهَا ، فَإنَّهَا إلى انْقِلابٍ ، وَإنَّ صَاحِبَ ذَلكَ لا يُبْصِرُ صِغَرَ مَا يَسْتَعْظِمُ حَتَّى يُفَارقَهُ ، فَيَكُونُ كَشَعْرِ الرَّأْسِ الذي يُكْرِمُهُ صَاحِبُهُ وَيَخْدِمُهُ مَادَامَ على رَأْسِهِ ، فَإذََا فَارَقَ رَأْسَهُ قَذّرَهُ وَقَزّمَهُ ، يَا نَفْسُ دُوْمِي عَلى مُدَاوَمَةِ المَرْضَى ، وَلا يُعَوِّقَكِ عَنْ ذَلكَ أنْ تَقُولِي إنَّ الطِّبَ مَئونَةٌ شَدِيْدَةٌ ، وَالنّاسُ بِمَنَافِعِهَا وَمَنافِعِ الطّبِ جُهَّالٌ ، وَلَكِنْ اعْتَبِرِي بِمَنْ يُفرِّجُ عَنْ رَجُلٍ كُرْبَةً تَحِلُّ بِهِ ، وَيَسْتَنْقِذهُ مِنْهَا ، حَتَّى يَعُودَ بَعْدَهَا إلى مَا كَانَ يَكونُ فِيْهِ مِنَ السِّعَةِ وَالرُّوحِ ، فَإنَّهُ أهْلٌ لِعَظِيْمِ الأجْرِ وَحُسْنِ الثَّوَابِ ."(69)
نَحْنُ هُنَا أمَامَ رَجُلٍ لا يَشْغَلُهُ إرْسَالُ المَعْنَى قَدْرَ انْشِغَالِهِ بِإنْشَاءِ نَسِيْجٍ أدَبيٍّ خَالِصٍ ؛ يَتَقَصَّى بَوَاطِنِ الكَلامِ ، في تَدَاعِيَاتٍ غِنَائيَّةٍ ذَاتَ تَوَازِيَاتٍ مُتَنَوِّعَةٍ ، تُشَكِّلُ شِعْريَّةَ الخِطََابِ ، عَبْرَ آليَّاتٍ شِعْريَّةٍ أبْرَزُهَا: تِكْرَارُ بِنْيَةِ النِّدَاءِ ، وَتِكْرَارُ صِيْغَةِ الأمْرِ، وَاصْطِفَاءِ صِيْغَةِ التَّشْبِيْهِ ، وَالتَّدفُّقُ الغِنَائِيُّ الاسْتِبْطَانِيُّ ، وتُبْرِزُ العِبَارَةُ الطّويَلَةُ رَغْبَةََ الكِتَابَةِ لا هَاجِسَ الفِكْرَةِ ، وَتَتَجَلَّى الدَّقَةُ البَالِغَةُ في صِنَاعَةِ الأسْلُوبِ وَالإيقاعِ المُتَرَاخِي العَمِيقِ ، وَقَدْ لاحَظَ شوقي ضَيف أنَّهُ " كَانَ يَنْفَرُ نُفُورًا شَدِيدًا مْنَ الإغْرَابِ في اللفظِ وَالتَّوعُرِ فِيْهِ ، وَفي هَذِهِ الجَوَانِبِ مِنَ اخْتِيَارِ اللفظِ وَصَقْلِه وَالدِّقَّةِ فِيهِ ، تِسْتَقِرُّ صِنَاعَةُ ابنِ المُقَفَّعِ ."(70)
سَهْلٌ بنُ هَارُون (-215 هـ ) مَعَ أوَاخِرِ القَرْنِ الثّاني الهِجْرِيِّ يَتَبَدَّى سَهْلٌ بنُ هَارُون بن رَهْبُون ، مُتَمِّمًا مَا أرْسَاهُ عبدُ الحَميدِ الكَاتِبِ وَابنُ المُقَفَّعِ في مَشْهَدِ الإنْشَاءِ المُتَرَسِّلِ ، وَيُكْبِِرُ الجَاحِظُ إنْشَاءَ سَهْلٍ بنِ هَارُون وَيُقدِّمُهُ عَلى أنَّهُ أهَمُّ كَاتِبِ ظَهْرَ في القَرْنِ الثَّانِي ، فَهُوَ يُثْبِتُ في بَيَانِهِ عَنْهُ أنَّهُ " مِنَ الخُطَبَاءِ الشُّعرَاءِ ، الذينَ جَمَعُوا الشِّعرَ وَالخُطَبَ والرَّسَائِلَ الطِّوَالَ وَالقِصَارَ وَالكُتُبَ الكِبَارَ المُخَلَّدَةَ ، والسِّيرَِ الحِسَانَ المُدَوَّنَةَ وَالأخْبَارَ المُوَلَّدَةَ : سَهْلٌ بنُ هَارُون بنُ رَاهَبُون .(71) وَعَلى الرَّغْمِ مِنْ تَعَدُّدِ مَوَاهِبِهِ الأدَبِيَّةَِ ، إلاَّ أنَّهُ لَمْ يَشْتَهْرْ إلاَّ كَكَاتِبٍ مُتَرَسِّلٍ ،" وَيُقَالُ إنَّ طَرِيْقَةََ سَهْلٍ في كِتَابَتِهِ طَرِيقةُ أمِيرِ المُؤمِنِينَ عَليٌّ بنُ أبي طَالبٍ ؛ لا يَتَكَلّفُ لِكَلامِهِ ، فلا يُشَاهِدُ فيهِ النَّاقِدُ أثَرَ التَّعَمُّلِ ، بَلْ لا يُكَلَّفُ بِغَيْرِ إرْسَالِ النَّفْسِ عَلى سَجِيِّتِهَا ، فَهُوَ وَابْنُ المُقَفَّعِ وَالجَاحِظُ عَلى غِرَارٍ وَاحِدٍ ، وَقِيْلَ إنَّ سَهْلاً كَاتِبُ سَلاطِين وَالجَاحِظُ مُؤلِّفُ دَوَاوين . وَكَأنَّ كَلامَهُ نَغَمَةٌ مُوسِيْقِيَّةٌ تَعْرِفُ انْتِهَاءَ جُمْلَتِهِ مِنْ رَنَّتِهَا بَعْدَ أنْ مَلَكَتْ عَلَيْكَ مَشَاعِرَكَ ؛ لا يَحْفَلُ بِالأسْجَاعِ إلاَّ إذَا جَاءَتْ عَفْوَ الخَاطِرِ"(72)، وَلَمْ يَصِلْ إليْنَا مِنْ عَمَلِهِ إلاَّ النّذْرَِ اليَسِيْرَ في كِتَابَي ْالجَاحِظِ: (البَيَان وَالتَّبيين) و(البُخَلاء)، وَهُوَ مَا حَفظَ لََنَا سِرَّ صِنَاعَتِهِ الفَنّيَّةِ ، وَمِنْهُ رَسَالَتَهُ التي يُوْرِدُهَا الجَاحِظُ في كِتَابِهِ: (البُخَلاء) ، وَيَسْتَهِلُّهَا هَذَا الاسْتِهَلال : "أصْلَحَ اللهُ أمْرَكُمْ ، وَجَمَعَ شَمْلَكُمْ ، وَعَلَّمَكُمْ الخَيْرَ ، وَجَعَلَكُمْ مِنْ أهْلِهِ ، قَالَ الأحْنَفُ بنُ قيسٍ : يَا مَعْشَرَ بَنِي تَمِيْمٍ ، لا تُسْرعُوا إلى الفِتْنَةِ ؛ فَإنَّ أسْرَعَ النَّاسِ إلى القِتَالِ ، أقَلُّهُمْ حَيَاءً مِنَ الفِرَارِ ، وَقَدْ كَانُوا يَقُولُونَ : إنْ أرَدْتَ أنْ تَرَى العُيُوبَ جَمَّةً فَتَأمَّلْ عَيَّابًا ؛ فَإنَّهُ إنَّمَا يَعِيْبُ بِفَضْلِ مَا فِيْهِ مِنَ العَيْبِ ، وَأوَّلُ العَيْبِ أنْ تَعِيْبَ مَا لَيْسَ بِعَيْبٍ ، وَقَبِيْحٌ أنْ تَنْهَى عنْ مُرْشِدٍ أوْ تُغْرِي بِمُشْفِقٍ ، وَمَا أرَدْنَا بِمَا قُلْنَا إلاَّ هِدَايَتَكُمْ وَتَقْويْمِكُمْ، وَإلاَّ إصْلاحَ فَسَادِكُمْ ، وَإبْقَاءَ النِّعْمَةِ عَلَيْكُمْ ، وَلَئِنْ أخْطَأنَا سَبِيْلَ إرْشَادِكُمْ ، فَمَا أخْطَأنَا سَبِيلَ حُسْنِ النِّيَّةِ فِيْما بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ، ثُمَّ قَدْ تَعْلَمُونَ أنَّ مَا أوْصَيْنَاكُمْ إلاَّ بِمَا قَدْ اخْتَرْنَاهُ لأنْفُسِنَا قَبْلَكُمْ ، وَأُشْهِرْنَا بِهِ في الآفَاقِ دُونَكُمْ ، ثُمَّ نَقُولُ في ذَلِكَ مَا قَالَ العَبْدُ الصَّالِحُ لِقَوْمِهِ : ( وَمَا أُرِيْدُ أنْ أُخَالِفَكُمْ إلى مَا أنْهَاكُمْ عَنْهُ، إنْ أُرِيْدُ إلاَّ الإصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ، وَمَا تَوْفِيْقِي إلاَّ بِاللهِ عَليْهِ تَوَكَّلْتُ وَإليْهِ أُنِيْبُ ) ؛ فَمَا كَانَ أَحَقَّكُمْ في تَقْديرِ حُرْمَتِنَا بِكُمْ ، أنْ تُرَاعُوا حَقَّ قَصْدِنَا بِذَلِكَ إليْكُمْ ، عَلى مَا رَعَيْنَاهُ مِنْ وَاجِبِ حَقِّكُمْ ، فَلا العُذْرَ المَبْسُوط َ بَلَغْتُمْ ، وَلاَ بِوَاجِبِ الحُرْمَةِ قُمْتُمْ ، وَلَوْ كَانَ ذِكْرُ العُيُوبِ يُرَادُ بِهِ فَخْرٌ لَرَأيْنَا في أنْفُسِنَا مِنْ ذَلِكَ شُغْلاً ."(73) وَمِنْهَا أيْضًا : " وَقُلْتُ لَكُمْ بِالشَّفَقَةِ مِنِّي عَليكم ، وَبحُِسْنِ النَّظرِ لَكُمْ ، وَبِحِفْظِكُمْ لآبَائِكُمْ ، وَلِمَا يَجِبُ في جِوَارِكُمْ وَمُلابَسَتِكُمْ : أنْتُمْ في دَارِ الآفَاتِ ، وَالحَوَائِجُِ غَيْرُ مُأْمُونَاتٍ ، فَإنْ أحَاطَتْ بِمَالِ أحَدِكُمْ آفَةٌ ، لَمْ يَرْجِعْ إلى بَقِيَّة ؛ فَأحْرِزُوا النِّعمَةَ بِاخْتِلافِ الأمْكِنَةِ ، فَإنَّ البَليَّةََ لا تَجْري في الجَمِيْعِ إلاَّ مَعَ مَوْتِ الجَمِيْع ."(74) إنَّ مِنَ المُلاحَظِ عَلى تَشْكِيلِ الخِطَابِ ، هُنَا ، الحِرْص الوَاضِح عَلى تَقْسِيْمِ الكَلامِ إلى فَوَاصِلَ قَصِيرَةٍ ، تَتَنَاغَمُ وَتَتَعَادَلُ ؛ لِتُشَكِّلَ تَرَادُفًا إيقاعِيًّا بَيْنَ الجُمَلِ ، وَتُحَافِظُ عَلى التَّوَازُنَاتِ الصَّوتِيَّةِ لِلْكَلامِ ، بِأدَاءٍ يَنمُّ عَن حِرْصٍ وَاضِحٍ ، عَلى تَشكِيلِ بِنَاءٍ إيقَاعِيٍّ لِلْخِطَابِ ؛ يَقُومُ عَلى تَمَوُّج الإيقاعِ ؛ عَبْرَ تَقْسِيْمِهِ إلى وَحَدَاتٍ إيقَاعِيَّةٍ مُتَوَازنَةٍ ، وَمُتَنَامِيَّةٍ ، في جُمَلٍ مُكَثَّفَةٍ ، كَمَا تُسَاعِدُ آليَّاتٌ أخْرَى في تَشكِيْلِ شِعْريَّةِ الخِطَابِ ؛ وَمِنْهَا : تِكْرَارُ بَعْضِ الصَّيَغِ ، وَالتَّقدِيمِ وَالتَّأخِيرِ ، وَتَنَوُّعُ الأسَالِيبِ ، وَيَسْتَخْلِصُ شوقي ضَيف الخَصَائِصَ الأسْلُوبيَّةَ لِسَهْلٍ بنِ هَارون ، في أنَّهُ يَتَمَيَّزُ بِبَسْطِ الأدِلَّةِ ؛" فَهُوَ يُدْلِي بِأقْيسَةٍ وَقَضَايَا وَآثَارٍ مَرْويَّةٍ ، وَيُمَيِّزُهَا شَيءٌ آخَرٌ أهَمّ مِنْ ذَلِكَ ؛ وَهُوَ مَا يَعْمَدُ إليهِ مِنْ بَسْطِ العِبَارَةِ بَسْطًا ، يَظْهَرُ فِيهِ التَّقْطِيعُ الصَّوتِيُّ ، وَالتَّرَادُفُ المُوسِيْقيُّ "(75)؛ حَيْثُ نَرَى" الألْفَاظَ تَتَوَازَنُ ، لَكِنْ لا في شَكْلِ سَجْعٍ ؛ بَلْ في شَكْلِ تَقْطِيْعَاتٍ خَاصةٍ ، وَكَأنِّي بِسَهْلٍ لَمْ يَكُنْ يَعْمَدُ إلى أدَاءِ أفْكَارِهِ بِلَفْظٍ فَصِيْحٍ فَقَط ؛ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ ابْنُ المُقَفَّعِ ؛ بَلْ كَانَ يَعْمَدُ إلى ضُرُوبٍ مِنَ التَّوقِيعِ الصَّوتيِّ في اللفظِ ؛ حَتَّى تَسْتَقِيمَ لأسْلُوبِهِ فُنُونٌ مِنَ الجَمَالِ المَادّيِّ؛ الذي يَخْلِبُ سَامِعِيْهِ ؛ كَيْ يُؤثَّرَ عَلى وِجْدَانِهِمْ وَعَوَاطِفَِهِمْ ، بِجَانِبِ مَا يُؤثِّرُ بِهِ عَلى عُقُولِهِمْ ، مِنْ حِجَاجِهِ وَجِدَالِهِ وَالْتِمَاسِهِ لِلْبَرَاهِين وَالأدِلّةِ على أفْكَارِهِ ، وَهَذَا التَّقطِيعُ الصُّوتيُّ في أسْلُوبِ سَهْلٍ ، اقْتَرَنَ بِهِ عُنْصُرٌ آخرٌ في صَنْعًتِهِ ، هُو عُنْصُرُ التَّرَادُفِ ؛ فَالْمَعْنَى لا يُؤدَّى أدَاءً وَاحِدًا ، في عِبَارَةٍ وَاحِدَةٍ ؛ بَلْ يُؤدَّى أدَاءَيْنِ أوْ أكْثَر؛ حَتَّى يَتَمَّ لِسَهْلٍ مَا يُرِيْدُ مِنْ تَوْقِيْعٍ صَوْتيٍّ ، وَتَعَادُلٍ مُوْسِيقيٍّ بَيْنَ ألْفَاظِهِ وَعِبَارَاتِهِ ، وَقَدْ جَرَّهُ ذَلِكَ إلى ضُرُوبٍ مِنَ التَّرَادُفِ في تَرَاكِيْبِهِ ، وَلَكِنَّهُ تَرَادُفٌ طَرِيْفٌ .. تَرَادُفٌ فنّيٌّ ؛ فَقَدْ كَانَ سَهْلٌ يُرِيدُ أنْ يُؤدَّي بِهِ خَصَائِصَ فَنّيَّةً ، بِجَانِبِ مَا يُؤدِّي مِنْ خَصَائِصَ ذِهْنِيَّةٍ ؛ فَقَدْ كَانَ يَعْرفُ كَيْفَ يُوَازنُ بَيْنَ هَذِهِ التَّلاوِينِ العَقليَّةِ ، وَمَا سَبَقَهَا مِنْ تَلاوِيْنَ مُوْسِيقيَِّةٍ ؛ فَتَخْرُجُ أسَالِيْبُهُ وَقَدْ الْتَمَعَتْ عَلَيْهَا شِيَاتٌ من التَّأمُّلِ وَالعَقْلِ الدَّقِيقِ ، كَمَا التَّفَتْ عَلَيْهَا شِيَاتٌ مِنْ التَّوقِيْعِ وَالتَّرَادُفِ المُوْسِيْقيِّ ، وَسَنَرَى هَذِهِ الشَِّيَاتِ جَمِيْعًا تَمْتَدُّ تَحْتَ أعْيُنِنَا في كُلِّ مَا دَبَّجَ الجَاحِظُ وَحَبَّرَهُ مِنْ كُتُبٍ وَرَسَائِلَ ، وَإنَّهُ لَيَتَأثَّرُ في هَذِهِ النَّزْعَةِ سَهْلاً."(76)
أبو عُثْمان عَمرو بنُ بَحْرٍ الجَاحِظ (159 ـ 255هـ ) جَاءَ الجَاحِظُ (77)؛ لِيُلَخِّصَ عَصْرًا كَاملاً مِنَ الكِتَابَةِ الفَنّيَّةِ المُتَرَسِّلَةِ ، وَيكُونَ عُنْوَانًا لَهَا ، وَتَتْويجًا لإنْجَازِِ هَذِهِ المَرْحَلَةِ ؛ فَكَأنَّمَا كُلّ مَنْ أتَى قَبْلَهُ - عَلى هَذِهِ الطَّريق ِ- كَانَ يُؤسِّسُ لِلْحَدَثِ الجَاحِظِيِّ وَيُؤَسِّسُ لِعُصُورٍ تَاليةٍ مِنَ النَّثرِ الفَنّّيِّ المُتَرَسِّلِ ، وَمِنْ أجَلْى خِصَائِصِ التَّعبيرِ عَنْدَ الجَاحِظِ : مُوْسِيقيَّةُ العِبَارَةِ وَتَدَفُّقهَا وَاسْتِرْسَالهَا دُونَ تَعْقِيدٍ ؛ فَلاَ نَكَادُ نَتَوَغَّلُ في إنْشَاءَاتِهِ ، حَتَّى نُلاحِظَ مِسَاحَاتِهِ المُتَعَادِلَةَ المُتَوَازِنَةَ ،" في رَصَانَةٍ وَفُحُولَةٍ ، لا أَثَرَ فِيْهَا لِلْصَّنعَةِ وَلا عَمَدَ إلى التَّحسِينِ البَدِيعيِّ ، وَهُوَ أسْلوبٌ انْفَرَدَ بِهِ الجَاحِظُ بَيْنَ أئِمَةِ التَّرسُّلِ .. فَإنَّ لَهُ لَرَنَّةً ، وَإنَّ لَهُ لَنَبْرًاً .(78) وَقَدْ لاحَظَ طه حُسَين أنَّ أدَاءَ الجَاحِظِ قَدْ "نُظِّمَ تَنْظِيمًا مُوْسِيْقيًّا ، وَأُلِّفَ تَألِيْفًا خَاصًا ؛ لَهُ نِسَبُ خَاصةُ ، فَهَذِهِ الجُمَلَةُ لَهَا هَذَا المِقْدَارُ مِنَ الطُّولِ ، وَهَذِهِ الجُمْلَةُ تُنَاسِبُ هَذَا المَوضُوعَ ، وَإذَا قَصُرَتْ هَذِهِ الجُمْلَةُ ، لاءَمَتْهَا تِلكَ الجُمْلَةُ ، وَإذَا ضَخُمَتْ ألفَاظُ هَذِهِ الجُمْلَةُ ، كَانَتْ الجُمْلَةُ التي تَلِيْهَا عَلى حَظٍّ مِنَ السُّهولَةِ ، وَهَكَذَا طَغَتْ عَليْهِ فُنُونُ الشِّعرِ ، وَسَهُلَتْ ألْفَاظُهُ ، وَأصْبَحَ يَسِيْرًا طَيِّعًا ، وَدَخَلَتْهُ المُوْسِيقَا ؛ فَغَلَبَ الشِّعرُ حَتَّى في أخَصِّ الأشَيَاءِ بِهِ ، وَهُوَ المُوْسِيْقَا"(79)، كَمَا لاحَظَ شَوقي ضَيف أنَّهُ كَانَ " يُقَطِّعُ عِبَارَاتِهِ تَقْطِيْعَاتٍ صَوْتِيَّةٍ طَرِيفَةٍ ؛ وَهِيَ تَقطِيْعَاتٌ انْزَلَقَتْ بِهِ إلى فُنُونٍ مِنَ التِّكرَارِ المُوْسِيْقيِّ (80) ، وَأنَّهُ اعْتَمَدَ كُلِّيًّا عَلى ظَاهِرَتَينِ أصِيْلَتَيْنِ في كُلِّ مَا يُؤلِّفُ ، وَهُمَا : التَّقْطِيعُ الصَّوتِيُّ مِنْ طَرَفٍ ، وَالتِّكرَارُ وَالتِّرْدَادُ المُوْسِيْقيُّ مِنْ طَرَفٍ آخَرٍ ؛ أمَّا التَّقطِيْعُ فَهُوَ الذي يُتِيْحُ لَهُ هَذِهِ المُعَادَلاتِ الصَّوتيَّةِ ؛ التي تَجْعَلُ العِبَارَاتِ تَتَعَادَلُ هَذَا التَّعَادُلَ المُوْسِيقِيَّ البَدِيْعَ ، وَكَأنَّمَا قَدْ فُُصِّلَتْ تَفْصِيْلاً، وَقُسِّمَتْ تَقْسِيْمًا ، وَأمَّا التِّكرَارُ فَإنَّهُ كَانَ يَسْتَعِيْنُ بِهِ عَلى مَا يُرِيْدُ مِنْ تَقْطِيْعَاتٍ وَتَوقِيْعَاتٍ صَوْتِيَّةٍ ، فَإذَا الفِكْرَةُ تُؤدَّى في عِبَارَتَيْنِ أوْ أكْثَر، لا لِسَبَبٍ إلاَّ لأنَّ الجَاحِظَ يُرِيْدُ لَهَا أدَاءً مُوْسِيْقيًّا بِجَانِبِ أدَائِهَا المَعْنَويِّ."(81) وَنَحْنُ لا نَكَادُ نَشْرَعُ في مُطَالَعَةِ كِتَاباَتِهِ حَتَّى تُطَالِعَنَا هَذِهِ المَلامِحُ وَسِوَاهَا مِمَّا ذَكَرٍْنَا ؛ فَهُوَ يَبْدَأُ كِتَابَهُ : البُخَلاء ، بِهَذِهِ الافْتِتَاحِيَّةِ : ( رَبِّ أنْعَمْتَ فَزِدْ ) تَوَلاَّكَ اللهُ بِحِفْظِهِ ، وَأعَانَكَ عَلى شُكْرِهِ، وَوَفَّقَكَ لِطَاعَتِهِ ، وَجَعَلَكَ مِنْ الفَائِزيْنَ بِرَحْمَتِهِ ، ذَكَرْتَ - حَفِظَكَ اللهُ - أنَّكَ قَرَأْتَ كِتَابِي في تَصْنِيْفِ حِيْلِ لُصُوصِ النَّهَارِ، وَفي تَفْصِيْلِ حِيَلِ سُرَّاقِ الليلِ ، وَأنَّكَ سَدَدْتَ بِهِ كُلَّ خَلَلٍ ، وَحَصَّنْتَ بِهِ كُلَّ عَوْرَةٍ ، وَتَقَدَّمْتَ بِمَا أفَادَكَ مِنْ لَطَائِفِ الخُدَعِ ، وَنَبّهَكَ عَليْهِ مِنْ غَرَائِبِ الحِيَلِ ، فَمَا عَسَى ألاَّ يَبْلُغَهُ كَيْدٌ ، وَلا يَجُوْزُهُ مَكْرٌ."(82 ) وَنَقْرَأُ في الافْتِتَاحِيَّةِ نَفْسِهَا: " فَكَيْفَ يَدْعُو إلى السَّعَادَةِ مَنْ خَصَّ نَفْسَهُ بِالشّقوَةِ ، بَلْ كَيْفَ يَنْتَحِلُ نَصِيْحَةَ العَامَّةِ مَنْ بَدَأ بِغِشِّ الخَاصَّة ؟، ولِمَ احْتَّجْوا مَعَ شِدَّةِ عُقُولِهِمْ بِمَا أجْمَعَتْ الأُمَّةُ عَلى تَقْبِيْحِهِ ، وَلِمَ فَخَرُوا مَعَ اتّسَاعِ مَعْرِفَتِهِمْ بِمَا أطَبْقَوا عَلى تَهْجِيْنِهِ ؟ ، وَكَيْفَ يَفْطِنُ عِنْدَ الاعْتِلالِ لَهُ ، وَيَتَغَلْغَلُ عِنْدَ الاحْتِجَاجِِ عَنْهُ ، إلى الغَايَاتِ البَعِيْدَةِ ، وَالمَعَانِي اللطِيفَةِ ، وَلا يَفْطِنُ لِظَاهِرِ قُبْحِهِ، وَشَنَاعَةِ اسْمِهِ ، وَخُمُولِ ذِكْرِهِ ، وَسُوْءِ أثَرِهِ ، عَلى أهْلِهِ ؟، وَكَيْفَ وَهُوَ الذي يَجْمَعُ لَهُ بَيْنَ الكَدِّ وَقِلَّةِ المِرْفَقِ ، وَبَيْنَ السَّهَرِ وَخُشُونَةِ المَضْجَعِ ، وَبَيْنَ طُوْلِ الاغْتِرَاب ِ، وَطُوْلِ قِلَّةِ الانْتِفَاعِ ، وَمَعَ عِلْمِهِ بِأنَّ وَارِثَهُ أعْدَى لَهُ مِنْ عَدِّوهِ ، وَأنَّهُ أحَقُّ بِمَا لَهُ مِنْ وَلِيِّهِ ؟، أَوَلَيْسَ لَوْ أظْهَرَ الجَهْلَ وَالغَبَاوَةََ ، وَانْتَحَلَ الغَفْلَةََ وَالحَمَاقَةَ ، ثُمَّ احْتجَّ بِتِلكَ المَعَانِي الشِّدَادِ ، وَبِالألْفَاظِ الحِسَانِ ، وَجَوْدَةِ الاخْتِصَارِ، وَبِتَقْرِيْبِ المَعْنَى ، وَبِسِهُولَةِ المَخْرجِ ، وَإصَابَةِ المَوْضُوعِ ، لَكَانَ مَا ظَهَرَ مِنْ مَعَانِيْهِ وَبَيَانِهِ ، مُكَذِّبًا لِمَا ظَهَرَ مِنْ جَهْلِهِ وَنُقْصَانِهِ ؟، وَلِمَ جَازَ أنْ يُبْصِرَ بِعَقْلِهِ الغَامِضِ ، وَيَعْيَا عَن القَرِيْبِ الجَاهِلِ ." (83) مِنَ البِدَايَةِ سَنَلْحَظُ تَنَاغُمَ الفَوَاصِلِ الصَّغيرَةِ المُتَرَاسِلَةِ ؛ التي تَتَآزَرُ مِسَاحَاتُهَا الصَّوتِيَّةُ ، في تَشكيلِ فَضَاءٍ إيقَاعِيٍّ مُتَنَامٍ لِلنَّصِّ ، وَسَيَتَجَلَّى لَنَا حِرْصُهُ الجَلّيُّ ،عَلى إقَامَةِ تَعَادُلاتٍ بَيْنَ كَلَمَاتِ الجُمَلِ ، وَتَوَازُنَاتٍ صَوْتيَّةٍ بَيْنَ الفَوَاصِلِ ، ثّمَّةَ سَعْيٌ دَائِبٌ إلى" إحْدَاثِ ضُرُوبٍ مِنَ التَّوقِيْعِ ، وَهُوَ تَوقِيْعٌ كَانَ يَلْتَمِسُهُ مِنْ مُعَادَلَةِ ألْفَاظِهِ ، مُعَادَلَةً لا تَنْتَهِي إلى السَّجعِ ؛ وَلكنَّهَا تَنْتَهي إلى هَذَا التَّوَازُنِ الصَّوتِيِّ الدَّقِيقِ ؛ فَكُلُّ جُمْلَةٍ تُقَابِلُ أخْتَهَا في مَوَازِيْنِ الجَاحِظِ المُوسِيقِيَّةِ ، وَهِيَ مَوَازِينُ تُحَقِّقُ لِجُمَلِهِ هَذَا الجَمَالَ المُوسِيقِيَّ ؛ الذي كَانَ يُسَمِّيْهِ القُدَمَاءُ ازْدِوَاجًا، ونُسَمِّيهُ إيقَاعًا وَتَلْويْنًا صَوْتِيًّا بَدِيْعًا ؛ وَهُوَ تَلْويْنٌ كَانَ يَدْفَعُ الجَاحِظَ دَفْعًا إلى ضُرُوبٍ مِنَ التِّكرَارِ وَالتَّرَادُفِ"(84)، وَيَتَوَلَّدُ الإيْقَاعُ هُنَا مِنْ تَجَانُسِ الفَوَاصِلِ ، وَتَزَاوُجَهَا ، وَمِنْ تَدَفُّقِ أمْوَاجِ الكَلامِ في عِبَارَاتٍ تَتَصَادَى وَتَتَعَادَلُ ، بِوَاسِطَةِ خَاصِيَتيْ : التَّقْطِيعِ وَالتَّرسُلِ مَعًاً ؛ مُؤكِّدَةً عَلى مَبْدَأ: التِّكرَارِ الصَّوتيِّ وَالمُعَادَلاتِ المُوْسِيْقِيِّةِ ، في تِشْكِيْلِ البِنْيَةِ الإيْقَاعِيَّةِ لِلنَّصِّ . وَنَقْرَأُ لَهُ في افْتِتَاحِيَّةِ كِتَابِ: الحَيَوَان : "جَنَّبَكَ اللهُ الشُّبْهَةَ ، وَعَصَمَكَ مِنَ الحَيْرَةِ ، وَجَعَلَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ المَعْرِفَةِ نَسَبًا ، وَبَيْنَ الصِّدقِ سَبَبًا ، وَحَبَّبَ إِليْكَ التَّثُّبُتَ ، وَزَيَّنَ في عَيْنِكَ الإنْصَافَ ، وَأذَاقَكَ حَلاوَةََ التَّقوَى ، وَأشْعَرَ قَلْبَكَ عِزَّ الحَقِّ ، وَأَوْدَعَ صَدْرَكَ بَرْدَ اليَقِيْنِ ، وَطَرَدَ عَنْكَ ذُلَّ النَّاسِ ، وَعَرَّفَكَ مَا في البَاطِلِ مِنَ الذِّلَةِ ، وَمَا في الجَهْلِ مِنَ القِلَّةِ ، وَلَعَمْرِي لَقَدْ كَانَ غَيْرُ هَذَا الدُّاءِ أصْوَب في أمْرِكَ ، وَأدَلَّ عَلى مِقْدَارِِ وَزْنِكَ ، وَعَلى الحَالِ التي وَضَعْتَ لِنَفْسِكَ فِيْهَا، وَوَسَمْتَ عِرْضَكَ بِهَا ، وَرَضَيْتَهَا لِدِيْنِكَ خَطًّا، وَلِمُرُوءَتِكَ شَكْلا ."(85) هَكَذَا سَعَى الجَاحِظُ بِجِوَارِِ انْتِخَابِ لُغَتِهِ بِمُنْتَهى الدِّقَّةِ ، أنْ يُؤسِّسَ إيْقَاعَاتٍ مِنْ جُمَلِهِ المُتَعَادِلَةِ المُتَوَازِنَةِ ؛ إيْقَاعَاتٍ تَتَنَامَى مَعَ تَدَفُّقِ الجُمَلِ ، مُؤسِّسَةً نَسِيْجَ الشِّعرِيَّةِ .
البِدَايَةُ الثَّالثةُ النَّثرُ الفَنّيُّ التَّزيِينيُّ المَسْجُوعُ
بِالدُّخُولِ إلى مَدَارِجِ القَرنِ الرَّابعِ الهِجْريِّ ، تَجَاوَزَ النَّثرُ الفَنّيُّ انْهِمَامَهُ بِالازْدِوَاجِ وَالتَّوَازُنِ ، في بِنَاءِ عِبَارَاتِهِ ؛ بِنَاءً هَنْدَسِيًّا دَقِيقًا ، إلى الْتِزَامِ السَّجْعِ والتَّوسُّعِ في البَدِيعِ ، وَبِخَاصَّةٍ : الجِنَاس وَالطَّبَاق ؛ بِحَيْثُ أصْبَحَتْ الخَاصيَّةُ الزُّخْرفيَّةُ لِلْغةِ مُتَقدِّمَةً عَلى غَيْرِهَا ، وَإلى هَذِهِ الدَّائرةِ الإبْدَاعيَّةِ ينتمي كِبَارُ الكُتَّابِ المُبْدِعِينَ فى هَذَا العَصْرِ ؛ أمْثَالُ : أبُو الفَضْلِ مُحمَّد بن الحُسَين بنُ العَميد (-360هـ) ، وَالصَّاحِبُ إسْمَاعيلُ بنُ عَبَّاد (-385هـ) ، وَأبُو بَكْرٍ مُحمَّد بن العَبَّاس الخُوَارِزْمِيُّ (-383هـ) ، وَأبُو اسْحَاق إبراهيم بنُ هِلالٍ الصَّابِيُّ (-384هـ) ، وَبَديعُ الزُّمَانِ أحْمَدُ بنُ حُسَين الهَمَذَانِيُّ (-398هـ) ، وَأبُو الفَرَج عَبْدُ الوَاحِد بنُ نَصْرٍ البَبَّغَاءُ(-398هـ) ، وَقَابُوس بن وَشْمَكِير(-403هـ) وَغَيْرُهُمْ ، وَقَدْ لاحَظَ شَوقي ضَيف (86)، كَمَا لاحَظََ طَه حُسَين (87)، مِنْ قَبْلُ – أنَّ هَذِهِ الظَّاهِرَةَ الإبْدَاعِيَّةََ ، قَدْ نَمَتْ عَلى أيْدِي الكُتَّابِ الأجَانِبِ الذِينَ دَخَلُوا الإسْلامَ ، وَعَلى رَأسِهِمْ أسْرَةُ البَرَامِكَةِ الفَارِسِيَّةِ ، وَأسْرَةُ الصُّوليِّينَ التُّركِيَّةُ . وَلَدَى هَؤلاءِ الكُتَّابِ المُبْدِعِيْنَ أصْبَحَ السَّجعُ وَالبَدِيعُ – مَعًا – الأسَاسَ المُؤسَّسَ لِمَلامِحِ النّثرِ الفَنْيِّ في هَذِهِ المَرْحَلةِ المُبْدِعَةِ مِنْ مَرَاحِلِ النَّثرِ الفَنّيِّ ، وَبَِالطَّبعِِ لَمْ يَكُنْ السَّجعُ وَالزُّخْرُفُ وَلِيْدَيْ هَذَا العَصْرِ؛ فَقَبْلَهُ نَجِدُ هَذَا المَنْهَجَ الجَمَالِيَّ في تَشْعِيْرِ خِطَابِ النَّثرِ الفَنّيِّ - بَيْنَ الحِيْنِ وَالآخَرِ- لَدَى مُبْدِعٍٍ مِنْ المُبْدِعِينَ ، مِثْلِ كُلْثُومِ بنِ عَمْروٍ العَتَابٍيِّ (-218هـ) ، وَعَبدِ اللهِ بنِ المُعْتَزِّ (-196هـ) ، وآخرين ، أمَّا في القَرنِ الرَّابعِ الهِجْريِّ ، فَقَدْ أصْبَحَ الاتِّجَاهُ العَامُّ للنَّثرِ الفَنّيُّ ، هُوَ ارْتِيَادُ السَّجعِ وَالبَدِيْعِ ، وَتَفْجِيْرُ طَاقَاتِهِمَا الإبْدَاعِيَّةِ الخَلاَّقةِ ، في خِطَابَاتٍ لُغَويَّةٍ زَاخِرَةٍ بِالصِّنَاعَةِ الهَنْدَسِيَّةِ الدَّقِيْقَةِ ، وَيُمْكِنُنَا أنْ نَتَبَيَّنَ العِلاقةَ الحَمِيْمَةَ بَيْنَ آليَّاتِ هَذِهِ الكِتَابَةِ الزُّخْرُفيَّةِ الدَّقِيقَةِ وَحَيَاةَ التَّرَفِ ؛ التي شَاعَتْ في هَذَا العَصْرِ، كَذَلِكَ مُلاحَظَةَ أنَّ مِنْ زُعَمَاءِ هَذِهِ الكِتَابَةِ وَزِيْرَانِ مُبْدِعَانِ ؛ هُمَا: ابْنُ العَمِيد ، وَالصَّاحِبُ بنُ عَبَّاد ، وَعَلى أيْدِي هَؤلاءِ المُبْدِعِيْنَ أصْبَحَتْ ( الكِتَابَةُ) صِنَاعَةً زُخْرُفيَّةً دَقِيْقَةً ، مَشْرُوطَةً بِقِيْمٍ جَمَاليَّةٍ مُتَدَاوَلَةٍ، صِنَاعَةً كَصِنَاعَةِ السِّجَّادِ وَالأرَابِيسكِ وَالتُّحَفِ ، وَأيْضًا كَصِنَاعَةًِ " شِعْرِ المُحْدَثِينَ ؛ شِعْرِ أبِي تَمَّامٍ وَأتْبَاعِهِ" (88) ؛ بِحَيْثُ أصْبَحَتْ مَقْطُوعَاتُ النَّثرِ الفَنّيِّ تُعَادُلُ – في جَمَاليَّاتِهَا – قَصَائِدَ الشِّعرِ؛ فَقَدْ تَحَطَّمَتْ الحُدُودُ بَيْنَ الشِّعْرِ وَالنَّثْرِ ، وَهَذَا مَا عَبَّرَ عَنْهُ طه حُسَين ؛ حِيْنَ رَأى أنَّ " تَقْسِيمَ الكَلامِ إلى نَظْمٍٍ وَنَثْرٍ"(89) لَمْ يَعُدْ يَكْفِي ، وَهُوَ مَا عَبَّرَ عَنْهُ شَوقي ضَيف ؛ حِيْنَ رَأى أنَّهُمْ " وَصَلُوا بِنَثْرِهُمْ وَتَنْمِيْقِهِ إلى مَرْتَبَةٍ تَكَادُ تَرْفَعُ الحَوَاجِزَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشِّعرِ ؛ فَهُوَ نَثْرٌ مَنْظُومٌ أوْ شِعْرٌ مَنْثُورٌ، وَمَاذَا يَفْصِلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشِّعرِ؟، إنَّهُ يَعْتَمِدُ عَلى المُوسِيْقَا ؛ مُوْسِيقَا السَّجعِ ، كَمَا يَعْتَمِدُ عَلى زُخْرُفِ البَدِيعِ ، وَإنَّهُم لَيُبَالِغُونَ في ذَلِكَ حَتَّى تَتَحَوَّلَ رَسَائِلُهُمْ إلى الوَشْي الخَالِصِ ؛ فَهِي حِلَى وَتَنْمِيقٌ ، وَبَدِيعٌ وَتَرْصِيْع"(90)، وَهُوَ مَا رَآهُ ، كَذَلِكَ ، عَبْدُ الفَتَّاح كليطو؛ حِيْنَ أوْضَحَ أنَّ النَّاثِرَ الفَنّيِّ قَدْ انْدَفَعَ في " اسْتِخْدَامِ الأشْكالِ الأسْلُوبيَّةِ ذَاتِهَا ؛ التي يَسْتَخْدِمُهَا الشَّاعرُ، وَأنْ يَلْجَأَ إلى القَافِيَةِ ؛ التي بِتَجْزِئَتِهَا لِسِلْسِلَةِ الخِطَابِ ، إلى أجْزَاء تَتَمَيَّزُ بِفَوَاصِلَ ثُنَائيَّةٍ (أوْ أكْثر أحْيَانًا) ، تُدْخِلُ إيقاعًا لِلْقِرَاءةِ – الاسْتِمَاعِ ، مُغَايِرًا لإيْقَاعِ القَصِيدةِ (الخَاضِعَةِ لِبَحْرٍ مُحَدَّد ، وَقَافِيَةٍ وَحِيْدَةٍ) لَكِنَّهُ إيْقَاعٌ تُمْلِيْهِ في مَبْدَئِهِ إِرَادَةُ مَحْوِ الحُدُودِ بَيْنَ "النَّثْرِ وَالشِّعْر."(91) وَكَمَا كَانَ مِنَ المُتَعَذَّرِ عَلى الشَّاعِرِ، تَجَاهُلُ حُضُورِِ القََافيَةِ – في نِهَايَةِ البَيْتِ - ، كَانَ عَلى النَّاثِرِ الفَنّيِّ الالْتِزَامُ بِالدَّورِ نَفْسِهِ؛ عَبْرَ الْتِزَامِهِ بِبِنَاءِ السَّجعِ ؛الذي كَانَ يُمَثِّلُ اللازِمَةَ الإيْقَاعِيَّةَ التَّثبِيْتِيَّةَ في النَّثْرِ ، كَذَلِكَ هَيْمَنَتْ القِيَمُ البَلاغِيَّةُ ذَاتُهَا المَوْجُودَةُ في الشِّعْرِ، عَلى النَّثرِ الفَنِّيِّ بِقُوَّةٍ ، وَوَجَدْنَا بَعْضَهُمْ يُرَاوِحُ بَيْنَ الكِتَابَةِ في هَذَيْنِ الشِّقَّيْنِ ، وَمِنْهُمْ بَدِيعُ الزَّمَانِ الهَمَذَانِيُّ ؛ الذي أوْدَعَ دِيْوَانَ شِعْرٍ وَدِيْوَانَ رَسَائِل ، فِيْمَا كَانَتْ مَقَامَاتُهُ مُلْتَقَى الصِّنَاعَتَيْنِ وَمَجْمَعَ البَحْرَيْنِ . وَيَتَكَشَّفُ الوَعْيُ النَّظَريُّ بِجَمَالِيَّاتِ هَذِهِ الكِتَابَةِ وَاعْتِمَادِ آليَّاتِهَا المُحَدَّدَةِ في رَأي بَدِيْعِ الزَّمَانِ الهَمَذَانِيِّ في مَنْهَجِ الجَاحِظِ ؛ حَيْثُ نَعَتَهُ – في المَقَامَةِ الجَاحِظِيَّةِ – بِأنَّهُ " قَليْلُ الاسْتِعَارَاتِ ، قَرِيْبُ العِبَارَاتِ ، مُنْقَادٌ لِعُرْيَانِ الكَلامِ يَسْتَعْمِلُه ، نَفُورٌ مِنْ مُعْتَاصِهِ يُهْمِلُه ، فَهَلْ سَمِعْتُمْ لَهُ لَفْظَةً مَصْنُوعَة، أوْ كَلِمَةً غَيْرَ مَسْمُوعَة ؟"(92) . وَقَدْ تَبَنَّى البَدِيعُ وَرِفَاقُهُ مَعْكُوسَاتِ مَا أوَرْدَهُ في الجَاحِظِ مِنْ نُعُوتٍ ؛ فَتَخَلُّوا عَنْ شِعْريَّةِ الأدَاءِ التَّدَاولِيِّ التَّفْسِيْريِّ ، وَاسْتَغْرَقُوا في شِعْريَّةِ الأدَاءِ التَّخيُّلِيِّ البَلاغِيِّ المُنَمْنَمِ بِالغَرَائِبِيِّ وَالمَجَازِيِّ . وَقَدْ لُوْحِظَ أنَّ السَّخَاءَ البَلاغِيَّ في السَّجعِ يُقَابِلُهُ فَقْرٌ ظَاهِرٌ في مُسْتَوَيَاتِ التَّركيبِ ؛ حَيْثُ تَمْنَعُ الهَنْدَسَةُ السَّجْعيَّةُ "إلى حَدٍّ كبيرٍ، مِنْ تَنْويعِ التَّأثِيرَاتِ عَنْ طَريقِ تَعَدُّدِ تَرَاكِيبِ الجُمَلِ "(93)، وَتَكْتَفِي – بَدَلاً مِنْ ذَلِكَ – بِالتَّوسُّعِ في اسْتِخْدَامِ التَّشبِيْهَاتِ وَالاسْتِعَارَاتِ وَالكِنَايَاتِ وَالصُّوَرِ"(94)، وَهَكَذَا يَتَمَيَّزُ هَذَا النَّثْرُ بِخَصِيْصَتَيْنِ أسَاسَيَّتَينِ هُمَا : " غِيَابِ التَّنوُّعِ في بِنَاءِ الجُمَلِ – مِنْ جِهَةٍ – وَاسْتِخْدَامٍ مَحْمُومٍ للصُّوَرِ البَلاغِيَّةِ مِنْ جِهَةٍ أخْرَى ، وَبِعِبَارَةٍ أخْرَى فَإنَّ فَقْرا في التَّركِيْبِ وَنَقْصًا يَكُونُ قَدْ حَاوَلَ التَّخَفِّي وَرَاءَ ثَرَاءٍ دَلالِيٍّ وَافَرٍ"(95)، وَيَكُونُ الحُضُورُ المَوْفُورُ للصُّوَرِ البَلاغِيَّة مَقْصُورًا بِغَرَضِ " تَعْوِيْضِ الرَّتَابَةِ وَ"النَّقْصِ"(96)، وَيَكونُ المَسَارُ النَّظْمِيُّ مُشَوَّشًا بِاسْتِمْرَارٍ ، بِضَرُورَةِ مَسَارٍٍ اسْتِبْدَاليٍّ يُمَزِّقُ سِتَارَ الاسْتِعَارَةِ ."(97) وَقَدْ بَرَزَتْ المَلامِحُ الرَّئِيسِيَّةُ لِهَذِهِ المَرْحَلَةِ – التي سَتَمْتَدُّ إلى قُرُونٍ وَقُرُونٍ – لَدَى نَاثِرِي القَرنِ الرَّابعِ الهِجْرِيِّ المُبْدِعِينَ ؛ الذينَ سَيُحَقِّقُونَ في (أدبِ)ـهِمْ كُلَّ مَا يُنْجَزُ في فَضَاءَاتِ (الشِّعْرِ) مِنْ تَحَقُّقَاتٍ جَمَاليَّةٍ بِآليَّات ٍ مُتَعَدِّدةٍ ، وَقَدْ سَبَقَ أنْ لاحَظَ ابنُ طَبَاطَبَا العَلَويُّ (-322هـ) - وَهُوَ يُمَيِّزُ بَيْنَ القَصِيدَةِ وَالرِّسَالةِ – أنَّ " الشِّعْرَ رَسَائِلُ مَعْقُودَةٌ وَالرَّسَائِلُ شِعْرٌ مَحْلُولٌ ، وَإذَا فَتَّشْتَ أشْعَارَ الشُّعَرَاءَ كُلَّهَا وَجَدْتَهَا مُتَنَاسِبَةً ؛ إمَّا تَنَاسُبًا قَريْبًا أوْ بَعِيْد ، وَتَجِدَهَا مُنَاسِبَةً لِكَلامِ الخُطَبَاءِ ، وَخُطبِ البُلَغَاءِ ، وَفِقََرِِ الحُكَمَاءِ ."(98) وَيَقِفُ في طَلِيْعةِ هَؤلاءِ المُبْدِعِيْنَ كُلٌّ مِنْ : ابْنُ العَمِيد ، وَالصَّاحِبُ بْنُ عَبَّادٍ ، وَأبو إسْحَاق الصَّابيُّ ، وَأبُو العَبَّاسِ أحَمْدُ بْنُ إبْرَاهيم الضَّبيُّ ، و أبو بَكْرٍ الخُوَارِزْمِيُّ، وَبَدِيعُ الزَّمَانِ الهَمَذَانِيُّ ، وَقَابُوسٌ بنُ وَشْمَكِيْر؛ بِإبْدَاعَاتِهِمْ المُؤسِّسَةِ مَعَالِمَ هَذَا المَشْهدِ الجَديدِ في خَريْطَةِ النَّثرِ الفَنيِّ في القََرنِ الرَّابِعِ الهِجْرِيِّ. ابنُ العَمِيد (99)(-360هـ) يَتَصدَّرُ ابنُ العَمِيدِ هَذِهِ القَافِلَةَ الإبْدَاعِيَّةَ ؛ بِكِتَابَتِهِ التي تَعْكِسُ حِرْصًا جَليًّا عَلى تَوْزِيْنِ الفَوَاصِل ِ، وَتَوَالي التَّرَادُفَاتِ الإيْقاعِيَّةِ ؛ بلْ يَتَعَدَّى هَذِهِ الهَنْدَسَةَ الصَّوتِيَّةَ أحْيَانًا ، إلى هَنْدَسَةٍ أدَقّ ؛ حَيْثُ يُلْزِمُ نَفْسَهُ وَضْعَ سَجْعَاتٍ دَاخِلِيَّةٍ تَتَوَازَى مَعًا ؛ لِتُحَطِّمَ الإحْسَاسَ بِطُولِ المِسَاحَةِ الزَّمَنيَّةِ مِثْلَ قَوْلِهِ : " فإن َّ الدَّهرَ جَرَى عَلى حُكْمِهِ المَألُوفِ في تَحْويلِ الأحْوَالِ ، وَجَرَى عَلى رَسْمِهِ المَعْرُوفِ في تَبْدِيلِ الأشْكَال ." وقوله : " وَكَشَفَ عَنْ عَيْنيَّ ضَبَابَاتِ مَا ألقاهُ الهَوَى عَلى بَصَري ، وَرَفَعَ عَنِّي غَيَابَاتِ مَاسَدَ لَهُ الشَّكُ دُوْنَ نَظَري ." هَذَا الانْهِمَامُ الشَّديدُ بِتَعَادُلاتِ الكَلِمَاتِ بينَ الفَاصِلَتينِ المُتَجَاوِرَتَيْنِ لا يَعْنِي الْتِزَامَ ابْنُ العَميدِ الكَامِلِ بِالسَّجعِ ؛ فَإنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَلْتَزمُ السَّجعَ التِزَامًا عَلى مَدَارِِ كلامِهِ ؛ إذْ يِتَحَرَّرُ أحْيَانًا مِنْهُ ، تَاركًا للازْدِوَاجِِ أنْ يَنْهَضَ بِالدَّورِِ الإيْقاعِيِّ بَدَلاً مِنَ السَّجعِ ، وَمِنْ هُنَا تأتِي إشْكاليَّةُ وَضْعِ اسْمِ "ابْنِ العَمِيدِ " عَلى رَأسِ طَائِفَةًٍ مِنَ الكُتَّابِ ، يَنْدَرجُ عَمَلُهَا الأسَاسِيُّ تَحْتَ مَظَلَّةِ السَّجعِ ، وَدَاخِلَ مِسَاحَاتِ السَّجعِ يُوَزِّعُ – الكَاتِبُ – مَا شَاءَ مِنْ تَلاوِيْنِهِ التَّصويريَّةِ ، وَتَصَانِيْفِهِ اللغويَّةِ الوَافِرَةِ ؛ فَالسَّجعُ ، هُنَا ، هُوَ العَلامَةُ الأسَاسِيَّةُ المُمَيَّزةُ لِهَذِهِ المَوْجَةِ مِنْ المُبْدِعِينَ ، " حَتَّى أنَّنَا نَشْعُرُ عِنْدَ أيَّةِ جُمْلَةٍ لا تَنْتَهي بِسَجْعَةٍ بِنَوعٍٍ مِنَ النَّقْصِِ(100) ، أمَّا ابْنُ العَمِيدِ فَإنَّهُ كَانَ يَسْجَعُ أحْيَانًا ، وَيَتَحَرَّرُ مِنَ السَّجْعِِ أحْيَانًا ، هَذَا التَّحرُّرُ الذي لَنْ نَجِدَهُ عِنْدَ مَنْ تَعَهَّدُوا المَشْرُوعَ الجَمَاليَِّ الذي أرْسَاهُ ابْنُ العَمِيدِ ، وَمِنْهُمْ : الصَّاحِبُ بنُ عَبَّادٍ ، أوْ أبُو إسْحَاقٍ الصَّابِيُّ ، أوْ أبُو بَكْرٍ الخُوَارِزْمِيُّ ، أوْ بَدِيعُ الزَّمَانِ الهَمَذَانِيُّ ، أوْ قََابُوسٌ بنُ وَشْمَكِير ، غَيْرَ أنَّ الخَصِيْصَةََ الأسَاسِيَّةََ المُمَيِّزةِ لِشَكْلِِ كِتَابَتِهِ الفَنّيَّةِ هِيَ ذِيُوعُ السَّجْع ِ ، بِجَانِبِ وَفْرَةِ البَديعِِ: " كِتَابِي وَأنَا مُتَرَجِّحٌ بِيْنَ طَمَعٍ فِيْكَ وَيَأسٍٍ مِنْكَ ، وَإقْبَالٍ عَليْكَ ، وَإعْرَاض ٍ عَنكَ ، فإنَّكَ تَدَلُّ بِسَابِقِ حُرمَةً ، وَتَمُتُّ بسَالِفَ خِدمَة، أيسرُهُمَا يُوجبُ رِعَاية ، وَيَقتَضِي مُحَافَظَةً وَعِنَايَة ، ثُمَّ تُشفعُِهمَا بِحَادثِ غُلولٍ وَخِيَانَة ، وَتتبعَُهُمَا بِآنِفِ خِلافٍ وَمَعصِية ، وَأدنَى ذلكَ يُحبطُ أعمَالَك ، وَيُمحِقُ كُلَّ مَا يُرعى لَك ، وَلا جَرَمَ أنّي وَقفتُ بينَ مَيْلٍ إليكَ وَمَيْلٍ عَليك ، أُقدّمُ رِِجْلاً لِصَدِّك ، وَأخْرى عَنْ قَصْدِك ، وَأبْسُطُ يدًا لاصْطِلامِكَ وَاجْتِيَاحِك ، وَأثُني ثانيةً لاسْتِبقائِكَ وَاسْتِصْلاحِك ، وَأتَوَقَّفُ عِنْدَ امْتِثالِ بَعْضِ المَأمُورِ فِيك ، ضَنَّاً بِالنِّعمَةِ عِنْدَك ، وَمُنافَسَةً في الصَّنيعةِ لَدَيك ، وَتَأمِيْلاً لِفَيْئتِكَ وَانْصِرَافِك ، وَرَجَاءً لِمُرَاجَعَتِك وَانْعِطافِكَ ؛ فَقَدْ يَغْرُبُ العَقلُ ثُمَّ يَؤوب ، وَيَعْزُب اللبُّ ثُمّ يئوب ،ويذهبُ الحَزْمُ ثُمَّ يَعُود ، وَيَفْسَدُ العَزْمُ ثُمًّ يَصْلُح ، وَيُضَاعُ الرَّأيُ ثُمَّ يُسْتَدْرَكُ ، وَيَسْكرُ المَرْءُ ثُمَّ يَصْحو ، وَيَكْدُرُ المَاءُ ثُمَّ يَصْفُو ، وُكُلُّ ضَيْقةٍ إلى رَخَاء ، وَكُلُّ غَمْرَةٍ فَإلى انْجِلاء." (101) مِنَ الجَلِيِّ ، هُنَا ، أنَّ ابنَ العَميدِ لَمْ يَنْشَغلْ بِالمُسْتوى الصَّوتي : السَّجعِ وَحْدَهُ ، وَإنَّمَا رافقه بِالمُسْتوى التَّصويريِّ : البَلاغِيِّ ، تَحْتَ تَأثيرِ افْتِتَانِهِ بِفَنِّ التَّصْويرِِ، وَخِبْرتِهِ بِعِلْمَيْ الهَنْدَسَةِ وَالمَنْطِقِِ ؛ وَبِهَذَا - اعْتِبَارًا مِنَ ابْنِ العَمِيد - سَيَعْرِضُ النَّثرُ الفََنّيُّ ذَاتَهُ بِاعْتِبَارِهِ سجَّادَةً لُغَويَّةًً دَقِيْقَةََ الصُّنعِ ، تَشِي بِقَوَانِيْنِهَا الهَنْدَسِيَّةِ الدَّاخِليَّةِ الدَّقيقةِ ؛ إذْ مِنَ اليَسِيْرِ أنْ نَرَى التَّواشُجَ بينَ فِعْلِ التَّوازي في زَخَارِفِ السَّجَّادِ الهَنْدَسِيَّةِ وَفي لَوْحَاتِ النَّثرِ الفَنّيِّ المَسْجُوعَةِ المُرَصَّعَةِ بِالبَدِيعِِ ، وَهَذَا النُّزُوعُ إلى الزُّخْرفِ الهَنْدَسِيِّ الدَّقيقِِ سَيَتَأكَّدُ - بقَّوةٍ - عَبْرَ قَافِلَةٍ مِنَ الأسْمَاءِ المُبْدِعَةِ ؛ التي سَيَتَوَالَى خُرُوجُهَا مِنْ عَبَاءَةِ ابْنِ العَمِيدِ ، وَيَأتِي في طَلِيْعَتِهَا: الصَّاحِبُ بنُ عَبَّاد (102)(-385هـ) نَقْرأُ لَهُ مِنْ كِتَابٍ نَسَجَهُ إلى ابْنِِ العَمِيدِ: " وَصَلَ كِتَابُ الأسْتاذِ الرَّئيسِ صَادِرًا عَنْ البَحْرِِ بِوَصْفِ مَا شَاهَدَ مِنْ عَجَائَبِه، وَعَايَنَ مِنْ مَرَاكِبِه ، وَرَآهُ مِنْ طاعَةِ آلاتِهِ للرَّيَاحِ كَيْفَ أَرَادَتْهَا ، وَاسْتِجَابَة أدَوَاتِهَا لَهَا مَتَى نَادَتْهَا ، وَرُكُوب النَّاسِ أشْبَاحِها وَالخَوْفُ بِمَرْأىً وَمَسْمَع ، وَالمَنُونُ بِمَرْقَبٍ وَمَطْلَعَ ، وَالدَّهرُ بَيْنَ أخْذٍ وَتَرْك ، وَالأرْوَاحُ بَيْنَ نَجَاةٍ وَهُلْك ، إذَا فَكَرَّوَا فَي المَكَاسِبِ الخَطِيْرَةِ هَانَ عَلَيْهِمْ الخَطَر ، وَإذَا لاحَتْ لَهُمْ غُرَرُ المَطَالِبِ الكَثِيْرَةِ حُبِّبَ إلَيْهِمْ الغُرُور، وَعَرَفْتُ مَا قَالَهُ مَنْ تَمَنِّيه كَوْنِي عِنْدَكَ ذَلكَ بِحَضْرَتِهِ ، وَحُصُولي عَلى مُسَاعَدَتِهِ ، وَمَنْ رَأى بَحْرَ الأسْتَاذِ كَيْفَ يَزْخَرُ بِالفَضْلِ وَتَتَلاطَمُ فِيهِ أمْوَاجُ الأدَبِ وَالعِلْمِ لَمْ يَعْتِبْ عَلى الدَّهْرِ ، فِيْمَا يُفيتُهُ مِنْ مَنْظَرِ البَحْرِ ، وَلا فَضِيلةَ لَهُ عِنْدي أعْظَم مِنْ إكْبَارِ الأسْتَاذِ لأحْوَالِهِ ، وَاسْتِعْظَامِهِ لأهْوَالِهِ ، كَمَا لا شَيء أبْلَغ مِنْ مَفَاخِرِه ، وَأنْفَس مِنْ جَوَاهِرِه ، مِنْ وَصْفِ الأسْتَاذِ لَهُ فإنِّي قَرَأتُ مِنْهُ المَاءَ السَّلسَالَ لا الزُّلالَ ، وَالسِّحْرَ الحَرَامَ لا الحَلاَلَ."(103)
و: أبُو إسْحَاقٍ الصَّابِي(104)(- 384هـ) الَّذي نَقْرأُ مِِنْ رِسَالةٍ أنْشَأهَا في وَصْفِ المُتَصَيِّدِ وَالصَّيدِ : " وَخَيْلَنَا كَالأمْوَاجِ المُتَدِفِّقََة ، وَالأطْوَادِ المُوَثَّقَة ، مُتَشَوِّقَةُ عَاطِيَة، مُسْتَبِقَةٌ جَارِيَة ، تَشْتَاقُ الصَّيدَ وَهِيَ لا تَطْعَمُه ، وَتَحِنُّ إليهِ كَأنَّهُ قَضِيْمٌ تَقْضِمُه ، وَعَلى أيْدِينَا جَوَارِحُ مُؤلَّلَةُ المَخَالِبِ وَالمَنَاسِر ، مُدَرَّبَةُ النِّصَالِ وَالخَنَاجِر، طَامِحَةُ الألحَاظِ وَالمَنَاظِر ، بَعِيْدَةُ المَرَامِي وَالمَطَارِح ، ذَكِيَّةُ القُلُوبِ وَالنُّفُوسِ ، قَلِيْلَةُ القُطُوبِ وَالعُبُوس ، سَابِغَةُ الأذْنَابِ ، كَرِيْمَةُ الأنْسَابِ ، صُلْبَةُ الأعْوَادِ ، قَوِيَّةُ الأوْصَال...ثُمَّ عَدَلْنَا عَنْ مَطَارِحِ الخِيَامِ ، إلى مَسَارِحِ الآرَامِ ، نَسْتَقْري مَلاعِبَهَا ، وَنَؤُمُّ مَجَامِعَهَا، حَتَّى أفْضَيْنَا إلى أسْرَابٍ لاهِيَةٍ بِأطْلائِهَا ، رَاتِعَةٍ في أكْلائِهَا ، وَمَعَنَا فُهُودٌ أخْطَفُ مِنَ البُرُوق ، وَألْقَفُ مِنَ الليوث ، وَأمْكَرُ مِنَ الثَّعَالِبِ ، وَأدَبُّ مِنَ العَقَارِبِ ، وَأنْزَلُ مِنَ الجَنَادِبِ ، خُمْصُ الخُصُور ، قُبُّ البُطُونِ ، رُقْشُ المُتُونِ ، حُمْرُ الآمَاقِ ،خُزْرُ الأحْدَاقِ ، هُرْتُ الأشْدَاقِ ، عِرَاضُ الجِبَاهِ ، غُلْبُ الرِّقَابِ ، كَاشِرَةٌ عَنْ أنْيَابٍ كَالْحِرَابِ."(105) و: أبُو العَبَّاسِ أحْمَدُ بنُ إبراهيم الضَّبِي(106)(-399هـ) الَّذي نَقْرَأُ لَهُ ، مِنْ كِتَابٍ أنْشَأهُ لأبِي عَلي وَأبِي القَاسِم العَلَويَّينِ، في التَّعزيَةِ ،عنْ أبِيْهِمَا ؛ أبِي الحُسَينِ بنِ أبِي مُحَمَّدٍ : " كِتَابِي – أطَالَ اللهُ بَقَاءَ الشَّرِيفَيْنِ – وَالدَّهْرُ يَنْعِــي مُهْجَتَه ، وَالدَّهْـــرُ يَنـْـدُبُ بَهْجَتَــه ، وَالشَّرَفُ مَحْصُورٌ في قَبْضَةِ حَيْنِه ، وَالفَضْلُ مَفْجُوعٌ بِنَاظِرِِ عَيْنِه ، وَالذِّكرُ الجَمِيــْـلُ مُجَدَّلٌ لِمَصْرَعِه ، وَالخَلْقُ الوَسِيْعُ مُوَسَّدٌ في مَضْجَعِه، وَرَسْمُ المَحَاسِنِ دَاثــِــرٌ عَافٍ ، وَشَخْصُ المَكَارِمِ حَاسِرٌ حَافٍ ، وَمَهَابِطُ الوَحْي وَالرِّسَالَةِ تَحْنِي ظَهْرَهَا أسَفا ، وَمَعـَـادِنُ الوَصِيَّةِ وَالإمَامَةِ تُذْرِي دَمَهَا لَهـَـفا ، وَبِقـَــاعُ الحـَــرَمَيْنِ مُتَسَلِّيَّةٌ عَلى نَجْمِهـَــا الآفــِـل ، وَلابِسَةٌ ثـَـوْبَ الحــِــدَادِ لـِــرُكْنِهَا المـَـائِل ، وَيَدُ المُوَاسَاةِ مَقْبُوضَةٌ عَنْ مَعُونَةِ العَانِي الــذَّلِيلِ ، وَلِسـَــانُ الجُـوْدِ مُتَعذَّرٌ إلى ابْنِ السَّبِيـــْـلِ ، وَطـَـــوَائِفِ العُفــَــاة تَبْكِي العَيْشَ الرَّطِيْبِ ، وَالرَّبْعَ الرَّحِيْبِ ، وَالمَشَارِِعَ المَعْصُومَةَ مِنْ دَرَنِ الضَّنِّ ، وَالمـَـوَارِد المَحْرُوسَة مـِــنْ كـَـــدَرِِ المــَـنِّ ، وَذَوو الحَاجــَـاتِ في حَسـَـرَاتٍ مُجَدَّدَة ، وَزَفـَــرَاتٍ مُـــرَدَّدَة ، قَدْ أقَامَتْ مِنْهُم حَانِيَةَ الضُّلُوعِ ، وَأطَارَتْ عَنْهــُــمْ قُلُوبًــا دَامِيــَـةَ الصُّدُوعِ ، وَبَنـــُــو الآمـــَـالِِ عَابِسَةٌ وُجـُـوهُهُمْ ، مُنَكَّسَةٌ رُءوسُهـُــمْ. "وَعــَــرَفَ كـُــلُّ مَنْ وَرَد وَصَـــدَرَ ، وَبـــَدَا وَحَضـَـرَ ، أنَّ مَنْ قُبِضَ فََاسْتَوْحَشَ الأُنـْــسُ بِمُفَــارَقَتِهِ ، وَاسْتَبْشـَـرَتْ المـَـلائِكةُ لِمُرَافَقَتِهِ ، وَكَانَ مِثْلَ الشَّريْفَيْنِ رَيْحَانُهُ رَوْضَـــه ، وَالبَارِدُ العَذْبُ مِنْ فَيْضــِـه ، وَالثَّمـَـرُ الحـــُــلْوُ مِنْ دَوْحَتِهِ ، وَالـْـــوَرَقُ النَّضـْــرُ مِنْ نَبْعَتِهِ، وَالشَّاهِدُ العَدْلُ لِمَآثِرِه ، وَالمُشَيِّدُ النَّدْبَ لِمَنَاقِبـِـهِ وَمَفَاخِرِه ، فَهُوَ في حُكْمِ الخَالِدِ وَإنْ كَانَ أصْبَحَ فَانِيَا ، وَالمُقِيــْمُ في أهــْـلِهِ وَإنْ أضْحـــَـى بِالعَرَاءِ ثَاوِيَا " . و: أبُو بَكْرٍ مُحَمَّدٌ بنُ العَبَّاسِ الخُوَارِزْمِيُّ(107)(- 383هـ) الَّذي نَقْرَأُ لَهُ مِنْ رَدَّهِ عَلى قَصِيدةٍ ، بَعَثَ بِهَا إليهِ تِلميذٌ لَهُ : " وَصَلَتْ القَصِيدَةُ الغَرَّاءُ ، الزَّهْرَاءُ ، فَكَانَتْ أرَقَّ مِنْ المَاءِ ، بــَـلْ مِنَ الهـَـوَاءِ ، وَألذَّ مِنَ الصَّهْبَاءِ ، وَأَسَرَّ مِنَ اللقَاءِ بَيْنَ الاحِبَّاءِ ، وَمِنْ مُسَاعَدَةِ القَضــَــاءِ ، وَمِنْ مُعــَـاقَرَةِ الشَّرَابِ عَلى الغِنَاءِ ،وَمِنْ اسْتِمَاعِ فَوَائِدِ الحُكَمَاءِ ، وَخُطَبِ البُلَغَاءِ ، وَقَلائِدِ الشُّعَرَاءِ ، وَمِنْ أخْذِ جَوَائِزِِ الأُمَرَاءِ ، وَتَحْصِيْلِ مَرَاتِبِ الحُلَفَاءِ ، فَكَانَتَ مَعَانِيْهَا أبْدَعَ مِنَ الوَفَاءِ ، وَأعَزَّ مِنَ السَّخَاءِ ، وَأعْزَبَ مِنَ النَّصَفَةِ في الأصْدِقَاءِ ، وَمِنَ الأمَانَةِ في الشُّرَكَاءِ ، بَلْ أغْرَبَ مِنَ المُغْرِبِ العَنْقَاءِ."(108)
و : بَدِيْعُ الزَّمَانِ الهَمَذَانِيُّ(109)(- 393هـ ) الذي نَقْرَأُ لَهُ : " أحْسَنُ مَا في الدَّهْرِ عُمُومُهُ بِالنَّوَائِب ، وَخُصُوصُهُ بِالرَّغَائِب ، فَهُوَ يَدْعُو الْجَفَلى إذَا سَاءَ ، وَيَخْتَصُّ بِالنِّعْمَةِ إذَا شَاءَ ، فَلْيَنْظُرْ الشَّامِتُ فَإذَا كَانَ أفْلَتَ ، فَلَهُ أنْ يَشْمَتَ ، وَلْيَنْظُرْ الإنْسَانُ في الدَّهْرِ وَصُرُوفِهِ ، وَالْمَوْتِ وَصُنُوفِهِ ، مِنْ فَاتِحَةِ أمْرِهِ ، إلى خَاتِمَةِ عُمْرِهِ ، هَلْ يَجِدُ لِنَفَسِهِ ، أثَرًا في نَفْسِهِ ، أمْ لِتَدْبيرِهِ ، عَوْنًا عَلى تَصْويرِهِ ، أمْ لِعَمَلِهِ ، تَقْدِيْمًا لأمَلِهِ، أمْ لِحِيَلِهِ ، تَأخِيْرًا لأَجَلِهِ ؟، كَلاَّ بَلْ هُوَ العَبْدُ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورَا ، خُلِقَ مَقْهُورَا ، وَرُزِقَ مَقْدُورَا ؛ فَهُوَ يَحَيَا جَبْرَا ، وَيَهْلكُ صَبْرَا ، لِيَتَأمَّلَ المَرْءُ كَيْفَ كَانَ قَبْلاً؟ ، فَإنْ كَانَ العَدَمُ أصْلاً ، وَالوجُودُ فَضْلاً ، فَلْيَعْلَمْ المَوتَ عَدْلاً ، وَالعَاقِلُ مَنْ رَفَع ، مِنْ حَوَائِلِ الدَّهْرِ مَا شَاءَ لِيُذْهِبَ مَا ضَرَّ بِمَا يَنْفَع ، وَإِنْ أحَبَّ ألاَّ يَحْزَنَ فَلْيَنْظُرْ يُمْنَة ، هَلْ يَرَى إلاَّ مِحْنَة ؟ ، ثُمَّ لِيَعْطِفْ يُسْرَة ، هَلْ يَرَى إلاََّ حَسْرَة ؟ ، وَمِثْلُ الشَّيخِ الرَّئِيسِ مَنْ تَفَطَّنَ لِهَذِهِ الأسْرَار ، وَعَرِفَ هَذِهِ الدَّار ، فَأَعَدَّ لِنَعِيْمِهَا صَدْرًا لا يَمْلَؤه فَرَحًا ، وَلِبُؤسِهَا قَلْبًا لا يُطَيِّرُه ُجَزَعًا ، وَصَحِبَ الدَّهْرَ بِرَأي مَنْ يَعْلَم ُأنَّ لِلْمُتْعَةِ حَدًّ ا ، وَلِلْعَارِيَةِ رَدًّا ، وَلَقَدْ نُعِىَ إلىَّّ أبُو قَبيصَة قَدَّسَ اللهُ رُوْحَه ، وَبَرَّدَ ضَريْحَه ، فَعُرِضَتْ عَليَّ آمَالِي قعُودَ ا ، وَأمَانِيَّ سُودَا ، وَبَكَيْت ُ وَالسَّخِيُّ يَجُودُ بِمَا يَمْلكُ ، وَضَحِكْتُ وَشَرُّ الشَّدائِدِ مَا يُضْحِكُ ، وَعَضَضْتُ الإصْبَعَ حَتَّى أدْمَيْتُه ، وَذَمَمْتُ المَوْتَ حَتَّى تَمَنَّيْتُه ، وَالمَوْتُ خَطْبٌ قَدْ عَظُمَ حَتَّى هَان، وَأمْرٌ قَدْ خَشِنَ حَتَّى لان ، وَنُكْرَ قَد ْعم َّحَتَّى عُرِفَا ، وَالدُّنْيَا قَدْ تَنَكَّرَتْ حَتَّى صَارَ المَوْتُ أخَفَّ خُطُوبِهَا ، وَجَنَتْ حَتَّى صَارَ أصْغَرُ ذُنُوبِهَا ،وَأضْمَرَتْ حَتَّي صَارَ أيْسرَ غُيُوبِهَا ، وَأبْهَمَتْ حَتَّى صَارَ أظْهَرَ عُيْوبِهَا."(110)
و: قَابُوسٌ بنُ وَشْمَكِير(111)(ت مقتولاً 403هـ) الَّذي نَقْرَأُ لَهُ : " الإنْسَانُ خُلِقَ ألُوفَا ، وَطُبِعَ عَطُوفَا ، فَمَا للأصْهَبْذِ سَيِّدي لا يُحْنَى عُوْدُه ، وَلا يُرْجَى عَوْدُه ، وَلا يُخَالُ لِفَيْئَتِهِ مَخِيْلَة، وَلا يُحَالُ تَنَكُّرُهُ بِحِيْلَة ، أَمِنْ صَخْرٍ تَدَمَّرَ قَلْبُهُ فَلَيْسَ يُليْنُهُ العِتَاب؟، أمْ الحَدِيدُ جَانِبُهُ فلا يُمَيِّلُهُ الإعْتَاب؟ ، أمْ صَفَاقَةُ دَهْرٍ مِجَنٍّ نُبُوُّه فَقَدْ نَبَا عَنْهُ غَرْبُ كُلِّ حجَّاج ، أمْ مِنْ قَسَاوَتِهِ مِزَاجُ إبَائِهِ فَقَدْ أبَى عَلى كُلِّ عِلاج . مَا هَذَا اخْتِيَارُ الذي يَعُدُّ الوَهْمَ فَهْمَا؟، وَهَذَا التَّمييزُ الذي يَحْسَبُ الخَيْرَ شَرَّا؟، وَمَا هَذَا الرَّأيُ الذي يُزَيِّنُ لَهُ قُبْحَ العُقُوق ، وَيُمَقِّتُ إليهِ رِعَايَةََ الحُقُوق؟ ، وَمَا هَذَا الإعْرَاضُ الذي صَارَ ضَرْبَةَ لازِب ، وَالنِّسْيَانُ الذي أنْسَاهُ كُلِّ وَاجِب ؟ ، أيْنَ الطَّبعُ الذي هُوَ للصُّدُودِ صَدُود ، وَلِلتَّألُّفِ ألُوفٌ وَدُود؟ وَأيْنَ الخُلُقُ الذي هُوَ في وَجْهِ الدُّنيَا البَشَاشَةُ وَالبِشْر ، وَفي مَبْسَمِهَا الثَّنَايَا الغُرّ ؟، وَأيْنَ الحَيَاءُ الذي يُجْلِي بِمَحَاسِنِهِ الكَرَم ، وَتُحَلَّى بِمَحَاسِنِهِ الشِّيَم؟، وَكَيْفَ يَزْهَدُ فِيْمَنْ مَلكَ عَنَانَ الدَّهْرِِ فهو طَوْعُ قِيَادِه ، وَتَبَعُ مُرَادِه ، يُنْظَرُ أمْرَهُ لِيُمْتَثَل ، وَيُرْقَبُ نَهْيُه فَيُعُتَزَل ؟ وَكَيْفَ يُعْرَضُ عَمَّنْ تُعْرَضُ رَفَاهَةُ العَيْشِِ بِإعْرَاضِه ، وَتَنْقَبِضُ الأرْزَاقُ بَانْقِضَاضِه؟ ، وَأضَاءَ نَجْمُ الإقْبَالُ إذَا أقْبَل ، وَأَهَلَّ هِلالُ الجدِّ إذَا تَهَلَّل؟ ، وَكَيْفَ يُزْهَى عَلى مَنْ تَحْقُرُ في عَيْنهِ الدُّنيَا ، وَتُرَى تَحْتَهُ السَّمَاءُ العُليَا ؟، قَدْ رَكِبَ عُنُقَ الفُلك ، وَاسْتَوَى عَلى ذَاتَ الحُبُك ، فَتَبَرَّجَتْ لَهُ البُرُوج ، وَتَكَوْكَبْتْ لِعِبَادَتِه الكَوَاكِب ، وَاسْتَجَارَتْ بِغُرَّتِهِ المَجَرَّةُ ، وَأثْرَتْ بِمَآثِرِهِ أوْضَاحُ الثُّريّا ؟، بَلْ كَيْفَ يُهَّوَنُ مَنْ لَوْ شَاءَ عَقَدَ الهَوَاء ، وَجَسَّمَ الْهَبَاء ، وَفَصَّلَ تَرَاكَيْبَ السَّمَاء ، وَألَّفَّ بَيْنَ النَّارِ وَالمَاء ، وَأكْمَدَ ضِيَاءَ الشَّمْْسِ وَالقَمَر ، وَكَفَاهُمَا عَنَاءَ السَّيْرِ وَالسَّفَر ، وَسَدَّ مَنَاخِرَ الرِّيَاحِ الزَّعَازِع ، وَطَبَّقَ أجْفَانَ البُرُوقِ اللوَامِع ، وَقَطَعَ ألْسِنَةَ الرُّعُود ، بِسَيْفِ الوَعِيْد ، وَنَظَم َصَوْبَ الغَمَامِ نَظْمَ الفَرِيد ، وَرَفَعَ عَنْ الأرْضِ سَطْوةَ الزَّلازِل ، وَقَضَى بِمَا يَرَاهُ عَلى القَضَاءِ النَّازِل ، وَعَرَضَ الشَّيْطانَ بِمَعْرِضِِ الإنْسَان ، وَكَحَّلَ الحُوْرَ العِينَ بِصُورِِ الغِيلان ، وَأنْبَتَ العُشْبَ عَلى البِحَار ، وَألْبَسَ الليْلَ ضَوْءَ النَّهَار؟."(112)
لَقَدْ شَكَّلتْ هَذِهِ الحَلْقَةُ مِنْ مُبْدِعي القَرنِ الرَّابِعِ الهِجْرِي ، حَلْقَةً مُهِمَّةً مِنْ حَلْقَاتِ النَّثرِ الفَنّيِّ ؛ أسَّسَتْ خُصُوصِيَّةَ مَشْهَدِهَا ، بِاعْتِمَادِ آليَّاتٍ جَمَاليَّةٍ مُحَدَّدةٍ ، رَسَّخَتْ بِهَا مَشْرُوعَهَا الجَمَالِيَّ ؛ وَتَرَكَّزَتْ عَلى مِحْوَرَيْنِ أسَاسِيَّينِ وَمُتَواشِجَيْنِ ؛ هُمَا: الْتِزَامِ السَّجعِ، وَالزُّخْرُفِ البَدِيْعِيِّ ؛ فَبِالإضَافَةِ إلى التَّوسُّعِ في التَّقْسِيْمَاتِ الهَنْدَسِيَّةِ المَسْجُوعَةِ ، تَجَلَّتْ العِنَايَةُ بِتَوْشِيَةِ الخِطَابِ بِالجِنَاسِ وَالطِّبَاقِ وَالتَّصويرِ، وَقَدْ مَثَّلَتْ هَذِهِ الحَلَقَةُ حَضَارَةَ الزِّيْنَةِ في مَشْهَدِ النَّثرِ الفَنِّيِّ ، وَالمُلاحَظُ أنَّ مُؤسِّسِي هَذَا التَّيَّارِ كَانُوا مِنْ أصُولٍ غَيرِ عَربيَّةٍ ، كَمَا كَانَ مُؤسِّسو تَيَّارِ النَّثرِ الفّنّيِّ المُرْسَلِ ، مِنْ قَبْلُ - وَمِنْهُمْ : سَالِم مَوْلَى هِشَام وَعَبْدُ الحَمِيدِ الكَاتِبُ وَابْنُ المُقَفَّعِ – مِنْ أُصُولٍ غَيْرِ عَرَبيَّةٍ ، وَأسَّسُوا تَيَّارًا جَدِيْدًا ؛ يَقُومُ عَلى التَّقْسِيْمَاتِ الإيقَاعِيَّةِ الهَنْدَسِيَّةِ ، عَبْرَ مُوْسِيقا الازْدِوَاجِ ، وَالمَوَازِينِ المَنْطِقيَّةِ في تَقْسِيمِ الكَلامِ .
انْبِثَاقُ المَقَامَةِ في فَضَاءِ النَّثرِ الفَنَّيِّ
جَاءَت المَقَامَةُُ - في القَرنِ الرَّابعِ الهِجْريِّ - تَجْسِيْدًا لمشروع النَّص الجامع في فضاءِ النَّثرِ الفَنّيِّ ؛ حَيْثُ تَجَاوَرَتْ في فَضَاءَاتِها الشِّعريَّةُ المَوزُونَةُ وَالمَنْثُورَةُ ؛ مُحَقِّقَةً حُضُورًا مُزْدَوجًا للشِّعرِ مَنْظُومًا وَمَحْلُولاً ، وَالوَاقِعُ أنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَحْلُولاً إلاَّ بِمَعْنَى تَحَرُّرَهُ مِنْ تَقَاليدِ (النَّظْمِِ) الشِّعريِّ ؛ فَهَو قَدْ اصْطَنَعَ لِنَفْسِهِ تَقَاليدَ مُعَادِلَةً لِتَقَاليْدِ النَّظْمِ الشِّعريِّ، تَتَبَدَّى فِيْهَا شِعريَّتُهُ الخَاصَّةُ ، وَلِهَذَا اعْتُبِرَتْ المَقَامَةُ النَّوعَ الجَامِعَ (113) ، كَمَا اعْتُبِرَتْ " الجِنْسَ الأدَبِيَّ المُعَادِلَ ، في مِيْزَانِ تَارِيخِِ الأدَبِ العَرَبِيِّ ، لِجِنْسِ الشِّعرِ" (114) ، وَاعْتَبَرَهَا نَاصِيْفُ اليَازِجيُّ (1800-1871) " مَجْمَعَ " . وَالمَقَامَةُ شَكْلٌ قََصَصِيٌّ قَصِيْرٌ ، يَتَأنَّقُ صَاحبُهُ في انْتِخَابِ ألْفَاظِهِ ، وَمُعَادَلاتِ سَجَعَاتِهِ ، وَتَوْشِيَتِهِ بِالبَدِيْعِ وَالبَيَانِ ، حَتَّى يَجْعَلَهَا بُسْتَانًا حَاشِدًا بِمُخْتَلَفِ الأسَالِيبِ المُنَمَّقَةِ المُحْصُورَةِ بَيْنَ السَّجَعَاتِ ، وَقَدْ وَضَعَ بَدِيعُ الزَّمَانِ الهَمَذَانِيُّ لِلمقامَةِ مَلامِحَهَا الأسَاسِيَّةَ وَمَفْهُومَهَا الاصْطِلاحِيَّ ، بَعْدَ إرْهَاصَاتِ ابنِ دُرَيدٍ(-321هـ) بِهَا ؛ حَيْثُ جَعَلَ لَهَا رَاوِيًا وَاحِدًا (هُوَ عِنْدَهُ : عِيْسَى بنُ هِشَام) وَبَطلاً وَاحِدًا (هُوَ عِنْدَهُ : أبُو الفَتْحِ الإسْكَنْدَريِّ) ، وَيُقَالُ أنَّ المَقَامَةَ قَدْ قُُصِدَ بِهَا أسَاسًا ، أنْ تَكُونَ قَالبًا ، زَاخِمًا بِأسَالِيْبِ اللغُةِ وَالتَّفقُّهِ في ألفَاظِهَا المُخْتَارَةِ ؛ بِغَرضِ التَّعليمِ (115) ؛ وَلِذَا أخْطَأ البَاحِثُونَ في أُصُولِ الأُقْصُوصَةِ ، حِيْنَمَا لَمْ يَتَعَامَلُوا مَعَهَا كَشَكْلٍ مُسْتَقِلٍّ ، وَظنُّوهَا ضَرْبًا مِنَ القَصَصِ ، وَعَقَدُوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الأُقْصُوصَةِ مُوَازَنَاتٍ ، وَ"خَلَصُوا إلى أنَّ فِيْهَا نَقْصًا كَبِيْرًا ، وَهَذَا حَمْلٌ لِلْمَقَامَاتِ عَلى مَعْنَى لَمْ يَقْصُدْ إليْهِ مُنْشِئوهَا ."(116) وَإذَا كَانَ بَديعُ الزَّمَانِ الهَمَذَانِيُّ هُوَ الذي عَبَّدَ الطَّريقَ ، وَحَدَّدَ المَعَالِمَ ، لِهَذَا الجِنْسِ الأدَبِيِّ ، العَرَبِيِّ ، مُنْذُ أنْجَزَ مَقَامَاتِهِ ، بِنيسابور (-383هـ ) ، فإنَّ الحَرِيريَّ سَيَنْطَلِقُ بِهِ إلى أقْصَى ذُراه ، التي لنْ تُطَالَ مِنْ بَعْدِهِ ، وَسَتُعَدُّ مَقَامَاتَهُ " المُعْجِزَةَ الخَارِقَةَ التي لا تُسْبَقُ وَلا تُلْحَقُ ،عَلى مَرِّ العُصُورِ"(117) ، وَسَيُرَى كُلّ مَنْ جَاءوا بَعْدَهُ ، وَاحْتَذَوا عَلى مِثَالِهِ ، وَهُمْ " دَائِمًا يَقَعُونَ عَلى السَّفحِ مِنْ دُوْنِهِ ؛ إذْ كَانَتْ أجْنِحَتُهُمْ مِنَ الضَّعفِ ، بِحَيثُ لَمْ يَسْتَطِيعُوا أنْ يُحَلِّقُوا في الأفُقِِ الذي حَلَّق فيْهِ ، وَبِذَلِكَ ظَلَّ اسْمُهُ يَلْمَعُ وَيَتَألَّقُ طِوَالَ تِسْعَةِ قُرونٍ ."(118) وَهَكَذَا ظَلَّ هَذَا الكِتَابُ ؛ الذي أتَمَّ الحَريريُّ تَأليفِهِ سنةَ 504هـ ، هُوَ " الأعْظَمُ انْتِشَارًا ، بَيْنَ القُرَّاءِ، مَا بَيْنَ القَرنِ الثَّاني عَشَرَ وَالقَرنِ التَّاسِعَ عَشَرَ"(119)، وَ" كَانَ بِالنِّسْبَةِ لِلْجَمِيْعِ مَجْمُوعَ الأدَبِ ، وَحَصِيْلَةَ كُلِّ الكُتُبِ السَّابِقَةِ ، وَلَمْ يَكُنْ تَعْظِيْمُهُُ ، خَارِجَ اللغُةِ العَرَبيَّةِ ، بِأقَلَّ تَألُّقًا ؛ تُرْجِمَ وَاحْتُفِيَ بِِهِ في السِّريَانيَّةِ وَالفَارسِيَّةِ وَالْعِبْريَّةِ ."(120) وَقَدْ عَكَسَتْ هَذِهِ المَقَامَاتُ قُدْرَةََ الحَريريِّ البَاهِرَةِ عَلى الابْتِكَارِ وَالإبْدَاعِ ، وَلَيْسَ فَقَط مَهَارَاتِهِ في إنْشَاءِ السَّجع ِ ، وَوَفْرَةَ مَحْصُولِهِ اللغَويِّ ، وَانْتِخَابَ أرْوَعِ الصِّيَاغَاتِ ، في أجْلَى آيَاتِ ال صِّنَاعَةِ اللفْظِيَّةِ ، عَلى الرَّغْمِ مِنْ أنَّ الحَريريَّ يُصَرِّحُ ، في مُقَدِّمَةِ مَقَامَاتِهِ ، أنَّهُ أنْشَأهَا تَلْبِيَةًً لِدَعْوةٍ مِنْ "مَنْ إشَارَاتُهُ حُكْم ، وَطَاعَاتُه غُنْم ، إلى أن أُنْشِيءَ مَقَامَاتٍ ؛ أتْلُو فِيْهَا تَلْوَ البَدِيعِ ." (121)
الحَريريُّ(122)(-516هـ) المُشَعْوذُ الأعْظَمُ ، سَاحِرُ الكَلِمَات
لَقَدْ فَتَحَ الحَريريُّ بَابَ المُغَامَرةِ اللغَويَّةِ على أقْصَى اتِّسَاعِهِ ؛ حَيْثُ ذَهَبَ إلى أقْْصَى مَا تَتَغَيَّاهُ الصِّنَاعَةُ اللفظِيَّةُ – في النَّثرِِ الفَنِّيِّ – مِنْ دِقَّّّةِ الصُّنعِ وَجِدَّتِهِ وَإبْدَاعِيَّتِهِ ، مُشَكِّلاً – مِنَ النَّسيجِ الأدَبِيِّ – أُفُقًا لُغَويًّا بَرَّاقًّا وَزَاخِمًا ، وَلَمْ يَقْتَصِرْ صُنْعُهُ عَلى الاصْطِفَاءِ الدَّقِيْقِ للْمُفْرَدَاتِ ، وَلا عَلى هَنْدَسَاتِ السَّجعِ الدَّقيقَةِ ، وَلا عَلى طَاقَاتِ الزُّخرُفِ البَدِيعيِّ – فَكُلُّ هَذَه الآليَّاتِ مَوْجُودَةٌ مُنْذُ الهَمَذَانِيِّ وَأقْرَانِهِ في القَرْنِ الرَّابِعِ الهِجْريِّ - وَإنَّمَا تخطّى ذلك - نَظْمًا وَسَجْعًا - إلى آفَاقِ المُغَامَرةِ الإبْدَاعيَّةِ في عَوَالِمِ اللغَةِ ، في اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَقَامَةً مِنْ مَقَامَاتِهِ، مُحَقِّقًا مُمَارَسَاتٍ خَلاَّقَةً لِلَّعِبِ اللغَويِّ المُبْتَكَرِ ، بِمَا يَكْشِفُ عَنْ افْتِتَانِ الحَريريِّ بِالتَّخْلِيقِ اللغَويِّ الحَدَاثِيِّ . وَقَدْ أشَارَ الحَريرِيُّ إلى وَلَعِهِ بِالابْتِكَارِ في مَوْضِعَيْنِ ؛ في مُقَدِّمَةِ المَقَامَاتِ ، وَفي َمتْنِ المَقَامَاتِ ؛ فَفِي المُقَدِّمَةِ يَذْكُرُ أنَّهَا تَحْتَوي عَلى اسْتِحْدَاثَاتِهِ الإبْدَاعيَّةِ المُبْتَكَرَةِ ، بِجَانِبِ احْتِوَائِهَا عَلى خُلاصَةِ ثَقَافَتِهِ الوَاسِعَةِ العَمِيْقَةِ ؛ فَهِيَ تَزْدَهِي بِمَا وَشَّحَهُ فِيْهَا " مِنَ الآيَاتِ ، وَمَحَاسِنِ الكِنَايَاتِ ، وَرَصَّعْتُهُ فِيْهَا مِنَ الأمْثَالِ العَربيَّةِ ، وَاللطَائِفِ الأدَبيَّةِ ، والأحَاجِي النَّحويَّةِ ، وَالفَتَاوى اللغويَّةِ ، وَالرَّسَائلِ المُبْتَكَرَة ، وَالخُطَبِ المُحَبَّرَة ."(123) وَفي (المَقَامَةِ المَرَاغِيَّةِ) يُعْلِنُ احْتِجَاجَهُ عَلى الرَّأي القَائِلِ أنَّ القُدَمَاءَ قَدْ ضَرَبُوا في كُلِّ سَبْقٍ بِسَهْمٍ، وَأنْجَزُوا كُلَّ المُمْكِنِ ، وَأنَّهُ" لَمْ يَبْقَ مَنْ يُنقِّحُ الإنْشَاءَ ، وَيَتَصَرَّف ُ فيْهِ كَيْفَ شَاءَ ، وَلا خَلَف ، بَعْدَ سَلَف ، مَنْ يَبْتَدِعُ طَريقَةًً غَرَّاء ، أوْ يَفْتَرعُ رِسَالَةًً عَذْرَاء، وَأنَّ المُفَلَّقَ مِنْ كُتَّابِ هَذَا الأوَان ، المُتَمَكِّنِ مِنْ أزِمَّةِ البَيَان ، كَالعِيَالِ عَلى الأوَائِل ، وَلَوْ مَلَكَ فَصَاحَةَ سَحْبَان وَائِل "(124)، نَاعِتًا مُرْسِلِي هَذَا الرَّأيَ بِأنَّهُمْ جَاءوا شَيْئًا إدًّا ، وَجَارُوا عَن القَصْدِ جدًّا ، وَعَظَّمُوا العِظَامَ الرُّفَات ، وَتَجَاوَزُوا في المَيْلِ إلى مَنْ فَات ، وَعَابُوا جِيْلَهُمْ ، وَوَبَّخَهُمْ بِقَوْلِهِ : " أنَسِيْتُمْ يَاجَهَابِذَةََ النَّقْدِ ، وَمَوَابِِذَةَ الحَلِّ وَالعَقْدِ ، مَا أبْرَزَتْهُ طَوَارِفُ القَرَائِح ، وَبَرَزَ فيْهِ الجِذْعُ عَلى القَارِح ، مِنَ العِبَارَاتِ المُهَذَّبَة ، وَالاسْتِعَارَاتِ المُسْتَعْذَبَة ، وَالرَّسَائِلَ المُوَشَّحَة ، وَالأسَاجِيْعِ المُسْتَمْلَحَة ، وَهَلْ لِلْقُدَمَاءِ إذَا أنْعَمَ النَّظَر، مَنْ حَضَر، غَيْرُ المَعَانِي المَطْرُوقَة المَوَارِد ، المَعْقُولَة الشَّوَارِد ، المَأثُورَة عَنْهُمْ لِتَقَادُمِ المَوَالِد ، لا لِتَقَدُّمِ الصَّادِر عَلى الوَارِد؟ ، وَإنِّي لأعْرِف ُ الآنَ مَنْ إذَا أنْشَأَ وَشَّى ، وَإذَا عَبَّرَ، حَبَّرَ، وَإنْ أسْهَبَ ، أذْهَبَ ، وَإذَا أوْجَزَ، أعْجَزَ ، وَإنْ بَدَهَ ، شَدَهَ ، وَمَتَى اخْتَرَعَ ، خَرَعَ ."(125)
وَالحَريريُّ - في مَقَامَاتِهِ - يَتَحَرَّكُ في حِدُودِ الشَّكْلِ المَعْلُومِ ، لكِنَّه ُ يَنْطَلِقُ بِهِ إلى المَجْهُولِ ؛ حَيْثُ آفَاق المُغَامَرَةِ البِكْرِ، مُحَقِّقًا أقْصَى تَجَلِّيَاتِ الحُضُورِ اللغَويِّ ، بِزَخَمِهِ المُتَنَوِّعِ الحَاشِدِ ، وَمِنْ ذَلكَ نَرَاهُ : (1) يُقَدِّمُ، في (المَقَامَةِ السَّمَرْقَنْدِيَّةِ)، بَطَلَهُ أبَا زيدٍ السُّروجِيِّ، وَقَدْ ارْتَقَى منبرِ مَسْجِدٍ؛ لِيَخْطُبَ خُطْبَةَ الجُمْعَةِ ، فَتَأتِي جَمِيعُ كَلِمَاتِهَا خَاليَةً مِنَ النُّقَطِ ، وَقَد اسْتَفْتَحَهَا هَكَذَا : "الحَمْدُ للهِ المَمْدُوحِ الأسْمَاءِ. المَحْمُودِ الآلاءِ . الوَاسِعِ العَطاءِ. المَدْعُوِِ لِحَسْمِ اللأْوَاءِ . مَالِكِ الأُمَمِ . وَمُصَوِّرِ الرِّمَمِ . وَأهَلِ السَّمَاحِ وَالكَرَمِ . وَمُهْلِكِ عَادٍ وَإرَمِ . أدْرَكَ كُلَّ سِرٍّ عِلْمُهُ . وَوَسِعَ كُلَّ مِْصرٍ حِلْمُهُ . وَعَمَّ كُلَّ عَالَمٍ طَوْلُه. وَهَدَّ كُلَّ مَارِدٍ حَوْلُه . أحْمَدُهُ حَمْدَ مُوَحِّدٍ مُسْلِم . وَأدْعُوهُ دُعَاءَ مُؤمَّلٍ مُسَلَّم . وَهُوَ اللهُ لا إلَهَ إلاَّ هُوَ الوَاحِدُ الأحَدُ . الفَرْدُ الصَّمَد ُ . لا وَلَدَ لَهُ وَلا وَالِد. وَلا رَدْءَ مَعَهُ وَلا مُسَاعِد." (126)
وَفي ( المَقَامَةِ الوَاسِطِيَّةِ) يُقدِّمُ اللعبَةَ نَفْسَهَا ، في خُطْبَةٍ أزْجَاهَا في حَفْلِ خِطْبَةٍ ، وَقَدْ اسْتَهَلَّهَا بِقَوْلِهِ: " الحَمْدُ للهِ المَلِكِ المَحْمُود، المَالِكِ الوَدُود، مُصَوِّرِِ كُلَّ مَوْلُود، وَمَآلِ كُلِّ مَطْرُود، سَاطِحِِ المِهَاد ، وَمُوَِطِّد الأطْوَاد ، وَمُرْسِلِ الأمْطَار، وَمُسَهِّلِ الأوْطَار، وَعَالِمِ الأسْرَار وَمُدْرِكِهَا ، وَمُدَمِّرِ الأمْلاكِ وَمُهْلِكِهَا، وَمُكَوِّرِ الدُّهُورِ وَمُكَرِّرِهَا ، وَمُوَرِّدِ الأُمُورِ وَمُصَدِّرُهَا، عَمَّ سَمَاحُهُ وَكَمُل ، وَهَطَلَ رُكَامُهُ وَهَمَل ، وَطَاوَعَ السُّؤلَ وَالأمَل ، وَأوْسَعَ المُرْمِلَ وَالأرْمَل ، أحْمَدُهُ حَمْدًا مَمْدُودًا مَدَاه، وَأُوَحِّدُهُ كَمَا وَحَّدَهُ الأوَّاه . "(127)
(2) يُقَدِّمُ ، في (المَقَامَةِ الرَّقْطَاءِ) ، رِسَالةًً ، جَمِيعُ كَلِمَاتِهَا مَنْقُوطَةُ ، وَبِالإضَافَةِ إلى ذَلكَ التزَمَ في كُلِّ كَلِمَةٍ أنْ تَتَوالَى الحُرُوفُ – بِالتَّبادُلِ – بَيْنَ النُّقَطِ وَعَدَمِ النُّقطِ ، عَلى هَذَا النَّحْوِ الدَّقيقِ : " أخْلاقُ سَيِّدِنَا تُحَبّ ،وَبعُقُوتُهُ يُلَبّ ، وَقِرَبُهُ تُحَفّ، وَنَأيُهُ تَلَف، وَخِلَّتُهُ نَسَب ،وَقَطِيْعَتُهُ نَصَب ، وَغَرْبُهُ ذَلِق ، وَشُهُبُهُ تَأتَلِق، وَظَلَفُهُ زَان ، وَقَويْمُ نَهْجِهِ بَان ، وَذِهْنُهُ قُلَّبَ وَحُرِّب ، وَنَعْتُهُ شَرَّ قَ وَغَرَّب : سَيِّدٌ قُلَّبٌ سَبُوقٌ مُبَرُّ فَطِنٌ مُغْربٌ عَزُوفٌ عَيُوفُ مُخْلِفٌ مُتْلِفٌ أغَرُّ فَريدٌ نَابُهُ فَاصــِــلُ ذَكيٌِّ أنُــــوفُ مَنَاظِمُ شَرَفِهِ تُأْتَلَف ، وَشُئوبُ حَبائِهِ يُكَف ، وَنَائِلُ يَدَيهِ فَاض ، وَشُحُّ قلبهِ غَاض ، وَخَلَفَ سَخَائِهِ يُحْتَلَب ، وَذَهَبُ عيَابهِ يُحْتَرَب ، مَنْ لَفَّ لَفَّهُ فَلَجَ وَغَلَب ، وَتَاجِرُ بَابهِ جَلَب وَخَلَب ، كَفَّ عَنْ هَضْمِ بَريِّ ، وَبَرِيءَ مِنْ دَنَسِ غَوِيِّ ، وَقَرَنَ لِيانَهُ بعِزّ، وَنَكِبَ عَنْ مَذْهَب كِزّ." (128)
(3) يُقَدِّمُ ، في (المَقَامَةِ المَرَاغِيَّةِ) ، خُطبَةً ، يَلْتَزمُ فِيْهَا بِأنْ تَكُونَ إحْدَى كَلِمَاتِهَا مَنْقُوطَةًً ، وَالأخْرَى لَمْ تُعْجَمْ قطُّ (أيْ : غير مَنْقُوطَةٍ) ، وَعَلى هَذَا الشَّكلِ تَتَدفَّقُ : " الكَرَمُ ثَبَّتَ اللهُ جَيْشَ سُعُودِكَ يُزِيْن ، وَاللؤمُ غَضَّ الدَّهرُ جَفْنَ حَسٍودِكَ يُشِيْن ، وَالأرْوَعُ يُثِيْبُ ، وَالمُعْوِرُ يُخِيْبُ ، وَالحَلاحِلُ ينْضِيْفُ، وَالمَاحِلُ يُخِيْفُ، وَالسَّمْحُ يُغْذِي ، وَالمَحْكُ يُقْذِي ، وَالعَطَاءُ يُنْجِي ،وَالمَطَالُ يُشْجِي، وَالدُّعَاءُ يُقِي ، وَالمَدْحُ يُنْقِي ، وَالحُرُّ يُجْزِي ، وَالإلْطَاءُ يُخْزِي ، وَاطِّرَاحُ ذِي الحُرْمَةِ غَيّ ، وَمَحْرَمَةُ بَنِي الآمَالِ بَغِي ، وَمَا ضَنَّ إلاَّ غَبِيْن ، وَلا غَبُنَ إلاّ ضَنِيْن ،وَلا خَزَنَ إلاَّ شَقِيّ ، وَلا قَبَضَ رَاحَهُ تَقِيّ ، وَمَا فَتِىءَ وَعْدُكَ يَفِي ، وَآرَاؤكَ تُشْفِي ، وَهِلالُكَ يُضِي ، وَحِلْمُك يُغْضِي ، وَآلاؤكَ تُغْنِي ، وَأعْدَاؤكَ تُثْنِي ، وَحُسَامُكَ يُفْنِي، وَسُؤدُدُكَ يُقْني ، وَمُواصِلُكَ يُجْتَنَي ، وَمَادِحْكَ يُقْتَني ، وَسَمَاحُكَ يُغِيْث، وَسَمَاؤكَ تَغِيْث ، وَدَرُّكَ يَفِيْض ، وَرَدُّكَ يَغِيْض ، وَ مُؤمِّلُكَ شَيْخٌ حَكَاهُ فَيء ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُ شَيء."(129)
(4) في (المَقَامَةِ الحَلبيَّةِ) يَنْقلُ مَجَالَ لَعِبِهِ مِنْ حُدُودِ النَّثرِ الفَنِّيِّ المَسْجُوعِ إلى حُدُودِ النَّظمِ الشِّعريِّ ؛ لِيُقَدِّمَ في مِسَاحَاتِ القَصِيْدِ مَا قَدَّمَ في النّثرِ الفَنِّيِّ المَسْجُوعِ ، وَأكْثَرَ ؛ فَيُقدِّمُ لَنَا أبْيَاتًا عَوَاطِلَ مِنَ النُّقطِ ، مِنْهَا : أعْدِدْ لِحُسَّادِكَ حَــدَّ السِّلاحْ وَأوْرِِد الآمــِــلَ وِِرْدَ السَّمَاحْ وَصَارِم اللهْوَ وَِوَِصْلِ المَهَا وَأعْمِل الكُومَ وَسُمْرَ الزِّمَاحْ وَاسْعَ لإدْرَاكِ مَحَلٍّ سَمـــَــا عِمـَـــادُهُ لا لادِّرَاعِ المِـــرَاحْ (130)
ثُمَّ يُقدِّمُ أبْيَاتًا مَنْقُوطَةً كُلّهَا ، وَمِنْهَا : فَتَنَتْنِـــي فَجَنَّنتْنــِـي تَجَنــِّــي بتَجَـــنِّ يفتنُّ غـِـــبَّ تَجَنِّــي شَغَفْتْنِي بِجَفْنِ ظَبِي غَضيْضٍ غَنـِجٍٍ يَقْتَضِي تَغَيُّــضَ جَفْنِــي غَشِيَتْنـِــي بـِـزِيْنَتَيْـــنِ فَشَفَّتـْ ـني بِزِيٍّ يَشِفُّ بَيْنَ تَثَنِي (131) ثُمَّ يُقدِّمُ أبْيَاتًا ، مَنْقُوطَةً إحْدَى كَلِمَاتِهَا ، وَالأُخْرى غَيْرُ مَنْقُوطةٍ ، عَلى هَذَا الشَّكلِ: اسْمَحْ فَبَثُ السَّمَاح زَيْنُ وَلا تُخــِـبْ آمــِـلاً تَضَيــَّـفْ وَِلا تُجزْ رَدَّ ذِي سُؤالٍ فَنَّنَ أم ْ في السُّؤالِ خَفـَّــفْ وَلا تَظُنَّ الدُّهُورَ تُبقِي مَالَ ضَنِينٍ وَلَوْ تَقَشَّفْ (132)
ثُمَّ إنَّهُ يُقدِّمُ أبْياتًا مُتَمَاثلةَ الحُروفِ شَكليًّا بِالنُّقطِ ، وَمُتَطابِقةََ الحُروفِ بغيرِ النُّقطِ ، وَمِنْهَا : زُيِّنـَـتْ زَيْنـــَــبُ بقـــَـدٍّ يُقــَــدُّ وَتــَــلاهُ وَيــْــلاهُ نَهـْــدُ يَهُـــــدُّ جُندُْها جِيْدُها وَظُرْفٌ وَطَرْفٌ نــَـاعِسٌ تـــَـاعِسٌ بحـَــدٍ يُحـَــدّ قَدْرُهَا قَدْ زَهَا وَتَاهَتْ وَبَاهَتْ وَاعْتَدَتْ وَاغْتَدَتْ بِخَدٍّ يُخَـدّ (133)
ثَمَّ إنَّه يُقدِّمُ أبياتًا مُتَشَابِهَةَ الطَّرفينِ ، هَكَذَا : سِمْ سِمَةً تَحْسُنُ آثَارُهَا وَاشْكُرْ لِمَنْ أعْطَى وَلَوْ سِمْسَمةْ وَالمَكْرُ مَهْمَا اسْتَطَعْتَ لا تَأتِهِ لِتَقْتَنِي السُّؤدُدَ وَالمَكْرُمَةْ (134)
(5) في (المَقَامَةِ المَغْربيَّةِ) يُقَدِّمُ طَريقَةَ مَالا يَسْتَحِيْلُ بِالانْعِكَاسِ ؛ كقولنا : " سَاكِب كَاس"(135) ؛ حَيْثُ تُقْرَأُ مِنَ اليَمينِ إلى اليَسَارِ، كَمَا تُقرَأُ مِنَ اليَسَارِ إلى اليَمينِ ، وَقدَّمَ مِنْهَا طَائِفةً مَنْثُورَةً في إطارِ بِنْيَةِ الحِكَمِ ، عَلى هَذَا النَّحْوِ : " لُمْ أخًا مَلّ . كَبِّرْ رَجَاءَ أجْرِ رَبِّكَ . مَنْ يُربِّ إذَا بَرَّ ينمُ . سَكِّتْ كُلَّ مَنْ نَمَّ لَكَ تَكِسْ . لُذْ بِكُلِّ مُؤمَّلٍ إذَا لَمّ وَمَلَكَ بَذَل ."(136) ثُمَّ طَفِقَ يُقدِّمُ هَذِهِ الطَّريقةِ نَظْمًا ، هَكَذَا: أُسْ أرْمَلاً إذَا عَرَا وَارْعَ إذَا المَرْءُ أســـَــــا أسْندِْ أخـَـا نَبَاهـَـــةٍ أبــِـنْ إخــــَــاءً دَنِســـَــا أُسْلُ جَنَابَ غَاشـِـمٍ مُشــَـاغِبٍ إنْ جـَـلـَــسَا أُسْرُ إذَا هبَّ مِـــــراً وَارْمِ بــِـهِ إذَا رَســـَــــا أُسْكُنْ تَقَوَّ فــَـعَسَى يُسْعِفُ وقتٌ نَكَسَا (137) (6) في (المَقَامَةِ القَهْريَّةِ) يُقدِّمُ لَنَا، رِسَالةً تُقْرَأُ مِنْ أوَّلِهَا إلى آخِرِهَا، كَمَا تُقْرَأُ منْ آخِرِهَا إلى أوَّلِها ؛ فَهِيَ مَنْسُوجَةُ عَلى مِنْوَالينِ ، صَاغَهَا في مِئَتَيْ كَلِمَةٍ مَنْسُوجَةٍ في بِنْيَةِ الحِكَمِ ، وَهِيَ تَبْدَأ بِجُمْلةِ : " الإنْسَان صَنِيْعَةُ الإحْسَان "(138)، وَمِنْهَا: " .... صِدْقُ الحَديْثِ حِلْيَةُ اللِسَان . وَفَصَاحَةُ المَنْطِقِ سِحْرُ الألبَاب . وَشَرَكُ الهَوَى . آفَةُ النُّفُوسِ . وَمَلَلُ الخَلائِقِ شَيْنُ الخَلائِقِ . وَسُوْءُ الطَّمَع . يُبَاينُ الوَرَع . والتِزَامُ الحَزَامَة. زِمَامُ السَّلامَة. وَتَطُّلُبُ المَثَالِب. شَرُّ المَعَايِب. وَتَتَبُّعُ العَثَرَاتِ . يُدْحِضُ المَوَّدَاتِ . وَخُلُوصُ النِّيَّةِ. خُلاصَةُ العَطَّيَّةِ . وَتَهْنِئَةُ النَّوَالِ . ثَمَنُ السُّؤالِ..."(139) فَهَذَا المَقْطَعُ يُمْكنُ أنْ يُقرَأَ مِنْ آخِرِهِ إلى أوَّلِهِ ، وَسَيَكونُ مَسْجُوعًا في غَالِبِهِ ، هَكَذَا : " السُّؤال . ثَمَنُ النَّوَال . وَتَهْنِئَةُ العَطِيَّة. خُلاصَةُ النِّيَّة . وَخُلُوصُ المَوَدَّات . يُدْحِضُ العَثَرَات . وَتَتَبُّعُ المَعَايِب . شَرُّ المَثَالِب. وَتَطَلُّبُ السَّلامَة . زِمَامُ الحَزَامَة. وَالتِزَامُ الوَرَع . يُبَاينُِ الطَّمَع . وَسُوْءُ الخَلائِق . شَيْنُ الخَلائِق." َ وَلِلحَريريِّ رِسَالتَانِِ ذَائِعَتَانِْ ، أورَدَهُمَا يَاقوتُ(-626هـ) - في مُعْجَمِ الأدَبَاءِ - وَالعِمَادُ الأصْفَهانيُّ (-597هـ) - في الخَريْدَةِ - بَنَى كُلاًّ مِنْهُمَا عَلى الْتِزَامِ حَرْفٍ وَاحِدٍ في شَتَّى كَلِمَاتِهَا ، أمَّا إحْدَاهُمَا فَقَدْ بَنَاهَا عَلى الْتِزَامِ حَرفِ السِّينِ ؛ فَعُرفَتْ ؛ لِذَلكَ ، بِالرِّسَالةِ السِّينيَّةِ ، وَأمَّا الأخْرَى ، فَقَدْ بَنَاهَا عَلى الْتِزَامِ حَرفِ الشِّينِ ، فَعُرفَتْ ؛ لِذلِكَ، بِالرِّسَالةِ الشِّينيَّةِ . وَفي الرِّسَالَةِ السِّينيَّةِ نَقْرَأُ مَا كَتَبَهُ الحَريريُّ ، عَلى لِسَانِ بَعْضِ أصْدِقَائِهِ ، يُعَاتِبُ صَديقًا لَهُ ، أخَلَّ بِهِ في دَعْوَةٍ دَعَا غَيْرَهُ إليْهَا : " باسْمِ القُدُّوسِِ أسْتَفْتِحُ ، وَبإسْعَادِهِ أسْتَنْجِحُ ، سَجَيَّةَ سَيِّدِنَا سَيْفِ السُّلطانِ، سُدَّة سَيِّدِنَا الأسْفَسْهِلاَّر ، السَّيِّدِ النَّفِيْسِ ، سَيِّدِ الرُّؤسَاءِ ، حُرِِسَتْ نَفْسُهُ، وَاسْتَنَارَتْ شَمْسُهُ ، وَبَسَقَ غَرْسُهُ ، وَاتَّسَقَ أُنْسُهُ، اسْتِمَالَة الجَلِيْسِ ، وَمُسَاهَمَة الأنِيْس ، وَمَوَاسَاة السَّحِيقِ وَالنَّسِيْب ، وَمُسَاعَدَة الكَسِيْرِ وَالسَّليْب ، وَالسِّيَادةُ تَسْتَدعِي اسْتِدَامَةَ السُّنَنِ وَالاسْتِحْفَاظِ بِالرَّسْمِ الحَسَنِ ، وَسَمِعْتُ بِالأمْسِ تَدَارُسَ الألْسُنِ سَلاسَةَ خَنْدَريْسِهِ ، سلسَالَ كُئُوسِهِ ، وَمَحَاسِنَ مَجْلِسِ مَسَرَّتِهِ ، وَإحْسَانَ سَمْعِهِ سِتَارَتـِـه، فـَـاسْتَسْلَفْتُ الاسْتِدْعَاءَ ، وَتَوَسَّمْتُ الإسْرَاءَ، وَسَوَّفْتُ نَفْسِي بِالاحْتِسَاءِ، وَمُؤَانَسِةِ الجُلَسَاءِ ، وَجَلَسْتُ أسْتَقْري السُّبُلَ ، وَأسْتَطْرِفُ تَنَاسِيَ رَسْمِي، وَأُسَامِرُ الوَسْوَاسَ لاسْتِحَالَةِ وَسْمِي: وَسَيْفُ السـَّـلاطِيـــْنِ مُسْتأثـــِـرٌ بِأنسِ السَّمَاع ِوَحَسْــوِ الكُئـــُـوسٍ سَلانِي وَليسَ لبــَاسُ السُّلــــــوَّ يُنــَـاسِبُ حُسْن َسِمَــاتِ النَّفـِــيسِ وِسَـــنَّ تنـــَاسِيَ جُـلاَّســـِـــهِ وأسْــــوا السَّجَايا تَنَاسِي الجَليسِ وَسَرَّ حَسُودِي بِطَمْسِ الرُّسُومِ وَطَمْسُ الـرُّسُوم كَرَمْسِ النُّفوسِ وَأسْكَرَني حَسْرةً وَاستعـــاض َ لِقَســْـــوتهٍ سَكـْــرَة َالخـَـنْدَريسِ وَسَاقَى الحُسَامَ بِكأس ِ السُّلاف ِ وأسْهَمَنـِـي بِعُبـــُـوس ٍ وَبـــــُوسِ سَأكســـُــوه لبْســَــةَ مُسْتـَعتَبٍ وَألبَسُ سـِــرْبَالَ ســـَـالٍ يئـــوسِ وَأسطُــــــرُ سِيناتــــِهِ سِيــْـرةً تَسِيْر ُأسَاطِيرُهَا كالبَسُوسِ" (140) وَفي الرِّسَالَةِ الشِّينيَّةِ يَكْتُبُ الحَرِيريُّ ، إلى أبِِي طَلحَةََ ابْنِ النُّعمَانِ الشَّاعِرِ، يَمْدَحُهُ وَيَشْكُرُهُ وَيَتأسَّفُ على فِرَاقِهِ، وَمِنْ هَذَهِ الرِّسَالَةِ : "شَغَفِي بِالشَّيْخِ شَمْسِ الشُّعَرَاءِ ،رُيِّشَ مَعَاشُهُ، وَفَشَا رِيَاشُهُ ،وَأشْرَقَ شِهَابُهُ، وَاعْشَوْشَبَتْ شِعَابُهُ ،يُشَاكِلُ شَغَفَ المُنْتَشِي بِالنَّشوةِ، وَالمُرْتَشِي بِالرِّشْوَةِ، وَالشَّادِنِ بشَرْخِ الشَّبابِ ، وَالعَطْشَانِ بِشَمِّ الشَّرَابِ ، وَشُكْري لِتَجَشُّمِهِ وَمَشَقَّتِهِ ،وَشَوَاهِدِ شَفَقَتهِ ، يُشَابهُ شُكْرَ النَّاشِدِ لِلْمُنْشِدِ ، وَالمُسْتَرْشِدِ لِلْمُرشِدِ ،وَالمُسْتَبْشِرِ لِلْمُبَشِّرِِ ،وَالمُسْتَجِيْشِ لِلْجَيْشِ المُشَمِّرِِ ،وَشِعَارِي إنْشَادُ شِعْرِهِ ، وَإشْجَاءُ المُكَاشِرِِ وَالمُكَاشِحِ بِنَشْرِهِ، وَشُغْلِي إشَاعَةُ وَشَائِعِهِ ، وَتَشْييدُ شَوَافِعِهُ ،وَالإشَارَةُ بِشُذُورِهِ وَشُفُوفِهِ ،وَالمَشُورَةُ بتَشْييعِهِ وَِتَشْريفِهِ ، وَأشْهَدُ شَهَادَةً تُشْدِهُ المُقَشِّرِ المُكَاشِفِ ، وَالمُشَنِّعَ الكَاشِفَ لإنْشَائِهِ ، وَمَشَاهَدَتُهُ تُدْهِشُ الشَّائِبَ وَالنَّاشِي ،وَتَلاشِي شِعر النَّاشِي، وَلِمُشَافَهَتِهِ تَبَاشِيْرُ الرُّشْدِ ، وَاسْتِشْيَارِ الشَّهد، وَلِمُشَاحَنَتِهِ تَشْقَى المَشَاحِن، وَتَشِيْنُ المَشَاينُ، وَلِمُشَاغَبَتِهِ تُشَظَّى الأشْطَانُ ، وَتَشَيَّطَ الشَّيْطَانُ ، فَشَرَفًا لِلشَّيْخِ شَرَفا، وَشَغَفًا بِشَنْشَنَتِهِ شَغَفًا : فَأشعَارُهُ مَشْهُورَةٌ وَمَشَاعــِـرُهُ وَعِشْرتُهُ مَشْكورةٌ وَعَشــَــائِرهْ شَأي الشُّعَراءِ المشْمَعلِّين شِعْرُهُ فَشَانِيهِ مَشْجُوّ الحَشَا وَمَشَاعِرُهْ وَأُشْهِدُ شَاهِدَ الأشْيَاءِ ،وَمُشْبعَ الأحْشَاءِ ،لَيُشْعِلَنَّ شُوَاظَ اشْتيَاقِي شَحْطُهُ ، وَلَيُشْعَثَنَّ شَمْلَ نَشَاطِي نَشْطُهُ."(141)
نَصُّ المَنْثُور وَالمَنْظُوم يَتَزَاوَجُ المَنْثُورُ وَالمَنْظُومُ ، وَيَتَوَاشَجَانِ ، في بِنْيَةٍ شِعْريَّةٍ جَامِعَةٍ ، وَخَاصَّةً ، ثُنَائيَّةَ الأدَاءِ ، تَتَبَدَّى في صُورَتينِ أسَاسِيَّتينِ : - أنْ تَكُونَ البِدَايَةُ بِالجُمْلَةِ النَّثريَّةِ ، يَعْقُبُهَا البَيْتُ المَنْظُومُ ، وَيَتَكَرَّرُ هَذَا البِنَاءُ ، عَلى مَدارِ النَّصِّ ، وَمِنْهُ قَوْلُ القَاضِي الفَاضِلِ(539 –596هـ)( 142) :
وَصَلَ مِنَ الحَضْرَةِ كِتَابٌ بِهِ مَاءُ الحَيَاةِ وَنَقْعِهِ الحَـ ـيَا فَكَأنِّي إذْ ظَفرْتُ بِهِ الخِضْرُ فَوَقَفْتُ عِنْدَهُ مِنْهِ عَلى عُقُودٍ ، هِيَ الدُّرُ الذي أنْتَ بَحْرُهُ وَذَلِكَ مَا لا يَدَّعِي مِثْلَهُ البَحْرُ وَرَتَعْتُ مِنْهُ في رِيَاضِ يدٍ تَجْنِي وَعَيْنٍ وَخَاطِرٍ تَسَابَقَ فِيْهَا النُّورُ وَالزَّهْرُ وَالثَّمَرُ وَكَرَعْتُ مِنْهُ في حِيَاضِ تَسَرُّ مَجَانِيْهَا إذَا مَا جَنَى الظَّمَا وَتَرْوي مَجَارِيْهَا إذَا بَخِلَ القَطْرُ وَمَازِلْتُ مِنْهُ أُنْشِدُهُ كَأنَّيَ سَارٍ في سَريرَةِ لَيْلَةٍ فَلَمَّا بَدَا كَبَّرتُ إذْ طَلَعَ الفَجْرُ (143)
- أنْ تَكَونَ البِدَايَةُ بِالجُمْلَةِ النَّثريَّةِ ، يَعْقُبُهَا شَطْرٌ مَنْظُومٌ ، وَيَتَكَرَّرُ هَذَا البِنَاءُ عَلى مَدَارِ النَّصِّ ؛ لِيَكْشِفَ عَنْ نَصٍّ صَدْرُهُ مَنْثُورٌ، وَعَجُزُهُ مَوْزُونٌ مُقَفَّى؛ كَهَذَا النَّصِّ الذي يَسْتَهلُّهُ القَاضِي الفَاضِل ، عَلى هَذَا النَّحْوِ : وَصَلَ كِتَابُ مَوْلايَ بَعْدَمَا.... أجَابَ المُنَادِي للصـَّلاةِ فَأعْتَمَا فَلَّمَا اسْتَقَرَّ لَدَيَّ ... ... ... تَجَلَّـى الذي مِنْ جَانِبِ البَدْرِ أظْلَمَا فَقَرَأتُهُ ... ... ... ... .. بِعَيْنٍ اذَا اسْتَمْطَرْتُهَا أمْطَرَتْ دَمَـا وَسَاءَلتُهُ ... ... ... .. فَسَاءَلْتُ مَصْرُوفًا عَنِ النُّطْـقِ أعْجَمَا وَلَمْ يَرُدّ جَوَابًا ،... ... .. وَمَاذَا عَلَيْـهِ لَـوْ أجـَــابَ المُتَيَّمَا ؟ وَرَدَّدْتُه قِرَاءَةَّ ، ... ... . فَعُـوجِلْتُ دَونَ الحِلْـمِ أنْ أتَحَـلَّمَـا وَحَفِظْتُهُ، ... ... ... كَمَا يَحْفَظُ الحـُرُّ الحَدَيثَ المُكَتَّمـَــا وَكَرَّرْتُهُ ، ... .... .... فَمِـنْ حَيْثُ مَا وَاجَهْتُـهُ قَدْ تَبَسَّمَا وَقَبَّلتُهُُ ، ... .... .... .. فَقَبَّلْتُ دُرّاً في العُقُـودِ مُنَظَّمَـا وَقُمْتُ لَهُ ،... .... ..... فَكُنْتُ بِمَفْروضِ المَحَبـَّـةِ قَيِّما وَأخْلَصْتُ لِكِتَابهِ ، .... ... وَلَيْسَ عَلى حُكْمِ الحَوَادِثِ مُحْكَمَا وَلمْ أصَدِّقْهُ ! ... .... .. وَلَكنَّهُ قَدْ خَالـَـطَ اللحْـمَ وَالدِّمَـا وَأرَّخْتُ وُصُولَهُ ، .... فَكَانَ لأيدِي الـوَسِائِمِ مَوْسِمـَـا وَشَفَيْتُ بهِ غَليلَ ... .... فُؤادٍ أُمَنِّيـهِ وَقَـدْ بَلَـغَ الظَّمَـا وَدَاويتُ عَليلَ ... .... حَشًا ضَرَّ مَا فِيهِ مِنَ النَّارِ ضَرَّمَا (144)
وَكَانَ بَديعُ الزَّمَانِ الهَمَذَانِيُّ قَدْ سَبَقَ القَاضِي الفَاضِل إلى هَذَا الشَّكلِ ، في هَذَا النَّصِّ ؛ الَّذي كَتَبَهُ ، لأبي بكرٍ الخُوَارِزْمِيِّ عِنْدَ قُدُومِهِ عَليهِ بِنَيْسَابُور، وَكَانِ قُطَّاعُ الطَّريقِ مِنَ الأعْرَابِ قَدْ سَلَبُوهُ مَالَهُ وِثِيَابَهُ : أنَا لِقُرْبِ الأسْتَاذِ أطَالَ اللهُ بَقاءَهُ كَمَا طَرَبَ النَّشوانُ مَالَتْ بِهِ الخَمْرُ وَمِنَ الارْتياحِ لِلِقائهِ كَمَا انْتَفـَضَ العُصُفورُ بَلَّلَهُ القَطْرُ وَمِنَ الامْتِزَاجِ بِوَلائِهِ كَمَا التَقَتْ الصَّهبَاءُ وَالبَـارِدُ العَذْبُ وَمِنْ الابْتِهَاجِ بمَـرْآهُ كَمَا اهْتَزَّ تَحْتَ البَارِحِ الغُصْنُ وَالرَّطْبُ (145)
غَسَقُ النَّثرِ الفَنِّيِّ
(1) النََّثرُ الفَنِّيُّ في آخرِ مَوْجَاتِهِ المُبْدعَةِ
لَقَدْ حَقَّقَ النَّثرُ الفَنِّيُّ عِنْدَ الحَريريِّ أقْصَى تَحَقُّقاتِهِ الإبْدَاعيَّةِ ؛ بِحَيْثُ ظَلَتْ مُغَامَرَاتُ الحَريريِّ وَآليَاتُهُ التي ارْتَادَهَا ، تَقَالِيدَ أسَاسِيَّة لِصِنَاعَةِ الكِتَابَةِ الفَنِّيَّةِ عَبْرَ القُرُونِ التَّاليَةِ ، وَلَمْ تَظْهَرْ قِمَّةٌ أخْرَى بَعْدَ الحَريريِّ قَادِرَةً عَلى الإدْهَاشِ بِالجَديْدِ دَائِمًا ، دَاخِلَ الإطَارِ العَامِ لِلصِّنَاعَةِ الأدَبيَّةِ الزُّخْرفيَّةِ الهَنْدَسِيَّةِ ، وَتُشَكِّلُ كُلُّ الإسْهَامَاتِ التَّاليَةِ دَائرَةً كَبيرَةً غَامِرَةً وَحَاشِدَةً ، يَطُوفُ فِيْهَا كُلُّ آتْ ، حَتَّى في الأنْدَلُسِ وَفي مِصْرَ؛ فَفِي الأنْدَلُسِ تَكَرَّرتْ الآليَّاتُ نَفْسُهَا - الَّتي بَدَأتْ مُنْذُ القرنِ الرَّابعِ الهِجْريِّ ، وَوَصَلَتْ إلى أقْصَاهَا عِنْدَ الحَريريِّ - بِحَذَافِيرِهَا في مَدَارَاتِ النَّثرِ الفَّنِّيِّ الأنْدَلُسِيِّ ؛ بحيثُ جَاءَتْ إنْجَازَاتُهَا الإبْدَاعِيَّةُ خَاضِعَةً تَمَامًا، لِحَرَكَاتِ النَّثرِ الفَنِّيِّ المَشْرقِيِّ وَتَجَليَّاتِهِ ، وَيَتَّضِحُ ذَلكَ في إبْدَاعَاتِ النَّثرِ الفَنِّيِّ عِنْدَ كُلٍّ مِنَ ابْنِ زَيدون (-463هـ)، وَابْنِ خَفَاجَةَ الأنْدَلِسيِّ (-538هـ) ، وَلِسَانِ الدِّينِ بنِ الخَطِيبِ (ت مقتولاً 776هـ) ، وَأبي عَامِرٍ أحْمَدَ بنِ عََبدِ الملكِ بنِ شُهَيدٍ(-426هـ) ، وَقَدْ أقَرَّ ابْنُ بَسَّام (-541هـ ) بِهَذِهِ الحَقيقَةِ ، في مُقَدِّمَةِ (الذَّخِيرَةِ)؛ حِينَ أوْضَحَ أنَّهُمْ " أبَوَا الإَّ مُتَابَعَةَ أهْلِ الشَّرْقِ، يَرْجِعُونَ إلى أخْبَارِهِمْ المُعْتَادَةِ ، رُجُوعَ الحَديثِ إلى قَتَادَةَ ، حَتّى لَوْ نَعَقَ بِتِلكَ الآفَاقِ غُرَاب ، أوْطَنَّ بِأقْصَى الشَّامِ وَالعِرَاقِ ذُبَاب ، لَجَثَوا عَلى هَذَا صَنمَا، وَتَلَوا ذَلكَ كِتَابًا مُحْكَمَا ."(146) وَابْنُ بَسَّام ، نَفْسُهُ ، وَضَعَ كِتَابَهَ (الذَّخِيرَة) مُتَمَثِّلاً مَنْهَجَ الثَّعَالِبي (-429هـ) في (يَتِيْمَةِ الدَّهْرِ) ، وَالوَاقعُ أنَّ الأنْدَلُسيِّينَ لَمْ يُضِيْفُوا جَديدًا – مِنَ النَّاحيَةِ الكَيْفيَّةِ إلى الإنْجَازَاتِ المُتَحَقِّقةِ للنَّثرِ الفَنِّيِّ الشَّرقيِّ ، فَقَط هُمْ وَسَّعُوا المَجْرَى الرَّئيسيِّ ، وَكَانُوا رَافِدًا مِنْ رَوَافِدِهِ ، وَلَمْ يُنْشِئوا نَهْرًا جَدِيدًا مُسْتَقِلاًّ – كَمَا لاحَظَ أحمد أمين (1886- 1954)(147). وَهوَ مَا حَدَثَ ، كَذَلِكَ ، في مِصْرَ؛ التي شَهَدَتْ انْطِلاقَ النَّثرِ الفَنِّيِّ ، في مَدَارَاتِهَا الإبْدَاعيَّةِ اعْتِبَارًا مِنَ القَرْنِ الثَّالثِ الهِجْريِّ ؛ حِيْنَمَا أسَّسَ أحمدُ بن طولون(-270هـ) بِهَا ، دِيْوَانَ الإنْشَاءِ : (دِيْوَانَ الرَّسَائِلَ) ؛ فَبَزَغَ فِيْهِ نَجْمُ (ابْنِ عَبْدِ كَان) ؛ فَكَانَ إنْشَاءُ دِيْوَانِ الإنْشَاءِ إيْذَانًا بِبِدَايَةِ حَرَكةٍ أدَبيَّةٍ عَفِيَّةٍ ؛ تُنَاظِرُ وَتُوَازِي مَا يَحْدُثُ في بَغْدَادَ وَدِمَشْقَ ، وَكَانَ تَشْجِيعُ ابْنِ طُولُونَ وَرعَايتُهُ لِلكُتَّابِ حَافِزًا عَلى اسْتِقْطَابِ العَديدِ مِنَ كُتَّابِ العِرَاقِ ، وَهَوَ مَا سَاهَمَ في تَرْسِيْخِ النَّثرِ الفَنِّيِّ بِمِصْرَ، وَبَرَزَتْ أسْمَاءٌ مُبْدِعَةٌ ، بَعْدَ ابْنِ عَبْدِ كَان ، كَانَ مِنْ أهَمِّهَا : القَاضِي الفاضِلِ (519-596هـ) ، وَالعِمَادُ الأصْفَهَانِي (519-597هـ) ، في العَصْرِ الأيوبيِّ ، ثُمَّ مُحْيي الدِّين بنُ عبدِ الظَّاهر(- 692هـ) ، وَابْنُ نَبَاتَة المِصْريِّ (686-768هـ) في عَصْرِ المَمَالِيكِ ، وَيُعَدُّ القَاضِي الفَاضِل ، بِحَقٍّ ، أبْرَزَ مُبْدِعي النَّثرِ الفَنِّيِّ - بَعْدَ الحَريريِّ – بِطَريقَتِهِ التي تَوَسَّعتْ في الوَشْي البَدِيعيِّ وَالبَيَانِ ؛ غَيْرَ أنَّنَا نًُلاحِظُ هُنَا ، مَا لاحَظنَاهُ عَلى النَّثرِ الفَنِّيِّ الأنْدَلُسيِّ ؛ وَهُوَ أنَّ هَذِهِ الأسْمَاءَ المُبْدِعَةَ – وَسِوَاهَا – سَاهَمَتْ في تَرْسِيْخِ النَّوعِ الإبْدَاعيِّ للنَّثرِ الفَنِّيِّ ، وَلَمْ تَتَجَاوَزْ حُدُودَهُ إلى شَكْلٍ آخَرٍ ؛ وَبِالتَّالي عَمَّقَتْ المَجْرَى الأسَاسِيَّ الطَّويلَ ، وَشَكَّلَتْ رَافِدًا مُهِمًّا لَهُ ؛ غَيْرَ أنَّهَا – في الوَاقِعِ – لَمْ تَصْنَعْ نِيْلاً جَديدًا ، وَبِهَذَا شَكَّلَتْ التَّجَاربُ الهَائِلَةُ للنَّثرِ الفَنِّيِّ فَضَاءً أسَاسِِيًّا كبيرًا ، شَارَكَ الجَمِيْعُ في صِيَاغَةِ مَلامِحِهِ ، وَتَحْديدِ قَسَمَاتِهِ ، وَالحِفَاظِ عَلى هَويَّتِهِ ، وَتَرسِيْخِ اسْتِرَاتِيْجيَّاتِهِ الإبْدَاعيَّةِ ، عَلى امْتِدادِ الخَريطَةِ العَربيَّةِ المُتَرَامِيَةِ الأطْرَافِ ، وَامْتَدَّ كَذَلكَ في رَحَابَةِ التّاريخِ ، وَكَمَا شَكَّلَ شَكْلُ القََصِيدَةِ العَربيَّةِ شَكْلَ الشِّعرِ العَربِيِّ الوَحِيْدِ ، قُرُونًا طَويلَةً ، ظَلَّ شَكْلُ النَّثرِ الفَنِّيِّ شَكْلَ الكِتَابَةِ الفَنِّيَّةِ النَّثريَّةِ ، الوَحِيْدَ ، في المَشْهَدِ الإبْداعيِّ العربيِّ ، وَشَأنَ كُلِّ شَيءٍ في الدَّولَةِ الإسْلاميَّةِ ، أُصِيْبَ النَّثرُ الفَنِّيُّ بِالضَّعفِ وَالهُزَالِ ، أثنَاءَ العَصْرِ العُثْمَانيِّ (923- 1213هـ) لِمُدَّةٍ تَتَجَاوزُ الثَّلاثَةَ قُرُونٍ ، عَلى أيْدِي الأتْرَاكِ العُثمَانِيينَ ، حَتَّى بَدَأَ يَنْهَضُ مِنْ كَبْوَتِهِ ، في طَلائِعِ القَرْنِ التَّاسِعَ عَشَرَ ، وَالرُّبْعِ الأوَّلِ مِنَ القََرْنِ العِشْرينَ ،على أيْدِي جِيْلِ الحَمْلَةِ الفَرنْسِيَّةِ على مِصْرَ مِنَ الكُتَّابِ المِصْريِّينَ ، وَجِيْلِ الثَّوْرَةِ العُرَابيَّةِ ، في حُضُورٍ مُوَازٍ لِحُضُورِ مَدْرَسَةِ البَعْثِ وَالإحْيَاءِ في الشِّعرِ العَرَبيِّ ، وَيَأتِي في طَلِيْعَة ِ هَذَينِ الجِيْلَيْنِ : عبدُ الرَّحمن الجَبَرتِي (1754 – 1825) ، وَالشَّيخُ حسن العَطَّار (1766-1853) ، وَعبدُ اللهِ فِكري (1843- 1889) ، وَعبدُ اللهِ النَّديم(1845- 1896) ، وإبراهيم اليَازجيُّ (1874- 1906) ، وَالإمامُ مُحمَّد عبده (1849 – 1905) ، وَحِفني نَاصِف (1860-1919) ، وَمُحمَّد المُوَيْلِحِي (1858- 1930) ، وَمُحمَّد توفيق البَكْري(1870- 1932) ، وَأحمدُ شَوقي (1868- 1932) ، وَحَافِظ إبراهيم (1872- 1932) . وَمِنْ ذَلكَ نَقرَأُ ، لِعبدِ الرَّحمن الجَبَرتِي(148)، تَحْتَ عُنوان: (وَصْل : مِنْ نَصَائِحِ الرَّشَادِ لِمَصَالِحِ العِبَادِ ) قَوْلَهُ : " اعْلَمْ أنَّ سَبَبَ هَلاكِ المُلُوكِ اطَّرَاحُ ذَوي الفَضَائِلِ ، وَاصْطِنَاعُ ذَوي الرَّذَائِلِ ، وَالاسْتِخْفَافِ بعِظَةِ النَّاصِح ، وَالاعْتِزازُ بتَزْكيَةِ المَادِحِ ، مَنْ نَظَرٍ في العَوَاقبِ ، سَلِمَ مِنَ النَّوائبِ ، وَزَوَالُ الدُّولِ ، بِاصْطِنَاعِ السُّفَّلِ ، وَمَنْ اسْتَغْنَى بعَقْلِهِ ضَلَّ ، وَمَنْ اكْتَفَى برَأيهِ زَلَّ ، وَمَنْ اسْتَشَارَ ذَوي الألبَابِ ، سَلَكَ سَبيلَ الصَّوَابِ ، وَمَنْ اسْتَعَانَ بذَوي العُقُولِ ، فَازَ بدَرَكِ المَأمُولِ ، مَنْ عَدَلَ في سُلْطانهِ ، اسْتَغْنَى عَنْ أعْوَانهِ ."(149) وَمِنْ ذَلكَ ، أيْضًا ، هَذِهِ الرِّسَالةِ الإخوانيَّةِ للشَّيخِ حَسَِن العَّطار(150): " أخِي الذي انْتَثَرَ عِقْدُ نِظَامِي مَعَه ، وَصَاحَ غُرَابُ البَيْنِ عَلى مَجْمَعِ شَمْلِنَا فََصَدَعَه . قَدْ كُنْتُ أظُنُّ أنَّ الأيَّامَ لاتَزَالُ لنَا بَاسِمَة ، وَريَاحَ المَسَرَّاتِ بنَادي جَمْعِنَا نَاسِمَة ، فَإذَا أنَا مُكَلِّفُ الأيَّامَ ضِدَّ طِباعِهَا ، وَمُتَشَبَّثُ مِنْهَا بخِلافِ أوْضَاعِهَا ، وَمَعَ ذَلكَ فأنَا لا آيسُ مِنَ اجْتِمَاعٍ بَعْدَ فُرْقَة، وَمَسَرَّةٍ تَحْصُلُ وَإنْ طَالتْ المَشَقَّة ، وَبَعُدَتِ الشُّقَة ، وَتَأجَّجَتْ الحُرْقَة. وَقَدْ يَجْمَعُ اللهُ الشَّتِيْتَينِ بَعْدَمَا يَظُنَّانِ كُلَّ الظَّنِ أنْ لا تَلاقِيََا فالْحَمْدُ للهِ عَلى آلائِه ، وَالشُّكرُ لَهُ عَلى قَضَائِه ، وَعَسَى تَعُودُ هَذِهِ الأيَّامُ التي جَرَتْ إليهَا شَوَابقُ الأمَانِي مُطْلَقَاتِ الأعِنَّة ، وَأبْرَزَتْ الأقْدَارُ فِيْهَا مِنَ الآمَال ِمَا كَانَ سَاكِنًا كَالأجِنَّة . حَقَّقَ اللهُ ذَلِكَ المَرْجُوَّ وَالمَأمُول ، وَأنَعْمَ بِذلكَ المُتَمَنَّي وَالمَسْئُول ، وَنَسْألُ اللهَ تَعَالَى أنْ تَكونَ شَمْسُهَا دَائِمَاتٍ مُشْرقَةَ الأنْوَار ، وَأنْ تَكونَ هَذِهِ الجُمْلةُ لِلدَّوَامِ وَالاسْتِمْرَار ."(151)
وَمِنْ ذَلكَ ، أيْضًا، هَذِهِ الرِّسَالةُ الإخوانيَّةُ لِعبدِ اللهَِ فكري(152): " سَلامٌ يُعبِّرُ عَن الودَادِ طِيْبُ عَبيْرِهِ ، وَيُخْبرُ عَنْ إخْلاصِ الفُؤادِ لُطْفُ تَعْبيْرِهِ ، وَثَنَاءُ مَحَاسِنِ تِلكَ الشَّمَائِل ، أرَقُّ مِنْ نَسَمَاتِ الشَّمَائِل ، وَتَحيَّةُ بَهيَّةُ تُبَاهِي الخَمَائل ، بنَفَحَاتِ أوْرَادِها ، وَأدْعيةُ مُرْضِيَّةٌ جَعَلَتْهَا الألسِنَةُ خَيْرَ أوْرَادِهَا ، وَسُؤالٌ عَن المِزَاجِ الزَّاهِر ، وَصِحَّةِ الخَاطِرِ البَاهِر ، لازِلْتُمْ مَحَلَّ نِعْمَةٍ يتَّصِلُ عَلى مَدَى الأيَّامِ بَقاؤهَا ، وَيَزِيْدُ عَلى مَرِّ الشُّهورِ وَالأعْوَامِ بَهَاؤهَا ، وَلا بَرَِحَتْ ثُغُورُ الإقبَالِ إليكمْ بَوَاسِم ، وَرِيَاحُ الآمَالِ لَديكُمْ نَوَاسِم ، وَبَعْدُ فَإنَّ بِي مِنَ الأشْوَاق ، مَا تَضْعُفُ عَنْ حَمْلِهِ إلى حِمَاكُم الأوْرَاق ، وَمِنَ التَّأسُفِ عَلى مَا حُرِمْتُهُ مِنْ لُقْيَاكُمْ ، وَالتَّلهُفِ إلى مُطالَعَةِ أنْوَارِ مُحَيَّاكُمْ ، مَا يَقْصُرُ عَنْ وَصْفِه لِسَانُ اليَرَاعَة، وَيَقْصُرُ دَوْنَ وَصْفِهِ بَيَانُ البَرَاعَة ، وَيَضِيْقُ عَنْهُ نِطَاقُ العِبَارَة ، وَلا يَنْفَسِحُ لَهُ مَِيْدَانُ الإشَارَة . "(153)
وَمِنْ ذَلكَ ، أيْضًا ، هَذَا النَّصُّ ، لِعَبدِ اللهِ النَّديمِ(154)، يُردِفُ فيهِ السَّجْعَةَ بالآيَةِ القُرآنيَّةِ :- " لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلاَّ بالله ، اشْتَبَه المُرَاقِبُ باللاَّه ، وَاسْتُبْدَلَ الحُلُوُ بالمُرّ، وَقُدِّمَ الرَّقيقُ عَلى الحُرّ، وَبيْعَ الدُّرُّ بالخَزَف ، وَالخَزُّ بالخَشَف ، وَأظْهَرَ كُلُّ لئيْمٍ كِبْرَه ، إنَّ في ذَلكَ لَعِبْرَة : سَمْعًا سَمْعًا ؛ فَالوشَاةُ إنْ سَعَوا لا يِعْقِلُوا ، وَيُحِبُّونَ أنْ يُحْمَدُوا بِمَا لمْ يَفْعَلُوا ، فَكَيْفَ تَشْتَرُونَ مِنْهُمْ القَارَ في صِفَةِ العَنْبَر، وَقَدْ بَدَتْ البَغْضَاءُ مِنْ أفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أكْبَر؟ ، وَكَيْفَ تَسْمَعُ الأحْبَابُ لِمَنْ نَهَى مِنْهُمْ وَزَجَر ، وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الأنْبَاءِ مَا فيْهِ مُزْدَجَر؟، عَجِبْتُ لَهُمْ وَقَدْ دَخَلُوا دَارَنَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرضُون ، فَلَمَّا أحَسُّوا بَأسَنَا إذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُون !. وَأنْتَ يَا عَزيْزَ العَلْيَا ، وَوَحِيْدَ الدُّنْيَا، قَدْ بَيَّنْتُ لَكَ فِعْلَهُم ْ، فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ ، وَلكنَّهُمْ طَمَعُوا في عَمِيْمِ طَوْلِكَ ، وَلَوْ كُنْتَ فَظًَّا غَلِيْظَ القََلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِك ، أتًرَاهُمْ يَعْقِلُونَ كلامَكَ أمْ يَفْهَمُون؟، لَعَمْرُوكَ إنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُون ، لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَدْرُون بهَا لِلْحَسَد ِقَرَارا ، لَو اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَ لَّيْتَ مِنْهُم فِرَارا ، كَيْفَ يَسْعَي العَاذِلُ بَيْنَ النَّدِيمِ وَإلْْفِه ، وَقَدْ خَلَتْ النُّذُرُ مِنْ بَيْن يَدَيْه وَمِنْ خَلْفِه ، فيَا سَادَتِي دَعُونِي مِنَ المُعْجِبِ وَالمُطْرِب ، لَيْسَ البرَّ أنْ تُوَ لُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ المشْرقِ وَالْمَغْرب ، وَاجْعَلُوا سَيْفَ ثَبَاتِكُمْ لِلعُذَّالِ مَسْلُولا ، وَأوْفُوا بِالعَهْدِ إنَّ العَهْدَ كَانَ مَسْئُولا ، فَإنَّهُمْ إنْ قَالُوا كَذِبَ النَّديمُ أوْ بَطَر، فَسَيَعْلَمُونَ غدًا مَنِ الكَذَّابُ الأشِر، وَهَا قَدْ صَارَ أمْرُ الحِزْبَيْنِ مِنْكَ جَليًّا ، أيُّ الفَريقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأحْسَنُ نَدِيًّا ، أتَظَنُّ عَهْدَ العَاذِلِ عِنْدَ غَضَبكَ لا يُنْكَث؟ ، مَثَلُهُ كَمَثَلِ الكَلْبِ إنْ تَحْمِلْ عَليْه يَلْهَث ، إنَّهُ لَكُمْ عَدِوٌ كَبيْر، فَفِرُّوا إلى اللهِ إنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيْر ، فَإنَّهُ جَمَعَ لِقتَالكَ الأوْلادَ والأحْفَاد ، وَآخَريْنَ مُقَرَّنِيْنَ في الأصْفَاد ، تَرَكُوا أمْرَ اللهِ وَاشْتَغَلُوا بمَا يَِرْضْوْنَه ، فَأعْقَبَهُمْ نِفَاقًا في قُلُوبهِمْ إلى يَوْمِ يَلْقَوْنَه."(155)
وَمِنْ ذَلكَ ، أيْضًا ، هذِهِ الرِّسَالةُ الإخْوَانيَّةُ ، للشَّيخِ إبراهيم اليَازجِي(156): "مَنَ عَلِمَ أنَّ القَضَاءَ وَاقِع، وَأنَّ الأعْمَارَ رَهائِنُ المَصَارِع ، فَلَمْ يَصْحَبْ دَهْرَهُ عَلى غَيْره ، وَلَمْ يَفْتُرْ مِنَ الأقْدَارِ بِفَتْرَة ، لَمْ تَكْبُرْ عَليْه الرَّزئيَّةُ إذَا اغْتَالَتْ ؛ وَلَمْ يَطمَئِنْ إلى السَّلامَةِ وَإنْ طَالتْ ؛ فإنَّ لِلدَّهْرِ رَقْدَةً وَهَبَّة ؛ وَإنَّ لليالي كَمْنَةً وَوَثْبَة . وَمِثْلكَ مَنْ أدْرَكَ مَبَادِئَ الأُمُورِ وَمَصَايرهَا ؛ وَعَرفَ مَوَاردَ الحَيَاةِ وَمَصَادرهَا ، وَإنَّمَا المَوْتُ طَوْرٌ مِنْ أطوَارِ الوجُود ؛ وَآخِرُ أعْمَالِ الحَيَاةِ في المَوْجُود ؛ وَلا أُزِيْدُكَ عِلْمًا بالكَوْنِ وَشَرَائِعِه ؛ وَالكَائِنِ وَطبَائِعِه ؛ إنَّمَا هِيَ ذِكْرَى لِمَنْ فَجَأَهُ الرُّزْءُ فَشَغَله ؛ وَحَلَّ بسَاحَتِهِ القَضَاءُ فأذْهَلَه ، وَحَسْبي مِنَ التَّعزيَةِ عِلْمِي بمَا عِنْدكَ مِنْ مَوَارِدِ العِلْمِ المُبَاح ، وَمِنَ التَّأسِيَةِ مَا تَعْلمُهُ مِنْ حَالِ مُخَاطبكَ وَهُوَ سَائلُ الجِرَاح ؛ وَمَا اخْلفََنَي بأنْ أقولَ : إنَّ رُزْءَكَ هَذا قَدْ زَادَنِي شََجَنًا عَلى أشْجَانِي ؛ وَنَكَأَ مَا تَمَاثلَ مِنْ قُرْحَةِ أحْزَانِي ؛ وَلكنِّي قَدْ صَيَّرَنِي الدَّهرُ إلى حَالٍ لا تَعْمَلُ فِيْهَا حَال، وَلا أُبَالِي مَعَهَا بِسَلْمٍ وَلا قِتَال."(157)
وَمِنْ ذَلكَ ؛ أيْضًا ؛ وَصْفُ الإمامِ مُحمَّد عبده (158) كِتَابَ ( نَهجِ البَلاغَةِ) ؛ وَمِنْهُ: "....فَتَصَفَّحْتُ بَعْضَ صَفَحَاتَه ؛ وَتَأمَّلْتُ جُمَلاً مِنْ عِبَارَاتِه ؛ في مَوَاضِعَ مُخْتَلفَات ؛ وَمَوَاضِيْعَ مُتَفَرِّقَات ؛ وَكَانَ يُخيَّلُ لي في كُلِّ مَقَامٍ أنَّ حُرُوبًا شَبَّتْ ؛ وَغَارَاتٍ شُنَّتْ ؛ وَأنَّ لِلبَلاغَةِ دَوْلَة ؛ وَلِلفَصَاحَةِ صَوْلَة ؛ وَأنَّ لِلأوْهَامِ عَرَامَة ؛ وَلِلرِّيَبِ دِعَامَة ؛ وَأنَّ جَحَافِلَ الخَطَابَة ؛ وَكَتَائِبَ الزَّرَابَة ؛ في عُقُود النِّظَام ؛ وَصُفُوفِ الانْتِظَام ؛ تُنَافِحُ بالصَّفيْحِ الأبْلَج ؛ وَالقَويْمِ الأمْلَج ؛ وَتَمْتَلِجُ المُهَج ؛ وَبرَوَائعَ الحُجَج ؛ تفلُّ دَعَارَةَ الوَسَاوس ؛ وَتُصِيْبُ الخَوَانِس."(159) وَمِنْ ذَلكَ ، أيْضًا ، رِسَالةُ حِفني نَاصِف (160)، إلى السَّيدِ مُحمَّد توفيق البَكْري ؛التي مِنْها: "زُرْتُ السَّيِّدَ وَيَعْلَمُ اللهُ شَوْقِي إلى لِقَائِه ؛ كَحِرْصِي عَلى بَقَائِه ؛ وَكَلَفِي بشُهُودِه ؛ كَشَغَفِي بوجُودِه ؛ فَقَدْ بَعُدَ وَاللهِ عَهْدُ التَّلاق ؛ وَطَالَ أمَدُ الفِرَاق ؛ وَتَصَرَّمَ الزَّمَان ؛ وَأنَا مِنْ رُؤْيَتِهِ في حِرْمَان ؛ قِيلَ لِي : إنَّه خَرَجَ لِتَشْييعِ زَائِر، وَهُوَ عَمَّا قليْلٍ حَاضِر، فَانْتَظَرْتُ رُجُوعَه ، وَتَرَقَّبُتُ طُلُوعَه ، وَلَمْ أزَلْ أُعِدُّ اللحَظَات ، وَأسْتَطِيْلُ الأوْقَات ، حَتَّى بَزَغَتِ الأنْوَار، وَارْتَجَّ صَحْنُ الدَّار، وَظَهَرَ الاسْتِبْشَار، عَلى وُجُوهِ الزُّوَّار ، وَجَاءَ السَّيدُ في مَوْكِبهِ ، وَجَلالَةِ مِحْتِدِه وَمَنْصِبِه ، فَقُمْنَا لاسْتِقْبَالِه ، وَهَيْنَمْنَا بكَامِلِه ، فَمَرَّ يِتَعَرَّفُ وَجُوْهَ القَومِ حَتَّى حَاذَانِي ، وَكَبَرَ عَلى عَيْنِه أنْ يَرَانِي ، فَغَادَرنِي وَمَنْ عَلى يَسَاري ، وَأخَذَ في السَّلامِ عَلى جَارِي."(161) وَمِنْ ذَلكَ، أيْضًا ، هَذَا النُّصُّ ، لِمُحمَّد المُوَيْلِحي(162)، مِنْ كِتَابِهِ : حديث عيسى بن هِشام : " جَلَسْنَا نَتَجَاذَبُ أطْرَافَ الحَدِيْث ، مِنْ قَديمٍ في الزَّمَانِ وَحَديْث ، إلى أنْ صَارَتْ الليلةُ في أُخْريَاتِ الشَّبَاب ، وَاسْتَهَانَتْ بالإزَارِ وَالنِّقَاب، ثَمَّ دَبَّ المَشَيْبُ في فَوْدِهَا ، وَبَانَ أثَرُ الوَضْحِ في جِلْدِهَا ، فَعَبَثَتْ بالعُقُودِ وَالقَلائِد ، مِنَ الجَوَاهِرِ وَالفَرَائِد ، وَنَزَعَتْ مِنْ صَدْرهَا كُلَّ مَنْثُورٍ وَمَنْظُوم ، مِنْ دُرَرِِ الكَواكِبِ واللآلئِ النُّجُوم ، وَألْقَتْ بالفَرْقَدَينِ مِنْ أُذُنَيهَا ، وَخَلَعَتْ خَوَاتِيمَ الثُّرَيَّا مِنْ يَدَيْهَا ، ثُمَّ إنَّهَا مَزَّقَتْ جِلبَابَهَا ، وَهَتَكَتْ حِجَابَهَا ، وَبَرَزَتْ لِلنَّاظِرينَ عَجُوزًا شَمْطَاء ،تَرْتَعِدُ مُتَوكِّئةً عَلى عَصَا الجَوْزَاء ، وَتُرَدِّدُ آخِرَ أنْفَاسِ البَقَاء ، فَسَتَرَهَا الفَجْرُ بملاءَتِهِ الزَّرْقَاء ، وَدَرَّجَهَا الصُّبْحُ في أرْديَتهِ البَيْضَاء ، ثُمَّ قَبَرَهَا في جَوْفِ الفَضَاء ، وَقَامَتْ عَليْهَا بَنَاتُ هَدِيْل ، نَائِحَةً بِالتَّسْجيْعِ وَالتَّرتِيْل ، ثُمَّ انْقلَبَ المَأتمُ في الحَالِ عُرْسَ احْتلاء ، وَتَبَدَّلَ النَّحِيْبُ بِالغِنَاء ، لإشْرَاقِ عَروسِ النَّهَار ، وَإسْفَارِ مَلِيكَةِ البُدُورِ وَالأقْمَار."(163)
وَمِنْ ذَلكَ ، أيْضًا ، هَذَا النَّصُّ ، لِمُحمَّد توفيق البَكْري(164) مِنْ كِتَابِهِ : صَهَاريجِ اللؤلؤ :- " ثُمَّ إذَا غَابَ الهِلال ، وَتَوَارَى الحِجَال ، ألْفَيْتَ الكَوْنَ مِنَ السَّوادِ في لَبُوسِ حَدِيدِ أوْ لِبَاسِِ حِدَاد ، وَكَأنَّمَا المَاءُ سَمَاء ، وَكَأنَّ السَّمَاءَ مَاء ، وَكَأنَّ النُّجُومَ دُرّ ، يَمُوجُ في بَحْر ، أوْ ثُقُوبٌ في قُبَّةِ الدَّ يْجُور ، يَلُوحُ مِنْهَا النُّور، أوْ سِكَاكُ دِلاص ، أوْ فِلَقُ رَصَاص ، أوْ عُيُونُ جَرَاد ، أوْ جَمْرٌ في رَمَاد ، أوْ المَاء ، صَفَائحُ فِضَّةٍ بَيْضَاء ، سُمِّرَتْ بمَسَامِيرَ صِغَار ، مِنْ نُضَار ، فَلا تَفْتَاءُ السَّفِيْنَةُ تُكابِدُ الوَيْل ، مِنَ البَحْرِ وَالليْل ، حَتَّى يَلُوحَ مِنَ الأُفْقِ الضِّيَاء ، كَابْتِسَام الشَّفَةِ اللمْيَاء ، فَإذَا السَّفيْنَةُ كَأنَّهَا سِرٌّ كَتَمَهُ الظَّلام ، وَكَشَفَهُ الضِّرَام."(165)
وَمِنْ ذَلكَ ، أيْضًا ،هَذَا النَّصُّ ، لأحمد شَوقي(166)، مِنْ كِتَابِهِ (أسْوَاق الذَّهَب) : " وَمَا أنْتِ يَا أهْرَام ؟ ، أشَوَاهِقُ أجْرَام ، أمْ شَوَاهِدُ إجْرَام ؟ ، وَأوْضَاحُ مَعَالِم ، أمْ أشْبَاحُ مَظَالِم ؟، وَجَلائِلُ أبْنيةٍ وَآثَار ، أمْ دَلائلُ أنَانِيَةٍ وَاسْتِئْثَار ؟ ، وَتِمْثَالٌ مُنَصَّبٌ مِنَ الجَبْريَّة ، أمْ مِثَالٌ ضَاحٍ مِنَ العَبْقَريَّة؟، يَا كَلِيْلَ البَصَر، عَنْ مَوَاضِعِ العِبَر ، قَلِيْلَ البَصَر ، بِمَوَاقِعِ الآيَاتِ الكُبَر ، قِفْ نَاجِ الأحْجَارَ الدَّوَارِس ، وَتَعَلَّمْ فَإنَّ الآثَارَ مَدَارِس ؛ هَذِهِ الحِجَارَةُ حُجُورٌ لَعِبَ عَليْهَا الأُوَل ، وَهَذَا الصَّفَّاحُ صَفَائِحُ مَمَالِكَ وَدُوَل ، وَذَلكَ الرُّكَامُ مِنَ الرَّمَال ، غُبَارُ أحْداجٍٍ وَأحْمَال ، مِنْ كُلِّ رَكْبٍ ألَمَّ ثُمَّ مَال."(167) وَمِنْ ذَلكَ ، أيْضًا ، هَذَا النَّصُّ لِحافظ إبراهيم (168) ، مِنْ رِسَالةٍ إلى الإمَامِ مُحمَّد عبده ؛ يَسْتَعْطِفُهُ فِيْهَا ، أنْ يِتَدَخَّلَ ؛ لِيُخَلِّصَهُ مِنَ اضْطِهَادِ كَتْشِنر ؛ سِرْدَار الجَيْشِ الإنْجِليزيِّ المِصْريِّ في حَمْلَتِهِ على السُّوَدان عَام 1894؛ حَيْثُ كَانَ حَافظ يَخْدمُ بِالجَيْشِ تَحْتَ قيَادَتِهِ : " كِتَابي إلى سَيِّدي ، وَأنَا مِنْ وَعْدِهِ بَيْنَ الجَنَّةِ وَالسَّلْسَبِيل ، وَمِنْ تِيْهِي بهِ فَوْقَ النَّثْرَةِ وَالإكْلِيْل ، وَقَدْ تَعَجلَّتُ السُّرُور ، وَتَسَلَّفْتُ الحُبُور ، وَقَطَعْتُ مَا بَيْني وَبَيْنَ النَّوائِب وَبَشَّرْتُ أهْلِي بالَّذي قَدْ سَمِعْتُهُ فَمَا مِحْنَتِي إلاَّ لَيَالٍ قَلائِلُ وَقُلْتُ لَهُمْ لِلشَّيْخِ فِيْنَا مَشِيْئَةٌ فَلَيْسَ لَنَا مِنْ دَهْرِنَا مَا نُنَازِلُ وَجَمَعْتُ فِيهِ بَيْنَ ثِقَةِ الزُّبَيْديِّ بالصَّمْصَامَة ، وَالحَارِثِ بالنَّعَامَة ، فَلَمْ أقُلْ مَا قَالَ الهُذَلِيُّ لِصَاحِبهِ حِيْنَ نَسِىَ وَعْدَهُ ، وَحَجَبَ رِفْدَهُ : يَا دَارَ عَاتِكةَ الَّتي أتَغَزَّلُ بَلْ أنَادِيه نِدَاءَ الأخِيذَةِ في عَمُّوريَّة ، شُجَاعَ الدَّولةِ العَبَّاسِيَّةِ ، وَأَمُدُّ صَوْتِي بذِكْرِ إحْسَانِه ، مَدَّ المُؤذِّنِ صَوْتَهُ في أذَانِه ، وَأعْتَمِدُ عَليهِ في البُعْدِ وَالقُرْب ، اعْتِمَاد َالمَلاَّحِ عَلى نَجْمَةِ القُطْب . وَقَالَ أُصَيْحَابي وَقَدْ هَالَني النَّوى وَهَالَهُمُ أمْرِي: مَتَى أنْتَ قَافِلُ فَقُلْتُ : إذَا شَاءَ الإمَامُ فَأَوْبَتِي قَريْبٌ، وَرَبْعِي بِالسَّعَادَةِ آهِلُ وَهَأنَا مُتَمَاسِكٌ حَتَّى تَنْحَسِرَ هَذِهِ الغَمْرَة ، وَينْطَوي أجَلُ تِلكَ الفَتْرَة ، وَيَنْظُرَ لي سَيِّدي نَظْرَةً تَرْفَعَنِي مِنْ ذَاتِ الصَّدْعِ ، إلى ذَاتِ الرَّجْعِ ، وَتَرُدُّنِي إلى وَكْري الَّذي فيْهِ دَرَجْتُ رَدَّ الشَّمْسِ قَطْرَةَ المُزْنِ إلى أصْلِهَا ، وَرَدَّ الوَفيِّ الأمَانَاتِ إلى أهْلِهَا ."(169) وَهَكَذَا ظَلَّ النَّثرُ الفَنِّيُّ مُحَافظًا عَلى زَخَمِهِ اللغَويِّ ، وَائْتِلاقِ تَعَابيرِهِ ، وَهَنْدَسَةِ إيْقَاعَاتِهِ السَّجْعِيَّةِ ، وَقِيَمِهِ التَّصويريَّةِ ، وَمَوَازيْنِهِ الدَّقيقةِ ، قُرُونًا وَقُرُونًا ، وَفي المُقَابلِ كَانَ للنَّثرِ الفَنِّيِّ المُرْسَلِ ؛ القَائِمِ عَلى الازْدِوَاجِ وَتَنَاغُمِ الجُمَلِ وَتَوَازُنِ المَسَافَاتِ بَيْنَهَا ، حُضُورٌ مَحْدُودٌ ، إذَا قُورِنَ بِالنَّثرِ الفَنِّيِّ المَسْجُوعِ ، وَمِنْ أجْلَى آثَارِهَ المُعَاصِرَةِ مَا أنْشَأَهُ أحمد حسن الزَّيَّات(170) (1885- 1968) ؛ الَّذي بَدَا تَمَثُّلُهُ النَّثرَ المُرْسَلَ في أصْفَى عُهُودِهِ وَأسْطَعِ تَجَلِّيَاتِهِ ، وَكَانَ الزَّيَّاتُ ذَا رَنَّةٍ جَزْلَةٍ مُعَتَّقَةٍ ، كَثِيفَةٍ ، وَقُدْرَةٍ بَاهِرَةٍ عَلى الاصْطِفَاءِ اللغَويِّ ، وَإقَامَةِ النَّسِيجِ الإيْقَاعِيِّ بِمَوَازِيْنَ دَقِيْقَةٍ ، وَوَلَع ٍ بِالاقْتِصَادِ اللغَويِّ المُشِعِّ ، وَمِنْ ذَلكَ هَذَا النَّصُّ ، مِنْ كِتَابِهِ : مِنْ وَحْي الرِّسَالَة : " مَنْ السَّائِرونَ في شُحُوبِ الأصَيْلِ عَلى حُدُودِ المَغْربِ ، يُسْرِعُونَ الخُطَى كَأنَّهُمْ هَاربُونَ مِنَ النَّهَارِ، وَلا يَلْتَفِتُونَ إلى الخَلْفِ كَأنَّهُمْ نَاجُونَ مِنْ سَدُوم ؟ ، مَنْ السَّائِرُونَ بَيْنَ النُّورِ وَالظَّلامِ عَلى الدَّرْبِ الخَادِع المُبْهَمِ ، يُخْفِقُونَ كَأطيَافِ المَسَاءِ عَلى حَوَاشِي الطَّفْلِ ، وَيَطْمِسُونَ الطَّريقَ مِنَ الوَرَاءِ حَتَّى لا يَرْجِعُوا إلى الأهْلِ ؟ ، مَهْلاً سَاقَةَ الظَّعْنِ وَهُدَاةَ القَافِلَةِ ! ، سَتَرْحَلُونَ عَنْ وَطَنٍ إلى غُرْبَةٍ ، وَعَنْ وُلاةٍ إلى عَدَاوَةٍ ، وَعَنْ أخْوَةٍ إلى سَادَةٍ."(171) وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ الدَّارسِيْنَ إلى أنَّه " لَيْسَ التَّوازُنُ ، وَتَنَاغُمُ الفِقْرَاتِ وَالجُمَلِ ، هُوَ كُلُّ مَا يُقَرِّبُ أسْلوبَ الزَّيَّاتِ مِنَ الشِّعرِ ، وَإنَّمَا هُنَاكَ الخَيَالُ وَحِدَّةُ العَاطِفةِ وَاللفظُ العَذْبُ ، وَالكَلِمَةُ الأنِيْسَةُ ، وَعَلى الرَّغْمِ مِنْ حِرْصِ الزَّيَّاتِ في أسْلُوبِهِ عَلى الازْدِوَاجِ أو التَّوَزُنِ ، فَإنَّهُ يَنْفُرُ مِنَ التَّرَادُفِ وَالحَشْوِ وَالتَّطويْلِ ."(172)
(2) تَصَدُّعُ مَرْكَزيَّة النَّثْر الفَنِّيِّ مُنْذُ أواخِرِ القَرْنِ التَّاسِع عَشَر بَدَأتْ تَهُبُّ عَلى المَشْهَدِ الأدَبيِّ رِيَاحُ التَّغييرِ ؛ نَتِيْجَةًً للاتِّصَالِ المُبَاشِرِ بِالحَضَارَةِ الأورُبيَّةِ ؛ فَتَشَكَّلَ - تَدْرِيْجيًّا - مَوْقِفٌ مُضَادٌ لأسَاليبِ الكِتَابَةِ الفَنِّيَّةِ ، التي اسْتَقَرَّتْ قُرُونًا وَقُرُونًا - مَعَ تَوَهُّجِ الحَضَارَةِ العَربِيَّةِ - فَبَدا النَّثرُ الفَنِّيُّ في مُفَْتَرَقِ طُرُقٍ ؛ وَبَدَأ هَذَا المَوْقِفُ بَسِيْطًا ؛ بِحَيْثُ لَمْ يَتَجَاوزْ كَوْنه تَعْريفًا بِطَبيَعَةِ الآدَابِ الأورُبِّيَّةِ الحَديثَةِ ، وَفُنُونِهَا ، وَمَذَاهِبِهَا ؛ وَهُوَ مَا كَانَ يَسْتَحْضِرُ حَالَةَ الأدَبِ العَرَبِيِّ - حِيْنَئذٍ - وَمُقَارَنَتِهِ بِالأدَبِ الأوربيِّ ؛ وَبَدَأتْ تَظْهَرُ انْتِقَادَاتٌ مُتَوَاليَةٌ لأسَاليبِ الكِتَابَةِ العَربيَّةِ ؛ حَدَثَ هَذَا في العِقْدِ الأخَيْرِ مِنَ القَرْنِ التَّاسِع عَشَر- في (الهِلال) تَحْديدًا - حَيْثُ بَدَأتْ الدَّعوةُ إلى الكِتَابَةِ "بِلُغَةٍ طَبِيْعِيَّةٍ سَهْلَةٍ"(173) ، وَهَجْرِِ التَّكلُّفِ العَقِيْم، وَكَانَ مِنْ أصْحَابِ هَذِهِ الدَّعْوةِ أديبٌ إسْحَاق (1857- 1885) الَّذي تَحَامَلَ عَلى السَّجْعِ وَالبَديْعِ وَالزُّخْرفِ اللغَويِّ ، وَلَمْ يَرَ في هَذِه الصِّنَاعَةِ الفَنِّيَّةِ إلاَّ القُيودَ المُكَبِّلَةِ لِلطَّبِيْعَةِ ؛ وَرَأى أنَّهَا لَمْ تُوْجَدْ عِنْدَ العَرَبِ الأوَّلينَ ، وَلا في الآدَابِ الأُورُبيَّةِ ؛ وَعَدَّ البَدِيْعَ كُلَّهُ مُجَرَّدَ تَمْويْهٍ ، وَرَبَطَ بَيْنَ ظُهُورِهِ وَعُصُورِ الانْحِطَاطِ ؛ وَنَظَرَ إلى السَّجْعِ بِاعْتِبَارِهِ مُحَصِّلَةً لِفَقْرِ الإبْدَاعِ ، وَأنَّهُ لَمَّا اسْتَوْلَتْ العُجْمَةُ عَلى الألسُنِ ، وَضَعُفَتْ قُوَّةُ الاخْتِرَاعِ في الأذْهَانِ سَرَى دَاؤهُ في المُكَاتَبَةِ إلى هَذَا العَهْدِ ؛ فَعَدَلَ الكُتَّابُ عَنْ الكَلامِ الفَحْلِ ، وَاللفْظِ السَّاذَجِ ، وَالأسْلُوبِ الطَّبِيعِيِّ إلى هَذِهِ الأسْجَاعِ المُلَفَّقَةِ البَاليَةِ ، يَتَنَاقَلونَهَا خَلَفٌ عَنْ سَلَفٍ .(174) كَمَا اعْتَبَرَ نقولا فيَّاض (1874- 1958) النَّثرَ المُرْسَلَ أبْلَغَ مِنِ السَّجْعِ ؛ " لِمَجِيْئِهِ عَفْوَ القَريْحَةِ ، خَاليًا مِنْ شَوَائِبِ التَّعَمُّلِ الزَّائِدِ المُخِلِّ ، وَأعَمّ لِمُنَاسَبَتِهِ لأيِّ مَوْضُوعٍ"(175) ؛ غَيْرَ أنَّ ذَلكَ الإلْحَاحَ عَلى التَّغييرِ لَمْ يَنْشَأْ - فِي المُقَابِلِ - لَدَى المُبْدِعيْنَ الَّذينَ ارْتَحَلُوا إلى أوروبا وَتَعَرَّفُوا – عَنْ مُعَايَشَةٍ – عَلى آدَابِهَا وَفُنُونِهَا وَمُثُلِهَا ؛ فَإنَّ هَؤلاءِ قَدْ ظَلُّوا عَلى احْتِفَاظِهِمْ بِطَبِيْعَةِ الأدَاءِ الفَنِّيِّ المَوْرُوثِ عَنْ الأسْلافِ المُنْشِئِيْنَ ؛ فَالطَّهْطاويُّ(1801- 1873) قَدْ ظَلَّ يَسْجَعُ ؛ حَتَّى بَعْدَ عَوْدَتِهِ مِنَ البعْثَةِ ؛ وَأحمد فارس الشِّديَاق (1804- 1888) يَرْتَادُ أوروبا فَيَظَلُّ عَلى احْتِفَاظِهِ بِسَجَايَا الأدَاءِ العَربِيِّ الهَنْدَسِيِّ في (السَّاق عَلى السَّاق فِيْمَا هُوَ الفَاريَاق) ؛ وَمُحمَّد المُوَيْلِحِي (1858- 1930) رَغْمَ تِرْحَالاتِهِ العَديدَةِ إلى الدُّولِ الأوربيَّةِ وَإجَادَتِهِ التُّركيَّة وَلِطَائِفَةٍ أخْرَى مِنَ اللغَاتِ الأوربيَّةِ ؛ يَكْتُبُ (حَديث عِيسى بن هِشام) ؛ وَأحمد شَوقي (1868- 1932) يَعودُ مِنْ فَرَنْسَا ؛ فَيُوَاصِلُ إنْجَازَ شِعْرِهِ الكِلاسِيْكيِّ كَمَا يَكْتُبُ (أسْوَاق الذَّهَب) .
وَقَدْ كَانَ للنّثرِ الفَنِّيِّ المَسْجُوعِ هَيْمَنَته المُطْلََقَة عَلى شَكْلِ الكِتَابَةِ الفَنِّيَّةِ ؛ وَكَانَ ارْتِيَادُهُ آيةً عَلى التَّمكُّنِ وَالاقْتِدَار الإبْدَاعِيِّ ؛ وَبَالسَّجْعِ تَغَنَّى مُبْدِعو النّثرِ الفَنِّيِّ ، حَتَّى القَرْنِ التَّاسِع عَشَر و القَرْن العِشْريْنَ ؛ فَقَدْ عَدَّهُ الشِّديَاقُ مِنَ مَفَاخِرِ اللغَةِ العَربيَّةِ ؛ حَيْثُ قَالَ : "وَلِلْعَرَبيَّةِ مَزَايَا .. فَاقَتْ بِهَا غَيْرَهَا فَضْلاً وَقَدْرا ؛ وَشَأنًا وَفَخْرا ؛ مِنْهَا السَّجْع ، وَمَا أدْرَاكَ مَا السَّجْع ! ؛ كَلِمٌ مُتَنَاسِقَةُ يَعْلََقُهَا الطَّبْع ، وَيَعْشَقُهَا السَّمْع ؛ فَتَنْطَبعُِ في الذِّكْرِ أيَّ طَبْع .. فَمِنْ أيْنَ لِسَائِرِ اللغَاتِ مِثْلَ مَا للغَةِ العَربيَّة ؟، وَأيُّهَا يُجَاريْهَا في حَلَبَةِ الآدَابِ وَقَدْ فَاتَهَا هَذَا الأسْلُوبُ الأشْرَف ، وَالنَّوْعُ الألْطَف ."(176) أمَّا أحمد شَوقي ، فَقَدْ عَدَّ" السَّجْعَ شِعْرَ العَربِيَّةِ الثَّانِي .. وَكُلُّ مَوْضِعٍ لِلشِّعرِ الرَّصِيْنِ مَحَلٌ لِلسَّجْعِ ، وَكُلُّ قَرَارٍ لِمُوْسِيْقَاهُ قَرَارٌ كَذَلكَ للسَّجْعِ ، فَإنَّمَا يُوْضَعُ السَّجْعُ النَّابِغُ فِيْمَا يَصْلُحُ مَوَاضِعَ للشِّعْرِ الرَّصِيْنِ .. َقَدْ ظَلَمَ العَربيَّةَ رِجَالٌ قََبَّحُوا السَّجْعَ وَعَدُّوه عَيْبًا فِيْهَا ؛ وَخَلَطُوا الجَمِيْلَ المُتَفَرِّدَ بِالْقَبِيْحِ المَرْذُولِ مِنْهُ ."(177) وَالمُلاحَظُ أنَّ الاتِّصَالَ بِالحَضَارَةِ الأوربيَّةِ ؛ وَالتَّعرُّفَ عَلى إنْجَازَاتِها الحَديثَةِ ؛ وَآلتِهَا المُنْتَصِرَةِ المُهَيْمِنَةِ ؛ قَدْ جَسَّدَ مَوْقِفَيْنِ ثَقَافِيَّينِ مُتَعَارضَيْنِ ؛ مَوْقِفًا يَتَطَلَّعُ إلى الاحْتِفَاظِ بِمُكْتَسَبَاتِ المَاضِي وَتَحْفِيْزِهَا ، وَمَوْقِفًا يَتَشَوَّقُ إلى التَّوَغُّلِ في المُسْتَقْبَلِ وَالإحَاطَةِ بإنْجَازَاتِهِ . وَهَكَذَا بَدَأتْ تَلُوحُ بَوَادِرُ طَبَقَةٍ جَدِيْدَةٍ تُجَسِّدُ مَوْقِفًا انْقِلابيًّا حَادًّا ، تِجَاهَ كُلِّ مَا يَتَّصلُ بِالتَّقاليدِ العَربيَّةِ وَالنُّظُمِ المَوْرُوثَةِ ؛ طَبَقَةٍ مَبْهُورَةٍ بِإنْجَازَاتِ الغَرْبِ ، وَمَشْدُودَةٍ إلى مُكْتَسَبَاتِهِ ، وَرُبَّمَا كَانَتْ هَذِهِ الطَّبَقةُ الجَديدةُ أوَّلَ تَشَكُّلٍ لِلْحَدَاثِيِّينَ العَرَبِ في العَصْرِ الحَديْثِ ، لَقَدْ تَشَكَّلَ وَعْيُهَا الانْقِلابِيُّ مِنْ لَحْظَةِ اكْتِشَافِ الفَجْوَةِ الحَضَاريَّةِ الهَائِلَةِ المُمْتَّدةِ بَيْنَ الشَّرقِ وَالغَرْبِ ؛ فَاعْتَبَرَتْ أنَّ خَلاصَ الشَّرقِ يَنْبَغِي أنْ يَبْدَأَ بِتَحْريرهِ مِنْ كَافَّةِ القيودِ وَالأغْلالِ وَالرُّكَامِ الذي رَانَ عَليْهِ عَبْرَِ العُصُورِ، وَأصْبَحَ كاتِبٌ كَالحَريريِّ " أبْهَجَ القُرَّاءَ طِوَالَ ثَمَانيَةِ قُرُونٍ .. كَمُشَعْوذٍ مُتَغَضِّنٍ ؛ وَسَاحِرٍ رَهِيْبٍ ، وَإليْهِ يَنْتَسِبُ "الجُنُونُ" الَّذي اسْتَبدَّ بِالذَّوقِ الأدَبيِّ الكِلاسِيْكيِّ ؛ هَذَا الانْقِلابُ في المَوْقِفِ إزَاءَ الحَريريِّ بَدَأ انْطِلاقًا مِنَ اللحظَةِ الَّتي اكْتُشِفَ فِيْهَا الأدَبُ الأوربِيُّ ."(178) وَبِالدِّخُولِ في أجْوَاءِ القَرْنِ العِشْرينَ ، أخَذَتْ دَائِرَةُ الصِّرَاعِ تَتّسِعُ ؛ ففي أعْقَابِ الحَرْبِ العَالميَّةِ الأُولى ؛ شَرَعَ فَريْقُ المُحْدَثينَ في تَوسِيْعِ دَائرتِهِ ؛ فَطَفِقَ يَنْقِلُ العَديدَ مِنْ مَشَاهدِ الوَاقِعِ الأدَبيِّ وَ الفِكْريِّ الأُوربيِّ ؛ في صَحَافَةِ ذَلكَ العَهَدِ ؛ كَالهِلالِ وَالسُّفورِ وَالمُقْتَطَف وَالسِّيَاسَة ؛ وَأخَذَ الصِّرَاعُ بَيْنَ (القَديْمِ) وَ(الجَديْدِ) يَأخُذُ شَكْلَ الصِّدَامِ المَصِيْريِّ ، في مُوَاجَهَةٍ كَانَ طَرَفَاهَا طه حُسين وَمُصْطَفَى صَادِق الرَّافِعيّ ؛ مَثَّلَتْ مُجَابَهَةً بَيْنَ التَّيَّارينِ المُتَعَارِضَيْنِ ؛ المُتَنَازِعَيْنِ ؛ وَنَظرًا لِمَرْكَزيَّةِ هَذِهِ المُوَاجَهَةِ - الَّتي سَاهَمَ فِيْهَا غَيْرُهُمَا ، مَعَهُمَا(179)- في تَاريْخِ الصِّرَاعِ بَيْنَ التَّيَّاريْنِ ؛ سَيَعْرِضُ لَهَا البحثُ ؛ في شَيءٍ مِنَ التَّفْصِيلِ ؛ حَيْثُ تََجَسَّدَ في مَنْطِقِ طه حُسين ، كُلُّ مَا كَانَ يَصْبُو إليْهِ مَنْ قَبْلَهُ بِنَحْوِ رُبْعِ قَرْنٍ ، وَيُرْهِصُونَ بِهِ ، كَمَا جَسَّدَ مَوْقِفُ الرَّافِعيِّ ، الدِّفَاعَ الأخِيْرَ ؛ وَالأعْزَلَ ؛ المُتَشَبِّثَ بِتَلابِيْبِ حَضَارَةِ النَّصِّ المُعَمَّرِِ المُهَدَّدِ .
(3) الصِّدَامُ المُدَوِّي بَدَأَ الصِّدَامُ بِرسَالَةٍ مَسْجُوعَةٍ أرْسَلَهَا مُصطفى صَادق الرَّافعيّ(180)(1880- 1937) ، في شَهر مَايو من عام1923، إلى صَحِيْفَة : السِّيَاسَة ؛ الَّتي كَانَتْ تَصْدُرُ عَنْ حِزْبِ الأحْرَارِ الدِّسْتُوريِّينَ ؛ وَكَانَ يُدِيْرُهَا د. مُحمَّد حُسَين هيكل (1888- 1956) ، وَيُشْرِفُ عَلى القِسْمِ الأدَبيِّ بها ، د. طه حُسَين (1889- 1973) " فَأحْدَثَتْ الرِّسَالةُ ضَجَّةً ؛ لأنَّ صَاحِبَهَا قَذَفَ بِهَا في مُعَسْكَرٍ ثَائرٍ مِنْ مُعَسْكَرَاتِ التَّجديدِ ."(181) الرِّسَالَةُ أنْشَأَهَا الرَّافِعِيُّ في العِتَابِ عَلى صَدِيْقٍ لَهُ – مِنْ الشَّامِ – كَانَ قَدْ تَأخَّرَ في الرَّدِ عَلى رَسَالَةٍ ؛أرْسَلَهَا إليْهِ الرَّافِعيُّ ؛ وَعَلى هَذَا النَّ حْو تَمْضِي الرِّسَالَة : "سَيِّدِي : كَتَبْتُ إليْكَ مِنْ أيَّامٍ يَشْفَعُ لَهَا قُرْبُكَ مِنْ نَفْسِي فَلا أقُوْلُ إنَّهَا بَعِيْدَة، وَتَمُرُّ قَديْمَةً وَلكِنَّ مَا فِي هَذِهِ النَّفْسِ مِنْهَا يَجْعَلُهَا دَائِمًا جَدِيْدَة ، وَكَأنَّهَا تَجْرِي بي إلى الفَنَاءِ فَهِيَ تَطُولُ إلى غَيْرِ حَدّ ، وَتَأخُذُ مَعْنَى اليَأسِ مِنْ كُلِّ أمْس فَتَنْسَخُ بهِ مَعْنَى الأمَلِ في كُلِّ غَدّ ، وَأرَى الأيَّامَ تُعَدُّ بالأرْقَامِ أمَّا هِيَ فَقَدْ جَعَلْتَهَا أنْتَ تُعَدُّ بأنَّهَا لا تُعَدّ . " وَانْتَظَرْتُ رَدَّ خِطَابي ، وَأنْ تُلْقي إليَّ وَرَقةً مِنْ شَجَرَةِ عِتَابي ، فَمَازَالتْ تَنْقَطِعُ السَّاعَةُ مِنَ السَّاعَةِ وَيَلْتَقي اليَومُ باليَوم ، وَيَذْهَبُ اللومُ إلى العِتَابِ إلى اللوم ، وَكِتَابُكَ عَلى ذَلكَ كَأنَّهُ الذُّهُولُ نَوْمَ اليَقَظَةِ أوْ السُّهْدُ يَقْظَةَ النَّوم . فَسُبْحَانَ مَنْ عَلَّمَ آدَمَ الأسْمَاءَ كُلَّهَا لِيَنْطَقَ بهَا ، وَعَلَّمَكَ وَحْدَكَ السُّكُوت .. وَالسَّلامُ عَليْكَ في أزَليَّةِ جَفَائِكَ أمَّا أنَا فَأقُولُ : "وَالسَّلامُ عَليَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أمُوْت "، مَا هَذَا يَا سَيِّدي وَلَيْسَ خَيْطُ العُمْرِ في يَدَيكَ وَلا أمْس الضَّائعُ بمُعَوِّضٍ عليَّ مِنْ غَدِكَ وَلا أنَا أقَلُّ مِنْ "أنَا "وَ لا أنْتَ أكْثَرُ مِنْ "أنْتَ"، وَلا أعْلَمْتَنَا مِنْ قَبْلِ أنَّكَ مَعَ القَدَرِ تَحَرَّكْتَ وَمَعَ القَدَرِ سَكَنْتَ ."(182) وَقَدْ عَلَّقَ طَه حُسَين عَلى هَذِهِ الرَّسَالَةِ بِِقوْلِهِ : " أمَّا أنَا فَأعْتَذِرُ لِلْكَاتِبِ الأدَيبِ ، إذَا أعْلَنْتُ مُضطرًا أنَّ الأسْلُوبَ ؛ الَّذي رُبَّمَا رَاقَ أهْلَ القَرْنِ الخَامِسِ وَالسَّادِسِ ، لا يَسْتَطِيْعُ أنْ يَرُوْقُنَا، في العَصْرِ الحَديثِ ؛ الَّذي تَغَيَّرَ فيْهِ الذَّوْقُ الأدَبيِّ ، وَلاسِيَّمَا في مِصْرَ تَغَيُّرًا شَديْدًا."(183) فَبَادَرَ الرَّافِعيُّ مُعْلِنًا أنَّ الأسْلُوبَ الَّذي كُتِبَتْ بِهِ الرِّسَالةُُ ، " كَانَ الغَايَةَ الَّتي تَتَقَاصَرُ دُونَهَا الأعْنَاقُ ، مُنْذُ القََرْنِ الرَّابعِ إلى آخِرِ التَّاسع ، وَلَمْ يُوْحِشْ مِنْهُ تَغَيُّرُ الذُّوقِ الأدَبيِّ ، كَمَا يَقُولُ الأسْتَاذُ ؛ بَلْ ضَعْفُ الكُتَّابِ فِيْهِ وَتَقْصِيرهُمْ عَنْ حَدِّهِ ، وَأنَّهُمْ لا يُوَافِقُونَ بِهِ مَوَاضِعَهُ ، وَلا يَعْدِلُونَ بِهِ إلى جِهَاتِهِ في ألفَاظِهِ وَمَعَانِيْهِ .. إنَّ أكْثَرَ كُتَّابِ العَصْرِ ، وَمِنْهُمْ الأسْتاذُ طَه ، لا يُجِيدُونَهُ ، وَلا يَسْتَطِيعونَهُ مَهْمَا تَكَلَّفوا لَهُ ، وَبَالَغُوا في هَذَا التَّكَلُفِ ، وَتَحَرُّوا في هَذِهِ المُبَالَغَةِ" (184)، وَدَلَّلَ الرَّافِعيُّ عَلى عَدَم فَنَاءِ الذَّوقِ الأدَبِيِّ ، بِمَا صَاحَبَ اكْتِشَافِ مَقْبَرَةِ توت عنخ آمون ، مِنَ انْبِهَارٍ عَالَميٍٍّ بِدِقََّّةِ فََنِّهَا ، رَغْمَ مُرُورِ آلافِ السَّنَواتِ عَلى عَهْدِ الذَّوْقِ الأدَبِيِّ ؛ الَّذي تَنْتَمِي إليه . (185) طَه حُسَين عَقَّبَ عَلى هَذَا الكَلامِ بِقَوْلِهِ : " أنَا لا أتردَّدُ في إقرَارِ الكَاتب الأدَيْبِ عَلى أنَّنَا لا نُجِيْدُ هَذَا الأسْلُوبَ ، وَعَلى أنَّنَا لا نُريْدُ أنْ نُجِيدَهُ ؛ لأنَّ الذَّوقَ الأدَبيَّ ، وَلاسِيَّمَا في مصرَ قَدْ تَغَيَّرَ ، وَقَدْ كُنْتُ أُريْدُ أنْ أنَاقِشَ الكَاتِبَ ، وَلَكِنَّ لَهُ في نَفْسِي رَأيًا ، لا يَسْمَحُ بِمُنَاقَشَتِهِ أو التَّحدُثِ إليْهِ ؛ فَلَندَعْهُ وَرَأيَهُ وَلنُحْي الذَّوقَ الأدَبيَّ الجَديدَ ؛ الَّذي يُلائِمُ حَاجَاتِ النَّاسِ وَحَيَاتِهِمْ ."(186) وَأضَافَ : " لَسْنَا نَعِيْشُ عَيْشَةَ الجَاهِلِينَ ، فَمِنَ الحُمْقِِ أنْ نَصْنَعَ لُغَةَ الجَاهِليِّينَ ، وَلَسْنَا نَعِيْشُ عِيْشَةَ الأُمَويِّينَ وَلا العَبَّاسِيِّينَ وَلا المَمَاليْكِ ؛ بَلْ لَسْنَا نَعِيْشُ عِيْشَةَ المِصْريِّينَ في أوائِلِ القَرْنِ المَاضِي ، فَمِنَ الإسْرَافِ أنْ نَسْتَعِيْرَ لُغَاتِ هَذِهِ الأجيَالِ وَأسَالِيبَهَا ؛ لِنَصِفَ بِهَا أشْيَاءَ لَمْ يَعْرفُوهَا ، وَضُرُوبًا مِنَ الحِسِّ وَالشُّعُورِ، لَمْ يُحِسُّوهَا وَلََمْ يَشْعُروا بِهَا ؛ إذَا كُنَّا لا نَعِيْشُ في الخِيَامِ ، وَلا نَتَّخذُ هَذِهِ الأدَوَاتِ المُخْتَلِفَةِ الحَضَريَّةِ أوْ البَدَويَّة ؛ الَّتي اتَّخَذَهَا الجَاهِلِيُّونَ أوْ أهْلُ بَغْدَادَ ، فَلَيْسَ مِنْ سَبيْلٍ إلى أنْ نَشْعُرَ كَمَا كَانَ يَشْعُرُ الجَاهِليُّونَ وَأهْلُ بَغْدَادَ ؛ وَإذاً فَلَيْسَ مِنْ سَبِيلٍ إلى أنْ نكونَ صَادِقيْنَ حِيْنَ نَتَكَلَّمُ أوْ نَكْتُبُ ، كَمَا كَانَ يَتَكَلَّمُ الجَاهِليُّونَ ، أوْ كَمَا كَانَ يَكْتُبُ أهْلُ بَغْدَادَ ."(187) وَأضَافَ " لَنَا حَيَاةٌ خَاصةٌ ، وَلَنَا لُغَةُ خَاصةُ ، تُلائِمُ هَذِهِ الحَيَاةَ ، فَمَا لَنَا نُفَرِّقُ بَيْنَ الأشْيَاءِ المُؤتَلِفة؟ ، وَمَا لَنَا نُقطِّعُ الأسْبَابَ المُتَّصِلَةَ؟ ، وَمَا لَنَا نَعِيْشُ في عَصْرٍ وَنَتَكَلَّمُ في عَصْرٍ آخَر؟ . " أعْرِفُ أنَّ الأسْلُوبَ الَّذي اتَّخَذَهُ الأسْتاذُ الرَّافِعيُّ ، كَانَ مُسْتَعذَبًا في عَصْرٍ مِنَ العُصُورِ ، وَلكِنِّي أعْرفُ أنَّهُ إنَّمَا كَانَ مُسْتَعذََبًا ؛ لأنَّهُ كَانَ يُلائِمُ هَذَا العَصْرَ ، فََإذَا انْقَضَى هَذَا العَصْرُ، وَانْقَضَى مَعَه مَا ألِفَ النَّاسُ مِنَ ضُرُوبِ الحَيَاةِ فيْهِ ، فَيَجْبُ أنْ يَنْقَضِيَ مَعَهُ أيْضًا أسْلُوبُ التَّعبيْرِ ؛ الَّذي كَانَ النَّاسُ قَدْ اتَّخَذُوهُ وَسِيْلةًََ لِوَصْفِ مَا يَجِدُونَ في أنْفُسِهِمْ . " وَمَهْمَا يَقُل الأسْتاذُ الرَّافِعيُّ وَأنْصَارُهُ – إنْ كَانَ لَهُ أنْصَارٌ، فَلَيْسَ مِنْ شَكٍّ في أنَّه لَمْ يَشْعُرْ كَمَا كَتَبَ ، وَإنَّمَا شَعَرَ بِطريْقَةٍ أخْرَى ؛ فَلَسْنَا نَرَاهُ هُوَ في كِتَابِهِ ؛ وَإنَّمَا نَرَى في هَذَا الكِتَابِ تَكَلُّفَهُ وَمُحَاوَلَتَهُ الإجَادَةََ ، ولا تَنْسَ أنَّ الأسْتَاذَ يُعَاتِبُ صَدِيْقًا ، وَأنَّ العِتَابَ يَحْتَاجُ فِيْمَا يظْهَرُ، إلى أنْ يُظْهِرَ الصَّديْقُ لِصَديْقِهِ ، دَخِيْلةَََ قلبْهِ وَخُلاصَةَ نَفْسِهِ ، لا أنْ يَنْسِجَ لَهُ نَسْجًا ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ صِلَة ."(188) مِنْ هُنَا نَتَبَيَّنُ أنَّ مُوَاجَهَةَ طَه حُسَين لِلرَّافِعِيِّ ، قَدْ اتَّخَذَتْ مَسَاريْنِ أسَاسِيَّينِ : التّصَدِّي لِهَيْمَنَةِ اللغَةِ بِبُعْدِهَا التُّرَاثيِّ التَّاريِخِيَّ عَلى أجْواءِ التَّجربَةِ الإنْسَانيَّةِ الآنِيَّةِ ، وَالتَّنْدِيدِ بِهَنْدَسَةِ السَّجعِ ؛ لِمَا تَقُومُ بِهِ مِنْ تَقْطِيعٍ رَتِيْبٍ لِتَدَفّقِ أمْوَاجِ الكَلامِ . وَلَمْ تَقْتَصِرْ مِحْنَةُ النَّثرِ الفَنِّيِّ على شَكْلِهِ المَسْجُوعِ فَقَط ، وَإنَّمَا تَجَاوَزَتْ ذَلِكَ إلى شَطْرِهِ الآخَرِ ؛ الِّذي يَقُومُ عَلى هَنْدسَةٍ إِيْقَاعِيَّةْ أخْرَى ؛ هِيَ هَنْدَسَةُ الازْدِوَاجِ وَتَوَازُن الجُمَلِ وَتَنَاغُمِهَا ؛ هَذَا الشَّكلُ الَّذي مَثَّلَهُ بِوضُوحٍ وَدِقَّةٍ الأدِيْبُ البَلِيْغُ أحمد حسن الزَّيَّات ؛ فَقَدْ وَجَّهَ محمَّد مَنْدور (1907- 1965) أسْلِحَتَهُ تِجَاهَ هَذَا الأسْلُوبِ – المُتَمَثِّلِ في عَمَلِ الزَّيَّاتِ – وَكَانَ مِنْ رَأي مندور أنَّ في اتِّسَاقِ الجُمَلِ ، وَتَسَاوي المَسَافَاتِ بَيْنَهَا ، صَنْعةً تُفْسِدُ نَغَمَاتِ الوَاقِعِ ، وَأنَّ هَذَا الازْدِوَاجَ ضَرْبٌ مِنَ السِّمِتريَّةِ المُمِلَّةِ ، الَّتي تُضْنِي الأدِيْبَ مِنْ جَانبٍ وَتَخْرُجُ بِالتَّصويرِ مِنْ الوَاقِعِ الحَيِّ إلى الأدَبِ المَصْنُوعِ منْ جَانِبٍ آخَرٍ . وَمَنْدور ، بِهَذَا ، يَرَى في هَذِهِ الصَّنعَةِ المُحْكَمَةِ أدَبًا قَدْ أنْشِيءَ ؛ غَيْرَ أنَّهُ أدَبٌ غَيْرُ حَيٍّ ، أوْ لا يَعْكِسُ نَبْضَ الحَيَاةِ ، أدَبٌ مَصْنُوعٌ – كَمَا يَقُولُ - بِالْبَِرِْجَلِ وَالمِسْطَرَةِ ، وَأنَّ أسْلُوبَهُ هَنْدَسَةٌ مِنَ النَّوعِ التَّخْطِيطيِّ ، وَيَتَسَاءَلُ مَنْدورٌ : أمَا مِنْ نَزْوَةٍ مِنْ شَيْطَانِِ الأدَبِ تَكْسِرُ هَذَا الاتِّسَاقَ ، أمَا مِنْ نَفْضَةِ قَلَمٍ تُتْلِفُ قليلاً مِنَ هَذَا الكَمَالِ المُضْنِي؟.(189) وَمَنْدورٌ ، بِهَذا يَصِلُ إلى النَّتِيْجَةِ نَفْسِهَا ؛ الَّتي تَوصَّلَ إليْهَا طَه حُسَين ، في تَصَدِّيْه لِهَنْدَسَة النَّثرِ الفَنِّيِّ المَسْجُوعِ ؛ الَّذي مَثَّلتْهُ رِسَالَةُ الرَّافِعِيِّ .
خاتمة
تُعَدُّ مَرْحَلةُ النَّثر الفّنِّيِّ الأقْدَمَ وَالأطْوَلَ، في حَلْقَاتِ الأشْكَالِ النَّثرِشِعْريَّةِ والشِّعرِنثْريَّةِ المُتَوَاليَةُ ، وَفيْهَا تَأسَّسَتْ الكِتَابَةُ الفَنِّيَّةُ ، في أقْدَمِ صُوَرِهَا، في عِدَّةِ أطْوَارٍ وَتَجَلِّيَاتٍ ، وَقَدْ بَدَأتْ في العَصْرِ الجَاهِليِّ ، وَتَمَيَّزَتْ - شَكْليَّا - بِالْتِزَامِ السَّجعِ ، وَالتَّكْثيفِ اللغَويِّ، وَالتَّشظِي ، وَالإيْجَازِ، وَالجُنُوحِ إلى سَرْدِ الحَقَائِقِ ، وَإقَامَةِ البِنْيَةِ المَجَازيَّةِ ، وَسَرْدِ الحِكَم وَالأمْثَالِ ، وَتَمَثَّلتْ في خُطَبِ الخُطَبَاءِ، وَسَجْعِ الكُهَّانِ ، ثُمَّ انْتَقلَ النَّثرُ الفّنِّيِّ ، مَعَ مَجِيءِ العَصْرِ الإسْلاميِّ ، نَقْلَةًً أخْرَى ، بَدَا فيْهَا مُجَسِّدًا لِلغَةِ الخِِطَابِ الدِّيْنيِّ ، وَلَمْ يَتَعمََّدْ السَّجعَ أوْ الزُّخْرفَ البَديعيَّ ، وَتَخَفَّفَ مِنْ سَرْدِ الحِكَمِ وَالأمْثَالِ ؛ الَّتي كَانَتْ شَائِعَةً في النَّثرِ الفَنِّيِِّ الجَاهِليِّ في غَيرِ تَرَابُطٍ ، كَمَا وَضَحَتْ فيْهِ ، أيْضًا ، بَلاغَةُ الإيْجَازِ، وَهُوَ مَا بَدَا في خُطَبِ عُمرَ بنِ الخَطَّابِ (-23هـ) وَعليٍّ بن أبِي طَالِبٍ (-40هـ) – في صَدْرِ الإسْلامِ – وَفي خُطَبِ : زِيَادِ بن أبيْهِ (-53هـ) ، وَالحَجَّاج بن يُوسف الثَّقَفيِّ (-95هـ) – في أوائِلِ العَصْرِ الأُمَويِّ – وَفي خُطَبِ خَطِيبِ الخَوَارِجِ قَطريِّ بنِ الفُجاءَةِ (-79هـ) ،ثُمَّ تَأسَّستْ مَلامحُ الكِتَابَةِ الفَنِّيَّةِ الجَديدَةِ ، في نِهَايَةِ العَهْدِ الأُمَويِّ ، على يَدَيْ عبدِ الحَميدِ بن يحيى الكَاتِبِ (-132هـ) ، ثُمَّ ابنِ المُقَفَّعِ (-142هـ)، ثُمَّ سَهْلٍ بنِ هَارون (-215هـ) ، ثُمَّ الجَاحِظِ (-255هـ) ، وَهِيَ كِتَابةُ تَنْهَضُ عَلى التَّرابُطِ المَنْطِقيِّ وَالازْدِوَاجِ وَالجُمَلِ المُتَوَازنَةِ ، ثُمَّ تَأسَّّستْ ، في القَرْنِ الرَّابِعِ الهِجْريِّ ، كِتَابَةٌ فَنِّيَّةٌ أخْرَى ؛ عَلى أيْدِي ابنِ العَميدِ (-360هـ) ، وَالصَّاحِبِ بنِ عَبَّادٍ (-384هـ) ، وأبِي إسْحَاقٍ الصَّابِي (-384هـ) ، وَأبِي بَكرٍ مُحمَّدٍ بنِ العبَّاسِ الخُوَارِزميِّ (-383هـ) ، وَبَديعِ الزَّمَانِ الهَمَذَانِيِّ (-398هـ) ، وَأبِي الفَرَجِ عبدِ الوَاحِدِ بنِ نَصْرٍ الببغَاءِ (-389هـ) ، وَقَابُوسٍ بنِ وَشْمَكير(-403هـ) ، وَامْتَدَّ هَذَا التَّيَّارُ بقُوَّةٍ في مَشْهَدِ القَرْنِ الخَامِسِ الهِجْريِّ ،عَلى يَدَيْ الحَرِيريِّ(-516هـ) ، وَفي القَرْنِ السَّادسِ عَلى أيْدِي القَاضِي الفَاضِلِ (-596هـ) ، وَالعِمَادِ الأصْفَهَانِي (-597هـ) ، وَسِوَاهُمَا ، ثُمَّ أصِيْبَ النَّثرُ الفَنِّيُّ – كَكُلِّ شَيءٍ في الدَّولَةِ الإسْلاميَّةِ – بِالجُمُودِ وَالضَّعْفِ ، لِمُدَّةٍ تَتَجَاوَزُ الثَّلاثَةَ قُرُونْ ، أثْنَاءَ العَصْرِ العُثْمَانيِّ (923هـ -1213هـ) ، ثُمَّ عَادَ النَّثرُ الفَنِّيُّ يَسْتَردُّ عَافِيَتَهُ في طَلائِعِ القَرْنِ التّاسِع عَشَر؛ مُوَاكِبًا التَّحَوُّلاتِ السِّيَاسِيَّةِ وَالمُجْتَمَعِيَّةِ وَالثَّقَافيَّةِ الكُبْرَى ، عَلى أيْدِي كَوْكَبَةٍ مُبْدِعَةٍ ؛ في طَلِيْعَتِهَا عَبْدُ الرَّحمنِ الجَبَرتي (1754-1824) ، وَالشَّيخُ حَسَنُ العَطَّار(1766-1835) ، وَعَبْدُاللهِ فِكْري (1834-1890) ، وَعَبْد اللهِ النَّديمِ (1845-1869) ، وَإبراهِيم اليَازِجيُّ (1847-1906) ، وَالإمَامُ مُحمَّد عَبدُه (1849-1905) ، وَحِفْنِي نَاصِف (1860-1919) ، وَمُحمَّد المُوَيْلِحِي (1858-1930) ، وَمُحمَّد توفيق البَكْرِي(1870-1932) ، وَأحْمَد شَوقِي (1868-1932) ، وَحَافِظ إبرَاهِيم (1871-1932) ، وَغَيْرُهُمْ . وَلَئنْ تَرَاجَعَتْ جَمَاليَّاتُ هَذَا النَّصِّ في الرُّبعِ الأوَّلِ مِنَ القَرْنِ العِشْريْنَ ، فَإنَّ وَاحِدَةً مِنْ أبْرَزِ آليَّاتِ النَّثرِ الفَنِّيِّ الَّتي بَرَزَتْ في عَمَلِ الحَريري؛ وَهِيَ الْتِزَامُ حُرُوفٍ مُحَدَّدَةٍ في مُفْرَدَاتِ النَّصِّ كُلِّهَا ، سَتَرْجِعُ بِقُوَّةٍ في الرُّبْعِ الأخِيْرِ مِنَ القَرْنِ ذَاتِهِ ؛ ضِمْنَ آليَّاتِ المُنْجَزِ الأدَبِيِّ الحَدَاثِيِّ ؛ لِتَحْقِيْقِ الإبْهَارِ الفَنِّيِّ ، بِأعَاجِيْبِ اللغَةِ وَتَشَكُّلاتِهَا الخَلاقَّةِ (190) . وَعلى مَدَارِ تاريخِهِ الطَّويلِ ، أسَّسَ خطابُ النَّثرِ الفنيِّ ، مَسَاراتِهِ الإبداعيَّةَ الأسَاسيَّةَ ، على نحوٍ جَعَلَ شعريَّةَ خطابِهِ النَّظيرَ الإبداعيَّ الموازِي لشِعريَّةِ القَصِيدِ ، في مَشْهَدِ الأدَبِ العَرَبيِّ ، وَاعْتُبِرَ النَّثرُ الفنيُّ جِنْسًا أدبيًّا يتضمَّنُ أشكالاً سَرديَّةً مُتعدِّدةً ؛ مِنْهَا : سَجْعُ الكُهَّانِ ، وَالخَطَابَةُ ، وَالوَصَايَا ، وَالحِكَمُ ، وَالرَّسائلُ ، وَالتَّوقيعَاتُ ، وَالمقَامَاتُ ، وَكَانَتْ النَّظريَّةُ النَّقديَّةُ مُتَحقِّقَةٌ في الممَارَسَةِ الإبداعيَّةِ ، غَيْرَ أنَّ التَّقعِيدَ النَّظريَّ لها ، لم يكُنْ على النَّحوِ الوَاضِحِ بكثافةٍ في شِعْرِ القَصِيدِ ؛ فثمَّةَ ذِكْرٌ لهذَا النَوعِ الكِتَابيِّ تحتَ مُصْطَلَحِ (النَّثرِ) حِيْنًا، وَ(الكِتَابَةِ) حِيْنًا ، وَ(الكَلامِ) حِيْنًا ، وَشَتَّى السِّيَاقاتِ تُشِيْرُ إلى شِعريَّةِ النَّثرِ الفنيِّ ، دُونَ أنْ تُحَدِّدَهُ ، في المصْطَلَحِ الأخيرِ ؛ الَّذي لم يَظْهَرْ للبَحْثِ قَبْلَ الثُّلثِ الأوَّلِ منْ القَرْنِ الماضِي ، لدَى زكي مبارك ، وَكارل بروكلمان .(191) وَقَدْ مَرَّ التَّأسيسُ النَّظريُّ لِشِعريَّةِ خِطَابِ النَّثرِ الفنيِّ بمراحِلَ تاريخيَّةٍ ؛ تبدأ بمُوازَنَاتٍ حَوْلَ أسبقيَّةِ النَّثرِ أوْ الشِّعرِ ، وَالتَّفاضُل بينهُمَا (192)، وَيُلاحَظُ أنَّ مُصْطَلَحَ النَّثرِ في هَذِهِ المرْحَلَةِ كَانَ يُشِيْرُ إلى النَّثرِ الفنيِّ تحديدًا ، وَأنَّهُ كَانَ يُطْلَقُ على مَا عَدَا الشِّعر منْ أنواعٍ أدبيَّةٍ ، وَبَدَتْ الصِّياغَةُ العَرُوضِيَّةُ حَدًّا تمييزيًّا بَيْنَ النَّوعينِ الأدَبيَّينِ ؛ اللذين تقاسَمَا آليَّاتِ الأدبيَّةِ ، في مَشْهَدِ الأدَبِ العَرَبيِّ ، وَمُنْذُ القَرْنِ الثَّاني الهجري لم يَعُدْ الشِّعرُ وَحْدَهُ دِيوَانُ العَرَبِ ، وَقَدْ اشْتَرَكَ النَّوعَانِ المرْكَزيَّانِ في خَصَائصَ جماليَّةٍ شَتَّى ، وَلمْ يفترِقَا ، أحْيَانًا سِوَى في آليَّاتِ الأدَاءِ الإيقاعيِّ ، وَظَهَرَتْ وَقَفَاتٌ نقديَّةٌ تُشَدِّدُ على الشِّعريَّةِ في كِلَيْهِمَا ، وَظَهَرَتْ الكُتُبُ الَّتي تَبْحَثُ جماليَّاتِ الشِّعرِ وَالنَّثرِ مَعًا ، وَمِنْهَا : البَيَانُ وَالتَّبيينُ لِلْجَاحِظِ ،وَكِتَابُ الصِّنَاعَتيْنِ : الكِتَابَةِ وَالشِّعرِ لأبي هِلالٍ العَسْكريِّ ، وَالمثَلُ السَّائرُ في أدَبِ الكَاتِبِ وَالشَّاعِرِ لِضِيَاءِ الدِّينِ بنِ الأثير ، وتحريرُ التَّحبيرُ في صِنَاعَةِ الشِّعرِ وَالنَّثرِ وَبَيَانُ إعْجَازِ القُرْآنِ لابنِ أبي الإصْبَعِ المصْرِيِّ ، كَمَا ظَهَرَتْ طَائِفَةٌ منْ الكُتُبِ الَّتي جَمَعَتْ مختارَاتٍ منهُمَا بالتَّجاوُرِ ، وَمِنْهَا : يتيمَةُ الدَّهرِ لِلثَّعالبيِّ ، والعِقْدُ الفَريدُ لأحمد بن عبد ربه ، وَزَهْرُ الآدَابِ وَثمرُ الألبَابِ لأبي اسْحَاقٍ إبراهيم بنِ عليٍّ الحصَريّ القيروانيِّ ، وَمِثْلَمَا ظَهَرَتْ الكُتُبُ الَّتي تَبْحَثُ في شِعريَّةِ الشِّعرِ ، وَمِنْهَا : قَوَاعِدُ الشِّعرِ لأبي العَبَّاسِ أحمد ثَعْلَب ، وَعِيَار الشِّعرِ لابنِ طباطبا العَلَويِّ ، وَنَقْدُ الشِّعرِ لِقُدَامَةَ بنِ جَعْفَر ، وَالعُمْدَةُ في محاسِنِ الشِّعرِ وَآدَابِهِ وَنَقْدِهِ لابْنِ رَشِيق ، ظَهَرَتْ الكُتُبُ الَّتي تَبْحَثُ في شِعريَّةِ النَّثرِ ، وَمِنْهَا : أدَبُ الكَاتِبِ لابْنِ قُتيبَةَ ، وَإحْكَامُ صَنْعَةِ الكَلامِ لأبي القاسِمِ محمَّد بنِ عبد الغفورِ الكَلاعِيِّ ، وَحُسْنُ التَّوسُّلِ في صِنَاعَةِ التَّرسُّلِ لِشِهَابِ الدِّينِ الحلَبيِّ ، وَصُبْحُ الأعْشَى في صِنَاعَةِ الإنْشَا لِلْقَلقَشَنْدِيِّ ، وَهِيَ الكُتُبُ الأولى الَّتي أصَّلَتْ لِشِعريَّةِ الخِطَابِ النَّثريِّ وَنظريَّتِهِ النَّوعيَّةِ في مشْهدِ الأدبِ العربيِّ ، وَبهَا تَرَسَّخَتْ أقدمُ نظريَّةٍ في شِعريَّةِ النَّثرِ العَرَبيِّ .
الإحَالاتُ وَالتَّعليقات
(1) د. زكي مبارك - النَّثر الفَنِّيُّ في القرن الرَّابع – الجُزءُ الأوَّل – مطبعة السَّعَادَة بِمصر – الطَّبعة الثَّانية – 1957- ص :74 . (2) د. شوقي ضيف – البَلاغَة تطوُّرٌ وَتَاريخ – دار المَعَارف بِمِصْر– الطَّبعة الرَّابعة-1977- ص:377. (3) أبوهلال العسكري- كتابُ الصِّنَاعَتينِ- تحقيق : د . مفيد قُمِّيحة – دار الكُتب العِلميَّة – بيروت – الطَّبعة الثَّانية - 1989- ص :185. (4) رَاجِعْ بِهَذَا الخُصُوص : د . محمد عونِي عبد الرَّءوف- بِدَايَاتُ الشِّعر العَربِيِّ بينَ الكَمِّ وَالكَيْف – مكتبة الخَانجي -1986- ص :65، وَرَاجعْ لأحمد حسن الزَّيَّات- في أصُولِ الأدَب – ط2-1964- ص:114، وَرَاجِعْ لِسَعيد بحيري : مُلاحَظَاتٌ حَوْلَ مَسْألةِ العَلاقةِ بينَ الكَمِّ وَالنَّبرِ في الشِّعرِ العَرَبِيِّ - مجلَّة :(فصُول) – المُجَلَّد السَّادس – العدد الثَّالث -1986 – ص :191. (5) المُعْجَم الوَجِيز – مجمع اللغةِ العربيَّةِ -1990- ص:303 . (6) المُعْجَم الوَسِيط – الجُزءُ الأوَّل -1960- ص:419، وَانْظُرْ: مُخْتَار الصِّحَاحِ ، للرَّازي – نهضة مصر – د.ت – ص :387، وَانْظُرْ : لِسَان العَرَب ، لابنِ مَنْظور – الجُزءُ السَّادس – دار إحياء التُّراث العربيِّ- بيروت – الطَّبعة الثَّالثة - 1999- ص:179. (7) ديفين ستيوارت – السَّجع في القُرآن ، بِنْيَتُهُ وَقَوَاعِدُهُ – مجلة:(فُصُول)– خريف 1992-ص :7 . (8) ابنُ الأثير– المَثَلُ السَّائر– تحقيق: مُحمَّد مُحيي الدِّين عبد الحميد – الجُزءُ الأوَّل - المكتبة العصريَّة- بيروت - 1995- ص : 195. (9) عن: جوزيف شريم- الهندسَةُ الصَّوتيَّةُ في القَصِيْدَة المُعَاصِرَة- مجلة:(عَالَم الفِكْر) 1994- ص:109 . (10) ديفين ستيوارت- سابق – ص : 14. (11) المثل السَّائر – الجُزءُ الأوَّل - سَابِق - ص ص233-237 . (12) عن أشْكَال النَّثرِ المَوزونِ عِنْدَ ابنِ سِيْنا رَاجِعْ: أُلفت مُحمَّد كمال عبد العزيز- نظريَّةُ الشِّعرِ عِندَ الفَلاسِفَةِ المُسْلِمِينَ- الهيئة المصريَّة العامَة للكِتَاب – 1984- ص ص :260-261، وَرَاجِعْ لابنِ عبدِ الغفورِ الكلاعيِّ – أحْكَام صَنعة الكَلام – تحقيق مُحمَّد رضوان الدَّايَة – دار الثَّقافة – بيروت - د.ت ص:236،142،141،95 . (13) مُقدِّمَة ابنِ خلدون – الجُزءُ الأوَّل – دَار إحيَاء التُّراثِ العَربيِّ - بيروت- لبنان- الطَّبعة الثَّالثة -1999- ص : 100-101. (14) د . عَلي الجندي - في تَاريخِ الأدَبِ الجَاهِلي – دَار غَريب للطِّبَاعَة – 1998- ص:269. (15) انْظُرْ عَلى سَبيلِ المِثَالِ : د. زكي مُبَارك (1891-1952): النَّثر الفَنِّيِّ في القَرنِ الرَّابِع – الجُزءُ الأوَّل - ص :65، د . شوقي ضيف(1910-2005): الفنُّ ومذاهبُهُ في النَّثرِ العَربيِّ – الطَّبعة الثَّانية - مكتبة الأندلس – بيروت -1956- ص:32، عَاطِف جُودة نَصر: البَدِيع في تُرَاثِنَا الشِّعْريِّ - مجلَّة:(فُصُول)- مارس1984- ص: 73. وَبَيْنَمَا يرى د. طه حُسَين (1889-1973)" أنَّنَا لا نَسْتَطيعُ بِحَالٍ مِنَ الأحْوَالِ – مَهْمَا نَحْرصُ عَلى أنْ نَكونَ مِنْ أنْصَارِ العَصْرِ الجَاهِليِّ وَعُشَّاقِهِ - أنْ نَطْمَئِنَ إلى أنَّ هَذَا العَصْرَ كَانَ لَهُ نَثْرٌ فَنِّيٍّ ، وَالَّذي لَيْسَ فيْهِ شَكٌ أنَّ أقدَمَ نَصٍّ يُمْكِنُ أنْ نَطمَئِنَ إليْهِ هُوَ القُرآن " : مِنْ حَديثِ الشِّعرِ وَالنَّثرِ– دَار المَعَارف -1965- ص :24. نرى د. زكي مبارك قَد احْتَجَّ عَلى وُجُودِ نَثْرٍ فَنِّيٍّ في الجَاهِليَّةِ بِقولِهِ :" إنَّ القُرآنَ يُشيرُ إلى أنَّهُ كَانَتْ هُنَاكَ كُتُبٌ دِيْنيَّةٌ أوْ أدَبيَّةٌ لَمْ يَطَّلِعْ عَليْهَا النَّبيُّ عليْهِ السَّلامُ حَتَّى لا يُتَّهمُ بِأنَّهُ لَفَّقَ القُرآنَ مِمَّا نُقِلَ إليْهِ مِنْ عُلُومِ الأوَّليْنَ: "وَمَا كُنْتَ تَتَلو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِيْنِكَ إذًا لارْتَابَ المُبْطُلونَ " ، وَأضَافَ أنَّ " فُقْدَانَ تِلكَ الآثارِ لا يَكْفِي لإنْكَارِِ أنَّهُ كَانَ لَهَا نَصِيْبٌ مِنَ الوُجودِ ": النَّثرُ الفَنِّيُّ في القَرْنِ الرَّابعِ – الجُزءُ الأوَّل - ص :34 . (16) د: نصر حَامد أبوزَيد – مَفْهُومُ النَّصِّ- الهيئة المِصْريَّة العَامة للكِتَاب -1990- ص : 91. (17) الجَاحظ – البيانُ والتَّبيين – تحقيق وشرح : عبد السَّلام محمد هارون- الجُزءُ الأوَّل – مطبعة لجنة التَّأليف والتَّرجمة والنَّشر- الطَّبعة الأولى- 1948- ص :289 . (18) أبو علي اسماعيل بن القاسم القالي- ذيْلُ الأمَالي والنَّوادر – المطبعة الكُبري الأميريَّة ببولاق – الطَّبعة الأولى -1324هـ - ص :127. (19) أبو الفرج الأصفهاني – كِتَاب الأغانِي – الجُزءُ التَّاسِع - الهيئة المِصْريَّة العَامة للكِتَاب – 2001- ص :84. (20) أبو عبد الله محمَّد بن إسحاق بن يسار، المُطَّلِبِي- سِيرةُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلَّم – هَذَّبَها: أبو محمَّد عبد الملك بن هشام بن أيُّوب، الحِمْيَريُّ، وحققَّها: محمَّد مُحيي الدِّين عبد الحميد- الجُزءُ الأوَّل – مكتبة محمد علي صُبيح – 1971- راجعْ ص 8: 10 . (21) أبو عمر أحمد بن محمَّد بن عبد ربه – العِقدُ الفَريد- الجُزءُ الأوَّلُ - مطبعة الجمالية - الطَّبعة الأولى- 1913- وَقَدْ أوْرَدَها- بإيجازٍ- صاحبُ: (المَثَل السَّائر) الجُزءُ الأوَّل - سابق – ص : 197. (22) ذيلُ الأمالي والنَّوادر – الجُزءُ الأوَّل – سابق- ص :134. (23)عن : محمَّد عفيفي مطر – شُروخٌ في مِرْآةِ الأسْلافِ – منشورات وزارة الثَّقافة والإعلام العراقيَّة – دار الرَّشيد – 1982- ص :17. (24) السَّابق – ص :18. (25) ديفين ستيوارت – سابق- ص :8 ، ويُنْظَرُ تفصيلُ ذلكَ في : "بدايات الشِّعر العَربيِّ بينَ الكمِّ والكَيْف " لمحمَّد عوني عبد الرَّؤوف ، و:"مُلاحَظات حولَ مسألةِ العِلاقةِ بينَ الكمِّ والنَّبر في الشِّعر العَربيِّ" لسعيد بحيري، بمجلَّة : (فُصُول) ، يونيه1996 . (26) البَيَان والتَّبيين- الجزءُ الأوَّل - سابق- ص :217 ، وأوْرَدَها ابنُ رشِيق القَيروانيّ في: (العُمْدَة)- الجُزءُ الأوَّل - ص :20 . (27) البَيَان والتَّبين : الجُزءُ الأوَّل - سابق- ص : 285 . (28) أبو الفرجِ الأصْفهانيُّ – كِتابُ الأغاني – الجُزءُ الخَامِس عَشَر - الهيئة المِصْريَّة العَامة للكِتَاب – 2001- ص : 246 ، العِقْد الفَريد – الجُزءُ الثَّاني – سابق - ص :385 . (29) كِتَابُ الأغَانِي – الجُزءُ الخَامِس عَشَر - سابق - ص :147، البَيَان والتَّبيين – الجُزءُ الأوَّل – سَابق- ص:309 ، نَقْدُ النَّثر ، لِقُدَامة بن جعفر – تحقيق: د. طه حُسَين وعبد الحميد العبادي – المطبعة الأميريَّة ببولاق – 1941- ص ص : 110-111، العِقْد الفَريد – الجُزءُ الثَّاني – سابق - ص :385، صُبْح الأعْشَى ، للشَّيخِ أبي العبَّاس أحمد القًَلقشنديِّ- الجُزءُ الأوَّل - طبعة دَار الكتب الخديويَّة -1913- ص : 212 . (30) البَيَان والتَّبيين- الجُزءُ الأوَّل – سابق - ص :387، وَوَرَدَ كذلكَ في: لِسَانِ العَرَب – الجُزءُ السَّادس - سابق- ص 180. (31) السَّابق – ص :290. (32) نَقْدُ النَّثر- سابق- ص:121. (33) مًُقدِّمة ابنِ خلدون – سَابق - ص :72. (34) المَثَلُ السَّائر- الجُزءُ الأوَّل - سابق- ص :196. (35) أبو هَلالٍ العَسكري – كتاب الصِّنَاعتينِ – سابق- ص : 286. ( 36) نَقْدُ النَّثر- سابق - ص ص : 119-120. (37) المَثَلُ السَّائر- الجُزءُ الأوَّل - سابق - ص :196، وَرَاجِعْ كَذلكَ : كِتَاب الصِّنَاعتينِ – سابق - ص : 286. (38) نَقْدُ النَّثر – سابق - ص ص : 121-122. (39) الحَاقَّةُ – ص ص :41-42. (40) عن : ديفين ستيوارت – سابق- ص:10. (41) فُُصِّلَت - 3 . (42) ديفين ستيوارت – سابق- ص :38. (43) عبد القاهِر الجُرجاني – دلائلُ الإعْجاز- علَّق عليه : محمَّد رشيد رضا – دار المعرفة: بيروت – الطَّبعة الأولى - 1994- ص :334. (44) يَتَمثَّلُ هذا في مَا وَصَلَنَا عن مُسَيلِمَة بن حبيب (الكذَّاب) ، في قرآنِهِ، المَزْعُوم ؛ الَّذي يتلصَّصُ فيه على إيقاعاتِ النَّظمِ القُرآنيِّ ، كَمَا نَجِدُهُ في قوله :"وَالمبذرَاتِ زرْعا، والحَاصِدَاتِ حَصْدا ، والذَّاريَاتِ قَمْحَا ، وَالطَّاحِنَات طَحْنَا، وَالعَاجِنَاتِ عَجْنَا، وَالخَابِزَاتِ خَبْزَا، وَالثَّاردَاتِ ثَرْدَا، وَاللاقِمَاتِ لقْمَا، إهَالَةً وسَنَّا .. لَقَدْ فُضِّلتُمْ على أهلِ الوَبَر ، وَما سَبَقَكُمْ أهل ُ المَدَر، رِيْفُكُم فامْنَعُوه، وَالمُعْتَرّ فَآووه ، وَالبَاغِي فَنَاوِئوه .." عنْ : مُصطفى صَادق الرَّافعِي – إعْجَاز القُرآن وَالبَلاغة النَّبويَّة – مكتبة الايمان – 1997- ص :151. وقوله :" وَالشَّمسِ وَضُحَاهَا ، في ضَوْئِهَا وَمَجْلاهَا ، وَالليْلِ إذَا عَدَاهَا ، يَطْلُبَهَا لِيَغْشَاهَا ، فَأدْرَكَهَا حَتَّى أتَاهَا ، وَأطْفَأَ نُوْرَهَا وَمَحَاهَا " عن : هَامِشِ : البَيَان والتَّبيين – الجُزءُ الأوَّل - تحقيق وشرح : عبد السَّلام محمَّد هارون – مطبعة التَّأليف والتَّرجمة والنَّشر– الطَّبعة الأولى - 1948- ص :359 . (45) عن: زكى مبارك – النَّثر الفّنِّيُّ في القرنِ الرَّابع- الجُزءُ الأوَّل - سابق- ص ص :68-69. (46) أحمد أمين – ضُحَى الإسْلام– الجُزءُ الأوَّل - الهيئة المِصْريَّة العَامة لِلكِتَاب -1997- ص :187. (47) السَّابق – ص :229، وَيُرَاجَعُ كَذلكَ : مِنْ حَديثِ الشِّعرِ وَالنَّثرِ، لطه حُسَين – دار المعارف بمصر -1965- ص :79 . (48) أحمد أمين – ضُحَى الإسْلام – الجُزءُ الأوَّل - سابق- ص :65. (49) د. إحْسَان عبَّاس - عبد الحَميد يحيى الكَاتِب، وَمَا تبقَّى مِنْ رَسَائِلِهِ وَرَسَائِلِ سَالمٍ أبِي العَلاء - دار الشُّروق - عَمَّان ، الأردن- 1988- ص:138. (50) السَّابق - ص :142. (51) السَّابق- الصَّفحة نفسها . (52) السَّابق- ص :314 . (53) السَّابق - ص :164. (54) هو عبدُ الحَميدِ بنُ يحيى سعيد العَامريُّ ، الشَّهيرُ بعبدِ الحَميد الكَاتبِ ، نشأَ في الأنْبَار بالعِراق ، وعَمِلَ مُعلِّمَ صِبْيانٍ في شَبابِهِ، وتنقَّلَ بينَ عدَّةِ أماكنَ ، ثُمَّ التَحَقَ بديوانِ الرَّسائلِ في عهدِ هِشَام بن عبد المَلك ، وتخرَّجَ على يدِ سَالمٍ رئيسِ الدِّيوان ؛وأوَّلِِ مَنْ أحْدَث تَحَوُّلاً في الكِتَابَةِ الفَنِّيَّةِ ، تَنَبَّهَ لَهُ مَرَوَان بنُ محمَّد ، فاتَّخذَهُ كَاتِبَ دَوْلَتِه ، وَاسَتَمَرَّ عبدُ الحميدِ مُخْلِصًا لَهُ ، وَوَفيًا ، حَتَّى بَعْدَ أنْ هُزِمَ في مَوْقِعَةِ الزَّاب ؛ حَيْثُ فَرَّ معَهُ إلى مصرَ ، فَقُتلا معًا في بوصير سنة 132هـ ، ويُعَدُّ عبد الحَميد الرَّائدَ الحَقيقيَّ لِهَذَا الاتِّجَاهِ بينَ كُتَّابِ الرَّسَائلِ ، فقد دبَّجَ رَسَائلَ ذاتَ سَلاسَةٍ وَحُسْنِ تَقْسِيمٍ ؛ مُعْتَمِدًا عَلى طَاقَاتِ الازْدِوَاجِ ؛ فَصَارَتْ رَسَائِلُهُ نَمَاذِجَ يَحْتَذِيْهَا البُلَغَاءُ مِنْ بَعْدِه . (55) أبو منصورٍ عبدُ المَلكِ بن محمد إسْماعيل الثَّعالِبيُّ - يتيمةُ الدَّهر في أحْوَال العَصْر – تحقيق : محمَّد مُحيي الدِّين عبد الحميد – الجُزءُ الثَّالث- مطبعة السَّعادة بالقاهرة – الطَّبعة الثَّانية -1956- ص :158. (56)عَنْ : الفّنّ وَمَذَاهِبه في النَّثرِ العَربِيّ - سابق – ص:67. (57) عَنْ: أحمد أمين – ضُحَى الإسْلام- الجُزءُ الأوَّل - سابق – ص :216 ، واللافتُ أنَّ الأسْمَاءَ المَذْكُورَة ، لَمْ تَكُنْ عَربيَّةً ؛ بَلْ فَارسِيَّةً ؛ يَتَجَسَّدُ فيهَا التِقاءُ الثَّقَافتينِ ، كَمَا أنَّهُمْ مِنْ أصْحَابِ النَّثرِ الكِتَابِيّ ، وَلَيْسَ النَّثر الخَطَابِيّ . (58) مِنْ حَدِيْثِ الشِّعرِ وَالنَّثر – سابق - ص ص : 48-49. (59)عَنْ: مُقدِّمَة ابنِِ خلدون – الجُزءُ الأوَّل - دار إحياءِ التُّراث العَرَبيِّ – بيروت – الطَّبعة الأولى – 1999- ص :228، وَقَدْ وَرَدَتْ هذه الرِّسالةُ في العَديدِ من كُتُبِ الأدبِ العربيِّ ؛ باخْتِلافاتٍ طَفِيفةٍ، ومنها : كِتَابُ الوزراءِ وَالكُتَّابِ ، للجِهْشِيَاري- تحقيق : مُصطفى السَّقا ، وإبراهيم الإبياري ، وعبد الحفيظ شلبي – مطبعة الحَلَبِي – القاهرة – 1938- ص ص : 74-79، كَمَا وَرَدَتْ في : صُبْحِ الأعْشَى – الجزءُ الأوَّل - سابق - ص ص : 85-89 ، وَمِنَ الكُتُبِ المُعَاِصرَةِ وَرَدَتْ في كتاب: عَصْر المَأمُون ، للدُّكتور أحمد فريد رفاعي - المُجلَّد الثَّاني – الطَّبعة الرَّابعة - مَطْبَعة دار الكُتُب المِصْريَّة - 1928- ص ص : 53-54، كَمَا وَرَدَتْ في : المُنْتَخَب مِنْ أدبِ العَرَب ، لطه حُسَين ، وأحمد السَّكندريِّ ، وأحمد أمين ، وعَلي الجَارم ، وعبد العزيز البِشْري – مطبعة وزارة المَعَارف العمومية -1936 - ص :173. (60) عَنْ: د . أحمد فريد رفاعي – عَصْر المَأمُون- المجلد الثَّاني – الطَّبعة الرَّابعة - ص ص :60-61. (61) مِنْ حَدِيثِ الشِّعرِ وَالنَّثر- سابق- ص :46. (62) الفَنُّ وَمَذَاهِبُهُ في النَّثرِ العَرَبيِّ – سابق- ص:71. (63) السَّابق- ص :73. (64) السَّابق – ص :74 . (65) عبدُ اللهِ بنُ المُقَفَّع ، هُوَ رُوْزبَه بن دَاذَويَه ، وُلِدَ سنةَ 106هـ ، لأبٍ كَانَ مِنْ عُمَّالِ الحَجَّاجِ على الخَرَاجِ ، وَكَانَ يَدِيْنُ بالزِّرَادِشْتيَّةِ ، وَظلَّ ابنُ المُقَفَّعِ مَجُوسِيًّا ، حَتَّى أوائلِ الدَّولَةِ العبَّاسِيَّةِ ، أتْقَنَ اللغةَ العَربيَّةَ ، وَتَثَقَّفَ بِثَقَافَتِهَا – على أيْدي آل الأهْتمِ بِالبَصْرَة – بِجَانبِ ثَقَافَتِهِ الفَارسِيَّةِ وَاليونَانيَّةِ ، وَرَغْمَ دخوله في الإسْلامِ فإنَّ رُواةً كَثيريْنَ يُشَكِّكونَ في إسْلامِهِ ، حَتَّى رَوَى المُرْتَضَى في أمَاليْهِ عَن المَهْديِّ قوْله: إنَّ زَنْدَقَةَ بنِ المُقَفَّعِ هِيَ الَّتي قَتَلَتْهُ ، القتلَةَ الشَّنِيْعَةَ ، فَيُقَالُ أنَّه قَصَدَ دِيوانَ الحُكُومَةِ بِالبَصْرَةِ ، وَاسْتَأذَنَ سُفْيَانَ ، فَأدْخَلَه في مَقْصُورَةٍ ، هِيَ في الأصْلِ تَنُّورٌ، وَقَالَ لَهُ : وَاللهِ لأقْتُلَنَّكَ قِتْلَةً يَسَيْرُ بِذِكْرهَا الرُّكْبَانُ ، وَأخَذَ يُقَطِّعُ أعْضَاءَهُ قِطْعَةً قِطْعَةً ، وَيُلْقِيْهَا في النَّار، وَهُوَ يَرَاهَا تَحْتَرقُ ، حَتَّى مَاتَ سَنَةَ 143هـ ، وَقِيلَ 145هـ ، وَلَمْ يُتَرجِمْ ابنُ المُقَفَّعِ : كَلِيْلَة وَدِمْنَة ، فَقَط ؛ فَقَدْ كَانَ أوَّلَ مَنْ تَرْجَمَ كُتُبَ أرِسْطو في المَنْطِقِ وَالجَدَلِ وَالقِيَاسِ إلى العَربيَّةِ ، وَمِنْ آثَارِهِ الَّتي بَقِيَتْ : الأدَبُ الصَّغير – الأدَبُ الكَبيْرُ ، أوْ: اليَتِيْمَة ، وَلَهُ كَذَلكَ : رِسَالَةُ الصَّحَابَة ، وابنُ المُقَفَّعِ ثَانِي اثْنَيْنِ قَامَتْ على جُهْدِهِمَا الكِتَابَةُ الفَنِّيَّةُ الجَدِيدَةُ ؛ بِجَانِبِ عبدِ الحَميدِ الكَاتِبِ . (66) مِنْ حَدِيثِ الشِّعرِ وَالنَّثرِ- سَابق - ص ص41-42. (67) رَاجِعْ ،على سبيلِ المِثالِ : مُصطفى صَادق الرَّافعي- إعجازُ القُرآن والبَلاغَة النَّبويَّة - مكتبة الإيمان - د.ت – ص :194، طه حُسَين - مِنْ حَدِيثِ الشِّعرِ وَالنَّثر- ص :51 . عَلى الرَّغْمِ مِنَ الإشَادَاتِ المُتَواليَةِ، مِنْ طه حُسَين ، في هذا الكِتَابِ ، بابنِ المُقَفَّعِ ، رَاجِعْ صَفَحَاتِ :28، 40، 42، 48، 49 . (68) مِنْ حَدَيثِ الشِّعر وَالنَّثر – سَابق - ص:49 . (69) عبدُ اللهِ بنُ المُقَفَّع- كَليْلَة وَدِمْنَة – تعليق: د . طَه حُسَين بك وعبد الوهَّاب عزَّام- دار المعارف- الطَّبعة الثَّالثة - د . ت- ص ص :26- 28 . (70) د. شَوقي ضَيف – الفنُّ ومذاهبُهُ في النَّثرِ العَربيِّ - سابق- ص :15 . (71) البَيَانُ والتَّبيين – الجُزءُ الأوَّل - سابق - ص 520، وَهُوَ مَا يذكُرُهُ ، كَذَلكَ ، في: الحَيَوان – الجُزءُ الثَّالث - ص :66، وَيَذْكُرُهُ في بِدايَةِ : البُخَلاءِ ، وَسَهْلٌ بنُ هَارون خَطِيبٌ وَشَاعرٌ وَأديبٌ مُتَرسِّلٌ ، مِنْ أصْلٍ فَارسِيٍّ ، وُلِدَ في اسْتِميسَان ( بين الأهواز والبصرة )، سَنَةَ 215هـ ، ثُمَّ تَرَكَ مَوْطِنَهُ إلى البَصْرَةِ ، ثُمَّ إلى بَغدادَ ، وَاتَّصلَ بِالفَضْلِ بنِ سَهلٍ ؛ الَّذي قدَّمَهُ بِدَوْرِهِ إلى المَأمُونِ ؛ الَّذي أُعْجَبَ بِبَيَانِهِ وَعَقْلِهِ ؛ فَجَعَلَهُ عَلى بيتِ الحِكْمَةِ ، وَكَانَ الجَاحِظُ يُكْبِرُ سَهْلاً وَيُقدِّرُهُ تقديْرًا ، نَفْهَمُ مِنْهُ ، أنَّهُ كَانَ أهَمَّ كُتَّابِ القَرْنِ الثَّانِي الهِجْريِّ ، وَفي كِتَابَتِهِ شُعُوبيَّةٌ شَدِيدَةُ العَصَبيَّةِ عَلى العَربيَّةِ ، وَمِنْ آثارِهِ: تَعْلَة وَعَفْرَة ؛ في مُعَارَضَةِ : كَلِيْلَةٍ وَدِمْنَة ،و: الوَامِقُ وَالعَذْرَاء ، و: تَدْبيْرُ المُلْكِ وَالسِّيَاسَةِ ، وَلَمْ يَصْلَنَا مِنْ هذِهِ الآثارِ إلاَّ النَذْرَ القليْلَ ؛الَّذي أوْرَدَهُ الجَاحِظُ في : البُخَلاء ، وَ: البَيَان وَالتَّبيين . (72) د. أحمد فريد رِفاعي – عَصْرُ المَأمُون- المجلَّد الثَّاني – الطَّبعة الرَّابعة - مُلْحق الكِتَاب الثَّالث- مطبعة دَار الكُتُب المِصْريَّة - 1928 - ص : 50 . (73) الجَاحِظُ – البُخَلاء- ضَبَطَهُ وَصَحَّحَه : أحمد العَزَامِريّ بك ،عليّ الجَارم – الجزء الأول - مطبعة دار الكُتُب المِصْريَّة – 1939- ص : 33 . (74) السَّابق – ص ص : 40-41 . (75) الفَنُّ وَمَذَاهِبُهُ في النَّثرِ العَرَبيِّ – سَابق - ص:90 . (76) السَّابق – ص ص :91-92 . (77) الجَاحِظُ : أبُو عُثمانَ عَمْرو بن بحر بن مَحْبُوب الكِنَانِي البَصْريُّ، وُلِدَ بِالبَصْرَةِ سَنَةَ 159هـ ، وَنَشَأَ وَدَرَسَ بِهَا ، وَكَانَ مُشَوَّهَ الخَلْقِ جَاحِظَ العَيْنَينِ ؛ فَانْصَرَفَ ، عَن النَّاسِ ، إلى التَّحصِيْلِ وَالكِتَابَةِ وَالتَّألِيفِ ، وَيَرْوي ابنُ النَّديْمِ عَنْهُ أنَّهُ كَانَ يَكْتَري دَكَاكِين الوَرَّاقِينَ ، وَيَلْبَثُ فِيْهَا؛ لِلْقِرَاءَةِ ؛ وَلِهَذَا احْتَشَدَتْ كُتُبُهُ بِالثَّقَافَاتِ المُتَنَوِّعَةِ ؛ فَكَانَتْ أشْبَهَ بِدَوائِر مَعَارِف ، وَقَدْ لازَمَ إبراهيمَ بنَ سَيَّار النّظام المُتَكلِّمَ المُعْتَزَليَّ ، وَأخَذَ عَنْهُ ، حَتَّى أصْبَحَ عَلى رَأسِ جَمَاعَةٍ تُنْسَبُ إليْهِ ،فُلِجَ في آخِرِ حَيَاتِهِ ، وَمَاتَ في البَصْرَةِ وَالكِتَابُ على صَدْرِه ؛ قَتَلَتْهُ مُجَلَّداتٌ مِنَ الكُتُبِ وَقَعَتْ عَليْهِ ، وَفي فَضْلِهِ يَقولُ مُحْيي الدِّينِ اللاذِقَانِي : " الجَاحِظُ في أمَّةِ العَرَبِ مِثلُ أرِسْطُو عِنْدَ الإغْريْقِ ، مَا مِنْ فكرَةٍ إلاَّ وَإليْهِ تَعُودُ ، وَمَا مِنْ عِلْمٍ إلاَّ وَعِنْدَهُ مِنْهُ نَصِيبٌ ": - آبَاءُ الحَدَاثَةِ العَربيَّةِ - الهيئَة المِصْريَّة العَامة لِلكِتَاب - 2003- ص : 19. وَمِنْ آثارِهِ : الحَيَوَانُ ، وَ: البَيَانُ وَالتَّبيين، وَ: البُخَلاءُ ، وَ: سِحْرُ البَيَانِ ،و: مَجْمُوعُ الرَّسَائل ،وَ: فَضِيْلَةُ المُعْتَزَلَة ، وَ: النَّبٍيُّ وَالمُتَنَبيّ ، وَتُوفِّيَ سَنَةَ 255هـ . (78) البُخَلاءُ – مُقدِّمَةُ الكِتَابِ – ص ص : 6-7 . (79) مِنْ حَديثِ الشِّعرِ وَالنَّثرِ- سَابق - ص : 63 . (80) الفَنُّ وَمَذَاهِبُهُ في النَّثرِ العَرَبِي – سابق - ص :100 . (81) السَّابق- ص : 107 . (82) البُخَلاءُ – سابق - ص :17 . (83) السَّابق- ص ص : 19: 20 . (84) الفَنُّ وَمَذَاهِبُهُ في النَّثرِ العَربِيِّ – سابق – ص :105- 106 . (85) الجَاحِظُ – الحَيَوانُ – تحقيق : عبدُ السَّلام هَارون – الجُزءُ الأوَّل - مطبعة البَابِي الحَلَبِي- الطَّبعة الثَّانية - 1936- ص :3 . (86) الفَنُّ وَمَذَاهِبُهُ في النَّثرِ العَربِيِّ- سَابق - ص :132 . (87) مِنْ حَدِيثِ الشِّعرِ وَالنَّثرِ- سَابق - ص :79 . (88) عبد الفتاح كليطو- المَقَامَات : السَّردُ وَالأنْسَاقُ الثَّقافيَّة – ترجمة : عبد الكبير الشَّرقاوي – دار توبقال – المغرب - 1993- ص ص :74-75. مِنْ النَّماذجِ شَديدةِ الدَّلالةِ عَلى المُغَالاة في التَّرفِ ، في ذَلكَ العَهْدِ ، مَا أوْرَدَهُ يَاقوتُ، في مُعْجَمِهِ ]13/103[ عَنْ الوزير المُهَلَّبيِّ (ت 352هـ) ، أنَّه كَانَ إذَا أرَادَ أكْلَ شيءٍ بِمِلْعَقَةٍ ؛ كَالأرْزِ وَاللبنِ ، وَقَفَ مِنْ جَانِبِهِ الأيْمَنِ غُلامٌ مَعَهُ نَحْوَ ثََلاثيْنَ مِِلْعَقَةً زُجَاجًا مَجْرُوْدًا ، فَيَأخُذُ مِنْهُ مِلْعَقَةً يَأكُلُ بِهَا مِنْ ذَلكَ اللونِ لُقْمَةً وَاحِدَةً ، ثُمَّ يَدْفَعُهَا إلى غُلامٍ آخَرٍ، قَامَ في الجَانِبِ الأيْسَرِ ، ثُمَّ يَأخُذُ أخْرَى، فَيَفْعَل بِهَا فِعْلَ الأوْلى ، حَتَّى يَنَالَ الكِفَايَةَ ؛ لِئلاَّ يُعِيْد المِلْعَقَةَ إلى فِيْهِ دُفْعَةًً ثَانِيَةً ." (89) مِنْ حَديْثِ الشِّعرِ وَالنَّثرِ- سَابق - ص:42 . (90) الفَنُّ وَمَذَاهِبُهُ في النَّثرِ العَربيِّ – سَابق - ص 156، وَفي: المُنْتَخَب مِنْ أدَبِ العَرَب – وُصِفَ هَذَا النَّثرُ الفَنِّيُّ ، بِأنَّهُ شِعْرٌ مَنْثُورٌ . رَِاجِعْ : الجُزْءَ الثَّانِي – ص :219، ص :213 . (91) المَقَامَاتُ : السَّردُ وَالأنْسَاقُ – سَابق- ص :75 . (92) مَقَامَاتُ أبي الفَضْلِ بَديعِ الزَّمَانِ الهَمَذَانِيِّ- شَرَحَهَا وَحَقَّقَهَا محمَّد مُحيي الدِّين عبد الحَميد- الهيئة المِصْريَّة العَامة لِلْكِتَاب -2002- ص :111 . (93) المَقَامَاتُ : السَّردُ وَالأنْسَاق – سَابق- ص :77 . (94) المَرْجِعُ السَّابق- الصَّفحة نَفْسهَا . (95) المَرْجعُ السَّابق – الصَّفحة نَفْسهَا . (96) المَرْجعُ السَّابق – الصَّفحة نَفْسهَا . (97) المَرْجِعُ السَّابق- ص:79 . (98) ابنُ طباطبا العَلوي – عِيَارُ الشِّعر– تحقيق : طه الحَاجِري ومحمَّد زغلول سلاَّم – المكتبة التّجاريَّة – القاهرة -1965- ص :78 . (99) هُوَ الوزيرُ الأديبُ أبو الفضْلِ محمَّد بن الحُسَين ،المَعْروف بابنِ العَميدِ وَبالأسْتَاذِ الرَّئيسِ وَالجَاحِظِ الأخيْرِ، وَكَانَ يُضْرَبُ بِهِ المَثَلُ في البَلاغَةِ، وَكَانَ يُقَالُ :"بُدِئتْ الكِتَابَةُ بِعَبْدِ الحَميدِ وَخُتِمَتْ بِابنِ العَمِيد"، وَهُوَ أُسْتَاذُ عَصْرِهِ ، وَرَائِدُ تَيَّارٍ أدَبيٍّ اسْتَمرَّ قُرونًا طَويْلَةً ، اعْتَمَدَ فِيْهِ عَلى الْتِزَامِ السَّجعِ وَالتَّوسُّعِ في البَديعِ ، وَهُوَ يَنْتَمِي إلى أصْلٍ فَارسِيٍّ ، وَقَدْ اشْتُهِرَ بِالعِلْمِ وَالفِقْهِ وَالمَنْطِقِ وَالهَنْدَسَةِ وَالفَلْسَفَةِ وَالطَّبيعَةِ ، وَأصْبَحَ وَزيْرًا ، لِرُكْنِ الدَّولَةِ بن بُويَه سَنَةَ 328، ثُمَّ عَضُدِ الدَّولةِ بن بُويَه ، فَأسْهَمَ في تَأسْيسِ الدَّولةِ البُوَيْهيَّةِ في فَارِس وَالعِرَاقِ ، وَتُوِفِّيَ سَنَةَ 360هـ . (100) إيفريت رسون – السَّجْعُ بَيْنَ التَّوحِيْدِيِّ وَمُعَاصِريْهِ – مجلَّة:(فُصُول) – شِتَاء 1996- ص : 317 . (101) يَتِيْمَةُ الدَّهْر- الجزءُ الثَّالث – ص :167 . (102) هُوَ أبُو القَاسِم إسماعيل الصَّاحب بن عبَّاد ، ثَانِي وَزِيرٍ يَلْمَع في بَلاط آل بُويَه ، وَأحَدُ أبْرَزِ البُلَغَاءِ في عَصْرِهِ ، لُقِّبَ بِالصَّاحِبِ ؛ لِمُصَاحَبَتِهِ ابْن العَمِيدِ ،أخَذَ الأدَبَ على يَدَيْ ابْنِ فَارسٍ اللغويِّ المَعْروفِ ، وَمِنْ أبِي الفَضْلِ ابنِ العَمِيدِ ، قَضَى في الوزارةِ ثَمَانيَةَ عَشَر عَامًا ،رَعَى فِيْهَا الأدَبَاءَ والشُّعَرَاءَ ؛ فَالتَفُّوا حَوْلَهُ وَأكْبَروه وَمَدحُوه ، وَلِبيَانِ مَنْزِلتِهِ يَحْكِي الثَّعالِبيُّ ، في: يَتِيمَةِ الدَّهرِ ، كَثِيْرًا مِنْ فِقَرِ كَلامِهِ ؛ الَّتي كَانَتْ تَجْري مَجْرَى المَثَلِ، وَكَانَ الصَّاحِبُ مُعْجَبًا بِفَنِّهِ ، تَيَّاهًا بِهِ ، وَقَدْ اسْتَغَلَّ مُعَاصِرُه وَخصْمُهُ أبُو حَيَّان التَّوحيديُّ فيْهِ هذِهِ النَّزعَةَ ، وَحَمَلَ عَليْهِ - وَعَلى ابْنِ العَمِيدِ ؛ أسْتَاذِهِ – في كِتَابِهِ: مَثَالب الوَزِيْريْنِ ، وَقَدْ تُوِفِّيَ في سَنَةِ 385هـ . (103) يَتِيْمَةُ الدَّهرِ – الجُزءُ الثَّالث – سَابق - ص:256 . (104) أبُو إسْحَاق الصَّابِي ،هُوَ إبراهيم بن هِلالٍ الحَرَّانِيّ الصَّابئ ، لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا، وَلكنَّ مَقْدِرَتَهُ على الإنْشَاءِ البَليغِ ؛ ذِي السَّجعِ الدَّقيقِ جَعَلَتْ الشَّهَادَات- كَمَا يقولُ الثَّعالِبيُّ في اليَتِيْمَةِ – تَتَّفقُ لَهُ ، بِبلُوغِ الغَايَةِ في البَرَاعَةِ وَالصِّنَاعَة ؛ وَلأنَّهُ كَانَ" أوْحَدَ الدُّنيَا في إنْشَاءِ الرَّسَائلِ"، كَمَا يقولُ يَاقوتٌ في مُعْجَمِهِ ، فَقَدْ وَلاَّهُ الوَزيرُ المُهَلَّبيّ دِيوانَ الرَّسَائلِ بِبَغْدَادَ سَنَةََ 349هـ ، وَيُقَالُ أنَّ مَوْلاهُ عِزَّ الدَّولةِ بِخْتِيَار البُويَهِيَّ ، عَرَضَ عَلَيْهِ الوَزَارَة إنْ أسْلَمَ فَامْتَنَعَ ؛ وَلَكِنَّهُ كَانَ حَسَنَ العِشْرَةِ لِلْمُسْلِمِيْنَ لِدَرَجَةِ أنَّه كَانَ يُشَاركُهم في صِيَامِ شَهرِ رَمَضَانَ وَكَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أدَبَاءِ عَصْرِهِ الكِبَارِ مِنَ المُسْلِمينَ – مِثْل الصَّاحِبِ بنِ عَبَّاد – صَدَاقَاتٌ وَمَوَدَّاتٌ ، حَبَسَهُ عَضُدُ الدَّولةِ ، فَشَرَعَ في مَحْبَسِهِ يُؤلِّفُ كِتَابَهُ: التَّاجِي ، في أخْبَارِ آلِ بُويَه ، وَقَد تُوفِّيَ في سَنَةِ 384هـ ؛ وَهُوَ في الحَاديةِ وَالتِّسعِينَ مِنْ عُمْرهِ . (105) يَتِيْمَةُ الدَّهر – الجُزءُ الثَّانِي – سَابق - ص ص :254-255 . (106) أبُو العَبَّاس أحمد بن إبراهيم الضَّبيُّ ؛ الوَزيرُ الأدِيبُ ، المُلَقَّبُ بِالكَافِي الأوْحَد ، الوزيرُ بَعْدَ الصَّاحِبِ أبِي القََاسِمِ بنِ عَبَّاد ، وَتِلمِيذُهُ ، وَكَانَ – كَمَا ذَكَرَ الثَّعَالِبيُّ – جُذْوةً مِنْ نَارِهِ ، وَنَهْرًا مِنْ بَحْرِه ، وَخَلِيْفَتُهِ النَّائبُ مَنَابَهُ في حَيَاتِه ، وَالقَائِمُ مَقَامَهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ ، وَكَانَ الصَّاحِبُ قَدْ اصْطَحَبَه مُنْذُ الصِّبَا ، وَأدَّبَهُ بِأدَبِهِ وَقَدَّمَهُ على سَائِرِ نُدَمَائِهِ ، وَنَصُّهُ المَذْكُورُ هُنَا ، عَنْ: يَتِيْمَةِ الدَّهرِ – جـ3- ص ص : 293-294 . (107) أبُو بَكرٍ محمَّد بنُ العبَّاس الخُوَارزميُّ ، الشَّاعرُ وَالأدَيبُ وَاللغَويُّ، وُلِدَ سَنَةَ 323هـ ، في خُوَارزمَ وَنَشَأَ بِهَا وَإليْهَا يَنْتَسِبُ ، وَهُوَ ابنُ أخْتِ محمَّد بن جَريرِ الطَّبَريّ ؛صَاحب التَّاريْخ المَعرُوف ،غَادَرَ خُوَارِزْمَ إلى العِرَاقِ وَالشَّامِ ؛حِينَمَا تَفَتَّحَتْ مَوْهِبَتُهُ في الشِّعرِ وَالنَّثرِ ، أخَذَ عَن العُلمَاءِ وَالشُّعَرَاءِ حَتَّى صَقَلَ مَوْهبَتَهُ ، وَلَقِيَ سيفَ الدَّولةِ وَخَدَمَهُ ، وَتَنَقَّلَ كَثيْرًا حَتَّى وَصَلَ إلى نيسَابُورَ؛ فَلَقِيَ الصَّاحبَ بنَ عَبَّاد ، وَقَبْلَ وَفاتِهِ بعامٍ جَرَتْ بَيْنَهُ وَبيْنَ بَديعِ الزَّمَانِ الهَمَذَانيِّ مُنَاظرَةُ شَهيرَةٌ ، وَيُعَدُّ دِيوانُ رَسَائلِهِ أرْقَى آثَارِ النَّثرِ الفَنِّيِّ ، وَتُوفِّيَ سَنَةَ383 هـ ،عنْ سِتِّينَ عامًا . (108) رسائل أبي بكر الخوارزميِّ – الطَّبعة الأولى – مطبعة الجوائب – قسطنطينيَّة – 1297 – ص : 54 . (109) أبُو الفَضْلِ أحمدُ بنُ الحُسَينِ الهَمَذَانِيُّ ، الكَاتِبُ المُتَرسِّلُ وَالشَّاعرُ المُبْدِعُ ، وَاضِعَُ أساسِ فنِّ المَقَامَةِ ، وَمُحدِّدُ مَعَالِمِهَا بَعدَ أنْ رَسَمَ ابنُ دُرَيدُ (-321هـ) الطَّريقَ إليْهَا – وَقَدْ وُلِدَ بِهَمَذَانَ سَنَةَ358هـ ، وَإليْهَا يَنْتَسِبُ ، وَتَرَكَهَا وَهُوَ ابنُ اثْنَينِ وَعِشْرِينَ سَنَةًَ، وَتَثَقَّفَ على يَدَيْ أحمد بن فارس اللغويِّ المَعروفِ ، ثُمَّ اتَّصلَ بالصَّاحِبِ بنِ عَبَّادِ ، فَنَهَلَ مِنْهُ وَتَزَوَّدَ ، ثُمَّ تَرَحَّلَ كَثِيرًا ، كَمَا يَرْوي الثَّعَالِبيُّ ، و يُرْوَى أنَّهُ كَانَ يَتَمَتَّعُ بِذَاكرَةٍ قويَّةٍ ؛ بَلْ خَارِقََةً ، لِدَرَجَةِ أنَّهُ يَحْفَظُ القَصِيْدَةَ الَّتي تَزيدُ على الخَمْسِينَ بيتًا إذَا سَمِعَهَا لأوَّلِ مَرَّةٍ ، كَمَا كَانَ شَغُوفًا بِالتَّجديدِ ؛ لدَرَجةِ أنَّه كَانَ يُحَاولُ كِتَابَةَ كِتَابٍ يَخْلُو مِنَ الحُرُوفِ المُنْفَصِلَةِ ، وآخَر تَكُونُ أوَّلُ سُطُورِهِ كُلّهَا مِيْمًا وَآخِرُهَا جِيْمًا ، وَآخَر إذَا قُرِئَ مِنْ أوَّلِهِ إلى آخِرهِ يَكُونُ كِتَابًا وَإذَا قُرِئَ مِنْ آخِرهِ إلى أوَّلِهِ يَكُونُ جَوَابًا على هَذَا الكِتَابِ ، وَيَذْكُرُ في رَ سَائِلِهِ أنَّهُ صَنَعَ أرْبَعَمَائةَ مَقَامَة ، وَلكنْ مَا وَصَلَنَا مِنْهَا غَيْرُ اثْنَيْنِ وَخَمْسِيْنَ فَقَط ، وَالبَدِيعُ هُوَ أكَثْرُ أدَبَاءِ عَصْرِهِ شُهْرَةً ، وَإلى جَانبِ مَقَامَاتِهِ الشَّهيرَةِ ، لَهُ دِيوانُ رَسَائِلَ ، وَقَدْ تُوفِّيَ سَنَةَ 393هـ ، وَهُوَ في الأرْبَعِينَ مِنْ عُمْرِهِ . (110) عَنْ : النَّثرِ الفَنِّيِّ في القَرْنِ الرَّابِعِ- الجُزءُ الثَّاني – سَابق - ص :353 . (111) قَابُوس بنُ وَشْمَكِيْر، أمِيْرٌ زِيَارِيٌ مِنْ أمَرَاءِ الزِّيَاريِّينَ الفَارسِيِّينَ ، الَّذين حَكَمُوا طبْرسْتَانَ وَجُرْجَانَ ، تَولَّى الحُكْمَ عام 367هـ ، وَقدْ لَقَّبَهُ الخليفةُ العَبَّاسِيُّ – عَلى عَادَةِ هَؤلاءِ الخُلفَاءِ في تَلقِيْبِ حُكَّامِ الولايَاتِ الفَارسِيَّةِ ألقَابًا مُخْتَلِفَةً – بِلَقَبِ : شَمْسِ المَعَالِي ، اسْتَهْدَفَتْهُ غَارَاتٌ مُتَوَاليَةٌ مِنْ بَنِي بُوَيه ، اضْطَرتَهُ في النِّهَايَةِ إلى الفِرَارِ مِنْ إمَارَتِهِ سَنَةَ 371هـ ، ثُمَّ عَادَ في سَنةِ 388هـ ، وَاسْتَرَدَّ مُلْكَهُ ، غَيْرَّ أنَّ جُنُودَهُ وَقُوَّادَهُ حَاصَرُوهُ في أُخريَاتِ أيَّامِهِ ؛ لِشدَّتِهِ عَليْهِمْ وَبَطْشِهِ الشَّديدِ بِهِمْ ، وَاضطرُّوهُ لِلتَّنازُلِ عنْ مُلْكِهِ لابْنِهِ مُتُوجَرَ، وَضَغَطوا عَلى ابْنِهِ حَتَّى اضطرُوهُ إلى حَبْسِهِ في إحْدَى القِلاعِ بِجُرْجَانَ، وَاسَتمرَّ بِهَا حَتَّى اغْتيلَ سَنَةَ403هـ ، جَمَعَ اليَزَدَاويُّ رَسَائلَهَ في كِتابٍ بِعُنوَانِ : كَمَال البَلاغَة . (112) النَّثرُ الفَنِّيُّ في القَرْنِ الرَّابعِ – الجُزءُ الثَّاني - ص:278،: الفَنُّ وَمَذَاهِبُهُ في النَّثرِ العَرَبيِّ – سَابق – ص ص :183-184 . (113) عبد الفتَّاح كليطو – المَقَامَاتُ :السَّردُ والأنْسَاقُ الثَّقَافيَّةُ – سَابق- ص:73 . (114) د. عبد المَلك مُرْتَاض - في نَظَريَّة الرِّوَايَة - عَالَم المَعْرفَة - العدد 240- الكويت –ديسمبر1998، وَيُنْظَرُ الرَّأيُ نَفْسُهُ للكَاتِب نَفْسِهِ ، في مجلَّةِ:(الأقلام) العِرَاقيَّة - العدد :11،12- تِشْرين الثَّاني - كانُون أوَّل 1986- ص :123 . (115) د. شَوقي ضَيف- المَقَامَة- الطَّبعة الثَّانية - دَار المَعَارف بِمِصْرِ-1964- ص :8 . (116) المَرْجِعُ السَّابق- ص ص: 8-9، وَرَاجِعْ أيْضًا : هَوَامِش في الدِّرَامَا وَالنَّقد ، للدُّكتور ابرَاهيم حَمَادة – الهَيئة المِصْريَّة العَامة للكِتَابِ - 1988- ص ص : 168-169 . (117) المَرْجِعُ السَّابق- ص :5 . (118) عبد الفتَّاح كليطو- المَقَامَاتُ : السَّردُ وَالأنْسَاقُ الثَّقَافيَّة- سابق- ص :77 ، وَرَاجِعْ ، كَذلكَ: المَقَامَة، لشَوقي ضَيف – ص ص :78-79. وَأشْهَرُ مَن احْتَذَى مَقَامَاتِ الحَريريِّ : أبُو الطَّاهرِ محمَّد بنُ يُوسُف السَّرقَسْطِيُّ(- 538هـ) ، في المَقَامَاتِ السَّرقَسْطيَّة ، وأحمدُ بنُ أبي بكرٍ بن أحمد الرَّازيُّ – في اثْنَتَي عَشَرَ مَقَامَةً ، كَتَبَهَا سَنَة630هـ - وَزَينُ الدِّينِ بن سَيْقَل الجَزْريُّ(-70هـ) - في المَقَامَاتِ الزَّينيَّة – وَالسِّيُوطِيُّ( -911هـ) - في مَقَامَاتٍ أشْبَه بالرَّسَائلِ ؛ حَيْثُ تَخْلو مِنْ بَطَلٍ وَرَاوٍ – وَفي القَرْنِ التَّاسِع عَشَرَ كَانَتْ مَقَامَاتُ نَاصِيف اليَازجيِّ( 1800-1871) المَعْرُوفَةِ بـِ" مَجْمَعِ البَحْرَينِ" وَقَدْ شُهِدَ لَهُ بالإجَادَةِ في احْتِذَاءِ الحَريريِّ ، وَفي القَرْنِ العشرينَ تُعَدُ مَقَامَاتُ محمَّد المُوَيلِحِي (1858-1930) المَعْرُوفَةِ بِحَديثِ عِيْسى بنِ هِشَام أبْرزَ انْجَازَاتِ المَقَامَةِ ،في القَرنِ المَاضِي ، وَلَمْ يَقْتَصِرْ تَأثِيرُ مَقَامَاتِ الحَريريِّ عَلى مَنْ قَلَّدوه في إنْشَاءِ المَقَامَاتِ ؛ وإنَّمَا تَعدَّى ذَلكَ إلى تَأثُّرِ الكُتَّابِ بِأسَالِيْبِهِ ، وَهُوَ مِنْ هَذه النَّاحيَةِ كَانَ أوْسَعَ تأثِيرًا ، وَنَتكشَّفُ هَذَا بِمُجرَّدِ مُطالَعَةِ أعْمَالٍ كَـ" صَهَاريْجِ اللؤلؤ" لِتوفيقِ البَكْري وَ" ليالِي سَطيح" لِحَافظ ِإبراهيم . (119) المَقَامَاتُ : السَّردُ وَالأنْسَاقُ الثَّقافيَّة - سَابق- ص:77 . (120) السَّابق- ص :75، وَرَاجِعْ كَذلكَ : دَائرة المَعَارف الإسْلاميَّة ، لـ (أ. جي. بيل)- جـ12-الطَّبعة الأولى - مَرْكَزُ الشَّارِقَة للإبْدَاعِ الفِكْري- 1998- ص : 3674 . (121) مَقَامَاتُ الحَريريِّ - دَار صَادر- بيروت -1992- ص :161 . (122) الحَرِيريُّ(446-516هـ) ، أبُو مُحمَّد القَاسِم بنُ عَليٍّ بنُ مُحمَّد بنُ الحَريريِّ، لُقِّبَ بِالحَريريِّ، نِسْبَةً إلى عَمْلِ الحَريرِ أوْ بَيْعِهِ ، وُلِدَ وَنَشَأَ في المَسَانِ بِالقُرْبِ مِنَ البَصْرَةِ ، وَبَعْدَ أنْ شَبَّ ذَهَبَ إلى البَصْرَةِ وَدَرَسَ اللغَةَ وَالأدَبَ بِهَا ، وَفِيْهَا تَولَّى مَنْصِبَ "صَاحِبَ الخَبَر"، في دِيوَانِ الخِلافَةِ ،وَأشْهَرُ مُؤلَّفَاتِهِ: المَقَامَاتُ ، وَعَدَدُهَا خَمْسُونَ ، وَلَهُ أيْضًا مَجْمُوعَةٌ مِنَ الشِّعرِ وَمَجْمُوعَةٌ مِنَ الرَّسَائلِ ، وَكِتَابُ: دُرَّة الغَوَّاصِ، في أوْهَامِ الخواصِ، وَأُرْجُوزَةٌ في النَّحوِ سَمَّاهَا : مُلْحَة الإعْرَاب في النَّحو، وكتاب : تَوشِيحُ البَيَان، وَكِتَاب: صُدُورُ زَمَانِ الفُتُورِ، وَفُتُورُ زَمَانِ الصُّدُور، وَيذكرُ يَاقوتٌ أنَّه كَانَ دَميمَ الخِلْقَةِ مُبْتَلىً بِنَتْفِ لِحْيَتِهِ . (123) مَقَامَاتُ الحَريريِّ – سَابق- ص :12 . (124) السَّابق – ص : 51 . (125) السَّابق- ص :53 . (126) السَّابق- ص : 236 . (127) السَّابق – ص : 247 . (128) السَّابق – ص : 223 . (129) السَّابق- ص : 56-57 . (130) السَّابق- ص : 403 . (131) السَّابق- ص : 403-404 . (132) السَّابق- ص ص :404-405 . (133) السَّابق- ص ص : 405-406 . (134) السَّابق- ص ص : 406-407 . (135) السَّابق- ص ص : 138-139 . (136) السَّابق- ص ص : 139-140 . (137) السَّابق- ص ص :140-141 . (138) السَّابق – ص :147 . (139) السَّابق- ص ص : 148-149 . (140) عَنْ : مُعْجَمِ الأدَبَاءِ ، ليَاقُوتٍ الحَمَويِّ – المُجلَّد الثَّامن – دار إحيَاء التُّراث – بيروت – 1988- ص ص : 276- 278، وَقَدْ وَرَدَتْ كَذَلكَ في : خَريدَةِ القَصْرِ وَجَريدَةِ أهْلِ العَصْر، لِعِمَاد الدِّين الأصْفَهَانِي (- 597هـ) – الجزء الأوَّل - 185 . (141) مُعْجَمِ الأدَبَاءِ – المُجلَّد الثَّامِن – ص ص : 281-282 ، وَتُنْظَرُ ،كَذلكَ في : خَريدَةِ القَصْر– الجزء الأوَّل – ص : 186 . (142) القَاضِي الفَاضِل (539-596هـ ) ، هُوَ عبد الرِّحيم بنُ عليٍّ بن الحَسَنِ اللخمِيّ ، وُلِدَ في عَسْقَلانَ ، وَقدِمَ إلى مِصْرَ في الخَامِسَة ِعَشَرَة مِنْ عُمْرِهِ ، في أيَّامِ الخَليفَةِ الفَاطِميِّ الحَافظِ لديْنِ اللهِ ، وَعَمِلَ كَاتبًا في دَواويْنِ الدَّولةِ ، وَحِيْنَ وَلِيَ صَلاحُ الدِّينِ أمْرَ مِصْرَ ، كَلَّفَهُ بِالوزَارَة ِ، وَدِيْوَانِ الإنْشَاءِ ، وَأصْبَحَ لِسَانَهُ إلى الخُلَفَاءِ وَالمُلوكِ ، وَالمُسَجِّلَ لحَوَادِثِ الدَّولَةِ ، وَأحْدَاثِ تِلكَ الحِقْبَةِ مِنَ الزَّمَانِ ، وَبَعْدَ وَفَاةِ السُّلطَانِ سَنَةَ 589 هـ ، اعْتَزَلَ السِّياسَةَ حَتَّى تُوفِّيَ في السَّابِعِ مِنْ رَبيعِ الآخرِ سَنَةَ 596هـ . لَهُ رَسَائلُ دِيوانيَّةٌ ، وَرَسَائلُ إخْوَانيَّةٌ ، وَدِيْوَانُ شِعْرٍ ، وَهُوَ أحَدُ أبْرَزِ رُمُوز مَدْرَسَةِ الصَّنْعَةِ في الكِتَابَةِ الفَنِّيَّةِ . (143) أبُو العبَّاسِ أحمد القَلْقَشَنْديّ – صُبْحُ الأعْشَى – الجُزءُ الأوَّل - دار الكتب الخديوية – 1913- ص ص : 276- 277 . (144) صُبْحُ الأعْشَى – سَابق – ص ص : 277 – 278 . (145) صُبْحُ الأعْشَى - ص ص : 280- 281، وَقَدْ وَرَدَتْ كَذلكَ ، في: رَسَائلِ بَدِيْعِ الزَّمان - طَبْعَة بيروت – 1921 – ص128، وَيُنْظَرُ النَّصُّ وَمُنَاسَبَتَهُ في : المُنْتَخَب مِن أدَبِ العَرَب – الجزءُ الثَّاني – جَمَعَه وَشَرَحَه : طه حُسَين ، أحمد السَّكندري ، أحمد أمين ، علي الجَارم ، عبد العزيز البِشْري ، أحمد ضَيف – مطبعة دار الكُتُب المِصْريَّة بالقاهرة – 1350هـ - 1931- ص : 327 . ( 146) ابن بَسَّام – الذَّخِيرَة - القِسْمُ الأوَّل – المُجَلَّد الأوَّل – تحقيق: إحسَان عبَّاس – دار الثَّقافة – بيروت – الطَّبعة الثَّانية - 1979- ص ص :11-12 . (147) أحمد أمين – ظُهْرُ الإسْلام – الجُزءُ الثَّالث- مكتبة النَّهضة المِصْريَّة - الطَّبعة الخامسة -1959- ص ص: 229-230 . (148)عبد الرَّحمن الجَبَرتِي (1754ـ1825)، وُلِدَ في القَاهرة ، لأسْرَةٍ ذاتَ عِلْمٍ رَفيعٍ ، تَنْحَدرُ أُصُولُهَا مِنْ أثْيوبيَا ، وَرِثَ عَنْ أبيْهِ ثَروَةً طَائِلَةً ، دَرَسَ بالأزْهَرِ الشَّريفِ ، ثمَّ أصْبَحَ قَائِمًا بِالتَّدريْسِ فيْهِ ، وَقَدْ عَاشَ الجَبَرْتِي في فَتْرَةِ تَحوُّلاتٍ كَبِيْرَةٍ ،آثَرَ أنْ يَكونَ الشَّاهِدَ الأسَاسِيَّ عَليْهَا ؛ وَهِيَ فَتْرَةُ نِهَايَاتِ الحُكْمِ العُثْمَانِي ، وَفَتْرَة الحَمْلَةِ الفَرَنْسِيَّةِ ، وَبِدَايَات فَتْرَةِ حُكْمِ محمَّد عليٍّ ، وَبِخَاصةٍ حِيْنَ جَعَلَهُ نَابُليون مِنْ كَتَبَةِ الدِّيوانِ ، الَّذي أسَّسَهُ لِلنَّظرِ في مَصَالِحِ الرَّعيَّةِ ؛ فَاطَّلَعَ عَلى العَديدِ مِنَ الكِتَابَاتِ وَالمُرَاسَلاتِ وَمَحَاضِرِ الجَلَسَاتِ ،وَقَدْ عُيِّنَ مُفْتيًا للحَنَفيَّةِ في عَهْدِ محمَّد عليّ ، وَتُوفِّيَ - بَعْدَ أنْ كُفَّ بَصَرُهُ، مِنْ كَثْرَةِ البُكَاءِ عَلى ابْنٍ لَهُ قَدْ قُتِلَ في حَيِّ شُبرا مَخْنُوقًا - في رَمَضَانَ 1237/1882، وَهُوَ صَاحِبُ المَوْسُوعَةِ التَّاريخيَّةِ : عَجَائِبِ الآثارِ في التَّرَاجِم والأخْبَار . (149) عبدالرَّحمن الجََبرتِي – عَجَائبُ الآثار في التَّراجِم وَالأخبَار- الجزءُ الأوَّلُ - طبعة بولاق بالقاهرة -1297هـ - ص: 11 ، طبعة : مكتبة الأسْرَة -2003- ص :19 . (150) حَسَن العطَّار (1766-1835) ، وُلِدَ بِالقَاهِرَة، وَهُوَ مِنْ أصْلٍ مَغَربِيٍّ ،لُقِّبَ أبُوه بِالعطَّار نِسْبَةً إلى مِهْنَتِهِ ؛ حَيْثُ كَانَ عَطَّارًا ، حَتَّى جَاءَتْ الحَمْلَةُ الفَرَنْسِيَّةَ على مِصْرَ سَنَةَ 1798؛ فَهَرَبَ إلى الصَّعيدِ ، وَلكنَّهُ عَادَ إلى القَاهِرَةِ ، وَاتَّصَلَ بِبَعْضِ عُلمَاءِ الحَمْلَةِ ، واطَّلَعَ على كِتَابَاتِهِمْ وَآلاتِهِمْ ، كَمَا عَلَّمَ بَعْضَهُمْ العَرَبيَّةَ ، وَعَمِلَ بِالتَّدريسِ بِالأزْهرِ أثنَاءَ الحَمْلَةِ الفَرنْسيَّةِ ، وَفرَّ مِنْ مِصْرَ إلى أوروبَّا بعْدَ الحَملَةِ الفَرنْسيَّة ، وفي سَنَةِ 1810 تَوَجَّهَ إلى الشَّامِ ، ثُمَّ عَادَ إلى مِصْرَ؛ ليُدرِّسَ بِالأزْهَرِ في عَهدِ محمِّد عليٍّ ،وَتوَّلى مَشْيَخَةِ الأزْهَرِ سَنَةَ1830 ، وَأنْشَأَ أوَّلَ صَحِيفَةٍ في الشَّرقِ ؛هيَ : الوقائع المصريَّة سَنَةَ1828، وهو في طليعَةِ مَنْ نَادَوا بِالأخذِ بِالعلومِ الحَديثَةِ ، وَلَهُ مُؤلَّفَاتٌ عديدَةٌ في النَّحو، وَالتَّوحيد، وَالبَلاغَةِ ، كَمَا كَانَ شَاعرًا وَمُترسِّلاً . (151) عَنْ كِتَابِ: حسن العطَّار – لِمحمَّد عبد الغني حسن – سِلسِلة : نوابغِ الفِكرِ العَربيِّ ، رقم : 40 – دار المَعَارف ، مصر- الطَّبعة الثَّانية - 1993 - ص :106 . ( 152) عبد الله فِكْري (1834-1889) ، وُلِدَ بمكَّةَ ؛ حَيْثُ كَانَ وَالدُهُ قَدْ ذَهَبَ إليهَا مَعَ جَيْشِ وَالي مِصْرَ، وَنَشَأَ في القَاهِرَةِ ، وَتَعَلَّمَ في الأزْهَرِ الشَّريفِ ، وَأصْبَحَ وَكِيلاً لِنِظَارَةِ المَعَارفِ ، فَكَاتبًا أوَّلَ في مَجْلسِ النًّوابِ ، فَنَاظرًا لِلمَعَارِفِ المِصْريَّةِ ، وَاسْتَقَالَ بَعْدَ أرْبَعَةِ أشْهًرٍ، وَاتُّهِمَ بِالاشْتِرَاكِ في الثَّورَةِ العُرَابيَّةِ ، فَسُجِنَ ثُمَّ بُرِّيءَ ، وَاخْتيرَ سَنَةَ 1889رَئيسًا للوفْدِ العِلْميِّ لِمِصْرَ في مُؤتَمَرِ اسْتُوكهولم ، وَكَانَ يجيد التركية ، أنْجَزَ عدَّةَ مُؤلَّفَاتٍ أبْرَزُهَا : الفَوائِدُ الفِكْريَّة ، وَ : المَمْلَكَةُ البَاطنيَّة ، و َ: شَرْحُ بَديعِيَّةِ صَفْوَت ، وَرَسَائلُ وَمَقَالاتٌ . (153) عَنْ كِتَابِ : المُنْتَخَب مِنْ أدَب العَرَب - جَمَعَه وََشَرَحَه : طه حُسَين وَآخرون – الجزءُ الثَّاني - مطبعة دار الكُتب المِصْريَّة بِالقَاهِرَة -1350-1931م – ص – 520 . (154) عبد الله النَّديم (1854-1896) ، وُلِدَ في حَيِّ المَنْشيَّة بِالإسْكندريَّة ، يَصِلُ نَسَبُهُ إلى الإمَامِ الحَسَنِ ، عَمِلَ بِالتَّدريسِ ثُمَّ أنْشَأَ فِرْقةً مَسْرَحيَّةً صَغيرَةً ، كَمَا أنْشَأَ الجَمْعيَّةَ الخَيريَّةَ الإسْلاميَّةَ في الإسْكندريَّة ، وَبَدَأ نَشْرِ مَقَالاتِهِ في جَريْدَةِ: المَحْروسَة ، وَجَريْدَةِ: العَصْر الجَدِيْد ، ثمَّ أصْدَرَ جَريْدَةَ :التَّنكِيت وَالتَّبْكِيت ، ثمَّ أنْشَأَ بَعْدَهَا جَريْدَةَ: اللطَائِف ، وَقَدْ تأثَّرَ بِأفْكَارِ الأفْغَانِيِّ ، وَحِيْنَ قَامَتْ الثَّورَةُ العُرَابيَّةُ كَانَ مِنْ خُطبَائِهَا ، فَطَارَدَتْهُ الحُكُومَةُ المِصْريَّة ،وَاسْتَتَرَ عَنْهَا عَشْرَ سِنِيْنَ ، ثمَّ قُبِضَ عَليْهِ سَنَةَ 1309/1891 ، فحَُبِسَ أيَّامًا، ثمَّ خَرَجَ إلى يَافَا ،ثمَّ سُمِحَ لَهُ بِالعَوْدَةِ بَعْدَ نَحْوِ عَامَ ، فَعَادَ، وَأنْشَأَ مَجلَّةَ : الأسْتَاذ ، ثمَّ نَفَاهُ الإنجليزُ مَرَّةً أخْرَى ، فَخَرَجَ إلى يَافا ، ثمَّ إلى الآسِتَانَة ؛ حَيْثُ عَمْلَ في دِيوانِ المَعَارفِ في البَابِ العَالِي ، حَتَّى وَفَاتِهِ ، لَهُ : السَّاقُ على السَّاق في مُكَابَدَةِ المَشَاق ، وَ: كَانَ وَيَكُون ، وَ: النِّحْلَة في الرِّحْلَة ، وَدِيْوَانَانِ ، وَرَوَايَتَانِ تَمْثيِّليَتَانِ هُمَا: العَرَبُ ، وَ: الوَطَنُ ، وَقَدْ جَمَعَ أخُوه بعضَ كِتَابَاتِهِ ، وَنَشَرَهَا بِعنوَانِ: سُلافَة النَّديم . (155) مِنْ رِسَالَةِ : نَار الغُدوِّ وَثَار العَدوّ ، ضِمْنَ كِتَابِ: سُلافَة النَّديم ، جَمْع شَقِيْقِه : عبد الفتَّاح النَّديم . طبعة الهيئة العَامة لقصور الثَّقافة – 1995- ص :52 . (156) إبراهيم اليَازجيُّ (1847- 1906) ،أصْلُهُ مِنْ حِمْص ،هَاجَرَ أجْدَادُه إلى لُبْنَانَ ، وفي بيروتَ وُلِدَ َوَنَشَأَ وَقَرَأَ الأدَبَ على أبِيْهِ ، تَوَلَّى تَحْريرَ جَريْدَةِ : النَّجَاح سَنَةَ 1872، انْتَدَبَهُ المُرْسلونَ اليَسُوعيُّونَ لترْجَمَةِ الأسْفَارِ المُقدَّسَةِ وَكُتُبٍ أخْرَى لَهُمْ ؛ فَأنْفَقَ فِيْهَا تِسْعَةَ أعْوَامٍ ، سَافَرَ إلى أُوروبَّا ، وَاسْتَقَرَّ في مِصْرَ، فَأصْدَرَ مَجلَّةَ : البَيَان ؛ بالاشْتِرَاكِ مَعَ الدُّكتور بَشَّار زَلْزَل ، وَبَعْدَهَا مَجلَّة: الضِّيَاء ، كَانَ أدِيْبًا لُغويًّا شَاعَرًا، وَكَانَ يُجِيْدُ العِبْريَّةَ وَالسِّريَانيَّةَ وَالفَرنْسِيَّة ، وَكَانَ مِمَّا امْتَازَ بِهِ : جَوْدَةُ الخَطّ ، وَفنُّ الرَّسْمِ وَالنَّقْشُ وَالحَفْرُ ، عَاشَ مِنْ كِتَابَتِهِ حَيَاةً بَسِيْطَةً ، وَمَاتَ في القَاهرَةِ ، ثمَّ نُقِلَ جُثْمَانُهُ إلى بيروتَ ، مِنْ أعْمَالِهِ: نَجْعَةُ الرَّائدِ في المُتَرَادِفِ وَالمُتَوَارِد ، الفَرَائِدُ الحِسَانِ مِنْ تَلائِدِ اللسَانِ ، دِيْوَانُ شِعْرٍ . (157) عَنْ : المُنْتَخَب في أدَبِ العَرَب – سابق- ص ص : 531-532 . (158) الإمَامُ محَّمد عبده (1849-1905)، وُلِدَ في قريةِ حِصْةِ شَبْشِير بِمُحَافَظةِ الغَربيَّة ، وَدَرَسَ بِالأزْهَرِ الشَّريف ، وَاتَّصَلَ بِجمال الدِّين الأفغانيِّ ، وَنُفِيَ عَقِبَ الثَّورَةِ العُرَابيَّةِ ، ثمَّ عَادَ إلى مِصْرَ وَاشْتَغَلَّ بِالتَّدريسِ ، وَعُيِّنَ مُفْتيًا للدِّيَارِ المِصْريَّة سَنَةَ1899 حَتَّى وَفَاتِهِ عَام 1905، أصْدَرَ جَريْدَةَ : العُرْوَة الوُثْقَى، مَعَ الأفغانيِّ في بَاريْسَ ، وَ: رِسَالَة التَّوحِيْد، وَ: شَرْح مَقَامَاتِ البَديعِ الهَمَذَانِيِّ، وَ: شَرْح نَهْجِ البَلاغَة، وَ: تَفْسِيْر جُزْء عَمَّ ، وَ: الإسْلام وَالنَّصرَانيَّة مَعَ العِلْمِ وَالمَدَنيَّة . (159) عَنْ: مَدْرَسَةِ البَيَانِ في النَّثرِ الحَدِيْثِ ، للدُّكتور حِلمي محمَّد القَاعُود – دار الاعْتِصَام – 1986- ص :49 . (160) حِفْنِي نَاصِف (1860-1919) ، وُلِدَ في قريةِ برطةِ الحَجِّ بِمُحَافظَةِ القليوبيَّةِ، وَدرَسَ بالأزْهَرِ ثُمَّ دَار العُلوم . عَمِلَ بِالتَّدريسِ ثمَُّ القَضَاءِ ثُمَّ دَرَّسَ تَاريخِ الأدَبِ العَربِيِّ في الجَامِعَةِ الأهْليَّةِ - وَكَانَ مِنْ مُنْشِئِيْهَا سَنَةَ1908- ، شَارَكَ في الثَّورَةِ العَرابيَّةِ ؛ بِخُطَبٍ كَانَ يَكْتُبَهَا وَيُوَزِّعُهَا عَلى خُطَبَاءِ المَسَاجِدِ وَفي الشَّوارعِ ، وَشَارَكَ الإمَامَ محمَّد عبده في تَحْريرِ الوَقَائعِ المِصْريَّة ، وَتَتلْمَذَ على يَديْهِ العَديدَ مِنْ أعْلامِ النَّهضَةِ الحَديثَةِ ، مِنْهُمْ : مَصْطفى كَامِل ، وأحمد لُطفي السَّيد، وأحمد شَوقي ، وعبد العزيز فَهْمي ، وطَه حُسَين ، وأحمد حسن الزَّيَّات . من أعماله : تَاريخُ الأدب ، أوْ حَيَاة اللغَةِ العَربيَّة ، وَ: مُمَيِّزَاتُ لُغَاتِ العَرَب ، وَ: المُقَابَلَة بَيْنَ لَهَجَاتِ بَعْضِ سُكَّان القُطْرِ المِصْريِّ ، وَعَقِب وَفَاتِهِ أصْدَرَ ابْنُهُ دِيْوَانَه : شِعْر حِفني نَاصِف . (161) عَنْ : المُنْتَخَب مِنْ أدَب العَرَب – الجُزء الأوَّل - لأحمد السَّكندريِّ وَآخَرينَ – المطبعة الأميريَّة ببولاق – 1936- ص ص : 568-569 . (162) محمَّد المُوْيلِحي (1858-1930) ، كَانَ أبُوه: إبراهيم المويلحي ، يُصْدِرُ أهَمَّ مَجَلَّةٍ أدَبيَّةٍ في عَصْرِهِ ؛ هِيَ : مِصْبَاح الشَّرَقِ ، أخَذَ عنْهُ الأدَبَ ، وَنَشَأَ في بِيْئَةٍ سِيَاسِيَّةٍ وَأدَبيَّةٍ تَتَمتَّعُ بِالثَّرَاءِ وَالنُّفوذِ ، اتَّصَلَ بِكَبارِ أئِمَةِ الأدَبِ وَالعِلْمِ ، وَعَلى الرَّغْمِ مِنْ قُرْبِ أسْرَتِهِ مِنَ العَائِلَةِ الحَاكِمَةِ بَادَرَ بِالانْضِمَامِ إلى الثَّورَةِ العُرَابيَّةِ ، حِيْنَ انْدَلَعَتْ ، وَقَدْ حُكِمَ عَليْهِ بِالإعْدَامِ ثُمَّ خُفِّفَ إلى طَرْدِهِ مِنْ وَظِيْفَتِهِ وَنَفْيِهِ ؛ فَسَافَرَ إلى إيطَاليَا1883، ثُمَّ ارْتحَلَ إلى فَرنْسَا ؛ مُلَبِّيًا دَعْوَةَ الأفْغَانِيِّ ، وَشَارَكَهُ في تَحْريرِ: العُرْوةِ الوُثْقَى ، وَبَعْدَ عَوْدَتِهِ إلى مِصْرَ شَارَكَ في تَحْريرِ: المُؤَيَّد ،و: الأهْرَام ،و: المُقطَّم ،عَاشَ مَيَّالاً لِلْعُزلَةِ وَلَمْ يَتَزَوَّجْ، وَكَانَ يُجِيدُ عدَّةَ لُغَاتٍ مِنْهَا الإنْجِليزيَّةُ وَالفَرنْسِيَّةُ وَالإيْطَاليَّةُ وَالتُّركيَّة وَاليُونَانيَّةُ وَاللاتِينيَّةُ ، عَمِلَ بِعِدَّةِ وَظَائفَ مِنْهَا : كَاتِبٌ بِوَزَارَةِ الحَقانيَّةِ ، ثُمَّ بِوَزَارَةِ الدَّاخِليَّةِ (مأمُور) ، ثُمَّ عَمِلَ بِالصَّحَافَةِ ، ثُمَّ بِوَزَارَةِ الأوْقَافِ ، انْسَحَبَ مِنَ الحَيَاةِ الأدَبيَّةِ وَآثَرَ العُزْلَةَ بَعْدَ وَفَاةِ وَالدِهِ سَنَةَ 1906، حَتَّى وَفَاتِهِ سَنَةَ 1930، وَلَهُ : حَدَيثُ عِيْسَى بنُ هِشَام ، وَ: أدَبُ النَّفْسِ . (163) محمَّد المُويلِحي – حَديثُ عِيْسى بن هِشَام – الهيْئَةُ المِصْريَّة العَامة لِلْكِتاب – 1996-ص ص : 362-363. وَكَانَ محمَّدٌ المُويلِحيُّ قَدْ نَشَرَهُ في صَحِيفةِ : مِصْبَاحِ الشَّرقِ ؛الَّتي كَانَ يُحرِّرُهَا مَعَ أبيْهِ ، بَيْنَ سَنَتَيْ (1898-1900) ، ثُمَّ نُشِرَ كَكِتَابٍ لأوَّلِ مرَّةٍ سَنَةَ 1906 . (164) محمَّد توفيق البَكْري (1870-1932) ، وُلِدَ بِالقَاهِرَةِ ، تَوَلَّى نِقَابَةَ الأشْرَافِ وَمَشْيَخَةَ المَشَايخِ ،كَانَ يُجِيدُ التُّركِيَّةَ وَالفَرَنْسيَّةَ وَالإنْجِليزيَّةَ ، وَكَانَ عُضوًا دَائِمًا بِمَجْلسِ الشُّورَى، وَكَانَ مُقرَّبًا مِنَ الخِدِيوي عبَّاس ، ثُمَّ انْقَلَبَ الحَالُ ؛ فَانْزَوَى ، وَأُصِيْبَ بِالوسْوَاسِ ، وَنُقِلَ إلى مُسْتَشْفَى العَصْفُوريَّةِ ببيروتَ ، وَظَلَّ بِهَا سَتَةَ عَشَرَ عَاما ؛ حَتَّى طَالَبَ الأدَبَاءُ بِعَوْدَتِهِ فَأُعِيْدَ ، وَظَلَّ في عُزْلَتِهِ حَتَّى وَفَاتِهِ سَنَة 1930. وَمِنْ أعْمَالِهِ : صَهَاريْجُ اللؤلؤ، وَ: أرَاجِيْزُ العَرَبِ وَ: بَيْتُ الصِّديْقُ ، وَ: بَيْتُ السَّادَاتُ . (165) محمَّد توفيق البَكْري – صَهَاريْجُ اللؤلؤ – مطبعةُ الهِلال -1906- ص ص :13-14 . (166) أحمد شَوقِي (1868-1932) ، مِنْ أصْلٍ تُركِيٍّ ، وَلكنَّهُ وُلِدَ في القَاهِرَةِ، وَنَشَأَ بِهَا مُسْتَظِلاًّ بِرِعَايَةِ القَصْرِ الحَاكِمِ مُنْذُ مَوْلِدِهِ ، دَرَسَ سَنَتَيْنِ في قِسْمِ التَّرجَمَةِ بِمَدْرَسَةِ الحُقُوقِ بِالقَاهِرَةِ ، وَعَيَّنَهُ الخِديوي تَوفيْق بِالْقَصْرِ سَنَةَ1887، ثُمَّ أوْفَدَهُ إلى فَرَنْسَا ؛ فَدَرَسَ الحُقوقَ فى مُونبيليه ، وَبَعْدَ عَودَتِهِ سَنَةَ 1891، عَمِلَ رَئِيْسًا لِلْقِسْمِ الأفرنْجيِّ بِالقََصْرِ، وَصَارَ شَاعرَ الخِديوي عبَّاس حِلْمي ، بُويِعَ بِإمَارَةِ الشِّعرِ سَنَةَ 1927، وَإلى جَانبِ شِعْرهِ كَانَ رَائِدَ المَسْرَحِ الشِّعريِّ، وَآثَارُهُ الأدَبيَّةُ عَدِيدَةٌ ؛ مِنْهَا الشَّوقيَّاتُ (أربعة أجزاء) – دُوُلُ العَرَبِ وَعُظَمَاءُ الإسْلامِ – وفي النَّثرِ الفَنِّيِّ : أسْوَاقُ الذَّهَب ، وَفي المَسْرَحِ الشِّعْريِّ : مَجْنُون ليلى – مَصْرَع كيلوبترا- قمبيز- علي بِِك الكَبير- البَخِيْلَة – شَيْطَانُ بِنْتَاءور- السِّتُ هُدَى- روايةُ لاديَاس ، أوْ آخِرُ الفَرَاعِنَة. (167) أحمد شَوقي- أسْوَاق الذَّهَب – مكتبة مصر- د. ت - ص:74 . (168) حافظ إبراهيم (1872-1932) ، وُلِدَ في دَيروط . تُوفِّيَ أبُوه بَعْدَ عَاميْنِ منْ وِلادَتِهِ ، ثمَّ مَاتَتْ أمُّهُ بَعْدَ قليلٍ ، نَشَأَ يَتِيمًا في بيْتِ خَالِهِ بِالقَاهِرَةِ ، نَظَمَ الشِّعرَ مُنْذُ صِغَرِهِ ، غَيْرَ أنَّهُ تَخَلَّصَ مِنْ شِعْرِ الصِّبَا ، التَحَقَ بِالمَدْرَسَةِ الحَربيَّةِ ، وَتَخَرَّجَ فيْهَا عَامَ 1891، وَسَافَرَ في حَمْلةٍ إلى السُّودَانِ ، وَشَكَّلَ مَع بَعْضِ الضُّبَاطِ جَمْعِيَّةً سِريَّةً اكْتَشَفَهَا الإنْجِليزُ ؛ فَحَاكَمُوا أعْضَاءَهَا ، وَأُحِيْلَ إلى الاسْتِيدَاعِ ؛ فَلَجَأَ إلى الإمَامِ محمَّد عبده ؛ فَأُعِيْدَ إلى الخِدْمَةِ بِالبُوليس ، حَتَّى أُحِيْلَ إلى المَعَاشِ ؛ فاشْتَغَلَ مُحَرِّرًا بِجَريدَةِ الأهْرَامِ ، وَعَمِلَ مُدِيرًا لِدَارِ الكُتُبِ المِصْريَّةِ . لُقِّبَ بِشَاعرِ النِّيلِ ، وَبِشَاعرِ الشَّعبِ . لَهُ ، بِالإضَافَةِ إلى دِيْوَانِهِ ، كِتَابُ : ليالي سَطيح ، وَقَامَ بِتَعْريْبِ رِوَايَةِ : البُؤسَاءِ ، لِفيكتور هوجو . (169) حَافظ إبرَاهيم – ليَالي سَطيح – الدَّار القَوميَّة للطِّباعَةِ وَالنَّشرِ ، القَاهِرَة -1964- ص: 88 . (170) أحمد حسن الزَّيَّات(1885- 1968) ، وُلِدَ في قريَةِ كفرِِ دُمَيْرَةِ القَديمِ مَرْكَز طلخَا بِمُحَافَظةِ الدَّقهليَّة ، حَفِظَ القُرآنَ الكَريمَ وَجَوَّدَهُ في كُتَّابِ القَريةِ ، وَدَخَلَ الأزْهَر الشَّريفَ وَهُوَ في الثَّانيَة عَشَرَةَ مِنْ عُمْرِهِ ، وَحين أنْشِئَتْ الجَامِعَةُ المِصْريَّةُ سَنةِ 1908، بَادَرَ - مَعَ زَمِيْلَيْهِ : طَه حُسَين وَمُحمَّد زَنَاتِي - بِالالتِحَاقِ بِهَا وَحَصَلَ على لِيسَانسِ الآدَاب سَنَةَ 1912، وَعَمِلَ بِالتَّدريْسِ في المُدَّة مِنْ :1907 : 1914، ثمَّ حَصَلَ على ليسَانسِ الحُقُوقِ سَنَةَ 1925 ، وَعَمِلَ بِالجَامِعَة الأمْريكيَّةِ بِالقَاهِرَةِ رَئيسًا لِقِسْمِ اللغَةِ العَرَبيَّةِ ، وَفي سَنة 1932 انْتَدَبتْهُ جَامِعَةُ بَغْدَادَ لِيكُونَ أسْتَاذًا لِدَار ِالمُعَلِّميْنَ العَاليَةِ بها، وَعَاد لِيؤسِّسَ مجلَّةِ :الرِّسَالَةِ ، ثم مجَلَّة : الرِّوَايَةِ ، وَانْتُخِبَ عُضْوًا بِمَجَمْعِ اللغَةِ العَربيَّةِ سَنَةَ 1948، وَمِنْ أعْمَالِهِ : مِنْ وَحْي الرِّسَالَةِ ، وَ: تَارِيْخُ الأدَبِ العَرَبيِّ ، وَ : في أُصُولِ الأدَبِ ، وَ: دِفَاعٌ عَنْ البَلاغَةِ . (171) أحمد حسن الزَّيَّات – مِنْ وَحي الرِّسَالَة – المُجَلَّد الأوَّل – الطَّبعة السَّادسة - مَكْتَبَة نَهْضَة مِصْرَ بِالفَجَّالَة - 1957- ص ص :199-200 . (172) د. نِعْمَة رحيم العَزَّاوي- أحمد حسن الزَّيَّات: كَاتِبًا وَنَاقِدًا - الهَيْئَةُ المِصْريَّةُ العَامةُ لِلْكِتَابِ – القَاهِرَة ، بَالاشْتِرَاكِ مَعَ دَارِ الشُّئونِ الثَّقَافيَّةِ العَامةِ - بغداد -1986- ص :58 . (173) عَنْ مَقَالٍ بِعُنْوَان: كُتَّابُ العَربيَّةِ وَقُرَّاؤهَا ، بِمجَلَّةِ: (الهِلال) -15 فبراير1897- ص :458، وَهُوَ بِدُونِ إشَارةٍ إلى كَاتِبِهِ ، مِمَّا يُرَجِّحُ أنَّهُ لِجُورجي زِيدَان ؛مُحَرِّرُ :(الهِلال) . (174) رَاجِعْ : بيير كَاكيَا – تَطوُّر القِيَمِ الأدَبيَّةِ – مجلَّةِ :(فُصُول) – المُجَلَّد الرَّابع- العَدد الثَّالث - 1984- ص : 89 . (175) نقولا فيَّاض – الكُتَّابُ وَالإنشَاءُ ، مجلَّة: (الهِلال) – أوَّل يوليو 1893- ص : 350 . (176) عَنْ : بير كَاكيَا – تَطوُّر القِيَم الأدَبيَّة – سابق- ص :78 . (177) أحمد شَوقي - أسْوَاق الذَّهب - مكتبة مِصْر- د.ت- ص:115 . (178) عبد الفتَّاح كليطُو- المَقَامَاتُ :السَّردُ وَالأنْسَاقُ الثَّقافيَّة - سَابق- ص :76 . (179) رَاجِعْ تَفَاصِيْلَ هَذِهِ المُوَاجَهَةِ في : حَديْثِ الأرْبَعَاءِ ، لطه حُسَين- الجزء الثَّالث - دَار المَعَارف بِمِصْر- ط 11- 1981- ص5:36 . (180) مُصْطفى صَادق الرَّافِعيُّ (1880-1973) ، وُلِدَ في بَهْتِيم بِمُحَافظةِ القَليُوبيَّة ، وَهُوَ مِنْ أصْلٍ لُبنانِيٍّ ، حَفِظَ القُرَآنَ، ثُمَّ حَصَلَ على الشَّهَادَةِ الابْتِدَائيَّةِ ، وَهُوَ في السَّابِعَة عَشَرَ مِنْ عُمْرهِ ، وَبِسَببِ إصَابَتِهِ بِحُمَّى عَنِيفَة ٍ ضَعُفَ سَمْعُهُ ، حَتَّى انْتَهى إلى الصَّممِ ، وَهُوَ في الثَّلاثِينَ مِنْ عُمْرِهِ ؛ فَكَانَ يُكْتَبُ لَهُ مَا يُرَادُ مُخَاطبَتُهُ بِهِ ؛ وَلِذَا لَمْ يُتمَّ تَعْليْمَهُ ، لكنَّهُ عَكَفَ على القِرَاءَةِ وَالتَّحصِيْلِ ، وَعُيِّنَ في سَنَةِ 1899 بِمَحْكَمَةِ طَلْخَا الشَّرعية ، ثمَّ انْتَقَلَ إلى مَحْكَمَةِ إيْتَاي البَارُود ، ثمَّ مَحْكَمَةِ طنْطا الشَّرعيَّةِ ، فَمَحْكَمَتِهَا الأهْليَّة ، حَتَّى وَفَاتِهِ . بَدَأ حَيَاتُهُ الأدَبيَّةَ شَاعِرًا ، وَصَدَرَ الجُزْءُ الأوَّلُ مِنْ دِيوانِهِ سَنَةَ1902، وِمِنْ مُؤلَّفَاتِهَِ: تَاريْخُ آدَابِ العَرَب،1911،وَ: تَحْتَ رَايَةِ القُرَآنِ، وَ:إعْجَازُالقُرَآن،1912، وَ: حَديْثُ القَمَر،1912، وَ: كِتَابُ المَسَاكِيْن،1917،و: أوْرَاقُ الوَرْدُ،1930، وَ: السَّحَابُ الأحْمَرُ،1924، وَ: رَسَائلُ الأحْزَانِ،1924، وَجُمِعَتْ مَقَالاتُهُ ، الَّتي نَشَرَهَا في مجلَّةِ: (الرِّسَالةِ) ، في ثَلاثَةِ أجْزَاءَ ، بِعُنَوانِ : وَحْي القََلَم . (181) د. شَوقِي ضَيف – الأدَبُ العَرَبيُّ المُعَاصِرُ في مِصْر- دَار المَعَارف- الطَّبعة الثَّامنة -1983- ص 190، وَالوَاقِعُ أنَّ نَصَّ الرَّافِعيِّ كَانَ ، في كَثْيرٍ، نَمُوذجًا لآليَّاتِ النَّثرِ الفَنِّيِّ ؛ القًائِمَةِ على قَوانِين البَدِيْعِ ؛ كَالسَّجعِ وَالتَّجْنِيسِ وَالمُوَازَنَاتِ وَالمُقََابَلاتِ . رَاجِعْ على سَبيْلِ المِثَالِ، الفَصْلَ المُعَنْونَ بِـ: سَحْقِ اللؤلؤةِ ، في كِتَابِهِ ، كِتَابِ المَسَاكِيْنِ ،1917؛ غَيْرَ أنَّ نَصَّهُ تَحَلَّلَ ، تَدْريجيًّا، مِنْ هَذِهِ الآليَّاتِ البَديعيَّةِ، وَانْسَابَتْ حَرَكَتُهُ ، وَجَرَى مَاؤهُ ، رَغْمَ حِفَاظِهِ على الرَّصَانَةِ نَفْسِهَا ، وَهُوَ مَا مَثَّلَ انْتِقَالَهُ مِنَ فَضَاءِ النَّثرِ الفَنِّيِّ إلى فَضَاءِ النَّثرِ الشِّعريِّ . (182) طَه حُسَين: حَديثُ الأرْبَعَاء - سابق- ص ص :5 - 6 . (183) السَّابق – ص :7 . (184) السَّابق- ص :8 . (185) السَّابق – ص:9 . (186) السَّابق- الصَّفحَةُ نَفْسُهَا . (187) السَّابق – ص ص :10-11 . (188) السَّابق- ص ص :11- 12. وَللمَنفلوطِي رأيٌ مُشَابِهِ يرفُضُ فيْهِ تَكَلُّفَ أدَاءِ القُدمَاءِ ، يَقولُ فيْهِ : " لَيْسَ مِنَ الرَّأي وَلا مِنَ المَعقُولِ أنْ ينظِمَ الشُّعرَاءُ الشِّعرَ، وَيَكتُبَ الكُتَّابُ الرَّسَائلَ في هَذَا العَصْرِ ؛ عَصْرِ الحَضَارَةِ وَالمَدنيَّةِ ، وبَيْنَ هَذَا الجُمهورِ؛ الَّذي لا يَعرِفُ أكثْرَ مِنْ العَاميَّةِ إلاَّ قليلاً ، بِاللغَةِ الَّتي كَانَ يَنْظِمُ بِهَا امْرؤ القَيسِ وَطَرَفَة وَالقطامِيُّ وَالخَطفِيُّ وَرُؤبَة وَالعَجَّاجُ ، وَيَكتُبُ بِهَا الحَجَّاجُ وَزِيَادُ وَعبدُ اللهِ بن مَرَوان وَالجَاحِظُ وَالمعريُّ في عُصُورِ العَربيَّةِ الأوْلَى ؛ فَلَيْسَ عَصْرُنَا كَعَصْرِهِمْ ، وَلاجُمْهُورُنَا كَجُمْهُورِهِمْ ، وَأحْسَبُ لوْ أنَّهُمْ نُشِرُوا اليَوْمَ، مِنْ أجْدَاثِهِمْ ، لَمَا كَانَ لَهُمْ بُدٌّ مِنْ أنْ يَنْزِلُوا إلى عَالَمِنَا ، الَّذي نَعيْشُ فيْهِ ؛ لِيُخَاطِبُونَا بِمَا نَفْهَمُ أوْ يَعُودُوا إلى مَرَاقِدِهِمْ مِنْ حَيْثُ جَاءوا ." المَنفلوطِي – النَّظرَات - الجُزء الثَّالث – الطَّبعة الثَّامنة - مطبعة الاسْتقامة – 1947- ص : 8 . (189) رَاجِعْ : في المِيْزَانِ الجَديد- لِمحمَّد مَندور- نَهْضَةُ مِصْر- الطَّبعة الثَّانية - ص ص :12-13 . (190) رَاجِعْ - على سَبيْلِ المِثَالِ - رِوَايَةِ: الزَّمنِ الآخَر ، لإدوار الخَرَّاط – الطَّبعة الأولى- دار شُهْدي -1985- ص:74 ، 164، 368، وَكَذَلكَ دِيوانَهُ : طُغْيَانُ سَطوَةِ الطَّوايَا - أصْوَات أدبيَّة ، العَدَد: 151- الهَيئَة العَامةُ لقُصُور الثَّقَافةِ - 18مارس1996، من ص 9: 53، وَتَنْتَشِرُ هَذِهِ الظَّاهرَةُ بِكثْرَةِ في شِعْرِ السَّبعِينيَّاتِ ؛ فَتَبْدُو - على سَبيْلِ المِثَالِ - عِنْدَ حَسن طِلب، في دِيوانِهِ :آيَة جِيْم – الهيئة المصرية للكتاب - 1992- ص : 13، 16 ، 23،25 ، 29، 30، 31، 31، 32، 35، 37، 39 ، 40، 41، 45، 46، 47، 50، 53، 86، 89، كَمَا تَبْدُو عِنْدَ جَمَال القَصَّاص ، في دِيْوانِهِ: شَمْسُ الرُّخَامِ – الهَيئةُ المِصْرَيَّةُ العَامةُ لِلْكِتَابِ – 1991- ص :8 ، كَمَا تَبْدُو عِنْدَ رِفْعت سَلاَّم ، في دِيوانِهِ : إشْرَاقاتُ رِفعت سَلاَّم - الهَيئَةُ المِصْريَّةُ العَامةُ لِلْكِتَابِ –1992- ص :43، وَفي دِيوانِهِ: كَأنَّهَا نِهَايَةُ الأرْضِ – مَرْكزُ الحَضَارَة العَربيَّة – 1999- ص:18- 19 . (191) يُقرِّرُ زكي مبارك في مُقدِّمةِ كتابهِ : النَّثر الفنيّ في القرنِ الرَّابع ، أنَّ هذا الكتابَ " أوَّل كتابٍ منْ نوعِهِ في اللغةِ العربيَّةِ ، وهو - على الأقلِّ - أوَّلُ كتابٍ صُنِّفَ عنْ النَّثرِ الفنيِّ في القرنِ الرَّابعِ ؛ فهو بذلكَ أوَّلُ منارَةٍ أُقيمَتْ لهدايَةِ السَّارين في غيَابَاتِ ذلكَ العهدِ السَّحيق " . الجزء الأوَّل - سابق - ص : 5 . (192) رَاجِعْ ، على سبيلِ المثالِ : الممتع في صنعةِ الشِّعرِ ، لعبد الكريم النَّهْشَليِّ ، تحقيق : عبَّاس عبد السَّتَّار ، دار الكتب العلميَّة ، بيروت ، 1983 ، ص : 11 ، العُمدة في محاسِنِ الشِّعرِ وَآدابِهِ ونقدِهِ لابن رشيق ، طبعة أمين هنديَّة بمصر - 1925 – الجزء الأوَّل – ص : 5 .
#شريف_رزق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شِعريَّةُ النَّثرشِعْريِّ
-
فَضَاءٌ آخَرٌ ، لِشِعْريَّةٍ أُخْرَى
-
الشِّعريَّاتُ الأساسيَّةُ في قصيدَةِ النَّثرِ العربيَّةِ
-
شِعريَّةُ السِّيرذَاتيِّ في قصيدَةِ النَّثر المِصْريَّة
-
شعريَّةُ الغنائيَّةِ الجديدَةِ في قصيدَةِ النَّثرِ المِصْريّ
...
-
شِعريَّةُ الغُرفَةِ في قصيدَةِ النَّثر المِصْريَّةِ
-
شِعريَّةُ المدينَةِ في قصيدةِ النَّثر المصْريَّةِ
-
المفاهيمُ النَّظريَّة للأنواعِ الشِّعريَّة في شِعرِ النَّثرِ
-
عَذَابَاتُ التَّجربَةِ الإنسَانيَّةِ في وَحْشَةِ العَالمِ
-
شِعريَّةُ قَصِيدَةِ النَّثرِ
-
لانبعَاثَاتُ الأولى لقَصِيدَةِ النَّثر في مَشْهَدِ الشِّعر ا
...
-
شِعريَّاتُ المشْهَدِ الشِّعريِّ المصْريِّ الجديد في قصيدَةِ
...
-
تداخُلاتُ الأنواعِ الأدبيَّةِ والفَنيَّةِ في قصيدةِ النَّثرِ
...
-
إِشكاليَّاتُ النَّوعِ الشِّعريِّ في قَصِيدةِ النَّثْر
المزيد.....
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|