|
القامرة- التي في خاطري و-القاهرة-التي في خاطرك -المحطة الثالثة
محمد البكوري
الحوار المتمدن-العدد: 4725 - 2015 / 2 / 19 - 09:22
المحور:
الادب والفن
تتحرك الحافلة من جديد و تدور العجلات ،لتتحرك معها ذاكرتي و تدور معها دواليبها الاسترجاعية ، لاتذكر في حنين يسلب الالباب ويخلب العقول كل الدقائق و التفاصيل ... ارد شريط حياتي الى الوراء ... الى اول مرة سيدق فيها قلبي ببطئ شديد : ثمانين دقة... بمعدل دقة في كل كيلومتر ... لاول مرة ساراك فيها يا فاس -التي كما سلفت لااكن لها كل الحب ،بيد اني اكن لها في المقابل كل الاحترام -كان ذلك في السنوات الاولى من عقد التسعينات من القرن الماضي المضمحل ... لاول مرة ساغادر حضن امي ...حضن مدينتي وحضن احلامي البسيطة . احلام فقراء هذا الوطن وبسطاء هذا الكون اقصاها ان نكتشف ان هناك مدينة مترامية الاطراف ... نتبعها في كل شيء حتى في اثبات هويتنا -لاكارط ناسيونال - و تموقع جغرافيتنا -جهة ادارية - و فرحة رفاهيتنا -امتلاك شقة في مون فلوري او النرجس - وشفاء اسقامنا -كوكاراو الغساني- وتقييد حريتنا -عين قادوس او بوركايز- ونهل معرفتنا -القرويين - وامتاع لحظاتا المتعة الزائلة -ساحة فلورنس- مدينة تقع هناك خلف هذه الجبال الصامدة والهضاب العنيدة ... مدينة ترميك عبرها مسافات "عين عائشة" لتلتقطك مسافات "عين النقبي "، دون ان تنسى ان تشربك من معين "القهوة الكاحلة " ل"عين قنصرة " عبر المرور الاضطراري فوق قنطرتها. اه !على هذه العيون الموشومة في الذاكرة الخلفية لكل تاوناتي رفضت ان تغادره الامكنة رغم مغادرته لها ...امكنة منغرسة في كياناتنا الناكرة للجميل . اننا في حاجة ماسة اليوم اكثر من اي وقت مضى لشحن بطارية ذكراتنا المهووسة بالغرائبية الخارقة و العجائبية المارقة ومغازلة لحظاتها الجميلة التي تنبعث منها رائحة الوجود و الهوية و الامل والحب . لاوقت للاذعان الاعتباطي لهوسها المجاني انها لعبة نسيان قبل ان تكون لعبة ذاكرة. اه ! ما اروعك ! ياصدف الحياة المسماة اعتباطا "شي عطاتو و شي زواتو" ... تمنيت رؤية فاس فاستجاب القدر للامنية بل كان "طائيا" معي ... اكرمني -وزيادة -برؤية فاس وسلا و الجديدة و ازمور وسيدي بنور و الدارالبيضاء و مراكش ... المناسبة كرنفالية ،لكن للاسف الشديد كرنفال فاقد للمناعة المكتسبة ،كرنفال موبوء. من فاس و من محطة قطارها الجاثمة في صدر المدينة الجديدة بدات الرحلة ...وقتها كانت الساعة تشير الى التاسعة ليلا و موعد القطار الواحدة صباحا ... استغلت الفرصة للمشي قليلا و التجول في محيط المحطة... امراة النظافة نصف فكها العلوي مخرب بلا اسنان، تدخن سيجارة من النوع الرخيص -طابا نوار- بنهم وتلذذ ... اطفال باجساد نحيفة وبصحة معتلة يستنشقون "الميكا "بشغف ساعرف فيما بعد انهم يتربعون -في لحظات جميلة -عرش السيلسيون ، ليحلقوا عاليا في الفضاء الفسيح بلا قيود ... منهم من يطلب منك "شي درهم ع الله " و منهم من يتسول مستعطفا القلوب الرحيمة وبسذاجة المغفلين "شي بونتا ع الله"... رجل يبدو انه في الاربعين من عمره يدثر جسده بكارتون يحميه من برد دجنبر القارس وبين فينة واخرى يرشف "الجانكا" و "لالكول" و"الماحيا ."و... انه " عول اليلة يعميها ، باش يقطع مصران ديالو " ...لا يابه بشيء ...الموت و الحياة عنده سيان ... انه انتشاء بتعذيب الذات، بالانتقام من النفس ... يهلوس بكلمات بذيئة ... مشتتة وعند تجميعها تعرف انه تعرض لاعتداء شنيع في طفولته ... يكرر لازمة "ضيعتني اولد ..." اكثر من مرة و عندما راني نظر الي نظرة مقيتة و ليخاطبني باشمئزاز "كلكم اولاد... " لم اعير كلامه ادنى اهتمام و لكن تصورت هول ما تعرض له وحجم معاناته وتسالت في قرارة نفسي في اطار استباقي: هل يعرف هو مغزى "ما تقيش ولدي" ؟لا اظن ...تركت الاربعيني يضمد جرحه والمه بالبكاء و الصراخ و كل المشروبات المتعفنة مرددا على مسامع الجميع:"وداويني بالتي كانت هي الداء" ...دلالة على هوسه المدفون في معاناته ومعاناة جيل باكمله ...و لاواصل المشي في انتظار القطار الذي يبدو انه سيتاخر عن موعده اكثر من اللازم ... وفي زاوية مظلمة في مراب المحطة تباغتك تموجات اغلب الظن انها انسية ، فالاصوات المنبعثة و التاوهات الصادرة هي افعال انس وليس بجن ... فضولي الغبي حفزني للذهاب الى هذا المكان المنزوي ... لافجا بلعبة الاجساد بالتحامها ، بانغماسها ، بتماهيها ، بذوبانها ، بعشقها للذة... الجو بارد بل ابرد مما كنت اتصور، بيد ان الاجساد المتاشبكة لا تعترف ببرودة الطقس و لاتحس الابسخونة اللحظة... يدثرها و تدثره... يغطيها وتغطيه ... مرددا هو: "زديني عشقا " ومرددة هي :"زديني عمقا " -ومردد انا في شعور كريه يدل فقط على الحسد :"زيدهم غرقا"-ربما يكون هو بطلبه هذا روميو زمنه ، قيس ليلاه، عنترعبلته و ربما تكون هي بطلبها هذا واحدة من ثلاثة"خضرة العينين او مزغبة الفخذين او فلجة السنين "حيث الرغبة الجامحة التي لايوقفها الا الانتعاظ و الارتماء في احضان اللذة الى ما لانهاية... التاوهات تزداد لهيبا و الصرخات تزداد عويلا ... انها غابة ليست بهوبسية ليس فيها "الانسان ذئب لاخيه الانسان" بل شبقية "الانسان اطفائي لاخيه الانسان" ... غابة من المشاعر الجسدية و الوجدانية يبدو انها ستحترق وستحرق الاخضر و اليابس ... اترك المكان حتى لا السع بنيرانها المتقدة و يكفيني النيران المشتعلة في دواخلي و التي تبدو كبركان يوم سينفجر ستصل حممه الفائقة الغليان الى نهاية العالم... الى اقصى حد من هذه النهاية الى نقطة "جي"الممتعة... المحطات تتشابه محطة الكار محطة "لاكار" محطة الاتوبيس محطة الحياة كلها متعفنة موبوءة ... ان لم "يكرصيك" فيها شفار او لم "يشرملك" احد فيها ب"ززوار" ان لم تحتفي هي بك بكل الاخطار ، فانت محظوظ ... اوبعبارة اكثر سوريالية ... انت مرضي الوالدينز " سير اولدي الله ينقي طرقك من شوك " ، "سير اولدي الله يردك سالم غانم " ، "اعرف انك ذاهب الى مكان داخله مفقود و خارجه مولود فاستعين بالله فهو ماعمرو يخبك" ، " اولدي اياك وفتح البزطام امام الملا... فرق الفلوس في اماكن متعددة ... شوية درها في تقشار... و شوية فسليب ديالك ... و لطلقك شفار عطيه كلشي ماتعملش راسك بطل تجبها فحياتك ... راه ما عندو ما يخسر لخسرلك وجهك ... انا لي غادي نخسر لرزني في كبدة ديالي ... "سير اولدي الله يبعد عليك ولاد لحرام " اه !على كبدة الام كم هي مرهفة ! انها تفكر بكبدتها لا بعقلها وكثيرا مايكون تفكيرها هذا على حق وصواب و"يجيبها في التسعين" ...المهم الله يسمحنا من الوالدين و الواليدة بالدرجة الاولى... اطال الله عمرك ...اطال الله عمركما ... وعمر الجميع ...يتبع
#محمد_البكوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نقطة الفراغ
-
-القامرة -التي في خاطري و -القاهرة -التي في خاطرك -المحطة ال
...
-
سيدي المخفي
-
-القامرة -التي في خاطري و -القاهرة- التي في خاطرك -المحطة ال
...
-
انسكلوبيديا المرح السياسي بالمغرب
-
كفاك سيدي الرئيس... يكفيك سيدي الرئيس
-
المغرب/ فرنسا :اشتدي يا ازمة تنفرجي
-
ابتسامة البياض الثالث
-
سمفونية المغتربين
-
سلام الله!
-
-الخطاب السياسي لبنكيران .من مأسسة الاختلاف الى شخصنة الخلاف
...
-
انبياء الخلد التافه
-
امتدادات المجتمع المدني اوالغائية الوظيفية
-
افعال -متعدية-
-
-عطيني صاكي- -اعطيني حريتي --الدفاع عن الحريات الاربع المهدو
...
-
عيون مقعرة
-
التنمية المتفائمة بالمغرب
-
فتاة -سيدي الحاضي- و الفيلسوف- الغير الراضي-
-
الفهم الفيبري للاسلام -4الاسلام و العلمانية -
-
الو...83مكالمة للحاسة السادسة
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|