شوقي بن حاج
الحوار المتمدن-العدد: 4724 - 2015 / 2 / 18 - 01:12
المحور:
الادب والفن
سين السؤال وميم المخرج ...في "في رواية أخرى" لمحمد علاوة حاجي
بقلم : شوقي بن حاج
أن تجد رواية قصيرة زاخمة في متن المتعة والدوخة اللذيذة , لن تكون إلا رواية حداثية تجريبية .أن يضيق المكان وينفتح الزمان في رواية لن تكون إلا رواية " و في رواية أخرى "
ـ يهرب بنا محمد علاوة حاجي في تناقضات متعددة زمانية أغلبها , بعضها تناقضات ذاتية وأخرى مادية, هذه التناقضات تأتي عبر متضادات تجعل من القاريء يعيد القراءة أحيانا, حتى يتمكن من الإمساك بحبل القراءة , مرد كل ذلك راجع إلى التقانات الموظفة في هذا النص الروائي, والتي هي تقانات سنمائية "السيناريوـ المونتاج" بإشراك القاريء مع الروائي/المخرج في عملية إخراج الرواية/الفيلم, حيث يمنح القاريء خيارات واحتمالات لفهم المتن/ السرد وتطبيق الرؤية الإخراجية الخاصة به وليست الخاصة بالروائي, إذا نحن أمام عمل روائي جديد على مستوى البنية والتقانة .
سين السؤال:
لكي نعرف المفاتيح التي تتخبأ في دواخل النص , علينا البحث في قاموس المصطلحات في الرواية {الأسماء} على وجه الخصوص , أين نجد حرف السين هذا الحرف الصفيري يتكرر في كثير من الأسماء : { سمونة+السيد "س"+ الأماكن والأزمنة والأشياء باسم المجهول "س" +الرقم ستة 06 + سجارة+ سين السؤال +سيناريو... } وطبعا الكثير من السينات, منها سين التسويف وسين الإستقبال كما يقول النحويون, وهنا لسنا في محل إحصائها ولكن ننظر لجانب التكرار فيها, ومدى فاعليته في تأطير النص, وخدمته لمهمة إدخال القاريء في حلقة الفراغ التي تتسم بها الرواية, ومن ثمة إقناعه بما يشبه حالة إنفصام الشخصية الرئيسية في النص. حرف "السين" إذا هو الحرف الأكثر تكرارا, فهو من جانب حرف شعوري ومن جانب آخر حرف صفيري يلفت الإنتباه , وفي معاني هذا الحرف مثلما قال أبو مسلم العرابي في مقاله ( فهم معاني الحروف الهجائي) فهو "للتفلت", فكلما كانت الشخصية المحورية في وضعية أو في حدث ما, إلا وجدنا ما يناقضها أو عدم وجودها من الأصل لأنها مجرد افتراض, إذا لا يوجد يقين مطلق ولا وجود لإجابة ثابتة . وهكذا يصبح حرف السين منفلتا عن الحقيقة على الجواب وعلى الوجود أيضا, وهي الحالة الممتدة في الأبعاد الثلاثة { الماضي ـ الحاضرـ المستقبل }
ميم المخرج:
مثلما وجدنا تكرارا للسين وإصرارا عليه, نجد حرف الميم كمقابل له وضد له, في مفارقة تقع بين الحروف, فلنلاحظ هنا : { مبروكة + موحوش+ مقران +عمي "ميم" + مدير...} وبالطبع أيضا أسماء أخرى, والميم هنا ميم "الإحاطة" مثلما يقول أبو مسلم العرابي, تعبر في النص على "الآخر" المحيط, في مقابل السين" الأنا" المجهول , لكن الكل "الأنا/الآخر" يدخلون في متن واحد, غير محدد الزمن في عملية تتويه وتمويه , وهو الأمر الذي يخلق متاهة, فالأنا يغدو الآخر والآخر يغدو الأنا , الماضي يصبح حاضرا والحاضر يصبح مستقبلا والعكس صحيح أيضا, الميم هنا هي ميم المخرج الذي هو الراوي / الروائي, والذي في ذات الوقت يتحول إلى القاريء, نظرا لجملة من الإحتمالات المفتوحة, وللقاريء قدرة الإختيار وقدرة الحذف وقدرة التراجع أو الرجوع بالزمان والمكان، رغم أن الإنطلاقة هي نفسها من الذات/الأنا أو من نفس المكان. باقي الميمات تبدو في النص أكثر ثباتا وأكثر استقراراً, رغم بعض التغيرات التي تحدث من الحين للآخر إلا أنها أقل توترا, وأقل تأثرا في عالم عبثي, و الذي يسقط فيه المخرج والقاريء معا .
سين السياسة ...ميم المتاهة
الرواية ليست فقط جملة من التدويخات والحلقات الفراغية, الرواية أيضا سياسة ونقد لاذع لواقع إجتماعي, طبعا الروائي ليس عليه أن ينقل الواقع مباشرة وليس عليه أن يطرح قضايا سياسية ليمرر إيديولوجيته, وإلا لعدّت خطابية قد تصح وقد تخطأ حسب سيرورة الزمن, سين السياسة تتضح أكثر حينما يتداخل الزمن الماضي الممثل في الجد , لينطرح كواقع في الزمن الحاضر( عبر الحلم), بتقنية الوصية, لتحدث هنا مفارقة أن "س" يريد الرحيل من هذا الواقع/ الزمن, وهذا تعبير عن رفض كون الماضي يتحكم في الحاضر , الماضي الذي يمثل في الجزائر فئة المجاهدين والشهداء, والحاضر الذي تمثله فئة الشباب, في صراع أجيال سياسياً "مجايلة", ومن جهة أخرى توجد إشارات حول الوضع الأمني وحالة "مقران" الإرهابي التائب, والذي كان في سلك التعليم ليجد نفسه إرهابيا "حسب أقواله / يغسل ويطبخ", رغم أنه يصرح لزوجته أنه كان قاتلا, السياسة لا تقف هنا , فرمزية غياب الأب والأم للشخصية الرئيسية ودون وضع سبب لذلك, هي رمزية سياسية . غياب الأب هو غياب السلطة وما تحمله من دلالات , أما غياب الأم فهو غياب المجتمع وما تتطلبه من حراك مؤثر على السلطة / الأم, والنقلة الموجودة في صراع الأجيال, تصبح صراعا بين جيلين متباعدين زمانيا, من جهة ومن جهة أخرى متابعدين من حيث الأفكار والطروحات والواقع أيضاً.
عودة لأحداث الرواية.
الرواية رغم اللخبطة التي يضعنا فيها الروائي, والتي يجد القاريء فيها صعوبة لفهم أو متابعة القصة / الحكاية, إلا أن الحكاية في هذا النص مثل الثقافة "ما ترسب بعد القراءة", فالسيد "سين" يجلس فوق عمارة مع فنجان قهوة و مع "الشيء", الذي ما هو إلا الرواية التي بين أيدينا. وهي نفس الوضعية التي تنتهي بها الرواية, مع إضافة محاولة قفز "سين" من فوق العمارة , طبعا في الرواية لم يقل "ينتحر" بل يقفز. إذا نحن في رواية داخل رواية, تتدفق منها حكايات فرعية على شكل احتمالات وكوابيس.
في مضمون القصة الشاب "سين" عشق فتاة" سمونة" لكنها تزوجت وأنجبت أطفالا, يعيش السيد "سين" على مخلفات هذا العشق بين الجنون والكوابيس والإنفصام في الشخصية, لتتحول الرواية إلى مجموعة من الإحتمالات والإسترجاعات بتقانات متعددة "سيناريوـ حلم ـ تحقيق صحفي..." وفي خضم ذلك تطفوا على السطح جملة من الإشكالات الإجتماعية والسياسية وحتى النفسية, تمر للقاريء بطريقة غير مباشرة ولا مترهلة. وكل ذلك يجعل من الشخصية الرئيسية في الرواية في حالة من اللاستقرار واللاثبات, في مسحة سريالية كاريكتورية أو لنقل كوميديا سوداء .
ــــ
محمد علاوة حاجي, كاتب وروائي من الجزائر
شوقي بن حاج, كاتب وقاص من الجزائر
م
#شوقي_بن_حاج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟