|
رسالة موت موقعة بالدم إلى أمّة الصليب
طوني سماحة
الحوار المتمدن-العدد: 4722 - 2015 / 2 / 16 - 20:50
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
عادة ما أرتشف القهوة عند الصباح، لكن قهوة اليوم كان طعمها مرّا مثل الموت. لم يكن العيب في القهوة بل في نشرة الاخبار التي طالعتنا بذبح واحد وعشرين قبطيا في ليبيا على يد أفراد داعش الموت والحقد. شاهدت الرجال الملثمين المتشحين بالسواد من الرأس الى القدم يقتادون الاسرى الذين ألبسوهم اللون البرتقالي الى شاطئ البحر. تم اختيار الجلادين طوال القامة مقارنة بأسراهم كيما يضيفوا بعدا مسرحيا وملحميا على عملية الذبح. تلى رئيس الرتل بلاغ الموت، ثم أجبر الشهداء على الركوع وطأطأة الرأس قبل أن يعمل السكين عمله. اختلط موج البحر بدماء الشهداء وانتهى المشهد بظهور لوغو الحياة الذي يبدو نسخة عن لوغو قناة الحياة المسيحية، بالاضافة الى جملة بالانكليزية مفادها "رسالة موت موقعة بالدم الى أمّة الصليب".
لقد وصلت الرسالة. فالمسيحيون ليسوا بغرباء عن رسائل الموت الموقعة بالدم. لا بل إن الدم هو العلامة الفارقة للمسيحية مع الفارق الوحيد أن الدم الذي يسيل في عروق المسيحية ليس دم الجلاد بل دم الضحية والشهيد. الدم الذي يسير في عروق المسيحية هو دم المسيح أولا الذي سال على الصليب لكي يفدي به البشرية من خطاياهم. ومن ثم تدفق نهر الدماء خلال الازمنة والعصور بدأَ برمي المسيحيين في الكوليسيوم الروماني طعاما للأسود الجائعة أو صلبهم وحرقهم، مرورا بتخييرهم في العصور الوسطى بين إشهار إسلامهم أو الموت أو الجزية، وصولا الى المذبحة الارمنية والسريانية على يد الاتراك، وانتهاء بالتطهير العرقي في العراق وسوريا على يد رجال دولة الموت في داعش.
لا يعرف رجال الموت أن الدم في المسيحية هو نبض حياتها. الدم للمسيحية هو قطر الندى للزهور. هو جناحا العصفور. هو ماء النهر المتدفق الذي ما أن جف ماؤه ما عاد النهر نهرا. لا بل عندما يتوقف الدم المسيحي عن التدفق، و عندما تحمل المسيحية السيف كي تسفك الدماء، كما حصل في القرون الوسطى والحروب الصليبية، تصبح الخاسر الأكبر وتفقد هويتها.
يا رجال الموت، أنتم عندما قتلتم واحدا وعشرين قبطيا أعزل، لم تأتوا بجديد. عندما كتبتم رسالة الموت المختومة بالموت لم تكتبوا جديدا. لقد خطط أحبار اليهود لصلب المسيح، ووقع بيلاطس الروماني حكم الموت عليه ممهورا بالدم، ونفذ الجنود الحكم. السكين الذي قطعتم به رؤوس الأقباط هو هو الحربة التي جازت في صدر المسيح. ومثلما صرخ الأقباط الذين قطعت رؤوسهم "يا يسوع" كذلك رفع المسيح الصوت على الصليب صارخا "إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟" لكنه وما أن حان وقت تسليم الروح، نادى قائلا "أغفر لهم يا أبتاه، لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون." أنتم أيضا، يا رجال الموت، لا تعلمون ماذا تفعلون. فالروح الذي سكن أحبار اليهود و بيلاطس والجنود الرومان هو هو الروح الذي يسكن فيكم اليوم. هو روح الشيطان الذي تنادونه "الله". كما قتل الشيطان كذلك أنتم تقتلون. كما كره الشيطان كذلك أنتم تكرهون. كما عشق الشيطان الدم كذلك أنتم تعشقون الدم.
لا أدري ما الأفكار التي جالت برؤوس هؤلاء الرجال وأنتم تذبحونهم قرابينا لشياطينكم، لكنهم إن كانوا حقا ينتمون الى أمة الصليب كما وصفتوهم، لا أخالهم يرددون سوى ما قاله سيدهم على الصليب "أغفر لهم يا أبتاه، لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون."
توبوا يا رجال الموت. توبوا عن حقدكم. توبوا عن عشقكم للدماء. توبوا عن عبادتكم للشيطان. توبوا عن الظلم. توبوا عن السيف. توبوا عن الكراهية. توبوا عن الاستبداد. توبوا عن سرقة ممتلكات الناس تحت مسميات الغنائم. توبوا عن حرق الناس. توبوا عن صلبهم وقطع رؤوسهم. توبوا عن رجم النساء. توبوا عن عن سبيهن واسترقاقهن واغتصابهن... لو كان لديكم القليل من البصيرة، يا رجال الموت، لأدركتم أن كل هذه الشرور لا يمكن أن تكون صفات الله، بل هي صفات الشيطان الذي تعبدونه باسم "الله".
يا رجال الموت، رسالة الموت الموقعة بالدم التي أرسلتم بها الى "أمة الصليب" هي هي رسالة الخلاص التي تعطي المسيحيين الحياة. استفيدو منها أنتم أيضا، ليس كسافكي دماء الابرياء، بل كتائبين سال دم المسيح عن الصليب من أجلهم كيما يعطيهم حياة أبدية.
يا رجال الموت، ما طلبه المسيح لليهود والرومان وهم يمعنون فيه قتلا وصلبا، هو هو ما يطلبه اليوم من أجلكم أيضا." فباب السماء لم يُقفل بعد وذراعا المسيح ما زالتا ممدودتان تنتظر توبتكم، وما زال صوته يصدح قائلا "أغفر لهم يا أبتاه، لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون". أرجوكم لا تضيعوا فرصة التوبة كيما ينتهي بكم المطاف في جهنم النار.
أما أنتم يا أخوتي الشهداء، ماذا تراني أقول لكم؟ ليس لديّ من الكلمات ما يعبر عن ألمي وها هي الكلمات تخنقها الغصة في حنجرتي. لقد رأيت دمكم يمتزج بأمواج البحر. فاللون الأحمر ليس غريبا عن المسيحية. صبغ اللون الاحمر العصور الاولى للمسيحية وهو ما زال يصبغها حتى اليوم وسوف يستمر يصبغ العصور اللاحقة شهادة الى ان يكتمل الزمان ونكون جميعا مع المسيح، أمتنا ذبحا أم موتا طبيعيا.
#طوني_سماحة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تأملات في الحرب والسلام
-
صخرة الموت هي صخرة الحياة
-
هنيئا لكِ يا بيلا (Bella)
-
التعزية بالكفار خيانة وليست من الدين
-
أنا شارلي
-
الزواج في المسيحية بين النظرية و التطبيق- الجزء الاخير
-
الجنة برسم البيع
-
يا طفل المزود
-
الزواج في المسيحية بين النظرية و التطبيق-12- تحديات الزواج
-
الله أكبر
-
صرخة مظلوم
-
دون كيشوت التركي
-
سيّدي يسوع
-
الزواج في المسيحية بين النظرية و التطبيق-11- الجنس والزواج
-
هل التنصير جريمة؟
-
الزواج في المسيحية بين النظرية والتطبيق- الجزء العاشر- دور ا
...
-
هاتي يديكِ
-
بين إيبولا وداعش
-
الزواج في المسيحية بين النظرية و التطبيق- الجزء التاسع-دور ا
...
-
إن كنت حبيبي... علّمني قطع الرؤوس
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|