حسين سليمان- هيوستن
الحوار المتمدن-العدد: 1318 - 2005 / 9 / 15 - 10:13
المحور:
الادب والفن
بطيئة هي المسافة بيني وبين السنة الماضية، مسافة شرقية لا تأتي.
تقف كشجرة أمامي وتدب على الأرض.
فتجعلني ألبس كي نذهب إلى المدرسة الابتدائية. وتسحب الزنار نحو الأعلى، فيصدر صوت زيت وحرارة. تلبس ثوبها وتقول سوف آخذك من يدك.
ثم في الطريق اجمع الهواء في يدي كي يرفع ثوبها. فتغضب وتزجرني قائلة:لعنة الله عليك. والهواء يرفع ولا يرفع شيئا، الهواء حين يصل إلى منتهاه لا يفلح. يكون فراغا تطير فيه السفن حرة. فراغ صامت يصدم المتن ويبلل الكتان وهي تدور وتضع يدها تطوي الشيء كي يصل تحت ركبتيها. فيدها طويلة قليلا. تعمل مع العمود الفقري. الذي في صورة x- rayيظهر محنيا قليلا فهي هنا ليست خادمة تحني جسدها إنما الذي تفعله هو تثبيت الفستان تحت ركبتيها. الأشجار بعيدة قليلا على الرصيف وهي قد توقفت فلا تهب ولا تشجر. صامتة مثل نهر لا يمر.
في طريقنا نحو المدرسة. يطفئ الهواء شعرها كي يصعد مثل دخان فتنظر نحوي قائلة: إنت شعرك هيك متل واحد مجنون. لا أسمعها فاسألها: شكون؟ فتجيب وهي تمثل بيدها: يعني شعرك مكنفش وطالع لفوق متل شعر شكرو.
من هو شكرو؟
الرجل المجنون القاعد كل عمره بباب مشتل (حديقة) الحكومة. الشجر والأغصان تبدو من الأسوار ويأكل البوظة مثلما يفصص البزر. يرمي عيدانها، بوظة (حجي رفيعة) التي تعرفها. حجي رفيعة الذي جاءنا من حلب لصنع الكلاسة والدوندرمة التركية، يعملها لأهل القامشلي خصيصا، ويعطي كل يوم طرمس بوظة لشكرو من اجل الدعاء والبركة.
فأسحب يدي من يدها: هذا رجل مجنون! لقد سمعت أنه يأكل صبي من قدي في لقمة واحدة. أنا شعري ليس مثل شعره!
فيأتي الخوف كي يرخي الهواء، فتنزل طيات فستانها نحو الأرض مهلهلة ومرتاحة. تمشي الآن من دون جزع.
وبعد عام، بعد مائة عام، حين تخرج فجأة من السوبر ماركت (الوول مارت) في "هيوستن" أدفع نحوها مرة أخرى الهواء كي يرفع فستانها مثل مروحة نحو الأعلى إلى خصرها، وتطير الدنيا أمامها، فتظهر ابتسامة رضا وزعل قليل على الهواء الطائش الذي أبطأ مشيتها نحو السيارة وهي تضع يدها حول شعرها كي لا يطير، تدمدم وتحكي مع الهواء معاتبة: انظر أنظر أيها الهواء كم أنت مزعج. لكنها تمشي من دون أن تظهر في ال (الإكس- راي) محنية نحو الأسفل حيث لا أصابع لها ولا سيقان فلماذا تحني مشيتها؟
فتقابلني عند السيارة المجاورة كي تقول مبتسمة: هاي. أن شعرك المكنفش هكذا يبدو مثل شعري، مثل شعر كل الناس الذين في ساحة الوول مارت.
وكل الأمر من الهواء الذي أفتعل القصة.
#حسين_سليمان-_هيوستن (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟