أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نمر سعدي - بدر شاكر السياب.. أسطورةُ شاعر














المزيد.....

بدر شاكر السياب.. أسطورةُ شاعر


نمر سعدي

الحوار المتمدن-العدد: 4722 - 2015 / 2 / 16 - 17:27
المحور: الادب والفن
    



قبل نصف قرنٍ وبالتحديد في الرابعِ والعشرين من ديسمبر مات الشاعر العراقي الكبير بدر شاكر السيَّاب في المشفى الأميري في الكويت وشُيِّع في يومٍ ماطرٍ ليوارى الثرى في مقبرة الحسن البصري في مدينة الزبير بجنوب العراق في جنازةٍ كادتْ أن تخلو من المشيِّعين.. مات فقيراً معدماً إلا من جذوةِ الشعرِ الذهبية ونارهِ المقدَّسة الخالدة.
ما الذي سيبقى من شاعر المطر بعد كلِّ المياه التي جرت تحت جسر الشعر العربي والانقلابات الشعرية والتطورات الدرامية التي حصلت بعده على مستوى القصيدة العربية؟ مجازياً يبقى كل شيء.. رائحةُ المطر الخريفي.. عطرُ آب.. اللغة الحالمة الرومانسية.. الألوان الجميلة الخلبيَّة.. برزحُ الأحلام.. لسعةُ الاغتراب الجميلة.. الواقعية الشعرية الجديدة.. كلُّ شيء تقريباً.. ولكن هذا السؤال ربما سيظلُّ مفتوحاً على مصراعيه رغم مئات الدراسات التي حسب ظني لم يحظَ بمثلها أي شاعر سواه والتي كُتبتْ عن تأثير هذا الشاعر المبدع الفذ الذي عرفَ كيفَ يغرسُ وردة القلقِ والجمال في رمادِ قلوبِ حوَّارييه الكثيرين.. في تجارب شعراء الحداثة العرب الذينَ خرجوا من معطفهِ وشكَّل لهم بدر أباً شعرياً استثنائياً.
رحلَ بعدما طوَّف مع جلجامشَ في مغامراتهِ وشبعَ من الحياة بعدما عاشَ طويلاً وصاحبَ عوليسَ في ضياعهِ على حدِّ تعبيره.. ليسألَ في النهايةِ : ألا يكفي هذا؟
السيَّاب بكوكبه الشعريِّ المتوهج لا يزالُ يشعُّ بقوَّة حتى بعدَ نصف قرنٍ من الزمن على رحيلهِ ولا زالت شظاياه تلمعُ في ليلِ الشعرِ العربي وعلى أصابعِ أتباعهِ وستلمعُ إلى الأبد.
أتذكرُّ خريفَ عام 1996 حينَ بدأتُ أتعرَّف على تجربتهِ بعمق كيفَ كانَ يأخذني بحركة سحريَّةٍ ناعمة إلى عوالمهِ الموسومة بالضبابِ الضوئي ولغته الرومانسية الثائرة المليئة بالصور البديعة والملتقطة بحساسية عالية لأوج اللحظة الشعورية.. حينها لم أكن قد تخلَّصتُ بعدُ من تأثير كثيرين على رأسهم أمير الشعراء أحمد شوقي وأرستقراطية صوتهِ الشعري.. في هذه السنة قرأت بدراً أكثر من مرَّة وفرحتُ بمنجزه الشعري المختلف في ديوانهِ الصادر في جزئين عن دار العودة وسرعان ما اكتشفُ أنني أنتمي إلى لغةِ بدرِ الحالمة وقصائده المنفعلة وحميمية الخطاب الشعري الذاتي.. الانفلاتُ السيابي من طوقِ التفعيلة الخليلية كان يعجبني فهو بالنسبة لي شكَّلَ بوابةَ لحديقة الحداثة الشعرية ولاستيعاب شعريَّات عربية لاحقة.
كانَ بدر يكافحُ الموتَ بالقصيدة أو كمن يبعدهُ بها عن جسدهِ النحيلِ ليكتبَ حتى انطفاءِ النفَس.. وأعتقد أن أجمل وصف أسطوري للسيَّاب هو ما قالهُ أنسي الحاج عنهُ بأنه (جاهلي بدوي فولكلوري خرافي انكلوسكسوني على واقعي هجاء ورثّاء مدّاح بكّاء، يسيل به الشعر سيل قريحة فارطة، ويسيل معه الشعر حتى الموت).
يقول يوسف الخال في تقديمه لكتاب عيسى بُلّاطــــــة، بدر شاكر السياب، حياته وشعره:"... السياب، في حياته وموته، مأساة قلما عرفها الشعر في كل تاريخه. وكم كان يذكرني بأيوب.." فيما يقول بدرعن مهمة الشاعر "لو أردتُ أن أتمثّل الشاعر الحديث، لما وجدتُ أقرب الى صورته من الصورة التي انطبعت في ذهني للقديس يوحنا، وقد افترست عينيه رؤياه وهو يبصر الخطايا السبع تطبق على العالم كأنها اخطبوط هائل".
لا أعرف لماذا ربط بدر في قصيدته الجميلة (ليلى) الحبَّ بالأخوَّة والأمومة غير البيولوجيتين؟ هل لأنه كانَ يبحث عن تلك التي تحبه بعطف الأخت وحنان الأم التي حُرمَ منها صغيراً وهو ابنُ السادسة..؟ كانَ بطبعه الطفولي يحسُّ أن هناك عاطفةً ما تنقصُ قلوب اللواتي تعلَّقَ بهنَّ عبثاً وقد كنَّ كثيرات.. تكشفُ لنا الدراسات الكثيرة والمهمة عن السياب وشِعرهِ كم كان يحترم العلم ويوليهِ أهميَّةً في الكثير من قصائدهِ.. وكانَ يعني جيِّداً ما يقولُ.. وقد لمستُ ذلكَ في الكثير من أشعارهِ وأخصُّ أنشودة المطر والمومس العمياء.. تماماً كما يعني أي شاعر مغاير.. استفزازي ما يريد قولهُ حتى ولو لم يفصح..
أستعيرُ عدةَ أبياتٍ من قصيدتهِ التي كتبها قبل نصف قرنٍ والتي أصمتُ أمام روعتها.. واشعرُ كأنَّ حقيقةً علميةً أخرى متواريةٌ فيها..
ليلى هواي الذي راح الزمان به
و كاد يفلت من كفيَّ بالداءِ
حنانها كحنان الأم دثرَّني
فأذهبَ الداء عن قلبي و أعضائي
أختي التي عرضها عرضي و عفَّتها
تاجٌ أتيهُ بهِ بين الأخلاءِ
السيَّاب قالَ كلمتهُ ومضى تاركاً الكثير من عواصف النقدِ خلفهُ ولكنهُ في نظري أحد أهمِّ الشعراء الذينَ صنعوا أسطورتهم الذاتية بكل حذق ومهارة وذكاء فطري.



#نمر_سعدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النشر في فلسطين
- تأملات في قصيدة -حيفا تشبكُ شَعرها بيمامةٍ عطشى- للشاعر الفل ...
- القصيدة والصورة
- شتاءُ إرم
- وصايا العاشق
- تأمُّل في وقتِ الأنسنةِ الذئبية/ نمر سعدي ذات شعرية تنزع إلى ...
- قصائد جديدة / 2014
- مزامير لحبق أيلول
- وقتٌ لأنسنةِ الذئب( مجموعة شعرية جديدة للشاعر الفلسطيني نمر ...
- مجموعة مقالات أدبية
- مجموعة من القصائد المكتوبة بينَ الأعوام 2011- 2014
- ديوان وقتٌ لأنسنةِ الذئب
- مجموعة قصائد قصيرة
- تأملات نثرية
- قصائد عن رمادِ الحب والحرب
- أن تقبضَ على الشمسِ بقلبكَ
- أنتِ حديقةٌ من الغيوم وأصابعي جمرٌ لا ينطفئ
- كأنه مخضَّبٌ بالنوارس
- نساء الشاعر
- هل تفرغُ الروحُ من الذكريات؟


المزيد.....




- دانيال كريغ يبهر الجمهور بفيلم -كوير-.. اختبار لحدود الحب وا ...
- الأديب المغربي ياسين كني.. مغامرة الانتقال من الدراسات العلم ...
- “عيش الاثارة والرعب في بيتك” نزل تردد قناة mbc 2 علي القمر ا ...
- وفاة الفنان المصري خالد جمال الدين بشكل مفاجئ
- ميليسا باريرا: عروض التمثيل توقفت 10 أشهر بعد دعمي لغزة
- -بانيبال- الإسبانية تسلط الضوء على الأدب الفلسطيني وكوارث غز ...
- كي لا يكون مصيرها سلة المهملات.. فنان يحوّل حبال الصيد إلى ل ...
- هل يكتب الذكاء الاصطناعي نهاية صناعة النشر؟
- -بوشكين-.. كلمة العام 2024
- ممثلة سورية تروي قصة اعتداء عليها في مطار بيروت (فيديو)


المزيد.....

- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نمر سعدي - بدر شاكر السياب.. أسطورةُ شاعر