|
يؤمنون بحثاً عن لحظة جنون وهذيان!
سامى لبيب
الحوار المتمدن-العدد: 4722 - 2015 / 2 / 16 - 17:25
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
- لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون (40) .
هذه السلسلة من "لماذا يؤمنون" تبحث فى الأسباب النفسية التى دفعت الإنسان للإيمان بقوى ميتافزيقية وإذا كنت قد تناولت مشاهد عديدة فمازالت فكرة الإيمان تحمل فى أعماقها صور ثرية لم نتطرق إليها كون الإيمان فكرة سخية تطرح الكثير من المعانى التى تعبر عن أعماق الإنسان الداخلية المضطربة لتعزف على أوتاره النفسية العميقة لينشد حالة من التوازن النفسى المتوهم أمام وجود قاسى غير واعى ولا مترفق وبلا معنى .
أتطرق فى هذه الحلقة من سلسلة "لماذا يؤمنون" لرؤية قد تصيب الكثيرون بالدهشة وقد يتصور البعض أنها تعنى السخرية والتقليل من المؤمنين بينما هى بعيدة كل البعد عن هذا الشأن فموضوعنا لا ينهج هذا النهج الساخر فهو يسجل مشهد يحتاج الغوص فى أعماقه . الرؤية التى نحن بصددها هى أن الإنسان فى الحالة الإيمانية باحث عن لحظة هلوسة وجنون وهذيان ليمارس بإرتياحية حالة من اللاعقلانية تعيش فى أجواء اللوثة والجنون يتجاوز بها لاعقلانية إيمانه ,لذا قد يتصور القارئ أن هذا تقليل وتحقير للإنسان المؤمن وهذا بعيد كل البعد عن رؤيتى فلا معنى للسخرية من حالة إنسانية مضطربة عقلياً أو نفسياً فهى نتاج واقع أفرزها كما أن بحث الإنسان عن الجنون واللاعقلانية هى حالة نفسية عامة لا تعنى الإختلال العقلى الكامل كونها لا تشمل كل مظاهر حياته على الدوام فهى قريبة من سعى الإنسان لتجرع المخدرات والخمور بحثاً عن وضعية من اللاعقلانية واللوثة ليفقد علاقته مع الواقع ممارساً نهج غير متزن يقترب من الهلوسة ليس ذو ديمومة .
يجدر أن نشير إلى أن الإنسان ينتج الأفكار لتنسجم مع حياته وتلبى احتياجاته النفسية والجسدية وإيجاد معادلة سلام وتوافق مع واقعه بغض النظر كون هذه الأفكار منطقية أو خيالية فالعقل لا يلتزم بمنطقية الأشياء ولكن بإحتياجات نفس لذا ظهرت الافكار الخيالية الفنتازية ووجدت قبولا ولكن ما تلبث أن تصطدم بصخرة الوجود المادى ليبذل العقل محاولات جديدة للتحايل فى ظل غياب المعرفة ومن هنا تطفو صور فكرية قد نراها غير منطقية عبثية بل تتسم بالهذيان فى إطار تلك المعالجات وهذا ماسنتعرض له .
تبدأ تأملاتى لمشاهد اللاعقلانية لدى المؤمنين من صور عديدة توقفت عندها فى حداثة سنى مستغرباً ولم أملك بالطبع حينها القدرة على التحليل فكانت بمثابة صور متقاربة تشكل علامات إستفهام وتعجب . تأتى أولى الصور من مراقبة رجل يصلى أمام أيقونة العذراء ليرتفع صوته بالألم والشكوى والرجاء للعذراء لأرى هذا الرجل يتهدج ويبكى وهو فى حالة تقمص لمشاعر حزن وإنسحاق ليخيل لك أن العذراء أمامه بالرغم أنه يقف أمام أيقونة لأندهش من هذا المشهد ويقفز فى ذهنى "وجيه" ذاك المختل عقليا فى شارعنا عندما كنت أراه وهو يتحدث للفراغ بصوت شبه مسموع لينتج تعبيرات مابين الحدة والهدوء يكللها بحالة من البكاء وكأنه يحكى مع شخص أمامه لترتسم علامة إستفهام وتعجب أمامى بين هذا الرجل الذى يصلى بتضرع مع وضعية " وجيه " لأندهش من تقارب المشهدين حيث أنهما يتحدثان بصوت منفعل ليجاوبنى أبى فيُعرف الماء بالماء ويقول : هذا مجنون وذاك متضرع للرب لأقول فى سريرتى لا يوجد فرق فحال المتضرع كحال وجيه فكلاهما يتخيل وجود ليس فاعلاً يتماهى فى الحديث معه لينفعل ويبكى .. ألا ترى المؤمنين فى كافة الأديان والمعتقدات يصلون لحالة إنفعالية يجهشون فيها بالبكاء بالرغم إنعدام أى وجود مؤثر حقيقى يدفعهم للبكاء . http://fc01.deviantart.net/fs19/f/2007/251/b/0/When_men_cry_by_issam_zerr.jpg http://up.lm3a.net/uploads/748a40bda2.jpg يقول المؤمنين أن هذا دلالة على الخشوع وقوة الإيمان كحالة تنتاب المؤمن لتواصله مع الله فلا يدركها فاقد الإيمان.. بالطبع الامور غير هذا ولو إفترضنا إنها حالة صادقة وليست تمثيلا وتقمص فظاهرة تماهى الإنسان فى صلاته لتصل للبكاء متواجدة فى كافة المؤمنين بالمعتقدات الوثنية وغير الوثنية فلا علاقة لها بحسن الإيمان وصحته وعليه كيف يفسر المؤمن انفعالاتهم ,كما لا يوجد شئ اسمه إنفعال من غير وجود مادى حاضر مؤثر وهذا يدل أنها حالة نفسية تعتري الإنسان أو يستدعيها من أرشيف مشاعره و يتقمصها فى لحظة يهيؤ نفسه لإجترارها .
" وجيه" كان حالة مركبة ثرية من الخلل العقلى ليمارس سلوكيات كثيرة تنم عن إضطراب عقلى لأتذكر مشهد كان يخيفنى منه لإبتعد عنه حينما كان يقذف الحجارة على حائط فى بيت مهجور ولكن هل لنا أن نسقط مشهد وجيه على ملايين البشر الذين يقذفون الحجارة على نصب الشيطان فى الحج , فما الفرق بينهم وبين وجيه , فوجيه يرمى بالحجارة على حائط بيت وملايين البشر يقذفون بالحجارة على نصب حجرى فلا فرق سوى أن ملايين البشر يقذفون وهم يهللون بينما وجيه كان هائجاً عصبياً وهو يقذف حجارته . رمي الجمرات http://www.majalisna.com/gallery/15/15_17618_1121553536.jpg
مشهد آخر لوجيه بإحتفاظه بقطعة من حجر البازلت ليضعها فى جيبه لا تفارقه وعندما يجلس يُخرج تلك الحجرة ليتأملها ويتحسسها ويُقبلها ثم يحفظها بجواره ويزود عنها عندما كان الأطفال يستفزونه برغبتهم فى الإستيلاء عليها . يسقط مشهد وجيه وحجر البازلت على مشهد ملايين المؤمنين الذين يحرصون على تحسس حجرهم الأسود وتقبيله والتبرك منه لنجد هذا المشهد مألوفا لملايين المسلمين الذى يُقْبلون الحجر الأسود ومئات الملايين من المسيحيين الذين يُقْبلون أيقوناتهم ورفات قديسيهم وكل ما تطوله أيديهم من ستائر الهيكل إلى العتبات إلى يد الكهنه . إذن ما الفرق بين إعتناء وجيه بحجر وتقبيله وبين إعتناء وإحتفاء المؤمنين بحجرهم وأيقوناتهم وعتباتهم وحرصهم على تقبيلها والتبرك منها , فليس هناك فرق سوى أنها حالة لوثة عقلية أصابتهم لتتعاطى مع الحجر سواء حجر أسود أو أيقونه أو رفات أو حائط مبكى بإعتناء مثل "وجيه" ليكون الفرق هو حالة من الغرور الأجوف المتغطرس لتنعت وجيه بالجنون وتنعت ملايين المؤمنين بالتقوى . تقبيل الحجر الاسود http://www.el-balad.com/upload/photo/news/114/2/586x346o/183.jpg?q=1 اليهود وحائط المبكى http://media.elwatannews.com/News/Large/50052_660_1638137.jpg تقبيل الايقونات http://user.transit.ru/~maria/images/miritoch_ikoni_24.07.04-12.jpg تقبيل رفات القديسين http://mycommandmets4.files.wordpress.com/2010/11/brugge-bloed2.jpg?w=477
كان ينتاب " وجيه " حالة من الهياج ترعبنى منه لأجده فى بعض الأحيان يضرب جبينه فى حائط وكأنه ينطح الحائط حتى ينزف دماً ليهيم فى الشارع ووجهه مُلطخ بالدماء لأرتعب ويقشعر بدنى من هذا المشهد ولكن ليس وجيه هو الذى يمارس هذا الفعل الغريب , فالشيعة لديهم طقس التطبير حيث يجرحون رؤوسهم وظهورهم بسكاكين وسيوف حتى تنزف دماء غزيرة وكل هذا فداءاً وإحتفاءاً بالحسن والحسين فهل لنا أن نعقد مقارنه بين وجيه والشيعة ونقول : ما الفرق أليس فعلا جنونياً من شعر رأسه حتى أخمص قدمه. طقوس الشيعه http://www.israj.net/vb/uploaded/20_120012.jpg
"وجيه" كان يتكلم فى بعض الأحيان وعيونه نحو الارض وكأن هناك كائنات تحت الأرض يخاطبها لنقول عليه مجنون بينما المؤمنون يرفعون عيونهم للسماء حيث السحاب والغازات والنجوم والكواكب فلماذا لا نقول عنهم معتوهين .
"وجيه" كان يُلقى التراب على رأسه والمسيحيون يدهنون جباههم بالزيت المقدس فما الفرق بين هاذين المشهدين سوى أننا حكمنا على وجيه أنه مجنون والمسيحيون مؤمنين ينالون البركة .
مشهد أخر غير"وجيه" يتمثل فى صديق يُدعى "حسن" كان مصاباً بحالة من الوسواس القهرى وهو مرض نفسى شهير يعتقد صاحبه إنه تحت الرصد والمراقبة والتآمر لترتفع أسقف توجسه إلى أعلى مستوياتها ويتصور أن هناك سيناريوهات تريد النيل منه وإيذاءه لتسوده حالة من الإضطراب النفسى ينعكس على سلوكه وإنفعالاته لأجد أن داخل كل مؤمن حالة من الوسواس القهرى بدرجة أو أخرى لا تتمثل فى إعتقاده أن هناك شيطان أو جن يتلبسه ويسوقه فحسب ! بل فى تصور أن كل حركاته وهمساته وأسراره مرصودة ومراقبة من الإله! بالطبع لا تصل الأمور لحالة "حسن" أو حالة من يتصور أنه مراقب من أجهزة مخابراتية ولكنها حالة متواجدة بدرجة أو أخرى مما سيجلب معها سلوكيات متوترة وسلبية عندما تتملك الإنسان فكرة أنه مراقب فلماذا نعتبر "حسن" حالة مرضية بينما ملايين المؤمنين واقعون تحت هذا الإضطراب النفسى والعقلى بصورة أو أخرى .
مشهد آخر للجنون .. لو قرأنا خبر أن أب أنهال على أولاده ذبحاً تحت تأثير رؤية جاءته فى المنام فمن المؤكد سنقول أن هذا الرجل مسه الجنون وفقد عقله ولكننا ننسى تماما أن هذا الفعل الجنونى تقدسه الأديان الثلاثة فى موضع آخر عندما هَم ابراهيم على ذبح ابنه إسحاق او إسماعيل لننظر لهذا الفعل بمنظور قداسة وإنبهار وننظر للأب المصرى الذى ذبح اولاده كمجنون فلماذا نزعنا الجنون هنا وألصقناه هناك والطريف أن الأب ذكر أن الرؤية أنبأته بأن إبنه سيكون فاسداً ليستدعى نفس قصة الخضر . الخبر : استيقظ أب من نومه في محافظة أسيوط بصعيد مصر وبأعصاب هادئة اتجه نحو ابنه الوحيد وهو نائم فوق السرير وذبحه دون أن ترتعش يداه تنفيذاً لرؤيا جاءته في المنام تطالبه بذبح ابنه الوحيد بحجة أنه عندما يكبر سيكون فاسداً ومنحرفاً , وذكرت صحيفة المصري اليوم أن جدة الطفل الذي يبلغ من العمر 12 عاما حاولت إنقاذه ومنع الأب من ارتكاب هذه الجريمة البشعة ولكن دون جدوى. وكشفت التحريات التي أجرتها الشرطة أن والد الطفل الذي ألقي القبض عليه يعمل بالصرف الصحي واعترف بتفاصيل الواقعة ودوافع ارتكابه هذه الجريمة مؤكداً أنه رأى في منامه هاتفاً جاءه يطلب منه قتل ابنه الوحيد لانه سيكون فاسداً ومنحرفاً فقام بتنفيذ هذا الأمر بمنتهى الهدوء. - عن جريدة المصرى اليوم.
ربنا شايفك – يا اخى اتق الله – يارب انتقم منهم – ماذا تفرق هذه الأقوال عما يعتريه المجنون من تهيؤات مع كيانات فى خياله .. هل تفرق شئ ..المؤمنون جعلوا الإله ذو حضور دائم فى المشهد الحياتى بالرغم أن حضوره هذا غير معاين بل يتصورون حضوره كما يتصور المجنون حضور شخصيات وأشباح معينة يخاطبها بل قد يكون المجنون أفضل حالا فتهيؤاته حاضرة فى دماغه فى شخوص وملامح . المجنون والمضطرب نفسياً وعقلياً يرى تهيؤات يفسرها كحقيقة , والمؤمنين يفعلون كذلك ولكن يبقى الفرق أن المُضطرب عقلياً يعبر عما يدور فى ذهنه كموجودات يحس بها تتراءى له بينما السادة المؤمنون يعلنون عن تهيؤاتهم بلا أى صورة فى الدماغ فمعظمهم يرددون تهيؤات أجدادهم .
المجنون يسوقه جنونه إلى تصور أن هناك فيل فى العلبه ومعشر المؤمنين يتصورون أيضا أن هناك فيل فى العلبة وهناك حضور وفعل وإنتقام للفيل الذى فى العلبة فلما نسخر من المجانين .
إذا كان الشئ بالشئ يذكر فليكن لنا توقف أمام النص الذى رسمه مبدعه فى لحظة هذيان وجنون كتعبير عن حالة ذهنية إنتابته ليسقطها على إلهه فعندما نقرأ سورة غافر 13 – 20(هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاء رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّار). نقرأ فى الميزان في تفسير القرآن : فعند ذلك ينادي الجبار جل جلاله بصوت من قبله جهوري يسمع أقطار السماوات و الأرضين " لمن الملك اليوم" فلم يجبه مجيب فعند ذلك يقول الجبار عز و جل مجيبا لنفسه «لله الواحد القهار» !. وقد تقدم في حديث ابن عمر رضي اللّه عنهما أنه تعالى يطوي السماوات والأرض بيده، ثم يقول: أنا الملك، أنا الجبار، أنا المتكبر، أين ملوك الأرض؟! أين الجبارون؟! وفي حديث الصور أنه عزَّ وجلَّ إذا قبض أرواح جميع خلقه فلم يبق سواه وحده لا شريك له، حينئذ يقول: {لمن الملك اليوم}؟ ثلاث مرات، ثم يجيب نفسه قائلاً: للّه الواحد القهار! أي الذي قهر كل شيء وغلبه، وقد قال ابن عباس رضي اللّه عنه: ينادي مناد بين يدي الساعة يا أيها الناس أتتكم الساعة فيسمعها الأحياء والأموات، قال، وينزل اللّه عزَّ وجلَّ إلى السماء الدنيا ويقول: لمن الملك اليوم، للّه الواحد القهار ! -أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس . ماذا تقول عن هذا المشهد الذى لم يتورع مبدعه فى إسقاط حالة تخيلية على إلهه ليجعله مضطرباً عقلياً فيفنى ويغتال كل الحياة حتى الملائكة المعاونة له ليردد صارخا فى وحدته : لمن الملك اليوم، للّه الواحد القهار !!
يوجد مشهد فكرى لم أعد اعتبره غرور وغطرسة إنسانية بقدر أنه حالة من الجنون والإختلال العقلى كإمتداد للمشهد السابق من الهذيان فعندما يظن الإنسان أن هذا الوجود والكون الهائل جاء من أجله بل سُخر من أجل عيونه الجميلة فماذا تقول عن هذا التفكير ؟! أليس هو الجنون والإضطراب العقلى بعينه البعيد عن أى ذرة عقل ومنطق .. سأعتنى بهذا المشهد لاحقا فى إحدى مقالاتى فأنا أرى من الأهمية بمكان فضحه .
لن نجد تبرير لهذه المشاهد الجنونية التى يمارسها المؤمنين من وقت لآخر فلن تفلح مقولة الإيمان فى تبرير تلك الصور التى تفتقد للعقلانية لننعتها حقيقة بلوثات جنونية تنتاب المؤمن فى لحظات أو فلنسميها حالات نفسية مضطربة تخفيفاً لتوصيف الجنون . إذا حاول المؤمنون صياغة مشاهد الجنون كونها مراسم الإيمان وتعبير المؤمن عن إيمانه فهذا هراء لأن الأداء الذى يقوم به المؤمن يفتقد لأى مفردة عقلية كونه مُدرك أن فعله هذا يستنكره فى سياق وعيه الطبيعى ويسخر من فاعليه سواء مجانين حقيقيين أو أصحاب معتقدات أخرى , فالمسلم مثلا يسخر ويستخف من إيمان المسيحيين بالصور والأيقونات والتماثيل بينما نسى إنه يتدافع ليقبل الحجر الأسود ويرمى حجارة على عمود حجرى , كذلك المسيحى يرى عبثية تقبيل حجر وتناسى إنه يشبع أيقوناته تقبيلاً , كذا الشيعة يرون "وجيه" مجنون بينما هم يحتفلون بإسالة الدماء من رؤوسهم وأجسادهم .
المؤمنون بإله لا يعرفون له شكل ولا صوت ولا ملامح وحينما نسأل أين هذا الاله يقولون لك في السماء , بينما السماء لا تحوى سوى النجوم والقمر والشمس ..هم يؤمنون ويصلون لإله لا يعرفون أي شي عنه سوى بضع صفحات مكتوبة من اشخاص يدعون أنهم كتبوها بوحي منه , فهل هذا خلل نفسى ام عقلى .!
المصلون المتبتلون فى صلواتهم تنتابهم حالة وهم فهم يتكلمون مع أنفسهم ويحاكون ذواتهم من خلال فكرة تواجد إله يستمع إليهم ويخاطبونه ومشهد حديث الإنسان مع نفسه شائع بين البشر وإن إتخذت لدى المؤمن شكل طقسى يتمثل فى الصلاة لذا فهم يُمثلون ويَتقمصون الحالة ويتماهون فيها ليكون حديثى هذا عن فئة المصلين الذين لا يأدون الصلوات كحركات ونمنمات طقسية فحسب ,فهؤلاء فى حالة من السرحان والتيه مبرمجون ببغائيون على أداء الصلوات بدون أى تركيز ولكننى أعتنى بهؤلاء الذين يتوجهون بدعائهم وكلماتهم العفوية بتقمص لتجد من يتوسل بإتضاع لا يخلو مشهده من الدموع فهم يتقمصون هذا الإحساس او بمعنى أدق يستعيرونه من مشاهد شعورية سابقة .. نقول أن هذا وهم ليس لعدم وجود إله فحسب بل لأن الإنفعال والمشاعر يكون فى سياق تفاعل حياتى بين طرفين متواجدين يمارسان التأثير فى بعضهما . لو إفترضنا تواجد إله فهو لن ينظر ولن يعتنى لصلوات إنسان يعبد آلهة ضالة ووثنية وطالما انه يوجد إيمان واحد صحيح فرضاً فلن يعتنى بصلوات كل أصحاب الإيمانات المنحرفة والضالة لذا يصبح الغالبية ممثلون .
مشهد صلوات وطقوس الأفارقة تؤكد تحليلنا فهو مشهد مفعم بالحركة والأداء الذى تنتابه اللامنطقية ولكن فى أداء طريف يقترب من الرقص والتمثيل المسرحى أو هو رقص بالفعل ليكون التعبد مظهر من اللاعقلانية ولكن بأداء طريف يبتعد عن الصرامة كحال صلوات وطقوس أصحاب الأديان الابراهيمية .
أتصور من يعبد صنم أو بقرة أكثر عقلانيه لأنه يصلي ويعبد شي يجسده ويراه ويلمسه ليخلق معه علاقة ولو تخيلية أطرافها متواجدة بالفعل فى ذهنه لذا العبادات الوثنية هى الأكثر شفافية فى تعاطى الإنسان مع فكرة الإله ، أما عبادة شي لا وجود له بأى شكل ما بعيد عن التخيل كحال من ليس كمثله شئ أو ذو لانهائية لا محدودة أزلية أبدية كمفاهيم بعيدة عن التصور والتحقق والتخيل والإحساس فهو العبث والهراء بعينه وهذا سر أزمة المؤمن الحقيقية فهو يعيش علاقة لا يوجد لها أى ملامح يتلمسها . لو تماهينا مع أصحاب زعم وجود إله لنقول ما هى ذاته وكينونته وكيف عرفتوه فلن تجد جواب فماذا نقول عن هذه الحالة الفكرية سوى أنها ستؤدى حتماً إلى حالة إضطراب نفسى تستدعى ممارسة أفعال غير عقلانية كشكل من أشكال الإضطراب أو سيضطر المؤمن إلى رسم صور خيالية فى ذهنه ليستطيع التعايش مع الميتافزيقا لذا أتصور أن اصحاب العقائد الوثنية أو المجسدين لآلهتهم فى صور وأيقونات أكثر إستقراراً نفسياً من هؤلاء الذى يعبدون فكرة غير محددة الملامح والوجود ولعل هذا يفسر لنا سبب تعلق وإعتناء المسلمين بشخصية محمد أكثر من الله ذاته , كذلك إعتناء المسيحيين البالغ بالمسيح المتجسد عن الرب فى السماء ,فالإنسان لا يستطيع تحمل وتقبل الميتافزيقا المُجردة بلا ملامح .
المؤمنون عندما نراهم يُقْبلون الحجر والأيقونات ويقذفون الحجارة على نصب حجرى وغيرها من الأفعال الغير عقلانية فهنا هم يتعاطون مع ما متوفر لهم من أدوات لإقامة علاقة مع الميتافزيقا التى لا تعطى أى ملمح وجودى لها , فالإنسان لا يملك إلا شفرة الدماغ التى تتعاطى مع الوجود المادى حصراً ليكون أفعاله وتصوراته كلها من خلال صور مادية . فممارسة التقبيل والقذف بالحجارة والوقوف امام حائط والدوران حول الكعبه هو تجسيد وترميز الإنسان للخرافة حتى يتعاطى معها .
الضغط النفسى الواقع على المؤمن وصراعه الداخلى فى البحث عن طوق نجاة وأمان مع عدم وجود للطوق أو أى ملامح تثبت وجوده وحضوره أدى إلى حالة إخفاق تخجل أن تنطلق بالبوح بها فهو مسكون بفوبيا هائلة بلا بديل مما يؤدى إلى حالة من حالات إنعدام الوزن لا تعبر عن نفسها إلا فى حركات غير عقلانية .
فى الحقيقة لا نعتبر المؤمنين حالة خاصة وإن كانت حالة شديدة التأزم ,فالإنسان يصدر أداء عشوائى وغير عقلانى كتنفيس عن ضغوط الحياة مثل الرقص أو ركل الكرسى فهو تنفيس عن حالة توتر لتكون الممارسات الطقسية هنا تنفيس عن حالة توتر ولخبطة داخلية يمكن تجاوزها بنفى الغيبيات الفاعلة فى حياته التى لا يستطيع تلمسها أو التعاطى معها بالتنفيس من خلال لحظة لاعقلانية عابثة تحتج على وجود صارم لا يستوعب أوهامه .
أرى سبب آخر لحالة فقد التوازن لدى المؤمن ولجؤه إلى سلوكيات غير منطقية كونه واقع تحت ضغط شديد وإستقطاب داخلى هائل فهو يردد مفردات إيمانية لا يتلمسها ولا تكتفى الأمور بعدم الإحساس بها بل يمرر كم هائل من الخرافات والتناقضات والمغالطات يدرك هوانها فلا يستطيع أن يخرج من أسرها ليحاول أن يخلق حالة وهمية للتعايش معها ليألفها وذلك من خلال الطقوس التى تعتمد على سلوكيات لا تخلو من التشخيص يقولون عنها الرمز فبغض النظر عن التعريف فهى تهدف إلى خلق حالة من التوازن النفسى والهروب من إشكاليات كثيرة .
الأديان والمعتقدات بغض النظر عن القدسية التي تتلحف بها وما يُقال عن نُبل أهدافها إلا أنها لا تُقيم وزناً لعقل الإنسان إما تعمداً أو إهمالاً لتتجاهل إنهيار ذاته أمام صرامة وتناقض معطياتها ، فهي مع إفلاس حُجتها تُلزم الإنسان بتجاهل الواقع لصالح الاعتقاد مما أنتج أجيالاً من البشر هم في أحسن الأحوال أشباه عُقلاء. إن المعتقدات تعبث بقيمة الإنسان وعقلة وإنسانيته حين تقتحم ذاته مُتسللة من نوافذ ضعفه وخوفه لتُجبره طمعًا أو فزعًا على المثول لها لتنتزع اعتقاداً لا يفقه عنه شيئاً ويصدق بواقع لا يُدركه , ويقر بوجود لا يعلمه , ويشهد بحصول أشياء لم يشهدها ,ويعترف بذنب لم يقترفه , ويخشى من تضييع أمانةً لم يتعهد بحملها , ويفترض صواب أشياء يَرى خطأها فى واقعه .! إن التقليل من شأن الحواس والإمكانيات العقلية للإنسان لصالح التكهن والاعتقاد لهو وأد للعقل وفتح المجال لممارسات تتسم بالهذيان كحالة تخبط وتخدير للمنطق الغائب باللامنطق وكمحاولة لمعالجة الخلل بممارسات تتسم بالخلل لتكون بمثابة معالجة للداء بما هو داء . الإيمان يحتاج إلى درجة ما من الحماقة والهذيان لكى يتواجد ويمرر الإنسان الخرافة لتبث فيه الإعتقاد بأن رسالة المخلوق فك رموز الخالق وأن فشله في هذا يعني معصيته للخالق وغضبه ,لتنشر ثقافة الاعتقاد بوجود إله خالق البشر وأنه سيُحاسبهم ويُعاقبهم بسبب طبيعتهم ليتم إغتيال العقل والوعى الإنسانى وخداع البشر وإستغلال ضعفهم كما تطعن بدون أن تدرى فى منطقية الإله المفترض ليكون الهدف إبقائهم قُطعاناً تحت وصاية ورهن إشارة علماء الغيب ومن يحركهم من نخب قوية لترويض البشر وقهرهم والأدهى من كل هذا هو الاعتقاد بأن الإله بجلال قدره سيُحاسب ويُعاقب هؤلاء السُذج الواقعين تحت الضعف والحاجة والجهل والعجز عن فهم رسالته المفترضة . الإيمان والتصديق تحت عصا الخوف وأمام جزرة الطمع هو كل ما إستطاع سدنة الأديان فعله لكي يؤمن البشر بالإله لذا الإيمان تحت رهبة العصا ستخلق نفسية مضطربة وجلة خائفة تمارس سلوكيات مضطربة ذات هذيان وجنون .
يمكن تفسير الحالة الإيمانية بأن الإنسان يبحث عن لحظات من اللامعقولية ليكسر منطقية الحياة الصارمة أى يبحث عن حالة من تحدى منطق الحياة والمادة وخلق أجواء من اللامنطقية اللذيذة كما قد تكون حالة من العبثية فى مواجهة العبثية . لك ان تتأمل وتفسر رغبة البشر فى تعاطى المخدرات وشرب الخمور فلما ينجذبون لهذا المسلك التغيبيى لينفقون الغالى والرخيص فداء الاستمتاع بحالة من الغيبوبة ..إنها اللذة فى كسر منطق الحياة الصارم والخروج من شرنقة الأصول والمحددات , فنحن نستمتع بكل ما يكسر فى داخلنا المنطق والنظام والمحددات لتجد إستمتاعنا بالألعاب الأليكترونية والكوتشينة الخ كذلك نعشق الأفلام الخرافية بالرغم أننا اصحاب تفكير علمى عقلانى فهى لا تخضع لمنطق صارم بل تتعامل إلى حد ما مع الصدفة واللانظام ليكون استمتاعنا بالخروج من الحتمية والقدرية والمنطق الصارم . عشقنا للشعر والفن من منطلق إنها تبتعد عن الصرامة المنطقية لنحلق بإرتياحية فى عالم الخيال منعزلين عن المنطق والمحددات والحسابات وكراسة الشروط , كذا الحب بالرغم أنه يخضع لعوامل مادية فسحره إننا لا نُدرك ماديته ,وأتصور أنه من الأفضل للإنسان أن لا يتماهى فى فلسفة الفكر المادى للحب ,فمن المتعة الخروج من حساب المعادلات والحسابات والكيمياء ولنعيش الحب . هكذا المعتقدات والأديان والطقوس والشعائر محاولة لممارسة العبث والخروج من المنطق والمحددات العقلية لذا يستمتعون بالإيمان لكسر حدة الوجود المادى الصارم وقد تكون محاولة انسانية خبيثة بمواجهة عبث الوجود واللامعنى بعبث مثله .
قد يقول قائل إذا كان الإنسان يبحث عن لحظة جنون وخروج عن محددات الوجود المادى الصارم فلما تخص المؤمن وتستثنى الملحد ..هو قول صحيح بالفعل فالإنسان واحد وإن تباينت حجم ونوعية المؤثرات عليه لينتهج الجميع البحث عن لحظة جنون وإن كنت أتصورها بالنسبة للملحد اقل مستوى وحدة ولكنها متواجدة بالطبع لتتم ممارستها من خلال الرقص أو شرب الخمور أو مشاهدة الافلام الخيالية او المصارعة أو أى صوره تخرجه من منطقه الصارم ولكن يبقى فى النهاية فارق جوهرى ننشده وهو أن الملحد يمارس هذه السلوكيات سواء أدرك مغزاها أو لم يدركها فسينصرف عنها بعد ذلك ولا يضعها كمنهج وايدلوجية وفلسفة فكر يقدسه وينسحق أمامه.
دمتم بخير . -"من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته" - حلم الإنسانية القادم فى عالم متحررمن الأنانية والظلم والجشع .
#سامى_لبيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هوان العقل المتأسلم-الثقافة عندما تنتهك عقولنا وانسانيتنا
-
أسئلة مُحرجة-35إلى40من خمسين حجة تفند وجود الإله
-
بحثاً عن حلول لخروج الإسلام من أزمته .
-
الأمور تمر عبر النصب والإحتيال-كيف يؤمنون
-
خيبة !!- لماذا نحن متخلفون
-
خمسون حجة تُفند وجود الإله-جزء رابع27 إلى 34من50
-
فى القانون الطبيعى والرياضيات والنظام-نحو فهم للوجود والحياة
...
-
دعوة للنقاش حول الحوار المتمدن إلى أين
-
أرجوكم إنتبهوا
-
ثقافة الكراهية والعنف والطريق إلى الإرهاب .
-
ثقافة النقل قبل العقل والطريق إلى التخلف
-
خمسون حجة تفند وجود الإله-جزء ثالث21 إلى 26من 50
-
زهايمر3-تناقضات فى الكتابات المقدسة-جزء عاشر
-
خمسون حجة تفند وجود الإله-جزء ثان 6إلى20من50
-
50حجة تفند وجود الإله-جزء أول 5 من 50
-
الإيمان بفكرة الله ضار والإلحاد هو الحل والتغيير
-
ماذا تستنتج من هذه المشاهد التراثية-الأديان بشرية الفكر واله
...
-
فنجرة بق- الصورعندما تحاكم وتدين
-
دعوة للخربشة– نحو فهم للوجود والحياة والإنسان
-
ماذا لو ؟!- الأديان بشرية الفكر والهوى .
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|