|
يهودا عميخاي - قصائد مختارة
ماجد الحيدر
شاعر وقاص ومترجم
(Majid Alhydar)
الحوار المتمدن-العدد: 4722 - 2015 / 2 / 16 - 11:17
المحور:
الادب والفن
يهودا عميخاي- قصائد مختارة ترجمة وتعليق ماجد الحيدر
يعد يهودا عميخاي (1924-2000) في نظر الكثيرين في اسرائيل وخارجها أهم أعلام الشعر الاسرائيلي المعاصر، علاوة على كونه واحداً من أهم الشعراء العالميين منذ أواسط ستينات القرن الماضي. تميز بكونه من أوائل الشعراء اللذين استخدموا العبرية العامية وظلت قصائده، حتى الان، الأكثر قراءة وانتشارا في إسرائيل.
ولد في مدينة فورتسبورغ الألمانية لعائلة يهودية تقليدية فتعلم اللغتين العبرية والألمانية. هاجرت عائلته، وهو في الحادية عشرة، الى مدينة بتاح تكفا عندما كانت فلسطين تحت الانتداب البريطاني. ثم إلى القدس حيث التحق بالدراسة الثانوية ثم انضم الى قوة البالماخ، الذراع الضاربة لمنظمة الهاغانا، كما حارب كجندي في سن مبكرة لصالح الجيش البريطاني في الحرب العالمية الثانية، ثم في الحروب التي خاضها الجيش الاسرائيلي وصولا الى حرب اكتوبر 1973، لكنه رغم ذلك (وربما بسببه) أصبح واحداً من دعاة السلام والتصالح مع الفلسطينيين اللذين تعاون مع بعض شعرائهم في هذا الاتجاه كما تأثر به عدد منهم مثل محمود درويش الذي لم يخف إعجابه به لكن يصف شعره بأنه يشكل منافسةً وتحدياً له "لأننا نتحدث عن المكان نفسه، لكنه يريد أن يستخدم المشهد والتاريخ لفائدته".
بعد الحرب العالمية الثانية وتسريحه من الجيش البريطاني التحق بكلية المعلمين في القدس واشتغل بالتدريس في حيفا، ثم درس الكتاب المقدس والأدب العبري في جامعة أورشليم العبرية حيث شجعه أحد أساتذته على نشر مجموعته الشعرية الأولى (ألآن وفي الأيام الأخرى- 1955). في عام 1963 نشر روايته الأولى (لست من هذا الزمان، لست من هذا المكان)، وتدور حول شاب اسرائيلي يولد في ألمانيا ويعود ليزورها بعد انقضاء الحرب العالمية وحرب "الاستقلال"، ليستذكر طفولته ويحاول فهم العالم الذي خلقته مذابح الهولوكوست. أما روايته الثانية التي نشرت عام 1971 (عندما كان استاذا زائراً في جامعة كاليفورنيا - بركلي) فتدور حول شاعر اسرائيلي يعيش في نيويورك.
كان عميخاي كاتبا وشاعرا غزير الانتاج ترك ارثا كبيرا من القصص والقصائد وأدب الأطفال والمقالات والمذكرات والمراسلات التي جمعته بالعديد من أبرز شعراء ومثقفي العالم. في عام 1994 دعاه رئيس الوزراء اسحق رابين الى قراءة بعض قصائده في حفل تسلمه لجائزة نوبل للسلام فقرأ قصيدته (الله شفيق بأطفال الروضة) التي نقشت لاحقاً على جدار في متحف رابين في تل أبيب. قام بالتدريس استاذا زائرا ومحاضرا في عدد من الجامعات المحلية والعالمية، وحصل على الكثير من الجوائز المحلية والعالمية وترجمت أعماله الى عدة لغات وسميت باسمه عدد من الشوارع في اسرائيل، وفي مدينته الأم في ألمانيا وتحولت بعض قصائده الى أعمال غنائية وموسيقية في اسرائيل وخارجها. توفي عام 2000 بسبب السرطان.
تميز شعره بتناول شؤون الحياة اليومية دون اغفال القضايا الفلسفية التي تدور حول معنى الحياة والموت بأسلوب يمتاز بالبساطة الشديدة (وربما بالمباشرة التي تبدو خادعة في معظم الأحيان) وبالسخرية اللطيفة والصور الشعرية المدهشة الأصيلة، وقد خاض، مثله مثل العديد من الشعراء العلمانيين في اسرائيل، صراعا مع المؤسسة الدينية والفكر الديني السائد. كانت اشعاره مليئة بالاشارات الى الله والتجربة الدينية وأحداث ووقائع التاريخ والكتاب المقدس. فكان أن وصف بالشاعر- الفيلسوف الباحث عن المذهب الانساني الما بعد اللاهوتي، كما اتهمت بعض صوره بتجاوزها للمقدسات؛ ففي قصيدته "وهذا هو مجدك" على سبيل المثال يصور الله وقد تمدد تحت الكرة الارضية كما يتمدد الميكانيكي تحت سيارة، محاولا أن يصلحها دون جدوى. أما في قصيدته "الآلهة تتغير، الايمان يبقى كما هو" فيصور الله على صورة دليل سياحي أو ساحر.
يقول عميخاي متحدثاً عن تمكنه الذي عرف به من لغته "لقد ترعرعتُ في أسرة شديدة التدين فصارت الصلوات والأدعية ولغتها ضربا من اللغة الطبيعية بالنسبة لي. أنا لا أحاول – كما يفعل بعض الشعراء أحيانا - أن "أُغني" قصائدي بإقحام المزيد من المواد الثقافية أو العرقية فيها، إنها تأتي بطريقة طبيعية تماما". أما أحد النقاد فقد وصف شعر عميخاي بأنه "لعبة أصوات" فهو يبني زخماً قوياً يتحرك في تداعٍ حر كلمة إثر أخرى، والأصوات في الواقع هي التي تخلق الكلمات التي تتوالى في سلسلة تركيبية تعتمد التقارب الصوتي" وهذا الأمر كما هو معروف –علاوة على غنى قصائده بالإحالات التراثية والدينية والفلسفية- يزيد من صعوبة ترجمة قصائده الى لغات أخرى.
(1) المطرُ الأوّلُ
المطرُ الأوّلُ يذكِّرُني
بِغبارِ الصيفِ الصاعدِ
...
المطرُ لا يتذكَّرُ
مطرَ العامِ الفائتِ
...
العامُ وحشٌ مدرِّبٌ
لا ذاكرةَ له
...
قريباً سترتدينَ مِن جديدٍ
سيورَك المطرَّزةَ الجميلةَ
التي تمسكُ جواربِك الشفيفة:
إنتِ الفرسُ وأنتِ السيورُ
في جسدٍ واحدٍ
...
الذعرُ الأبيضُ للَّحمِ الطريِّ
في ذعرِ الرؤى المفاجِئةِ
لغابرِ القديسين.
(2)كلبٌ لتعَقُّبِ الحبِ
بعدَ أن تركتِني
جعلتُ كلباً
يشمَّ صدري وبطني.
سيملأُ أنفَهُ بالرائحةِ
وينطلقُ.. بحثاً عنك
...
آملُ أنْ يمزِّقَ
خصيةَ حبيبكِ الجديدِ
ويقضمَ قضيبَهُ
أو يجلبَ على الأقل
جواربَكِ بين أسنانه!
(3)راعٍ عربيٌّ يبحثُ عن جَديِهِ فوق جبلِ صهيون
راعٍ عربيٌّ
يبحثُ عن جَديهِ فوقَ جبلِ صهيونَ
وعلى التلِّ المقابلِ
أبحثُ أنا عن ولدي الصغيرِ
...
راعٍ عربيٌّ.. وأبٌ يهوديٌّ
كلاهما غارقٌ.. في خيبتِهِ المؤقَّتةِ
...
واشتبكَ صوتانا في الأعالي
وفي الوادي الذي بيننا.. امتدتْ بركةُ السلطان
...
لا أحدَ منّا يريدُ أن يسقطَ الولدُ أو الجَديُ
بين عجلاتِ ماكنةِ "هاد جَديا"*
...
ثم عثَرْنا عليهما بين الأحراشِ
وعادَ صوتانا الى جَوفينا
ليَضحَكا ويبكيا
...
البحثُ عن جَديٍ أو عن طفلٍ
كانَ على الدوامِ
بدايةَ دينٍ جديدٍ..
في هذهِ الجبال
(4)حاوِلْ أن تتذكرَ بعضَ التفاصيل
حاولْ أن تتذكرَ بعضَ التفاصيلِ:
تذكّرْ ثيابَ حبيبتِكَ
حتى إذا جاءَ يومُ خسرانِكِ إياها
يمكنكَ أن تقولَ:
كانت ترتدي كذا وكذا،
معطفاً بنّيا، قبعةً بيضاءَ.
...
حاولْ أن تتذكرَ بعضَ التفاصيلِ
التفاصيلُ لا تملكُ وجها
وأرواحُها مخبوءةٌ
وبكاؤها مثلُ ضحكِها
وصمتُها وصراخُها
يصعدانِ لارتفاعٍ واحدٍ
وحرارةُ أجسادِها
بين 98 و 104 فهرنهايت
ولا حياةَ لها خارجَ هذا الفضاءِ الضيِّقِ
ولا تملكُ صورةً منقوشةً، ولا شبهاً أو ذاكرة
لكنَّ عندها أكواباً من ورقٍ لأيامِ سرورها،
وأكوابُ الورقِ.. لا تُستعمَلُ مرتين.
...
حاولْ أن تتذكرَ بعضَ التفاصيل
لأن العالمَ مليءٌ بأُناسٍ
انتُزِعوا من منامهم
وما مِن مُداوٍ
لموضعِ الانتزاعِ
وكلُّهم، خلافَ وحوشِ البراري،
يعيشون في مخابئهِم الموحشةِ المعزولةِ
ويموتونَ معا في سوحِ المعاركِ
أو في المستشفيات
...
كلُّهم ستبلعُهم الأرضُ،
الصالحَ والشريرَ.
كأتباعِ قارونَ
كلُّهم في تمرّدِهم على الموتِ،
أفواهُهُم فاغرةٌ الى اللحظةِ الأخيرةِ،
يُسَبِّحونَ ويلعنونَ
في عواءٍ منفرد.
...
حاول، حاول
أن تتذكرَ بعضَ التفاصيل
(5)أعرفُ رجُلا
أعرفُ رجلا
صوّرَ المنظرَ الذي رآهُ
من نافذةِ الغرفةِ التي
مارسَ الحبَّ فيها.
لكنه لم يصوِّرْ
وجهَ المرأةِ التي ضاجَعَها!
* هاد جَديا (أو جدي واحد): أغنية أطفال مرحة تغنى خلال عيد الفصح اليهودي وتتحدث عن أب يشتري جدياً صغيرا تأكله القطة فيعضها الكلب الذي تضربه الأم بالعصا ثم تحرق النار تلك العصا فيطفئها الماء الذي يشربه الثور الذي يذبحه القصاب (شوهيت) الذي يأخذ ملك الموت روحه فيعاقبه الرب. والأغنية ترمز في أحد تفسيراتها الى الأقوام اللذين تتابعوا على أرض اسرائيل من يهود وآشوريين وبابليين وفرس ومقدونيين ورومان وعرب وصليبيين وأتراك قبل أن يقوم الرب بإعادتها الى اليهود. لكنها في تفسير آخر تمثل رحلة الانسان نحو الاكتمال وتحذره من حياة خالية من التطور الروحي، ومن الواضح أن الشاعر يحيل هنا الى دورات الصراع والعنف في المنطقة.
#ماجد_الحيدر (هاشتاغ)
Majid_Alhydar#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القصائد - شعر
-
أغنية الى صبري أفندي
-
وهذا كل شيء - شعر
-
من روائع الشعر الأمريكي - ويعلو المد -لونكفلو
-
ترنيمة للمسيح الصغير - شعر
-
أليس غريبا
-
ولن أتركَ الحديقة
-
نصائح لعمر طويل - شعر
-
كفن جدتي - قصة مترجمة من الأدب الكردي
-
نشيد الى فيروز
-
الفلكة - شعر
-
حين يأتي يوم ميلادي
-
مرحبا .. هنا العراق
-
عشر نصائح لكتاب السرد - زادي سمث
-
سبع خاطرات عن الخامسة
-
يا عمتي النخلة - شعر
-
شعارات معدلة: الدين لله .. والوطن للصوص
-
ولادة - شعر
-
بهنام وديع اوغسطين الأديب والتربوي المنسي - محاولة لترميم ال
...
-
ملل في بغداد الجديدة - شعر
المزيد.....
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
-
فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو
...
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|