أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - كرار حيدر الموسوي - إعانة الظالم















المزيد.....


إعانة الظالم


كرار حيدر الموسوي
باحث واكاديمي

(Karrar Haider Al Mosawi)


الحوار المتمدن-العدد: 4721 - 2015 / 2 / 15 - 22:21
المحور: كتابات ساخرة
    


إعانة الظالم - والإعانة على أقسام:
أولاً: تولي المناصب للظالم
وتحرم إعانة الظالم بالدخول في جهازه العسكري والسياسي والاداري، إلاّ إذا دعت الضرورة الى ذلك؛ كما إذا كانت الولاية للظالم والتعاون معه مقدمة لأمر شرعي أهم، مثل إقامة القسط والعدل وإعانة الملهوف والمستضعف. ومن هنا قال المحقق الحلي: الولاية من قبل السلطان العادل جائزة، وربما وجبت كما إذا عيّنه إمام الأصل، أولم يمكن دفع المنكر أو الأمر بالمعروف إلاّ بها. وتحرم من قبل الجائر، إذا لم يأمن إعتماد ما يحرّم. ولو أمن ذلك، وقدر على الأمر بالمعروف (والنهي عن المنكر) استحبت، ولو أكره جاز لـه الدخول دفعاً للضرر اليسير على كراهية، وتزول الكراهية لدفع الضرر الكثير؛ كالنفس أو المال أو الخوف على بعض المؤمنين. (1)
وقد فصل العلامة النجفي القول في أمر الولاية للجائر، ونقل عن السيد الطباطبائي حرمتها بالأصل، وإنما تجوز لدليل خاص مثل حرمة الميتة إلاّ للمضطر.
ونقل عن كتاب المنتهى للعلامة وعن فقه القرآن للراوندي: إن تقليد الأمر من قبل الجائر جائز إذا تمكن من ايصال الحق لمستحقه بالاجماع المتردد والسنة الصحيحة وقوله تعالى: (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ( (يوسف/55)، مضافاً الى ظهور جملة وافرة من النصوص في الجواز.
وحكى عن بعض الفقهاء من متأخري المتأخرين التفصيل في أمر الولاية للجائر، فاذا كان قبولها للرئاسة وجمع المال فممنوعة، وإذا كان ذلك بهدف قضاء حوائج المؤمنين وفعل بعض الطاعات جازت، حتى ولو كان دافع حب الرئاسة وجمع المال موجوداً لدى الشخص فهو من باب خلط العمل الصالح بالعمل السيئ.
أما العلامة النجفي فقد حمل نصوص المنع من تولي الجائر على الولاية على المحرمات، أو الممزوجة بالحرام والحلال. ونصوص الجواز على الولاية على المباح كجباية الخراج ونحوه. واعتبر جواز ذلك رأفة بحال المؤمنين، ورفقاً للضيق والحرج في هذا الزمان ونحوه من أزمنة التقية. (2)
والذي دعا الفقهاء الى تبني آراء تفصل بين أنواع الولاية وظروفها المختلفة، إنما هو اختلاف الروايات التي سنذكر باذن الله سبحانه بعضاً منها. فمنهم من جعل إجازة الولاية للجائر أصلاً، بينما جعل المنع منها بسبب إشتمالها على الحرام. ومنهم من جعل الحرمة أصلاً، والاجازة للضرورة أو لتسهيل الأمر على الشيعة في ظروف التقية..
ويبدو لي أن علينا ردّ الروايات عند تشابهها واختلافها؛ ردّها الى محكمات القرآن المجيد والسنة الشريفة. وكتاب ربنا صرّح في حرمة التعاون على الإثم والعدوان، وولاية الجائر بذاتها عدوان، فكيف يجوز إعانته فيها، وأية إعانة أكبر من الانخراط في أجهزته؟ على اننا أمرنا بنص الذكر الحكيم بتجنب الطاغوت وحرمة التحاكم إليه، فكيف يجوز تولي أموره؟ وقد أفتى الفقهاء جميعاً، ومنهم المحقق الحلي على حرمة التحاكم الى الجائر (الطاغوت)، وحكى العلامة النجفي الاجماع على ذلك، بل واعتبره من كبائر الذنوب كما يأتي الحديث عنه إن شاء الله لاحقاً.
فكيف يكون الأصل جواز الولاية لهم؟..
من هنا نرى أن الأصل هو حرمة تولي المناصب من قبل الجائر، إلاَّ لضرورة بالغة أو لظروف التقية. والدليل على ذلك انه إعانة على ظلمه، ومخالفة لاجتناب الطاغوت، وقد بيّن الإمام الصادق عليه السلام حكمة هذه الحرمة الشديدة في الحديث المأثور عنه في كتاب تحف العقول. إذ بيّن أن الولاية ذات جهتين؛ فولاية الحاكم العادل جائزة، ثم قال: وأما وجه الحرام من الولاية، فولاية الوالي الجائر، وولاية ولاته والعمل لهم والكسب لهم بجهة الولاية معهم حرام محرم معذب فاعل ذلك على قليل من فعله أو كثير، لأن كل شيء من جهة المعونة له معصية كبيرة من الكبائر.
وذلك أن في ولاية والي الجائر دروس الحق كله، وإحياء الباطل كله، وإظهار الظلـم والجــور والفساد، وابطال الكتب، وقتل الأنبياء، وهدم المساجد، وتبديل سنة الله وشرائعه.. فلذلك حرم العمل معهم ومعونتهم، والكسب معهم إلاّ بجهة الضرورة، نظير الضرورة الى الدم والميتة". (1)
وجاء في حديث آخر عن أبي بصير قال: سألت أبا جعفر (الإمام الباقر) عليه السلام عن أعمالهم، فقال لي: يا أبا محمد لا، ولا مدة قلم. إن أحدهم لا يصيب من دنياهم شيئاً إلاّ أصابوا من دينه مثله. (1)
فإذاً الولاية للجائر بذاتها محرمة، إلاَّ إذا اقتضت الضرورة فتجوز، مثل أن يكره الفرد عليها في ظروف الهدنة، أو يرى الفقيه أن الانخراط في سلكهم ينفع الأمة، فتجوز، وعليها تحمل الأحاديث التالية:
عن زياد بن أبي سلمة قال: دخلت على أبي الحسن موسى (الإمام الكاظم) عليه السلام، فقال لي: يا زياد؛ إنك لتعمل عمل السلطان؟ قال: قلت: أجل. قال لي: ولم؟ قلت أنا رجل لي مروّة، وعليَّ عيال، وليس وراء ظهري شيء. فقال لي: يا زياد لئن أسقط من حالق فأتقطع قطعة قطعة أحبّ إليَّ من أن أتولى لأحد منهم عملاً، أو أطأ بساط رجل منهم إلاّ لماذا؟ قلت: لا أدري جعلت فداك. قال: إلاّ لتفريج كربة عن مؤمن، أو فك أسره، أو قضاء دينه. يا زياد؛ إنّ أهون ما يصنع الله جلّ وعزّ بمن تولّّى لهم عملاً أن يضرب عليه سرادق من نار الى أن يفرغ "الله" من حساب الخلائق "الخلق". يا زياد؛ فإن ولّيت شيئاً من أعمالهم فأحسن الى إخوانك، فواحدة بواحدة، والله من وراء ذلك. يا زياد؛ أيّما رجل منكم تولّى لأحد منهم عملاً ثم ساوى بينكم وبينه، فقولوا لـه: أنت منتحل كذّاب. يا زياد؛ إذا ذكرت مقدرتك على الناس، فاذكر مقدرة الله عليك غداً، ونفاد ما أتيت إليهم عنهم، وبقاء ما أتيت إليهم عليك. (2)
وخالق اسم جبل حسبما جاء في تعليقة العلامة النجفي. والحديث واضح في بيان أن القاعدة الأولية حرمة الولاية للظالم، وإنما الحلية إستثناء. وجاء في حديث آخر عن اسماعيل بن بزيع عن الامام الرضا عليه السلام: إن لله تعالى بأبواب الظلمة من نور الله به البرهان. ومكّن له في البلاد ليدفع عن أوليائه، ويصلح الله تعالى به أمور المسلمين، لأنهم صلحاء المؤمنين. (1)
أما في عصر الهدنة، فإذا رأى الفقيه أن الأولوية في التداخل مع أئمة الجور لعدم إمكانية إزالتهم، ومن ثم العمل من خلال قدرات السلطة لاقامة القسط وإغاثة الملهوف والدفاع عن بيضة الاسلام وما أشبه، فإنه جائز، بل وقد يكون واجباً إذا كانت الأهداف ضرورية، وإذا أمر الفقيه شخصاً معيناً لذلك. وقد طلب النبي يوسف الصديق عليه السلام من عزيز مصر أن يجعله عن خزائن الأرض، فبذلك تمكن من الأرض. وقد قبل الإمام الرضا عليه السلام ولاية عهد الخليفة العباسي المأمون، حينما رأى مصلحة الدين والمسلمين في ذلك.
وهذه المسائل من متغيرات أحكام الشريعة، التي نحتاج فيها إلى رأي الفقيه بعد مشاورة الخبراء . والله المستعان.


ثانياً: إعانة الظالم بالسلاح والمؤن
والقاعدة في إعانة الظالم الحرمة، لأنها من حقائق التعاون على الإثم والعدوان. والاستثناء هو الحلية، إذا كانت هذه الإعانة تخدم مصالح الأمة الأهم. وفي ذلك نقرء الحديث التالي:
عن هند السرّاج قال: قلت لأبي جعفر (الإمام محمد الباقر) عليه السلام: أصلحك الله إني كنت أحمل السلاح إلى أهل الشام فأبيعه منهم، فلمّا عرفني الله هذا الأمر ضقت بذلك، وقلت: لا أحمل الى إعداء الله. فقال لي: إحمل إليهم وبعهم، فإن الله يدفع بهم عدوّنا وعدوّكم يعني الروم. وبعه فإذا كانت الحرب بيننا، فلا تحملوا. فمن حمل الى عدوّنا سلاحاً يستعينون به علينا، فهو مشرك. (2)
نستفيد من الحديث جواز بيع السلاح للدفاع عن حرمات الأمة. والحديث التالي يستثني حالة الهدنة مع النظام الجائر، فيقول: عن أبي بكر الحضرمي قال: دخلنا على أبي عبد الله (الإمام جعفر الصادق) عليه السلام، فقال لـه حكم السّراج: ما تقول فيمن يحمل الى الشام السّروج وأداتها؟ فقال: لا بأس، أنتم اليوم بمنزلة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله، إنكم في هدنة، فاذا كانت المباينة حرم عليكم أن تحملوا إليهم السّروج والسلاح. (1)
وعلينا في كل معاملة تجارية سواءً في بيع الأسلحة أو العتاد أو المؤن أو كل ما يخدم بقاء الظالم ويقوي كيانه، علينا أن نرجع فيه الى محكمات القرآن والحديث. فمن القرآن الآية الكريمة التي نصت على حرمة التعاون على الإثم والعدوان، ومن الحديث ما جاء في رواية الامام الصادق عليه السلام المأثورة في كتاب تحف العقول من حرمة ما فيه الفساد، حيث قال: وأما وجوه الحرام من البيع والشراء، فكل أمر يكون فيه الفساد مما هو منهي عنه من جهة أكله وشربه أو كسبه أو نكاحه أو ملكه.. (إلى أن قال عليه السلام) فهذا كله حرام محرم. (2)
وفي تفسير الإجارات المحللة، إستثنى الإمام إجارة من يكون وكيلاً للوالي أو والياً للوالي. (3)
وهكذا نعرف أن الأصل هو مقاطعة الظالم، واجتنابه واجتناب التحاكم إليه أو التعامل معه حسبما يأتي تفصيله إن شاء الله تعالى، وإنما يحل ذلك بصورة استثنائية..

ثالثاً: إجتناب الطاغوت
وقد أمرنا الرب سبحانه باجتناب الطاغوت. والطاغوت هو الشخص الذي يتجاوز حده، ويتولى الناس بالقوة، ويحرم ما أحل الله، ويحلل ما حرّم الله، ويطاع من دون إذن الله سبحانه. واجتنابه يعني عدة حقائق:
1/ عدم الاستماع إليه، حيث قال الله سبحانه: (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُولُواْ الاَلْبَابِ( (الزمر/17-18)
2/ ويشمل اجتناب الطاغوت؛ ترك التحاكم إليه، وعدم جعله قاضياً في المنازعات. قال الله سبحانه: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ءَامَنُوا بِمَآ اُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ اُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ اُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً( (النساء/60)
واعتبر الفقهاء التحاكم الى الطاغوت منكراً ومن الكبائر. قال المحقق الحلي قدس الله سره: ولو امتنع (الخصم عن التحاكم الى قاضي العدل) وآثر المضي الى قضاة الجور، كان مرتكباً للمنكر. وشرح العلامة النجفي هذا القول بما يلي: لأن ذلك كبيرة عندنا كما في المسالك، وقد عرفت وجوب النهي عن المنكر على الناس كفاية. وقال الإمام الصادق عليه السلام: أيّما مؤمــن قدّم مؤمناً في خصومة الى قاض أو سلطان جائر فقضى عليه بغير حكم الله فقد شركه في الإثم. (1)
وفي حديث آخر عن عمر بن حنظلة قال: سألت أبا عبد الله (الإمام جعفر الصادق) عليه السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث، فتحاكما الى السلطان أو إلى القضاة، أيحلّ ذلك؟ فقال: من تحاكم إليهم في حقّ أو باطل فإنّما تحاكم إلى طاغوت. وما يحكم لـه، فإنما يأخذ سحتاً وإن كان حقّه ثابتاً، لأنه أخذه بحكم الطاغوت، وقد أمر الله أن يكفر به. قال الله تعالى: (يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ اُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ (. (2)
ثم قال العلامة النجفي: الى غير ذلك من النصوص المعتضدة بالاجماع بقسميه. (1)
3/ ومن أظهر حقائق عون الظالم، الادلاء إليه، لأكل أموال الناس بالباطل؛ والاستقواء به على الناس، بهدف السيطرة عليهم واستلاب حرياتهم . قال الله سبحانه: (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَآ إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ( (البقرة/188)
4/ ويبدو أن من مظاهر اجتناب الطاغوت؛ ترك العمل بعاداته وتقاليده وشعائره أنى استطاع المؤمنون سبيلاً. ذلك أن البشر قد جبل على إحترام القوي، والتأثر به، وتقليده في أموره. واجتنابه يشمل - فيما يشمل - مقاطعته من جميع النواحي، ومقاومة كل ما يمت إليه بصلة، والاستعانة بالله عليه لطرده والقضاء عليه. مثلاً كان طغاة بني العباس قد اتخذوا اللون الأسود شعاراً لهم، فوردت أحاديث عن أئمة أهل البيت عليهم السلام بكراهية هذا اللون، حسب تفسير الفقهاء لعلة الكراهة. كما أن التشبه بالكفار يعتبر من المحرمات الشرعية..
5/ ومن حقائق اجتناب الطاغوت؛ تجنب الدفاع عنه، وتبرير أفعاله الارهابية، وتجنب إرضاءه بما يسخط الرب، حيث جاء في الحديث الشريف: من أرضى سلطاناً جائراً بسخط الله خرج من دين الله. (2)
وجاء في حديث آخر: لا دين لمن دان بطاعة المخلوق في معصية الخالق. (3)

رابعاً: إعانة المعتدي
وتشمل الآية الكريمة حرمة إعانة المعتدي من الناس؛ مثل إعانة المحاربين لله وللرسول، والمفسدين في الأرض، وإعانة عصابات التهريب للاسلحة والمواد المخدرة، وإعانة المجرم على قتل أحد أو جرحه أو انتهاك حرمة من حرماته. وفيما يلي نتحدث بايجاز عن هذه المفردات باذن الله.
1/ إعانة المحاربين والمفسدين
وتشمل كلمة المحارب، الذين يستخدمون السلاح في المجتمع، من أجل مطامح ذاتية، ويخرجون على القانون الشرعي. أما المفسد في الأرض فيشمل أيضاً العصابات التي تنشر الفساد السياسي أو الأخلاقي أو الإقتصادي. وكل هؤلاء معتدون، والتعاون معهم يكون من حقائق التعاون على الإثم والعدوان.
أما الأحكام الجزائية، فسوف نتعرض لها لاحقاً إن شاء الله.
2/ إعانة المجرمين
فلا يجوز أن يُعان القاتل في قتله بتوفير السلاح لـه، أو كشف مخبأ الضحية، أو إيوائه المجرم قبل أو بعد ارتكاب فعلته. كما لا يجوز إعانة السارق بفتح الأبواب له، والدلالة على مواقع المال أو إيوائه. ولا يجوز كذلك إيواء الجناة الذين يتعرضون لأعراض الناس، أو أموالهم بأية صورة.
وقد تناول الفقه والقانون قضية التعاون في الجريمة بصورة مفصلة، وأوضحت أحكام الشرع كما القانون الكثير من غوامض الفروع المتشابهة في هذا الحقل، مما جعلنا نستفيد منها في سائر الموارد المماثلة كالتعاون مع المحاربين، والمفسدين. وهكذا أرجأنا الحديث عن الجانب الجزائي إلى هذا البحث الذي نقسمه الى نقاط:
أ- يفرق القانون بين المشاركة في الجريمة، وبين المعاونة عليها. فالمشارك تشمله أحكام الجريمة وعقوباتها بالكامل، بينما المعاون لا تشمله. والجريمة التي يضرب بها المثل هنا هي جريمة القتل. فما هي المشاركة في مثل جريمة القتل؟ فيها شروط؛ أولاً: المشاركة بين اثنين أو أكثر في ايراد الضربات المنتهية الى القتل. ثانياً: لا بد أن يكون فعل المشاركين في الجريمة جزءً من أسباب القتل العينية (المادية). ثالثاً: لا بد أن يشاركوا جميعاً في نية ارتكاب الجريمة (كالقتل). رابعاً: يشترط عدم تحديد المباشر الأصلي للقتل. (1)
ويرى مؤلف الموسوعة الجنائية أن للاشتراك ركنين أساسيين؛ (واحد) اتفاق سابق على ارتكاب الجريمة، (اثنين) جريمة تنفذ او يبدء في تنفيذها في تلك الظروف من (قبل) عدة أشخاص. ويضرب مثلاً بأنه إذا اتفق جماعة وترصدوا لشخص وضربوه ضرباً أفضى الى موته، فلا وجه لتقسيم (العمل) الصادر منهم الى ضرب أفضى إلى الموت لا يتحمل مسؤوليته إلاّ من أوقع الضربة القاضية فقط، وضرب بسيط يشترك في المسؤولية عنه بقية المتهمين، لأن تقسيم الضرب الى عدة جرائم باعتبار عدد الفاعلين إنما يصح في الأحوال التي لم يكن بينهم فيها واسطة اتحاد في القصد وتعاون على الفعل. (2)
أما في الفقه فقد قال المحقق الحلي: لو شهد اثنان بما يوجب قتلاً كالقصاص، أو شهد أربعة بما يوجب رجماً كالزنا، وثبت أنهم شهدوا زوراً بعد الاستيفاء (3) لم يضمن الحاكم، ولا الحدّاد (4) وكان القود على الشهود. (5)
وروى مسمع عن الامام الصادق عليه السلام: أن أمير المؤمنين عليه السلام قضى في أربعة شهدوا على رجل أنهم رأوه مع إمرأة يجامعها فيرجم، ثم رجع واحد منهم. قال: يغرم ربع الدية إذا قال: شبه عليَّ. فإن رجع اثنان وقالا: شبه علينا، غرما نصف الدية. وإن رجعوا وقالوا: شبه علينا، غرموا الدية. وإن قالوا: شهدنا بالزّور، قتلوا جميعاً. (1)
ويبدو أن الفقه قد أرجع مسألة المشاركة الى العرف بالرغم من اختلاف الموارد فيها، مما يستدعي رأي القضاء. إلاّ أن ما نجده في القوانين الحديثة من شروط المشاركة وأهمها النية السابقة، يعتبر مادة مناسبة لاستكشاف رأي العرف منها. وجميع هذه الموارد تشملها آية التعاون، إذ أنها تتسع لمعنى تقديم العون الى درجة المشاركة (وهو المعنى الظاهر فيها)، كما تتسع لمعنى تقديم عون ما (وهو المعنى الذي يظهر بالتأمل في الآية).
ب- المساعدة
والمساعدة في الجريمة تتحقق في رأي فقهاء القانون بما يلي: أن تكون هناك جريمة أصلية معاقب عليها، وأن يكون لدى الشريك قصد الاشتراك في الجريمة، وأن يقع الاشتراك بإحدى الطرق المبيّنة في المادة 44 وهي التحريض والاتفاق والمساعدة. (2)
وقد أوضح المؤلف شرط وقوع الجريمة، ثم قال: والقصد الجنائي في الاشتراك المعاقب عليه يتكون من عنصرين؛ العلم والارادة. فيشترط أن يكون المتهم عالماً بأن العمل الذي يشترك فيه هو جريمة، وان يكون قاصداً المعاونة فيه بعمل شخصي من جانبه. (3)
أما في الفقه الإسلامي فعادة ما يوضح مثل هذه الأمور بالأمثال، ومن هنا فقد قال المحقق الحلي: لو حفر واحد بئراً، فوقع آخر (فيها) بدفع ثالث، فالقاتل الدافع دون الحافر. وكذا لو ألقاه من شاهق، فاعترضه آخر (بالسيف) فقدّه نصفين قبل وصوله الأرض، فالقاتل هو المعترض. ولو أمسك واحد وقتل آخر، فالقود على القاتل دون الممسك، لكن الممسك يحبس أبداً. ولو نظر إليهما ثالث (1)، لم يضمن ولكن تُسمل عيناه، أي تفقأ. (2)
وقد استدل على الحكمين الأخيرين بما حكاه السكوني عن الامام الصادق عليه السلام: أن ثلاثة نفر رفعوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام؛ واحد منهم أمسك رجلاً، وأقبل الآخر فقتله، والآخر يراهم. فقضى في [صاحب] الرؤية أن تسمل عيناه، وفي الذي أمسك أن يسجن حتى يموت كما أمسكه، وقضى في الذي قتل أن يقتل. (3)
ولعل هذا القضاء كان بسبب عدم ثبوت المشاركة بقصد الجريمة مسبقاً، وإنما كان القاتل هو القاصد بينما الآخرون كانوا مساعدين له ومعاونين معه..
وقد فصل القانون بحث المساعدة، حيث تنص المادة 40/4 على أنه يعد شريكاً في الجريمة (أولاً) كل من حرّض على إرتكاب الفعل المكوّن للجريمة، إذا كان هذا الفعل قد وقع بناءً على هذا التحريض. (ثانياً) من اتفق مع غيره على إرتكاب الجريمة، فوقعت بناءً على هذا الاتفاق. (ثالثاً) من أعطى للفاعل أو الفاعلين سلاحاً أو أي شيء آخر مما استعمل في إرتكاب الجريمة مع علمه بها أو ساعدهم بأي طريقة أخرى في الأعمال المجهزة أو المسهلة المتممة لارتكابها. (4)
ويقسم القانون التحريض على نوعين: فردي وعمومي. ويعتبر التحريض العمومي جريمة بحد ذاته إذا كان مخلاً بالأمن العام.
والمساعدة قد تتم قبل الجريمة أو عندها أو بعدها. ومن أمثلة المساعدة السابقة؛ إعطاء المجرم إرشادات لارتكابها، وإعطاءه السلاح والمؤنة، وتوفير مكان مناسب لايقاع الجريمة.. وهكذا اعطاءه أية تسهيلات لايقاع الجريمة. أمّا المساعدة عند وقوع الجريمة، فهي التي لا ترقى الى مستوى المشاركة. مثلاً؛ في جريمة السرقة من يراقب الطريق يعتبر مساعداً للمجرم، أمّا من يكسر الباب فإنه أكثر من مجرد مساعد، بل شريك في الجريمة. (1)
أما المساعدة اللاحقة فكان القانون سابقاً يعتبر إخفاء المجرم منها، ولكن القانون المعاصر يرى إخفاء المجرم جرماً بذاته. (2)
وكلمة أخيرة؛ إن المعيار في الفقه الإسلامي تحقق التعاون على العدوان في إثبات الحرمة. أما تحول ذلك إلى مستوى الجريمة، فإن ذلك يخضع لمتغيرات كثيرة. ومعرفة القانون الحديث في هذا الحقل تساهم في بلورة فهمنا للآية على ضوء الفهم العرفي لها، لأننا نستفيد من القانون باعتباره جزءاً من العرف. مضافاً إلى أن مراجعة القانون في أبعاد المساعدة على العدوان تنفعنا في شفافية رؤيتنا في موضوع المساعدة على الإثم. بالرغم من أن القانون لم يفصّل الكلام فيها، لأن المساعدة هي المساعدة سواءً كانت على الإثم أو على العدوان.

باء: المساعدة على الإثم
والتعاون على الإثم قد يتحقق بتوافق شخصين أو أكثر على فعل محرم، وقد يتحقق بمساعدة شخص لمن يرتكب إثماً عالماً عامداً.
والقسم الأول منهي عنه، لأنه يدل على هبوط مستوى الأمة إلى درجة إنهم يرتكبون الإثم بلا وازع من ضمير أو حياء، حيث تراهم يتوافقون عليه.
وأما القسم الثاني؛ فهو الذي نتحدث عنه لاحقاً لكثرة موارده، ولعل بعضاً منها يعتبر غامضاً وبحاجة الى بلورة.
ومن أبرز موارد التعاون على الإثم، بَيع المحرمات والاجارة لها، والتجارة بالمواد المضرة أو بالسِّلع المهربة، وما أشبه.



#كرار_حيدر_الموسوي (هاشتاغ)       Karrar_Haider_Al_Mosawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مالذي لم يفعله نوري المالكي وزمرته طيلة فترة حكمه وللان!؟
- المالكي خرق الدستور وسد الطريق للاصلاح لبقاءه وزمرته ولالهاء ...
- ملاحظات حول سير الانتخابات
- ماهي الحيلة والتبريرات والشبهات والجهات الساندة وحملة السهام ...
- رسالة مفتوحة الى من لا يعرف شيء عن اي شيء ولسان حاله بوخه اب ...
- الخدمة الجهادية-!؟%--$--*ايه طبعا هذا النضال والجهاد الصدق


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - كرار حيدر الموسوي - إعانة الظالم