أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شريف رزق - شِعريَّةُ المدينَةِ في قصيدةِ النَّثر المصْريَّةِ















المزيد.....



شِعريَّةُ المدينَةِ في قصيدةِ النَّثر المصْريَّةِ


شريف رزق

الحوار المتمدن-العدد: 4718 - 2015 / 2 / 12 - 13:24
المحور: الادب والفن
    




تُعَدُّ المدينَةُ في قَصِيدَةِ النَّثر مِنْ أبْرَزِ الظَّواهِرِ حُضُورًا، في مَشْهَدِ القَصِيدِ النَّثريِّ المصْرِيِّ الرَّاهِنِ ، وَعَلى الرَّغمِ مِنْ هَذَا الحُضُورِ فَلَمْ تَنَلْ هَذِهِ الظَّاهرَةُ مَا تَسْتحقُّه مِنْ دَرْسٍ وَبحثٍ .
وَإذَا كَانَ لِلْمَدِينَةِ حُضُورَهَا في الشِّعرِ العربيِّ ، مُنْذُ مَا يَرْبُو عَلى الألفِ عَامٍ فإنَّهَا في قَصِيدَةِ النَّثرِ- تحديدًا- تَتَّسِمُ بحضورٍ أوْفرَ ، وَبِتَجَليَّاتٍ مختلِفَةٍ .
وَيَتَمَثَّلُ حُضُورُ المدينَةِ في الشِّعرِ العَرَبيِّ - السَّابقِ على قَصِيدَة النَّثرِ- في مجاليَ ثلاثةٍ أسَاسِيَّةٍ :
المجلَى الأوَّلُ
يَتَمَثَّلُ في ثُنَائيَّةِ البداوةِ والحَضَرِ ؛ حَيْثُ آثَرَ كثيرٌ مِنْ الشُّعرَاءِ ثقافَةَ البَدَاوَةِ على ثَقَافَةِ الحَضَرِ وَالمدنِ ، وَمِنْهُمْ : ذو الرُّمَّةِ ( 17-117هـ) ، وَالأخْطَلُ (19-90هـ) ، وَجَرير (28-100هـ) ، وَالفَرَزْدَقُ (38-110هـ ) ، وَعَليُّ بنُ الجَهْمِ ( 188-249 هـ ) ، وَالمتَنبَيُّ (203-354هـ )، وَالمعريُّ ( 363-449هـ)(1) ، بَيْنَمَا انحازَ آخَرونَ إلى ثقافَةِ المدينَةِ وَحَيَوَاتهَا ؛ وَفي مُقَدِّمَةِ هَؤلاءِ : بَشَّار بنُ بُرْد ( 95-167هـ) ، وأبُو نُوَاس (146- 198هـ ) ، وَأبُو العَتَاهِيَةِ (130- 211هـ) ، والحسَينُ بنُ الضَّحاكِ(150- 250هـ) ، وَمُسْلِمُ بنُ الوليدِ ( 140-280هـ) ، وَابنُ المعتزِّ (247-296هـ ) ،وَابنُ الرُّوميِّ(221- 283هـ).
المجلَى الثَّاني
يَتَمَثَّلُ في ثُنَائيَّةِ الرِّيف وَالحَضَر؛ وَهِيَ مَا تَبَدَّتْ في هَيْمَنَةِ الرُّؤيا الرُّومانتِيكيَّةِ - في ثَلاثينيَّاتِ وَأرْبَعينيَّاتِ القَرْنِ الماضِي - وَتَشَبُّثهَا بِعَوَالمِ الطَّبيعَةِ وَمُفْرَدَاتِ الحيَاةِ الرِّيفيَّةِ ، في سِياقَاتٍ تجنَحُ إلى النَّقاءِ وَالبَرَاءَةِ ، في مُقَابِلِ المشْهَدِ المدِينيِّ الَّذي بَدَا فَضَاءً لِلمَادِيَّةِ وَالشُّرورِ وَالتَّغريبِ ، وَقَدْ جَسَّدَ هَذَا الموقِفُ مُوَاجَهَةً بَيْنَ الإنْسَانيِّ وَاللا إنْسانيِّ.
المجلَى الثَّالث
يَتَمثََّلُ في ثُنَائيَّةِ الشَّاعرِ وَالمدينَةِ ، وَقَدْ بَرَزَتْ هَذِهِ الثُّنائيَّةُ لَدَى بَعْضِ شُعَرَاءِ التَّفعيلةِ ، مِنْ ذَوي الأصُولِ الرِّيفيَّةِ ، وَمِنْ أبْرَزِهِمْ : أحمد عبد المعطِي حِجَازي (1935- ) ، مُنْذُ دِيوَانِهِ الأوَّلِ (مَدِينَةٌ بِلا قَلْب) : 1959.
وَقَدْ لُوحِظَ أنَّ قَضيَّةََ المدينَةِ في الشِّعرِ العربيِّ - في جَوْهَرِهَا- تَتَجَاوزُ شَكْلَ " الصِّرَاعِ بَيْنَ الرِّيفِ وَالمدينَةِ إلى الصِّرَاعِ بَيْنَ الرُّوحِ وَالمادَةِ ، بَيْنَ الفَرْدِ وَالآخَرِ ، بَيْنَ القِيَمِ وَضَيَاعِ القِيَمِ ، وَلمْ تَعُدْ المشْكِلَةُ قَاصِرَةً على شَاعِرٍ قادِمٍ مِنْ الرِّيفِ. ؟"(2)
كَمَا لُوحِظ أنَّ عِلاقَةَ الشَّاعرِ بِالمدينَةِ في جَوْهَرِهَا ، هِيَ علاقَةُ " صِرَاعٍ بَيْنَ الذَّاتِ في بحثِهَا عَنْ البرَاءَةِ وَالجمَالِ وَالنَّقاءِ وَالتَّواصُلِ الإنْسَانيِّ ، وَبَيْنَ الوَاقِعِ وَمَا فيْهِ مْنْ تَفَكُّكٍ وَتَنَاقُضٍ وَقُبْحٍ وَفُقْدَانِ لِقَاءِ الإنْسَانِ بِالإنْسَانِ"(3) ، عَلى هَذَا النَّحوِ تُمثِّلُ هَذِهِ العِلاقةُ " شَكْلاً مِنْ أشْكَالِ التَّعبيرِ عَنْ رَفْضِ دَمَارِ الفَرْدِ ، وَالتَّوقِ إلى تأكيدِ الحريَّةِ." (4)
وَبهذَا فإنَّ الاسْترَاتيجيَّاتِ النَّصيَّةَ لِلْقَصِيدِ المدِينيِّ هِيَ ما تُمَيِّزُ شِعريَّةَ النَّصِّ المدِينيِّ ؛ فَالمدينيُّ يَتَجَاوَزُ كَوْنَهُ تعبيرًا عنْ حَيَوَاتٍ مَدِينيَّةٍ ، إلى كَوْنِهِ بنيَةً نَصيَّةً ، مَدِينيَةً بامْتِيَازٍ ؛ تَسْتَقِي منْ بنيَةِ المدِينَةِ خَصَائِصَهَا النَّصيَّةَ ، وَعِلاقَاتِهَا الجمَاليَّةَ ، وَعَنَاصِرَهَا البنيويَّةَ .
إنَّ المدينَةَ (الحديثَةَ) هِيَ مَهْدُ التَّيارَاتِ الأسَاسِيَّةِ في " التَّصويرِ وَالنَّحتِ وَالمسْرَحِ وَالباليه وَالموسِيقَى وَالشِّعرِ ، كُلُّهَا وُلِدَتْ في المدينَةِ وَظَهَرَتْ فيْهَا وَارْتَبَطَتْ بمؤسَّسَاتهَا ، وَانْعَكَسَتْ فيْهَا حياةُ المدينَةِ ، شَكْلاً وَرُوحًا ،كَمَا أنَّ شَتَّى القِيَمِ الطَّليعيَّةِ وَالحدَاثيَّةِ وَمَا بَعْدَ الحداثيَّةِ ، هِيَ - في جَوْهَرِهَا العميقِ - قيمٌ مَدِيْنِيَّةٌ ؛ فـَ "تحطِيمُ الأشْكَالِ ، وَفُقْدَانُ اليقينِ ، وَإحْلالُ الصَّنعَةِ محلَّ الطَّبيعَةِ ، وَالاعْتِبَارَاتُ الموضُوعيَّةُ ، محلَّ العَاطِفيَّةِ ، وَإيثارُ الشَّاذِ الغَريبِ وَالمتَنَافِرِ، عَلى التَّطابُقِ وَالمألوفِ وَالمتوافِقِ ، هِيَ الأُسُسُ الَّتي اسْتَوْحَاهَا الفَنُّ الحديثُ مِنْ عَالمِ المدينَةِ ، وَمِنْ صورِهَا ، وَقَوَانِيْنِهَا ، وَأخْلاقِهَا."(5)
وَفي المدَائنِ الحديثَةِ تَوَالَتْ الانفجَارَاتُ الطَّليعيَّةُ؛ الَّتي غَيَّرَتْ مَسَارَاتِ الآدَابِ وَالفُنُونِ؛ حِيْنَ هَبَّتْ رِيَاحُ الآبَاءِ الحدَاثيِّينَ مِنْ البرنَاسِيِّينَ وَالدَّادائيِّينَ ، وَالسِّرياليِّينَ ، وَسِوَاهُمْ ، ممَّنْ " ثَارُوا عَلى كُلِّ القِيَمِ المورُوثَةِ ، وَسَخِرُوا مِنْهَا ، وَشَكَّكُوا فيْهَا النَّاسَ ، وَأقَامُوا على أنقاضِهَا عَالمًا جَدِيدًا غَرِيبًا ، يحفَلُ بِالكوابيسِ وَالصَّرخَاتِ وَالسَّقَطَاتِ وَيحتفِلُ بالهذَيَانِ، وَالفَوْضَى، وَاللا مَنْطِقِ ، وَعَدَمِ التَّواصُلِ، وَلا يَتَسَتَّرُ على القُبْحِ ، وَلا يُخْفِي شُعورَهُ الهائِلَ بِالرُّعبِ وَاليَأسِ وَالعَبَثِ ، لَقَد حَلَّ الذَّكاءُ الرِّياضِيُّ محلَّ الإلهامِ وَالنُّبوءَةِ ، وَحَلَّ الشَّكُّ محلَّ اليقينِ ، وَالسُّخريَةُ السَّودَاءُ محلَّ الفَرَحِ وَالحزْنِ معًا ، لمْ يَعُدْ الفَنُّ يُثيرُ الشُّعورَ بِالسَّعَادَةِ ، أوْ المرَحِ الطَّلِيقِ ، أوْ الانْسِجَامِ ؛ بَلْ تبنَّى فَنَّ المهرِّجِينَ وَمَنْطِقَ المجانينِ ؛ لِيُثيرَ شُعورًا مُرَكَّبًا بِالسُّخريَةِ وَالفَجِيعَةِ ، وَتَرَكَّزَتْ نَبَالَتُهُ في كَشْفِهِ عَنْ مَهَاوِي السُّقوطِ ، تِلكَ هِيَ ثقافَةُ المدينَةِ الحديثَةِ ؛ الَّتي كَانْ لابدَّ أنْ تَزْدَهِرَ في مُدُنِ العَصْرِ، وَفي عَوَاصِمِهِ الكُبْرَى بِالذَّاتِ ، وَخَاصَّةً باريس ، وبرلين ، وزويرخ ، ونيويورك وَسِوَاهَا مِنْ المدُنِ الَّتي تَعِجُّ بِالمتمرِّدينَ وَالبُوهِيميِّينَ وَالصَّعالِيكِ وَالثُّوارِ ، الَّذين قَادُوا مَا شَهِدَهُ هَذَا العَصْرُ مِنْ تحوُّلاتٍ ثقافيَّةٍ كُبْرَى "(6)، وَقَدْ كَانَتْ قَصِيدَةُ النَّثرِ إحْدَى أبْرَزِ أشْكالِ التَّمردِ المدينيِّ ، وَالوَعْي المدينيِّ الإشْكَاليِّ الحدِيثِ ، الَّذي انْقَلَبَ انقلابًا جذريًّا على المرْتَكَزَاتِ الأسَاسِيَّةِ التَّاريخيَّةِ الَّتي ارْتَبَطَتْ بِإنجَازِ التَّجَارِبِ الشِّعريَّةِ السَّابقَةِ جميعِهَا .
وَيُمْكِنُنَا أنْ نَرْصُدَ عِلاقَةَ المدينَةِ بِقَصِيدَةِ النَّثرِ عَلى محورَينِ أسَاسَيَّينِ :
- محور النَّشأةِ .
وَ :- محور الرُّؤيَا .
عَلى المحورِ الأوَّلِِ ، سَتَتَبَدَّى لنَا : قَصِيدَةُ النَّثرِ في المدينَةِ .
وَعَلى المحورِ الثَّاني ، سَتَتَبَدَّى لنَا : المدينَةُ في قَصِيدَةِ النَّثرِ .
المحورُ الأوَّل :
قَصِيدَةُ النَّثرِ في المدِينَةِ
ارْتَبَطَتْ قَصِيدَةُ النَّثرِ ، في نَشْأتها وَتحوُّلاتهَا بِالمدينَةِ ارْتِبَاطًا عضويًّا؛ ففي بِدَايَاتِ العِشْرينيَّاتِ مِنْ القَرْنِ الماضِي ، أنجزَ أحمد رَاسِم دِيوانَهُ: البُسْتَان المهجور ؛ أوَّلَ وَأبْرَزَ دواوينِ قَصِيدَةِ النَّثرِ العَربيَّةِ في مَدينَةِ الإسْكندريَّةِ ، وَمُنذُ أوَاخِرِ الثَّلاثينيَّاتِ وَعَلى مَدَارِ الأربعينيَّاتِ أنجزَ شُعرَاءُ السِّرياليَّةِ المصريُّونَ - وَمِنْهُمْ : فؤاد كَامِل ، وَجورج حنين ، وَكَامِل زُهيري ، وَعَادِل أمين - نُصُوصَهُمْ الشِّعرنثريَّةَ الطَّليعيَّةَ ، في مدينَةِ القَاهِرَةِ ، وَأدْرَكَهُمْ في أوَاخِرِ الأرْبَعِينيَّاتِ : بدرُ الدِّيب ،وَلويس عوض، وَفي الوَقْتِ ذَاتِهِ أنجزَ أوْرَخَانُ مَيسرّ وَعليّ النَّاصِر دِيوانهمَا المشْتَرَكَ : سِريَال، في مَدِينَةِ دِمشقَ ، وَفي أوَاخِرِ الخمسينيَّاتِ وَبِدَايَاتِ السِّتينيَّاتِ أُنجزَتْ قَصِيدَةُ النَّثرِ - مِنْ جَديدٍ - في بيروتَ ، في حَلقَةِ مجلَّةِ :(شِعر) عَلى أيدي : توفيق صَايغ ومحمد الماغوط وَأدُونيس وأُنْسي الحاج وإبراهيم شُكْر الله وَجَبْرَا إبراهيم جَبْرَا وَشوقِي أبي شَقْرَا وزملائِهِمْ ، وَمُنْذُ نهايَاتِ الثَّمانينيَّاتِ وَبِدَايَاتِ التِّسعينيَّاتِ ، حَدَثَتْ الانطلاقَةُ الأشملُ في تَاريخِ قَصِيدَةِ النَّثر، في مَشْهَدِ الشِّعريَّةِ العَربيَّةِ ؛ حَيْثُ تحوَّلَ المشْهَدُ الشِّعريُّ تحوُّلاً كاملاً ، إلى هَذَا الشَّكلِ الشِّعريِّ ؛ الَّذي ظَلَّ حُضُورُهُ يَتَفَاوَتُ في المشْهَدِ الشِّعريِّ ، عَبْرَ العقودِ السَّابقَةِ، وَاللافِتُ أنَّ هَذِهِ الانتِقَالَةُ قَدْ حَدَثَتْ في المدُنِ العَربيَّةِ المختَلِفَةِ ، بِالتَّزامُنِ ، وِبِآليَّاتٍ مُشْتَرَكَةٍ ، وَرُؤى مُتَقَاربَةٍ .
وَيُمْكِنُنَا أنَّ نَلْحَظَ أنَّ هَذَا التَّحوُّلَ الجماعيَّ قَدْ ارْتَبَطَ بِالثَّورَةِ على قِيَمِ الوَاقِعِ المتردِّي ، وَمُوَاكِبًا - كَذَلِكَ - لِسُقُوطِ أنْظِمَةٍ دُوَليَّةٍ ، وَصُعُودِ أنْظِمَةٍ أخْرَى ، شَكَّلتْ تهديدَاتٍ جَدِيدَةً ؛ فَقَدْ كَشَفَ التَّصدُّعُ النَّاتجُ عَنْ غَزوِ العِرَاقِ الكويتَ ، وَمَا تَبِعَهُ مِنْ كَوَارِثَ ، عَنْ حَقِيقَةِ المشْهَدِ المتَهَالِكِ المتَعفِّنِ ، كَذَلِكَ مَا أصَابَ النِّظامَ العَالميَّ مِنْ تحوُّلاتٍ دُوليَّةٍ عَاتيَةٍ ؛ بَدَأتْ بِتَسَاقُطِ الكُتْلَةِ السُّوفيتيَّةِ وَسُقُوطِ حَائِطِ برلين ، وَهَيْمَنَةِ ثَقَافَةِ (العَوْلمةِ) وَ(نهايَةِ التَّاريخِ) ؛ممَّا كَانَ لَهُ الأثَرُ البَارِزُ في التَّمسُّكِ بِالشَّخصِيِّ ، وَبِالتَّفاصِيلِ اليَوميَّةِ المعِيْشَةِ، وَغَيْرِهَا مِنْ الملامِحِ الَّتي احْتَفتْ بهَا شِعريَّةُ القَصِيدِ النَّثريِّ العَرَبيِّ ، وَضِمْنَ هَذَا التَّمسُّكِ بِالمعِيشِ الحمِيْمِ بَرَزَتْ مَلامِحُ المدينَةِ في تفاصِيلَ مَعِيْشَةٍ ، أوْ خَيَالٍ مَدِينيٍّ ، أوْ عِلاقَاتٍ مَدِينِيَّةٍ ، أوْ ذَاكِرَةٍ مَدِينيَّةٍ ، أوْ أحَاسِيسَ مَدِينِيَّةٍ ، وَغيرِهَا، ممَّا يمُكِنُ رَصْدُهُ على المحورِ الثَّاني :
المحور الثَّاني :
المدينةُ في قَصِيدةِ النَّثرِ
المدينةُ ، هُنَا ، هِيَ الفَضَاءُ النَّصِّيُّ الَّذي يَتَجَلَّى بِتَفَاصِيلِهِ ، وَمِيتافيزيقَاهُ ، حَاضِنًا لِلْعَوَالمِ الإنْسَانيَّةِ المعِيشَةِ ، وَيمكِنُ رَصْدُ هَذَا الفَضَاء على عدَّةِ محاورَ:
-1-
رَصْدُ تفاصِيلِ الواقعِ المدينيِّ الخاصِّ

تُركِّزُ الرُّؤيَا الشِّعريَّةُ ، هُنَا ، على الخاصِّ ، المميِّزِ لحيوَاتِ المدينَةِ ، وَتَفَاعُلِ الإنْسَانيِّ مَعَ هَذِهِ التَّفاصِيلِ المتَشَعِّبَةِ ، وَمِنْ ذَلِكَ قولُ سمير درويش (1960- ) في نصٍّ بعنوانِ:" مترو الأنفاق":

" كَانَ مُسْتنِدًا بظهرِهِ إلى البابِ ،
يَتَحَدَّثُ بيده لشابٍّ عِشرينيٍّ في مثلِ سِنِّهِ،
غيرَ آبهٍ بالعيونِ الَّتي تُتَابعُ أصَابعَهُ
العيونِ الَّتي ارْتَمَتْ ،
مَعًا،
عَلى شَابٍّ بمَلامِحَ آسيويَّةٍ ..
وَقَفَ أمَامي تَمَامًا وَفي يدِهِ مُصْحَفٌ صَغيرٌ
وَفي هامشِهِ كِتابةٌ بلغةٍ لا أعرفُهَا ،
وَأيْضًا لا يَأبَهُ بِالنَّاظرينْ !". (7)

إنَّ الشَّاعر يُقدِّم ، هُنَا ، مَشْهَدًا بَصَريًّا دَالاًّ في مترو الأنفاقِ ؛ مَألوفًا في هَذَا المكانِ القَاهِريِّ ؛ الَّذي يَتَجَاورُ فيْه ، في أحيانٍ كثيرَةٍ ، مِصْريُّونَ وَغيرُ مِصريِّينَ ، مَشْهَدًا خَاصًّا بهذَا المكَانِ .
وَلَدَى أمجد ريَّان (1953-)، في نَصِّهِ:آخُذُ الشَّهيقَ العَمِيقَ ، صِوَرٌ سَرديَّةٌ بَصَريَّةٌ دَالةٌ ، وَلَوْحَاتٌ سَرديَّةٌ وَصْفيَّةٌ ، لِشَوَارعِ القَاهِرَةِ المزْدَحمَةِ ؛ بِتَفَاصِيلِهَا الحيَاتيَّةِ الحقِيقيَّةِ الزَّاخمةِ ، مِنْهَا :
- " الزِّحَامُ ، وَنَبْضُ الحَيَاةِ الَّذي لا يعترفُ بِالسَّاعَاتِ الَّتي تَمُرُّ ، ضَجَّةُ الليْلِ ، مَحَلاَّتٌ مُشْتَعِلةٌ بِالنِّيونِ وَالكَهَارِبِ العَاويَةِ، مَعْرِضُ الخَرْدَوَاتِ ، وَالبُوتِيكَاتِ ، وَبَاترينَاتِ أغْطيَةِ المُوبَايلِ ، وَعَلى الرَّصِيفِ المُقابلِ كَانَتْ العَرَبَةُ تَعْمَلُ المُنَاوَرَاتِ المُسْتَحِيلَةَ لِتَحْتَلَّ رُكنًا ضَيِّقًا لِتَرْكِنَ فيْهِ ."(8)

- "طَوَابيرُ أمَامَ شِبَّاكِ التَّذاكِرِ ، نَوَافِذُ الوَجَبَاتِ السَّريعَةِ ، مَحَلاَّتُ الهَامبورجر وَالكَبَابِ الشَّامِيِّ وَالهُوْت دُوج ، المُتَسَوِّلُونَ في الشَّوَارِعِ يَتَفَنَّنونَ في ابْتِكَارِ أسَالِيْبِ التَّسوُّلِ ، المُتَسَوُّلونَ بِعَاهَاتِهِمْ الجَسِيمَةِ ، وَالحِيَلِ الدِّرَامِيَّةِ ، المُتَسوُّلونَ بِالقُرْبِ مِنْ الجَوَامِعِ وَإشَارَاتِ المُرُورِ ."(9)
- " بَائِعو مَنَاديلِ الوَرَقِ ، يَنْتَشِرونَ في الشَّوارَعِ ، وَالفَتَيَاتُ الصَّغيرَاتُ الجَمِيلاتُ يُمَارسْنَ الإلحَاحَ على قائِدِي السَّيَّارَاتِ الفَخْمَةِ ، سَيَّارَاتٌ مَلْهُوفَةٌ تَمْرُقُ بسُرْعَةِ البَرْقِ لِلاتِّجاهَينِ ، لِدَرَجَةِ أنَّني لا أسْتَطِيعُ أنْ أقْطَعَ الشَّارعَ بِالعَرْضِ ."(10)
- "جَامِعُو القِمَامَةِ مِنْ الوَحَدَاتِ السَّكنيَّةِ ، يَجْرُونَ حَامِلينَ أكياسَهُمْ ، مِِيكرُوبَاصَاتٌ قَديمَةٌ وَمُتَهَالِكَةٌ تَتَوَزَّعُ في كَافةِ الاتِّجَاهَاتِ ، وَالسَّيَّارَةُ الَّتي كَادَتْ تَدْهَسُنِي ، كَانَ زُجَاجُ نَوَافِذِهَا مَدْهُونًا بِاللونِ الأسْوَدِ الَّذي يَلْمَعُ في الظَّلامِ ، دُونَ أنْ يُوضِّحَ شَيئًا خَلْفَهُ ."(11)
- " جَمَاهِيرُ المَلاعِبِ يَصْرُخونَ ؛ احْتِفَالاً بفَوْزِ فَريقِهِمْ الكَبيْرِ ،عَلى غَريْمِهِمْ التَّقليديِّ ، زَحَفَتْ جَمَاهيْرُ المَلاعِبِ نَحْوَ الإسْتَادِ قَبْلَ انْطِلاقِ المُبَارَاةِ بفَتْرَةٍ طويلَةٍ ؛ فَتَسَبَّبُوا في اخْتِنَاقَاتِ المُرورِ ، تَحْمِلُ الجَمَاهيْرُ الأعْلامَ فَوْقَ السَّيَّارَاتِ الَّتي تُطْلِقُ أبْوَاقَهَا ، وَالشَّبَابُ في هِسْتِيريَا الفَرَحِ الَّذي يَعْصِفُ بِالأشْيَاءِ ."(12)
- " صَبيٌّ نَحِيفٌ يَحْمِلُ صِنْدُوقًا أضْخَمُ مِنْ حَجْمِهِ ، يَلْتَوي بَيْنَ السَّيَّارَاتِ بقُدْرَةٍ خَارِقَةٍ ، السَّيَّارَاتُ السَّريعَةُ الَّتي تَكَادُ عَجَلاتُهَا أنْ تَكُونَ مُرْتَفِعَةٌ فَوْقَ الأرْضِ بِعِدَّةِ سَنْتِيمترَاتٍ ، سَيَّارَاتٌ تَمُرُّ كَالعَاصِفَةِ ، تَشُقُّ الرِّيحَ وَالآذَانَ ، وَتَنْطَلِقُ بسُرْعَةِ البَرْقِ إلى حَيْثُ لا نَدْري ."(13)
- " وَعِنْدَمَا أمُرُّ في النَّفقِ الأرْضِيِّ تَكُونُ السَّيَّارَاتُ فَوْقَ رَأسِي ، فَأسْمَعُ زَعيْقَهَا المَكْتُومَ ، وَأحِسُّ بالعَابريْنَ عَلى الأرْصِفَةِ يَدُقُّونَ رَأسْي ، بَيْنَمَا بَاعَةُ الصُّحُفِ يَزْعَقُونَ في سَاعَاتِ الصَّبَاحِ المُبَكِّرَة ، وَالمَقَاهِي الشَّعبيَّةِ رَصَّتْ كَرَاسِيْهَا ، حَيْثُ يَجْلِسُ الرِّجَالُ ، يَحْتَسُونَ الشَّايَ بِالحَلِيْبِ ، وَيَنْظُرونَ في سَاعَاتِهِمْ بقَلَقٍ ."(14)
-2-
رَصْدُ أجْوَاءِ المدينَةِ برؤى كابوسيَّةٍ

بِإزَاءِ طُغيَانِ المدينَةِ وَجَبَروتهَا تَتَبَدَّى رُؤى كَابوسيَّةٌ ، تُشَكِّلُ شِعريَّةَ الهذيانَاتِ المحلولَةِ، وَتَتَشَكَّلُ مَعَهَا رُؤى بَاطنيَّةٍ ؛ يمتزجُ فيْهَا البَصَريُّ وَالشُّعوريُّ ، وَمِنْ ذَلكَ قولُ أسَامة الحدَّاد (1964-)في نَصِّهِ " مَيْدَان طَلْعَت حَرْب " :
"هُنَا مَيْدَانُ طَلْعَت حَرْب ، حَيْثُ تبدو الجُمُوعُ العَابرَةُ كأشْبَاحٍ تَخْرُجُ مِنْ السَّرَاديبِ وَالسَّيارَاتُ كأبْسِطةٍ سِحْريَّةٍ وَهِيَ تَهْرُبُ ، مِنْ مُدَرَّعةٍ تملأ المَكانَ ، وَأنَا أمْشِي فوقَ خُطوَاتٍ ضَائِعةٍ لِغائبينَ ، لا أمتلكُ حَقَّ رُؤيتهِمْ، أيُمْكِنُ اسْتِعَادَةُ مَنْ مَضَوا، العثورُ على ذَواتِي السَّابقةِ ، وَالأيَّامِ الَّتي فَقَدْتُهَا في رهَانَاتٍ فاسِدَةٍ ، وَألعَابٍ لا فائدةَ مِنْهَا ، فهنا تبدو الاحْتِمَالاتُ مُتاحَةً وَضَائِعَةً ، في رُكَامِ الخَطَأ وَتِلالِ الأصْوَاتِ الَّتي تَعْجَزُ عَنْ رُؤيتهَا وَهِيَ تُعيدُ رَسْمَ الدَّائرَةِ ،وَتقترحُ مَنَافذَ بَديلَةً ، وَشَوَارعَ أكثرَ ليونَةً ، وَطَيِّبينَ لا تُرْهِقُهُمْ الكَوَابيسُ ، أوْ يَخْسِرُونَ أعْمَارَهُمْ في مُغَامَرَاتٍ يَائِسَةٍ كَانَ لابُدَّ مِنْهَا ."(15)

إنَّ الشَّاعرَ، هُنَا ، يُحَوِّلُ تَفَاصِيلَ مَشْهَدِ مَيْدَانِ طَلْعَت حَرْب ؛ بِسَيَّارَاتِهِ وَعَابريْهِ، إلى رُؤى كابوسِيَّةٍ ، يَتَدَاخَلُ فيْهَا البَصَريُّ والشُّعوريُّ، في جَديلَةٍ شِعريَّةٍ وَاحِدَةٍ ، يُهَيمِنُ عليْهَا أدَاءُ التَّدفُّقِ السَّرديِّ، وَتَدَاعيَاتُ الصُّورِ ، وَتطوُّحَاتِ الرُّوحِ الشَّاعرَةِ ، بيْنَ عَنَاصِرِ الميدَانِ المرئيَّةِ وَغيْرِ المرئيَّةِ المتزاحِمَةِ .
-3-
رَصْدُ تجسُّداتِ العالمِ المدينيِّ الشَّعبيِّ الهامِشِيِّ

لِوَاقِعِ المدينَةِ الشَّعبيِّ الهامِشِيِّ خُصُوصِيِّته ؛ حَيْثُ تَشِيعُ فيْهِ أجْوَاءُ الأسْطورَةِ الشَّعبِيَّةِ الملحميَّةِ البَسِيطةِ ، وَلا يَقْتَصِرُ هَذَا الوَاقِعُ على الأحْيَاءِ الشَّعبيَّةِ القَديمةِ ؛ بَلْ يمتدُّ إلى مَا يُعْرَفُ بالمنَاطِقِ العَشْوَائيَّةِ ، وَزَحَفَ إلى مَنَاطِقِ المقَابِرِ، وَمِنْ ذَلكَ تَرْكيزُ كريم عبد السََّلام (1967-) على مَنْطِقَةِ المقَابرِ القَاهِريَّةِ ، وَرَصْدُ حَيَوَاتِ البَشَرِ حَوْلهَا ، في أدَاءٍ شِعْريٍّ سَرْديٍّ بَصَريٍّ ، يَعْتَمِدُ آليَّاتِ الأدَاءِ السِّينمَائيِّ ، في إقامَةِ المشْهَدِ الشِّعريِّ الدَّالِّ ؛ كَقَوْلِهِ :
" البوَّابَةُ الحَديديَّةُ الَّتي ظَلَّتْ طويلا ًلا لونَ لهَا
تُطْلَى بالأخَضْرِ الزَّاهِي ،
العَامِلُ يُصَفرُّ أغنيةً بالفُرْشَاةِ بينَ ثنايَا الحَديدِ
فتَكْتَسِبُ الزَّخَارفُ الَّتي عَلى شَكْلِ نَبَاتَاتٍ حَيَاةً حَقِيقيَّةً
إنَّهُ البنَّاءُ يَعْمَلُ طابقًا فَوْقَ المَدْفَنِ ،
صَنَعَ سُلَّمًا بالدَّاخلِ ، وَالآنَ أتَى دَورُ الحُجُرَاتِ
الحَجَرُ فَوْقَ الآخَرِ في اسْتِقامَةٍ يَنْدَهِشُ لهَا الأبُّ ، يُرَاقِبُ اليَدَ وَهِيَ تَعْمَلُ .
البَنَّاءُ يُصَفِّرُ أغنيَةً
بَيْنَمَا الأخْتُ الَّتي تجْلِبُ المَاءَ على رَأسِهَا مِنْ حَنفيَّةِ الزَّاويَةِ
تهتزُّ في مِشْيَتهَا فيغمُرُ المَاءُ ثَدْيهَا وَعُنُقَهَا
الأمُّ جَلَسَتْ على حَجَرٍ جِوَارَ شَجَرَةِ الخَرْوعِ
تَعْمَلُ شَايًا للعُمَّالِ وَتَسْتَقْبلُ الجَارَاتِ .
مَعَ الغُروبِ سَيَأتِي العَريسُ مِنْ العَمَلِ بلحيَةٍ نابتةٍ
فيمَا العُمُّالُ يجمعونَ أدَوَاتِهِمْ وَيَجلِسُونَ في حَلَقةٍ يَحْتَسِونَ الشَّايَ.
المَدْفَنُ يَتَحَوَّلُ إلى بَيْتٍ مِنْ طَابقيْنِ ؛
الشِّبَّاكُ سَيكونُ في الوَسَطِ وَسَيُطلَى بِالأخَضْرِ الزَّاهِي كَالبَوَّابةِ
السَّقفُ مِنْ الخَرَسَانةِ ، وَمَاسُورَةُ الميَاهِ تمتدُّ
مِنْ الزَّاويَةِ تَحْتَ الأرْضِ وَتَرْتَفعُ إلى الطَّابقِ الثَّاني
وَسَتأتِي العَرُوسُ ، طَالبةُ الثَّانوي، النَّحيفَةُ السَّمرَاءُ ، سَعيدَةً وَخَائفةً وَسْطَ الزَّغاريدِ ، وَمَاكِينةِ الكهرُبَاءِ الَّتي تُضِيءُ ثلاثةَ صفوفٍ مِنْ اللمبَاتِ المُلوَّنةِ
وَأغنيَاتٍ تحكِي عَنْ رجَالٍ أقوياء يَذْبَحونَ قِططًا أمَامَ زَوجَاتِهِمْ ،
وَزَوْجَاتٍ مَاكرَاتٍ يتظاهَرْنَ بالخَوْفِ مِنْ رجَالِهنَّ ،
ثمَّ يحتضنَّهُمْ بقُوَّةٍ وَيُفاجئْنهمْ بقبلاتٍ وَآهاتٍ .
البوَّابةُ خَضْرَاءُ وَجَرَسٌ كَهْرَبائيٌّ يَصِلُ إلى الطَّابق الثَّاني لَهُ شَقْشَقَةُ العَصَافيرِ،
وَالمَوْتَى في الطَّابقِ الأوَّلِ قَدْ أخَذُوا بالمَكِيدَةِ ،
مَحْجُوبُونَ ، لمزيدٍ مِنْ القَمْعِ ، بسِتارَةٍ زَاهيَةٍ
تَفْصِلُهُمْ عَنْ الأختِ وَالأمِِّ وَالأبِّ."(16)

يَتَجَاوَرُ في - هَذَا الطَّقسِ الشَّعبيِّ الهامِشِيِّ - الأحْيَاءُ وَالموْتَى، وَتُنْتَجُ الحيَاةُ، حَوْلَ (وَفَوْقَ) عَوَالمِ الموْتَى ، وَتَتَنَوَّعُ جَلَبَةُ الحيَاةِ حَوْلَ صَمْتِ الموْتِ.
وَضِمْنَ الاهْتِمَامِ بحيوَاتِ المهمَّشِينَ البُسَطَاءِ ، مِنْ فُقَرَاءِ المدينَةِ ، في الأحْيَاءِ الشَّعبيَّةِ ، يختَارُ الشَّاعر إيهاب خليفة (1973- ) "التُّوك تُوك"؛ ليُعبِّرَ - بهذَا الكائنِ الهامِشِيِّ البَسِيطِ - عَنْ أحاسِيسَ هَامشيَّةٍ ، تَنْحَازُ رُؤاهُ لِعَوَالمَ شَعبيَّةٍ خَالِصَةٍ ، يَكْشِفُ مِنْ خِلالهَا عَوْرَةَ الفَسَادِ المجتمعِيِّ وَيُبَاهِي بِانْتِهَاكِ القَوَانينِ والأعْرَافِ ، في نَصِّهِ :" تُوك تُوك شَاردٌ جَنْبَ الكورنيشِ "؛ الَّذي مِنْهُ :

" لا أبْوَابَ لِي
وَلا رُخْصَة
يَرَوْنَنِي خَطِرًا
كالرِّجَالِ الَّذينَ لهمْ لِحىً
لأنَّ الهَوَاءَ يَدْخُلُ مِنْ هُنَا
وَيَخْرُجُ مِنْ هُنَا
حَيْثُ هُنَا وَهُنَاكَ
وَاحِدٌ .

سَائِقي يَسْمَعُ أغَاني شَعبان عبد الرَّحيم
وَيُدَخِّنُ سَجَائرَ لا طَعْمَ لهَا
سَائِقي يبغضُ الشُّرطةَ
الَّتي تَرْكبُ وَلا تدفَعُ
وَالزَّبائنَ الَّذينَ يُطَنِّشونَ .

الحَبيبَاتُ غَادَرْنَ
تاركاتٍ لَهُ اليَاسَمينَ
وَالقُبلَ الَّتي اسْتَعْصَى الهَوَاءُ
المُشَبَّعُ بِالجَازِ على حَمْلِهَا
الحَبيبَاتُ يَرْكبنَ سَيَّارَاتٍ غَامِضَةً
في شَارع جَامعَةِ الدِّولِ
وَلا يَرْجِعْنَ أبَدًا

سَأمُرُّ في كُلِّ المَيَادينِ
بلا حَرَجٍ
لا لِجَانَ وَلا شُرطَةَ
أتَوَقَّفُ حِيْنَ أريدُ
أرْكنُ بمُقْتَضَايَ
مَعِي سَارينةٌ تُلفِتُ الانتبَاهَ
مَعِي سَمَّاعَاتٌ
لا سَائِقي وَضَعَ حِزَامًا
وَلا كَفَّ عَنْ التَّدخينِ ."(17)

إنَّ التُّوك تُوك ، هُنَا ، كائِنٌ هَامِشِيٌّ ، لِكَائنٍ هَامِشِيٍّ (سَائقٍ) وَآخَرٍ هَامِشِيٍّ (رَاكِبٍ)، في شَوَارَعَ وَمَيَادِينَ هَامِشِيَّةٍ .

-4-
رَصْدُ التَّحوُّلاتِ الَّتي تطرأ على الواقعِ المدِينيِّ كثيرًا ، وتُبدِّلُ تفاصِيلَهُ

إنَّ الوَاقعَ المدينيَّ دَائمُ التَّحوُّلاتِ ، وَهُوَ شَاهِدٌ عليْهَا ، وَتَرْصُدُ شِعريَّةُ القَصِيدِ النَّثريِّ هَذِهِ التَّحوُّلاتِ ، وَتُعَبِّرُ عنْهَا بِالإشَارَةِ الدَّالةِ ، حِيْنًا ، وَمِنْ ذَلكَ قولُ إبراهيم داود (1961-) في نَصٍّ بعنوانِ :" بَيْتِ الطَّلَبة " :

"تمامًا كَمَا تَرَكْتُهُ
يتوسَّطُ ثلاثَ عِمَارَاتٍ جَديدةٍ
وَالمَداخِلُ نَفْسُهَا لمْ تَتَغيَّرْ
الوَقْتُ - فَقَط – زَادَ قليلاً
بَيْنَ مَحَطَّةِ القِطَارِ وَبَيْنَهُ ."(18)

أوْ بِالتَّفاصِيلِ الحيَّةِ الدَّالةِ ، حِيْنًا آخَرَ، وَمِنْ ذَلكَ ، قَوْلُ محمود قرني (1961-) في نَصٍّ بعنوان :" اللهُ لا يَسْكُنُ في بُولاق ":

" تَغَيَّرَتْ بُولاق
وَأصْبَحَتْ شَوَارعُهَا مُنكَّسَةَ الرُّءوسِ
كُنتُ حَزينًا أمَامَ المَاضي .
أمَامَ ذكريَاتٍ حَارقةٍ
تَرَكْتُهَا في شَارع" محمود السّميعي "،
حَيْثُ آلافُ المَارةِ ..
عَرَبَاتُ الفاكِهَةِ
صَنَاديقُ البُخورِ،
بَاعَةُ الخُبْز
وَالنَّشالونَ المُحترفُونَ ..
حَيْثُ يقفُ شَيْخٌ
بلحيَةٍ كَثَّةٍ
على كُرسِيٍّ مُرْتفعٍ وَيُنَادي :
" تبرَّعُوا لبنَاءِ دَارًا للأيتامِ "
فَأُشيرُ إليْهِ
يميلُ برَأسِهِ نَاحِيتِي ،
أهْمِسُ في أُذنِهِ :
"تبرَّعُوا لبنَاءِ دَارٍ..."
فيَسْتَكمِلُ إعْلانَهُ بغيظٍ :
" المُؤمِنينَ إخوةٌ فَتَعَاونُوا "
فَأقولُ لَهُ :
"المُؤمنونَ إخَوةٌ "
فَيَدْفَعُنِي بقدمِهِ
وَيَدْفَعُنِي بقُفَّةٍ مِنْ السِّبَابِ
ثمَّ يَسْألُنِي:
" يَا بن الشَّر...
تَظُنُّ أنَّ اللهَ يَسْكُنُ في بُولاق؟!
فأجْفَلُ عَائدًا".(19)

-5-
رَصْدُ تحوُّلاتِ المدينَةِ ، عَبْرَ رَصْدِ تحوُّلاتِ شِعَاراتِهَا

تُعَدُّ ظَاهِرَةُ الكِتَابَةِ على الجدْرَانِ مِنْ الظَّواهرِ اللافتَةِ للتَّعبيرِ عَنْ الموقِفِ الشَّعبيِّ مِنْ المجتَمَعِ وَالسِّياسَةِ ، وَتَنْتَشِرُ هَذِهِ الظَّاهِرَةُ في بَعْضِ البيئاتِ الشَّعبيَّةِ ؛ وَتَعْكِسُ ثقافةَ الشَّارعِ ، وَقَنَاعَاتِهِ ، في مَرَاحِلَ تاريخيَّةٍ مُحدَّدَةٍ ؛حيثُ الجُغرافيَا تَتَضَمَّنُ تاريخًا ، وَهُوَ مَا تَبَدَّى لَدَى عبد العزيز موافي (1949-) في دِيوَانِهِ : " الكِتَابَة على الجدْرَانِ "، وَمِنْهُ قَوْلُهُ :
" قَدِيمًا
كَانَتْ الحَوائِطُ تَصْنَعُ التَّاريخَ
" يَسْقُط مَشْرُوع أيزنْهَاور"
"تَحْيَا الوحْدَةُ العَربيَّة "
" الوَدَاعُ يَا جَمَال "
وَبَعْدَ أنْ شَاخَتْ الحَوَائطُ،
أعَادُوا طِلاءَها
وَفَوْقَ الطِّلاءِ الجديدِ قَرَأنَا:
" الحِجَاب قَبْلَ الحِسَاب "
فَمَتَى يُعيدونَ طِلاءَهَا
مِنْ جَديدْ ؟."(20)

إنَّ مُفَارَقةَ الشِّعارِ، هُنَا، تَكْشِفُ عَنْ تحوُّلٍ عَمِيْقٍٍ ، في فِكْرٍٍ المجتمَعِِ ، وَحَرَكَتِهِ الاجتِمَاعيَّةِ .

-6-
رَصْدُ مَوْقفِ الإنْسَانِ المهمَّشِ المسْحُوقِ ، أمَامَ جَبَروتِ المدينَةِ

تمارسُ المدينَةُ الكُبْرَى ضُغوطًا شَدِيدَةً على بُسَطَائِهَا وَمُهَمَّشِيهَا ؛ في حَيَوَاتهِمْ اليَومِيَّةِ ، ممَّا يجعَلُ إنْسَانهَا البَسِيْطَ وَاقِفًا على مَسَافةٍ منْهَا، وَحِيْدًا ، ممتلئًا بالثَّورَةِ عليْهَا ، عَاويًا ، وَهُوَ مَا يَبْدُو لَدَى محمود قرني في نَصِّهِ : "الكِلاب"، ومنه:

" حَاولتُ أنْ أعْوِي فَوْقَ رَأسِ مَدِينتِي
وَأشْتِمُهَا أيْضًا بِأمِّهَا
وَأقولُ لهَا بملءِ شِدقيَّ
هَذِهِ الكَلِمَةَ غيْرِ المُؤدَّبَةِ
لكنَّنِي سَأتَكلَّمُ إليْهَا كَرَجُلٍ طَيِّبٍ
مثلَمَا تَكَلَّمَ "زنْجِيٌّ " مِنْ "هَارلم"
مَسَحَ حِذَاءَ وَاشِنْطُن
وَقَالَ لهَا في تَوَسُّلٍ
" أنَا الأخُ الأدْكَنُ
يُرْسِلُونَنِي لآكلَ في المَطْبَخِ
حِيْنَ تَأتِي الرِّفقةُ ".
مَالِي أنَا وَالمَدينَةِ
لكُلٍّ شِئونُهُ الَّتي يُصَرِّفُهَا كَمَا يَشَاءُ
فَلاهِيَ أخْتِيَ حَتَّى أخْجَلَ مِنْ بيوتاتِ دعَارَاتِهَا
وَلا هِيَ أبي حَتَّى أخْجَلَ
مِنْ لصوصِيَّتِهِ أوْ شذوذِهِ
عَليَّ ألاَّ أكُونَ " جينسبرج " عَلى أيِّ نَحْوٍ
فليذهَبْ إلى الجَحِيمِ بِكِلابِهِ
هَذَا الَّذي حَاوَلَ مَرَّةً أنْ يُؤدِّبَ " أمريكا "
وَأنْ يُؤذي مَشَاعِرَهَا
حَتَّى يَجْعَلَهَا مَدينةً بحَجْمِ آثَامِهِ
عَليَّ - إذَا كُنْتُ جَادًّا -
أنْ أدْلُقَ جَرْدَلاً مِنْ السِّبرتو
على مُدُنِ هَؤلاءِ الحَمْقَى ،
وَبعُودِ ثقابٍ يُمْكِنُنِي إنْهَاءُ المَسْألةِ."(21)

-7-
رَصْدُ أشْكَالِ القَهْرِ وَالقَمْعِ ، وَآليَّاتِ السُّلطَةِ المدينيَّةِ

حَيْثُ تَنْتَشِرُ في المدن الكبرى ، في الأوْقَاتِ الملتَهِبَةِ ، قُوَّاتُ الأمْنِ المرْكَزيِّ وَقُوَّاتِ مُكافَحَةِ الشَّغَبِ ، وَتُطوِّقَ مَدَاخِلَ الميادِينِ ، وَتُرْهِبُ العَابريْنَ ، عَلى النَّحوِ الَّذي كثيرًا مَا عَاهَدْنَاهُ ، في عهد مَا قبْلَ 25يناير2011 ، وَهُوَ مَا يمكِنُ رَصْدُهُ لَدَى عاطِف عبد العزيز (1956-) في نَصِّهِ :" خُطورَة أنْ يكونَ حذاؤكَ مُتَّسخًا " ، وَمِنْهُ :
" لا تَنْتَظِرْ حَبِيبتِكَ هُنَا يَا مُحْتَرَمْ !
هَذَا المَكَانُ مُخَصَّصٌ لِمُكافِحِي الشَّغبِ ،
كَمَا أنَّ الشَّمسَ سَتَسْخَنُ عَمَّا قليْلٍٍ
فَوْقَ هَذا البَلاطِ الرَّمَاديِّ الَّذي
رَصَفَتْهُ الحُكُومَةْ .
امْشِ إلى المُسْتَطيل الَّذي تَرْسُمُهُ المَظَلَّةُ هُنَاكَ
على الرَّصِيفِ المُقابلِ
أعْنِي .. عِنْدَ مَدْخَلِ الحَانَةِ ،
سَيُمْكِنُكَ عَلى الأقلِّ مُرَاجَعَة هِنْدامِكَ
في زُجَاجهَا النَّظيفْ ،
وَأنْتَ تتلقَّى الهَوَاءَ البَاردَ الَّذي يَتَسَرَّبُ
مِنْ فُرْجَةِ البَابِ
أنْصَحُكَ:
لا تُطالعْ سَاعَتَكَ على النَّحوِ الهسْتيريِّ ،
وَإلاَّ تَعَرَّضتَ للشُّبهَةِ ،
أوْ
صِرْتَ مَادةً للتندُّرِ في أفْضَلِ الأحْوَالِ."(22)

ثمَّةَ حَالةٌ مِنْ القَهْرِ، وَالتَّرهيبِ ، وَالتَّحكُّمِ ، حَتَّى ، في خُطُواتِ العَابرينَ ، كثيرًا مَا تَشْهَدُهَا الشَّوارعُ الكُبرى، وَالميادِينُ ، في المدُنِ الكُبْرَى ؛ حِيْنَ تندلعُ التَّظاهُرَاتُ ، وَتَبْسِطُ أجْهِزَةُ الأمْنِ أذْرُعَهَا الحديديَّةَ ؛ لِتطوِّقَ المكَانَ ، وَتَتَحَكَّمُ في مَدَاخلِهِ وَمخارِجِهِ .

-8-
رَصْدُ آليَّاتِ القهرِ البيروقراطيِِّ ، في المدينَةِ

تحتَشِدُ مُؤسَّسَاتُ المدينَةِ بِالمؤسَّسَاتِ وَالمصَالحِ الحكوميَّةِ ؛ الَّتي تَشِيعُ فيْهَا آليَّاتُ البيروقراطِيَّةِ ، وَتحكُّمُ كبَارِ الموظَّفِينَ في صِغَارِهِمْ ، وَشُيوعُ القَهْرِ البيروقراطِي ؛ الَّذي يجثمُ - بِشَكْلٍ يَوْمِيٍّ -على أرْوَاحِ صِغَارِ الموظَّفِينِ ؛ بدَايَةً مِنْ اسْتِخْدَامِ دَفاترِ الحضُورِ وَالانْصِرَافِ ، وَهُوَ مَا يُمْكِنُ رَصْدُهُ لَدَى صُبحِي مُوسى (1972-) في نَصِّهِ :" دَفَاترِ الحضورِ "، وَمِنْهُ :
"هَذِهِ الدَّفاترُ الطَّويلةُ
ذَاتَ الإطَارِ الخَشَبيِّ الثَّقيلِ
تَحْتَوي عَلى تَوْقيعَاتنَا المُتَعَجِّلةِ
وَنَظَرَاتِ عيوننَا نَحْوَ البنَاتِ اللاَّتي يَفْتَحْنَهَا في الصَََّبَاحِ
تَحْتَوي عَلى أنفَاسِنَا الحَارةَ
وَجُنُونِنَا الدَّاخِليِّ
سِبَاقِنَا لِعَقَاربِ السَّاعَةِ
وَعَرَقِنَا المُنْهَمِرِ مِنْ السَّعي في عُلَبِ السَّردينِ الَّتي
تَوَاطأْنَا عَلى نَعْتِهَ ا، بعَرَبَاتِ العَمَلِ
يَوْمًا مَا
أعْرِفُ أنَّهَا سَتَكونُ ضِدِّي
وَسَوْفَ يُخْرجُهَا الرُّؤسَاءُ مِنْ إدْرَاجْهَا المُظْلِمَةِ
لِيُحْصُوا سَاعَاتِ تَأخُّرِي
لحَظَاتِ شِرُودِي
ثَوَانِيَ تَرَدُّدي
وَأعْمَارَ الكَرَاهيَةِ الَّتي أُكنُّهَا
لِكُلِّ حَامِلي الدَّفاترِ المُقدَّسَةِ." (23)

-9-
رَصْدُ العِلاقَاتِ الشَّخصيَّةِ ، السِّريَّةِ ، المتفشِّيةِ ، في شُقَقِ المدُنِ الكُبْرَى

في رَحَابَةِ المدُنِ ، وَازْدِحَامِهَا ، كثيرًا مَا تَشِيعُ العِلاقَاتُ الجنْسِيَّةُ السِّريَّةُ ، في شُقَقِهَا ، تحتَ غِطَاءِ الزِّحَامِ ، وَعَدَمِ التَّواصُلِ بَيْنَ الأشْخَاصِ ، وَهُوَ مَا يبدو لَدَى عَلاء خالِد(1960-)، في نَصِّهِ: "حَبْلُ الأنْقَاضِ "؛ الَّذي مِنْهُ :
" نَتَنَقَّلُ بَيْنَ شُقَقِ أصْدِقَائِنَا
في الأدْوَارِ الأخِيْرَةِ
عَبْرَ غُرَفٍ صَغيرَةٍ لِلنَّوم وَالأحْلامِ
وَفي مُؤخِّرَةِ مَسِيرتِنَا، الأوْتَادُ اللازمَةُ لِنَصْبِ خَيْمَةِ الجِنْسِ .

أدْخُلُ في البدَايَةِ
ثمَّ تأتيْنَ بَعْدِي بعَشْرِ دَقائِق
كيْ لا يُلاحِظُ البوَّابُ الخَيْطَ الَّذي يَرْبطُ بَيْنَ جَسَدينَا

ثمَّ نَخْلَعُ مَلابسِنَا في ضَوْءِ علاقَاتٍ سَابقَةٍ
وَنَضَعُهَا تَحْتَ الفِرَاشِ مُبَاشَرَةً
كمُدْيَةٍ مُشْرَعَةٍ
مُتَأهِّبيْنَ لأيِّ هجُومٍ

وَنَتَّبعُ تَعْليمَاتِ الصَّديقِ
بألاَّ يَكُونَ لأفْرَاحِنَا صَوْتٌ عَالٍ ،
وَأنْ نَضَعَ الظَّلامَ ضِمْنَ أوْلويَّاتِ الحُبِّ

الصَّديقُ الَّذي يتركُ لنَا شَقَّتَهُ
مُقابلَ أنْ نَتْرُكَ لَهُ إحْدَى تِذْكَارَاتِنَا تَحْتِ الوِسَادَةِ
وَيُعَلِّقُ وَرَقةً خَلْفَ البَابِ
يَدُلُّنَا فيْهَا على مَكانِ الشَّاي وَالسُّكَّر وَمِيعَادِ حُضُورِهِ ." (24)

إنَّ هَذِهِ العِلاقَاتِ كثيرًا مَا تحدُثُ ، في شُقَقِ الطُّلابِ ، وَالعُزَّابِ ، على نحوٍ سِرِّيٍّ ، غَيْرِ غَريْبٍ على زِحَامِ المدينَةِ ، وَبِتَفَاصِيلَ مُتَكرِّرَةٍ ، في الغَالِبِ .

-10-
رَصْدُ حَالاتِ الاغْتِرَابِ ، وَالاسْتِيْحَاشِ ، في زِحَامِ المديْنَةِ

مِنْ الظَّواهِرِ اللافتَةِ في زِحَامِ المدينَةِ ، شِيوعُ الاغْتِرَابِ ، وَالعُزْلَةُ ، وَسَطْحِيَّةُ العِلاقَاتِ ، وَقِلَّةُ التَّواصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ ، وَهُوَ مَا يُعَمِّقُ حُضُورَ الذَّاتِ ؛ بِأبعَادِهَا الإنْسَانيَّةِ ، وَنَبْرَتهَا العَمِيْقَةِ ، بِكَثَافَةٍ ، بَيْنَ تَفَاصِيْلِهَا الخاصَّةِ المعِيْشَةِ ، في نَصِّ القَصِيدِ النَّثريِّ الجديدِ ، وَهُوَ مَا يمكِنُ رَصْدُهُ في قوْلِ سمير درويش :
" أمُّ طِفليَّ لمْ تقلْ لِي :" كُلُّ سَنَةٍ وَأنْتَ طَيِّب "
انْتَهَتْ مِنْ إعْدَادِ الطَّعامِ ثمَّ اسْتَلْقَتْ
تَتُابعُ المُسَلْسَلاتِ التِّليفزيونيَّةِ .
زُمَلائِي في العَمَلِ ، كَذلكَ
لمْ يَقُولُوا لِي كُلُّ سَنَةٍ وَأنْتَ طَيِّب
بَاعَةُ الفَاكِهةِ ، وَالخُضْرَوَاتِ
الفَرَارجِيُّ ،وَالجَزَّارُ..
المُنّقَّبةُ الَّتي جَاوَرَتْنِي في سَيَّارَةِ الأجْرَةِ ..
الشَّمسُ الَّتي اْنتَبَهَتْ مِنْ غَفْوَتِهَا ..
أخْوَتِي وَأخَوَاتُ زَوْجَتِي ..
حَتَّى صَمْتُكِ الحَادُّ
لمْ يَقْطَعْ خَوَاءَ الأصْوَاتِ المُتَدَاخِلَةِ ،
في يَوْمِ مِيلادِي هَذَا."(25)

هَكَذَا يَفْقِدُ الإنْسَانُ التَّواصُلَ ، في بَيْتِهِ ، وَعَمَلِهِ ، وَمَعَ البَاعَةِ الَّذينَ يَتَعَامَلُ مَعَهُمْ ، وَجِيرَانِهِ في الموَاصَلاتِ ، لا أحَدَ - في زِحَامِ المدينَةِ هَذَا - يَلْتَفِتُ، لمنَاسَبَةٍ عَزيزَةٍ عَليْهِ ؛ تَرْتَبِطُ بمجِيْئِهِ إلى هَذَا العَالمِ ؛ هِيَ مُنَاسَبَةُ عِيْدِ مِيْلادِهِ.
وَلهذَا ؛ كثيرًا مَا تُحَاصَرُ هَذِهِ الذَّاتُ ، في دَوَائرِ العُزْلةِ وَالوَحْشَةِ ، وَتَتَعَاظَمُ دَاخِلَهَا دَوائِرُ الفَقْدِ ، وَالنّستولجيَا ، كَمَا يَبْدُو لَدَى عَلاء خالِد ، في نَصِّهِ :" كُرسِيَّانِ مُتَقَابِلانِ "، وَمِنْهُ:
" لِسَنَوَاتٍ طَويلَةٍ
كَانَ يَهْجُرُهُ النَّومُ في السَّادسَةِ صَبَاحًا ،
فيقومُ لِيُطَاردَهُ فَوْقَ التِّلالِ
وَأسْطُحِ العِمَارَاتِ المُجَاوِرَةِ .
يَسْتَسْلِمُ لِلشُّرفَةِ ،
لِكُوبِ الشَّاي النَّقيِّ ،
لأوَّلِ سِيْجَارَةٍ سَيَمْتَصُّ رَحِيْقَهَا ،
لِلْجَريدَةِ الَّتي لمْ يَجِفّْ حِبْرُهَا ،
لِلْشَّارعِ الخَالِي مِنْ الذِّكريَاتِ .
كُلُّ شَيءٍ لامِعٌ ،
لَيْسَتْ هُنَاكَ أتْربَةٌ عَلى الإفريزِ
لَيْسَ هُنَاكَ مَنْ يَأتِي بَعْدَهُ
لِيُطْعِمَ أسْرَابَ النَّملِ .
كَانَتْ أمُّهُ قَدْ مَاتَتْ ،
وَبَقِىَ هُوَ يَتَتَبَّعُ آثَارَهَا
في هَوَاءِ الصَّبَاحِ البَاكِرِ
في حَنَانِ الشَّاي
في قِطْعَةِ البَسْكَويْتِ
الَّتي كَانَتْ تَدْفَعُهَا دَفْعًا إلى فَمِهِ
فيَنْفَرِطَ جُزْءٌ مِنْهَا على الأرْضِ .
في حِوَارَاتِهِمَا الهَادِئَةِ
كُرْسِيَّانِ مُتَقَابِلانِ
لا مَفَرَّ مِنْ الحُبِّ
حَتَّى وَلَوْ كَانَ أحَدُهُمَا فَارغًا
حَتَّى وَلَوْ كَانَ أحَدُهُمَا أعْزَبَ في السِّتين ."(26)

-11-
رَصْدُ التَّناقُضَاتِ الاجْتِمَاعِيَّةِ ، وَالمفَارَقَاتِ النَّاتجةِ عَنْهَا

كثيرًا مَا يمتلئُ مَشْهَدِ المدينَةِ بِالتَّناقٌضَاتِ الاجْتِمَاعيَّةِ وَالثَّقافيَّةِ ، وَمِنْ التَّناقُضَاتِ تَتَوَلَّدُ المفَارَقَاتُ ، وَتَتَوَلَّدُ عَنْهَا مَشَاعِرُ إنْسَانيَّةٌ شَتَّى ، وَقَدْ تَبْدُو هَذِهِ المشَاعِرُ في مَشْهَدٍ شِعْريٍّ سَرْدِيٍّ دَالٍّ بِتَفَاصِيلِهِ ، كَمَا في نَصِّ أسامة الدناصُوري (1960-2007) : " العَرَبَةُ الحمْرَاءُ "؛ الَّذي جَاءَ على هَذَا النَّحوِ:
" عَرَبَةُ صَدِيقِي حَمْرَاءُ وَتُشْبِهُ الخُنْفِسَاءَ تَمَامًا
عَرَبَةُ صَدِيقِي الحَمْرَاءُ الجَمِيلَةُ الَّتي تُشْبِهُ الخُنْفِسَاءَ
لهَا بَابَانِ اثْنَانِِ ،
وَفَتْحَةٌ رَائِعَةٌ في السَّقفِ
وَبدَاخِلهَا عُلِّقَتْ عَرُوسٌ صُوفيَّةٌ غَزَلَتْهَا زَوْجَتُهُ :
زَوْجَةُ صَدِيقِي الَّتي تَجْلِسُ دَائِمًا بِجِوَارِهِ
بَيْنَمَا أجْثُو أنَا عَلى المِقْعَدِ الخَلْفِيِّ
مُتَشَبِّثًا بِعَرُوسَتِي الصُّوفيَّةِ
يَا لَعَرَبَةِ صَدِيقِي الجَمِيلَةِ الحَمْرَاءِ!!
لَكَمْ حَلُمْتُ كثيرًا أنْ أقُودُهَا
وَلوْ مَرَّةً وَاحِدَةً ." (27)

إنَّ شعريةَ النَّصِّ ، هُنَا، تَتَعَلَّقُ بخاتمتِهِ ؛ بِالرَّغبةِ في قِيَادَةِ السَّيارَةِ ، بِالسُّؤالِ المتبجِّسِ هُنَا: بِقيَادَةِ السَّيَارَةِ أمْ بقيادَةِ المرأةِ ؟، وَهِيَ صَبْوَةٌ ناتجةٌ عَنْ المفَارَقَةِ الاجْتِمَاعيَّةِ ، وَالوَعْي الضِّديِّ بتَفَاصِيلِهَا .

-12-
رَصْدُ اصْطِدَامَاتِ الوَعْي الرِّيفي بِالوَعْي المدينيِّ

في أمَاكِنِ المدينَةِ العَامَّةِ الكُبْرَى ؛ كَالمقَاهِي أوْ الأنْدِيَةِ ، كثيرًا مَا تَنْشَأُ صَدَاماتٌ ثَقَافيَّةٌ أوْ اجْتِمَاعيَّةٌ ، في مَوَاقِفَ وَسِلوكيَّاتٍ ؛ تَكْشِفُ عَنْ اخْتِلافَاتِ الوَعْي وَتَصَادُمَاتِهِ ، وَمِنْ أكَثْرِ الصِّدَامَاتِ في هَذَا المشْهَدِ ، صِدَامَاتُ الوَعْي الرِّيفيِّ بِالوعْي المدينيِّ ، وَتَكونُ الذَّاتُ الشَّاعِرَةُ السَّارِدَةُ - غالبًا - مِنْ ذَوي الأصُولِ الرِّيفيَّةِ ، وَمِنْ ذَلكَ قَوْلُ إبراهيم مُوسى النَّحاس ( 1968-)، في قَصِيدَتِهِ:" عَلى مَقْهَى زَهْرَةِ البُسْتَانِ ":
" لَمْ أكُنْ مُطَالَباً أنْ أغَيِّرَ تَسْريحَةِ شَعْري
أوْ أنْ أكُونَ
ببغَاءً لِلنِّكاتِ التَّافِهَةِ
أوْ أنْ أنْسَى رَائِحَةَ الطَّمي
أمَامَ دُخَانِ سِيجَارتِهَا الأجْنَبيَّةِ
أوْ أكَرْهَ أبي لِفَرْطِ بَسَاطَتِهِ
فَقَطْ سَوْفَ أجْلِسُ
مُسْتََمَتَعًا بِالتِصَاقِ فَخْذِهَا المُمْتَدِ لِقَدَمِي
وَأشَارِكُهَا الحَدِيثَ في تَفَاهَاتٍ عَديدَةٍ
رُبَّمَا يَتَطَّوَرُ الأمْرُ
وَأشْعِلُ لَهَا سِيْجَارَةً بيدِي
وَأسَامِحُ حِذَاءَهَا
وَهُوَ مُوَجَّهٌ
بِخَطٍّ مُسْتَقِيمٍ نَحْوَ وَجْهِي
وَأٌقبِّلُهَا بَعْدَ أنْ تَدْفَعَ لَنَا فَاتُورَةَ الحِسَابِ
وَأعُودُ لِقَرْيَتِي النَّائمَِة
أوْقِظُهَا بِابْتِسَامَةٍ جَدِيدَةٍ
مُحَاوِلاً
أنْ أسْتَمْتِعَ للمَرَّةِ الأوْلَى
بِالتَّفكيرِ في اللاشَيءِ
وَأنَامُ ." (28)


خاتمة

ارتبطت قصيدةُ النَّثر بالمدينة ارتباطًا عميقًا ،على محور النشأة ، ومحور الرُّؤيا ، ومحور الأداء، وقد تعدَّدت مظاهر الحضور المدينيِّ في قصيدة النَّثر على النَّحو الذي رصده البحث ، بما يُشيرُ إلى هذه العلاقة الحميمة من ناحيةٍ ، وإلى تعدُّد آليات الشِّعرية في قصيدة النَّثر من ناحيةٍ أخرى، واللافتُ أن هذا الموضوع لم ينلْ ما يستحقُّه من دراسةٍ أو بحث ،على النَّحو الذي دُرستْ فيه المدينةُ في شعر التفعيلة ، على سبيل المثال ، في مجموعةٍ من الدِّراسات ، - محدودة القيمة - ومنها :" المدينة في الشِّعر العربيِّ المعاصر"(29) ، للدكتور مختار أبو غالية ،و: "المدينة في الشِّعر العربيِّ الحديث"(30) ، للدكتور محمد حمُّود ، رَغْمَ مَا لهذَا الموضوعِ منْ أهميَّةٍ في قَصِيدَةِ النَّثر ، إذا قيس بشِعرِ التَّفعيلَةِ .








الهَوَامِشُ وَالإحَالاتُ
1- الغَريْبُ أنَّ تيَّارَ البَدَاوَةِ استمرَّ حتَّى العَصْر الحديث ؛ في تجربَةِ الشَّاعر محمَّد عبد المطَّلب (1871- 1931) ؛ الملقَّب بشاعر البَاديةِ ، وفي الربع الأخير من القرن الماضي لدي الحساني عبد الله .
2- أحمد زياد محبّك - الشَّاعر والمدينة - مجلَّة : فصول - المجلَّد الخامس عَشَر ، العدد الثَّالث - خريف 1996 – ص : 321 .
3- السَّابق ، نفسه.
4- السَّابق – ص :322.
5- أحمد عبد المعطِي حِجازي – مدن الآخرين : مختارات شعريَّة – آفاق التَّرجمة ، الهيئة العامة لقصور الثَّقافة – أغسطس 1995 – ص : 8 .
6- السَّابق – ص : 10.
7- سمير درويش – من أجل امرأةٍ عابرةٍ – أصوات أدبيَّة ، العدد 402 ، الهيئة العامة لقصور الثَّقافة -2009 – ص : 18 .
8- أمجد ريَّان – في الفَرَاغ العَاطِفيّ - أصوات أدبيَّة ، العدد :391، الهيئة العامة لقصور الثَّقافة - 2008 - ص ص :96 - 97 .
9 - السَّابق - ص : 97 .
10 - السَّابق - ص : 98 .
11 - السَّابق - ص : 99 .
12- السَّابق - ص ص :99 - 100 .
13- السَّابق - ص : 100 - 101 .
14- السَّابق - ص : 101 .

(15) http: //alflela .org/index.php?view=article&catia.
16- كريم عبد السَّلام – فتاة وصبيّ في المدافن – دار الجديد – بيروت ، لبنان ،1999 – ص ص : 23 - 24 .
17- إيهاب خليفة - مساءٌ يستريحُ على الطَّاولة – الأمل للطِّباعة والنَّشر – القاهرة – 2007 – ص ص : 25 – 27 .
18- إبراهيم داود – الشِّتاء القادم – كتابات جديدة – الهيئة المصريَّة العامة للكتاب – 1996 ص: 7 .
19- محمود قرني – قصائد الغرقى – الطَّبعة الثَّانية ، طبعة خاصة – القاهرة – 2010 – ص ص : 44 - 45 .
20- عبد العزيز موافي - الكتابة فوق الجدران – الدار ، للنَّشر والتَّوزيع - القاهرة – 2008 ص : 21 .
21- محمود قرني – الشَّيطان في حقل التُّوت – ميريت ، للنَّشر والتَّوزيع – القاهرة 2003 – ص ص : 12-13 .
22- عاطف عبد العزيز – الفجوةُ في شكلِهَا الأخير – الدار ، النَّشر والتَّوزيع – القاهرة -2007 ص ص : 8 - 9 .
23- صبحي موسى – في وداع المحبَّة – الحضارة ، للنَّشر – القاهرة -2010- ص : 7.
24- علاء خالد – حياة مُبيَّتة – دار الجديد – بيروت ، لبنان - 1995 – ص ص : 78-79 .
25- سمير درويش – يوميَّات قائد الأوركسترا – الطَّبعة الثَّانية – طبعة خاصة – 2008 – ص: 9.
26- علاء خالد – كُرسيَّان مُتقابلان – دار شرقيَّات – القاهرة -2006 – ص ص : 45- 46 .
27- أسامة الدناصوري – مثل ذئبٍ أعمى – طبعة خاصة – القاهرة -1996 – ص ص :55 - 57.
28- إبراهيم موسى النَّحاس- كُلُّ هذه التَّفاصيل- وعد للنَّشر و التَّوزيع – القاهرة – 2008 - ص ص : 17- 18.
29- صَدَرَ عنْ سلسلةِ : عالم المعرفة ، العدد :196 – الكويت - نيسان 1995.
30 - المدينة في الشِّعر العربيِّ الحديث ، للدُّكتور محمَّد حمُّود ، ضِمْن كتابِهِ : الحداثة في الشِّعر العربي المعاصِر : بيانها ومظاهرُها- دار الكتاب اللبناني - الطَّبعة الأولى - 1986- ص ص :251
- 278 .



#شريف_رزق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المفاهيمُ النَّظريَّة للأنواعِ الشِّعريَّة في شِعرِ النَّثرِ
- عَذَابَاتُ التَّجربَةِ الإنسَانيَّةِ في وَحْشَةِ العَالمِ
- شِعريَّةُ قَصِيدَةِ النَّثرِ
- لانبعَاثَاتُ الأولى لقَصِيدَةِ النَّثر في مَشْهَدِ الشِّعر ا ...
- شِعريَّاتُ المشْهَدِ الشِّعريِّ المصْريِّ الجديد في قصيدَةِ ...
- تداخُلاتُ الأنواعِ الأدبيَّةِ والفَنيَّةِ في قصيدةِ النَّثرِ ...
- إِشكاليَّاتُ النَّوعِ الشِّعريِّ في قَصِيدةِ النَّثْر


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شريف رزق - شِعريَّةُ المدينَةِ في قصيدةِ النَّثر المصْريَّةِ