أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ميثم الجنابي - هادي العلوي- من الأيديولوجيا إلى الروح 2 من 11















المزيد.....

هادي العلوي- من الأيديولوجيا إلى الروح 2 من 11


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 1317 - 2005 / 9 / 14 - 11:37
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


نهاية الرجل العظيم في بدايته. وهي حقيقةّ! ففي نهايته نرى حقيقة ما تراكم في مجرى صيرورته الفردية والتاريخية. وعندما كتب العلوي في أحد آخر أعماله (ديوان الوجد)، أو بصورة أدق ما استجمعه من وجد الوجود، فانه قدم له ببيت من شعر الحلاج القائل:
كانت لقلبي أهواء مفرقة فاستجمعت مذ رأتك العين أهوائي!
وقدم للبيت الآنف الذكر بعبارة من أربع مفردات هي "إلى المعنى من الذات". وهي عبارة يمكن إعادة صياغتها بكلمات "إلى الحقيقة من الأنا". وهي فكرة يصل إليها بالضرورة كل من تستحكم في أعماقه وحدة الحق والحقيقة أو وحدة الإحسان والإنسان! إذ لا طريق فعلي لبلوغ الحقيقة كما هي دون تذويب مقوماتها وآليتها في "الأنا"، بوصفها الصيرورة الملازمة لإبداع ما دعاه الحلاج يوم بعبارة "أنا الحق". فهو الطريق الوحيد لإبداع الأنا المبدعة، أي الأنا القادرة على استقطاب المعنى وتركيبه من خلال معاناتها الذاتية.
فالحقيقة هي أيضا معاناة البحث عن وحدة تستحكم في نياتها نزوع نحو التغير والتبدل لا يتناهى ولا يتحجر في شكل من الأشكال أو مظهر من المظاهر أو صورة من الصور. فهي كالحياة المتراكمة في وحدة تناقضاتها التي لا تحصى. وقد كانت حياة العلوي هي الآخر تيارا متصارعا للأهواء المحكومة بتناقضات النزوع الإنساني صوب الحرية والحق. فهو لم يقتل كما قتل الحلاج، لكنه لم يكن اقل معاناة في تأمل ذاته المضطربة في أهواء صارع من اجل جمعها فيما كان يعتقده نموذجها الأعلى. فما هي هذه الأهواء التي كانت تفرّق قلبه؟ وما هو الشيء الذي حالما رآه جعله يستجمع ذاته؟ وهل رآه مرة واحدة، أو انه كان يلازمه مدى الحياة أم في آخر حياته؟ أم انه الخيط الذي كان ينسج أهوائه منذ البدء ليصنع منها في نهاية المطاف لباس ما دعاه بالمثقف القطباني أو المثقف الكوني؟ وان يرتديه بحمية صادقة كما كان يفعل متصوفة الماضي في لبس الخرقة من اجل استظهار سلسلة الارتباط المستبطنة في كمية الرقع المتناثرة عليها، بوصفها إشارة ودلالة عل السريان الوجودي لأرواح الشيوخ والأولياء؟! وهو ارتباط وجودي ووجداني في آن واحد بفضل تمثله حقيقة الأبعاد الزمانية والمكانية، والمادية والروحية بوصفها كلا واحدا في استنهاض القلب في طلب الحق. وهي الفكرة التي وجدها العلوي في عبارة "إلى المعنى من الذات".
لقد أدرك في نهاية المطاف بأن المعنى الحقيقي للمثقف ينبع من ذاته وليس من العقيدة (الأيديولوجيا) أيا كانت. ووجده في التصوف بوصفه الفكرة المعبرة عن حقيقة المشاعية الشرقية. ولم تعن هذه التسمية له سوى روح التمرد الدائم والتحدي الإنساني من اجل بلوغ الهدوء الشامل مع النفس. وبين بداية التحدي ونهاية الهدوء الشامل تناثرت أهواءه وتشتت في دروب الآلام والآمال والعمل الدءوب.
كانت حياة العلوي في كلها علم وحال وعمل يتذبذب مع أمواج التمرد والتحدي العارم ضد السلطة والابتزاز، وفي الارتقاء المتسامي في طريق كشف وتذوق ما سيدعوه أواخر حياته بالمثقفية واللقاحية والمشاعية الشرقية. وهو سمو يتلألأ في شطحاته العديدة مثلما صرخ مرة متحديا زيف المثقفين قائلا بأنه فلاح وابن فلاح! وانه يعتز بجلافته وجفائه في التعامل مع النفس والآخرين! وهي عبارة يمكن فهمها بمعايير الشطح، كما أنها التعبير النموذجي عن حال التمرد المميز لإبداع العلم العامل والعمل العالم بمعايير الإخلاص للحق والعدالة. وهو الأمر الذي يجعل من الأخطاء فضيلة ومن الجفاء سلوة ومن الزلة إصابة كما قال أحد المتصوفة مرة بان "سيئات الأولياء حسنات الأبرار". وهي حقيقة جسدها العلوي في ذاته. إذ نعثر حتى في أخطائه الفكرية على وجدان سياسي تام الإخلاص للحق والعدالة, وفي سلوكه المستغرب أحيانا مسحة من الجفاء مع النفس أولا وقبل كل شيء، ومن الغرابة في الأطوار مسارا صوب الحرية التي لا ترحم العقل من رؤية "جليات الأمور" و"متطلبات الضرورة".
لم يكن هادي العلوي رجل سياسة بالمعنى الدقيق للكلمة، بل رجل الروح الصارم. وفيه فقط يمكن تحسس وفهم حقيقة الهاجس الذي كان يحكم كينونة المثقف فيه وصيرورتها الدائمة. وهي صيرورة ارتقت من وجدان الريف الفلاحي إلى عقلية المدينة الثورية، ومن التراث الماركسي العادي إلى تراث التصوف "القطباني"، ومن شيوعية الجماهير إلى الزهد الفرداني، ومن ماركس الماوي إلى الجيلاني ولاوتسه المشاعي، ومن مثقف الحزب إلى المثقف الكوني. وهو تحول لا ينبغي تحليله وإعادة تركيبه بمعايير التحول الفكري المتراكم في دراسة التصوف. إذ لم يكن التصوف بالنسبة له علما وعملا متكاملا في رؤية ذاتية لها نظامها الخاص بها، كما أنها لم ترتق إلى مصاف الرؤية الفلسفية، بل كانت اقرب إلى روح ذائب في تصوراته وأحكامه الاجتماعية وإخلاصه الوجداني. إذ لم يكن التصوف جزءا من اهتمامه العلمي. ولم نعرف عنه كتابات جدية أو محترفة أو حتى مستقلة عنه بما في ذلك أواخر حياته.
لقد كان التصوف جزء من فكرة كبرى اصطلح عليها بعبارة حقيقة المشاعية الشرقية. وهي فكرة تراكمت في مجرى تأمله تجارب المثقفين والثقافة وانحرافات الحركات الثورية بعد انهيار الشيوعية السوفيتية. وهو حكم تكشف عن أبعاده حادثة لقائي الأول به في منتصف الثمانينيات في دمشق عندما زرته وهو يعيش في قبو. وعندما عرفني بالاسم صافحني بحرارة وابتسم ببساطته المعهودة وملامح البشاشة الكبيرة على وجهه وفي عينيه. ثم قال لي وهو يتأملني بأنه لم يكن يتوقع بأنني إلى هذه الدرجة من الشباب وبعد أن اطراني بكلمات كثيرة تساءل
- إنني استغرب اهتمامك بالتصوف! ألا ترى ذلك؟
- اعتقد أن الغرابة في كونك لا تهتم به!
- تعتقد؟
حينها بدأت قريحتي بالحديث عن التصوف بالطريقة التي قلبت بها الأمور رأسا على عقب مما كان في كتاب (النزعات المادية) لحسين مروة، الذي كان العلوي يعتبره مرجعا "معصوما" في هذا المجال. ثم كلمته عن مشروعي "مائة كتاب عن مائة صوفي"، الذي تركته بعد سنوات طويلة من البحث بعد أن وضعت صيغة جدا مكثفة له في كتابي (حكمة الروح الصوفي). وقد قال لي العلوي بعد سنوات أخرى، بما في ذلك في بعض رسائله من أن ما اكتبه عن التصوف هي أعمال فلسفية لم يرتق إليها الفكر الفلسفي العربي المعاصر، وأنها تسمو على كل ما هو مكتوب بهذا الصدد. بل وباح لي يومها وفي بعض رسائله أيضا من أن ما اكتبه في التصوف هو أمر عميق للدرجة التي ترهق أكبر الباحثين رصانة وعمقا إلا أنها أعمال تخترق القلب والعقل والضمير.
ليس المقصود من هذه "الدلائل" سوى الإشارة إلى حقيقة التصوف في فكر العلوي وشخصيته. فهو لم يتطرق إلى التصوف بالطريقة التي اخذ يجد فيه "بعدا ثوريا" و"إنسانيا" إلا في منتصف الثمانينيات. وهو اهتمام وتغيير في المواقف من التصوف لا علاقة له إلا بشخصية العلوي نفسه. بمعنى انه لا علاقة له إلا بما كان يجري في أعماقه من تحول يعكس مسار الرجال العقلانيين الكبار واعتزازهم الشديد بفردانيتهم الذي يصل أحيانا حد التحدي غير المعقول لكل معقول وموجود! وهي الصفة التي طبعت شخصية العلوي وحكمت سلوكها. وهي شخصية كانت تتأهب وراء المحاور التي حارب حولها. وذلك لان الهاجس الذي كان يحكم كينونة المثقف فيه هو نفس هاجس تكاملها في مشروع المثقف الكوني.
فمن الناحية الظاهرية تبدو مجموعة تحولات من ريفي إلى مديني، ومن شيوعي (ستاليني - لينيني – ماركسي) إلى ماوي، ومنهما إلى مشاعي شرقي. وهو تحول جعل من التصوف أسلوب تحقيق ما أطلق هو عليه لاحقا عبارة "حقيقة المثقفية". ففي بداية الأمر لم تبتعد مواقفه من التصوف عما أطلق عليه حسن مروة في كتابه (النزعات المادية) من أنه لا يتعدى كونه "أحجار في بركة راكدة". بل وانهمك في ردم وهدم كل ما كان يبدو بالمنسبة له حجر عثرة أمام طريق الراديكالية الجارف. ولعل مفارقة الصيرورة الخاصة للحقيقة في شخصيته تقوم في أن الراديكالية العنيفة التي ميزت موقفه من التراث الإسلامي قد رمته في نهاية الأمر إلى بحر الصوفية ليسبح في تياره الجارف نحو شاطئي المشاعية والكونية. وفي هذا التيار الجارف كانت تتراكم عناصر المأساة الشاملة للعلوي وعظمته في الوقت نفسه. فقد كانت هذه المأساة والعظمة تقوم في محاولته العنيدة لتوليف المشاعية والحرية. وهو جهد عادة ما يؤدي في نهاية المطاف إلى اندثارهما كلاهما.
وهي مأساة لا يمكن للمفكر الاجتماعي الكبير والمخلص حتى مخ العظام لما يقوله ويراه، إلا يواجهها في وحدة المتناقضات الكبرى التي عبر عنها أحد المتصوفة مرة بكلمات "عرفت الله بجمعه بين الضدين". وهي معرفة جعلت هادي العلوي يجمع في ذاته الجيلاني ولاوتسه،الحلاج وماركس، أبو ذر الغفاري وماو تسي تونغ. وهو جمع لا يخلو من مفارقة تاريخية في مصائر الأفراد والأمم وجدت تعبيرها العراقي في شخصية العلوي.
فقد تمثل هادي العلوي هذه الوحدة المغرية للمتناقضات وجسدها في مشروعه الطوباوي عن القيمة الأبدية في معارضة السلطة والغرب وتأييد المثقفية اللقاحية والمشاعية الشرقية. وهو "تناقض" وجد العلوي فيه مصدرا معينا لإبداعه النظري ومعيارا لسلوكه العملي. بحيث جعل منهما معادلة حية لإشكالية العلم والعمل وتوليفها في نفس الوقت بصورة منهجية في مرجعية نموذجية. وهو الأمر الذي جعله سهلا عصيا، منهك الجسد شديد البأس، رجلا حاويا لمكونات الوحدة المغرية في المتناقضات، مما جعل منه مفكرا اجتماعيا يصعب حصر كل ما قاله وأراد قوله (وفعله) بمعايير السياسة التي طالما كانت تقض مضجعه مع انه أكثر الناس بعدا عنها بمعايير من يحترفها ببدنه، وأشد الناس التصاقا بها بروحه وبمعايير من يفهم مضمونها الاجتماعي وقيمتها الضرورية بالنسبة لسمو الروح والجسد الإنسانيين. وهو "تناقض" لا تربطه سوى خيوط الروح النقدي التي صنعت شخصيته ووحدتها في كل ما يبدو متناقضا فيه.



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هادي العلوي المثقف المتمرد 1 من 11
- الديني والدنيوي في مسودة الدستور - تدين مفتعل وعلمانية كاذبة
- الدستور الثابت والنخبة المؤقتة
- أورليان الجديدة وأور القديمة – جذر في الأصوات وقطيعة في الأن ...
- الحداد الرسمي لفاجعة الكاظمية = مأتم ابدي + ثلاثة أيام
- جسر الأئمة أم طريق المذبحة المقبلة للانحطاط السياسي العراقي
- العراق وإشكاليات الفكرة القومية العربية-6 من 6
- العراق وإشكاليات الفكرة القومية العربية 5 من 6
- العراق وإشكاليات الفكرة القومية العربية 4 من 6
- العراق وإشكاليات الفكرة القومية العربية 3 من 6
- العراق وإشكاليات الفكرة القومية العربية 2 من 6
- العراق وإشكاليات الفكرة القومية العربية 1 من 6
- حق تقرير المصير- في العراق – الإشكالية والمغامرة
- هوية الدستور الحزبي ودستور الهوية العراقية؟
- أشكالية الانفصال أو الاندماج الكردي في العراق-2 من 2
- إشكالية الانفصال أو الاندماج الكردي في العراق+1 من 2
- الخطاب القومي الكردي في العراق - التصنيع العرقي 2 من 2
- الخطاب القومي الكردي في العراق - الهمّ الكردي والهمّ العراقي ...
- مرجعية السواد أم مرجعية السيستاني? 9 من 9
- الأهمية الفكرية للمرجعية-8 من 9


المزيد.....




- أمريكا تكشف معلومات جديدة عن الضربة الصاروخية الروسية على دن ...
- -سقوط مباشر-..-حزب الله- يعرض مشاهد استهدافه مقرا لقيادة لوا ...
- -الغارديان-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي ل ...
- صاروخ أوريشنيك.. رد روسي على التصعيد
- هكذا تبدو غزة.. إما دمارٌ ودماء.. وإما طوابير من أجل ربطة خ ...
- بيب غوارديولا يُجدّد عقده مع مانشستر سيتي لعامين حتى 2027
- مصدر طبي: الغارات الإسرائيلية على غزة أودت بحياة 90 شخصا منذ ...
- الولايات المتحدة.. السيناتور غايتز ينسحب من الترشح لمنصب الم ...
- البنتاغون: لا نسعى إلى صراع واسع مع روسيا
- قديروف: بعد استخدام -أوريشنيك- سيبدأ الغرب في التلميح إلى ال ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ميثم الجنابي - هادي العلوي- من الأيديولوجيا إلى الروح 2 من 11