محمد عبعوب
الحوار المتمدن-العدد: 4713 - 2015 / 2 / 7 - 18:31
المحور:
الادب والفن
اتسلل من الشقة يطاردني الملل من الوحدة الوجودية التي ساقتني لها قدماي المرتهنتان للعقل، أهيم في شوارع المدينة الطافحة بمظاهر ثراء مشبوه، اتسكع بين ميدان جامع الملك وساحة المتحف ، أتفحص فترينات المحلات المزدحمة ببضائع تركية من الألف الى الياء، أتسأل في بعض الأحيان هل انضمت هذه المدينة تحت سلطة الوالي العثماني في انقرة ؟!!
تنتشلني مشاهد أطفال عائدين من مدارسهم ، من هواجسي القلقة حول غزو تركي لعقول الناس في بلادي، حتى أصبح ذهابهم الى السطنبول أيسر وأأمن بكثير من التنقل بين بنغازي وطرابلس، جلست على مقاعد رخامية باردة كبرودة غربتي تحيط بالميدان ، أتأمل جماعات البراءة العائدين من المدارس، أتذكر إياد وأروى، أشاهدهما في صور عشرات الأطفال العائدين الى بيوتهم ، ولا تغادر صورتيهما خيالي إلا بعد سماع مشاغبات هؤلاء الأطفال بلهجات مدينتهم ، تلك اللهجة التي تقطع شريط أشواقي وتعيدني الى واقعي ولهيب الشوق الى أروى وإياد، وأتساءل بيني وبين نفسي:
- ماذا أفعل أنا هنا بعيدا عنهما؟
-هل أفكاري ومعتقداتي وآمالي الخاصة والعامة أثمن وأغلى من وجودي بجانبهما؟!!
وأمام مشهد هؤلاء الأطفال تغالبني في كثير من الاحيان عبرات ، وتفيض عينيا بدموع الوحشة والشوق لهما، فأبادر الى من تستريح له نفسي منهم أداعبه وأساله بلغة طفولية أن يقاسمني قطعة الشوكلاته او قنينة المشروب التي بيده، فيبادر بكرم طفولي :
- تفضل يا عمي..
أشعر برغبة شديدة في احتضانه وضمه الى صدري، لكنني اكتفي بمداعبة شعر راسه وشكره ومدح كرمه بكلمات تقطعها عبرات قاهرة أعجز عن كبحها.
أتابع هؤلاء الأطفال وهم يغالبون ثقل حقائبهم، تضعف نفسي وترق مشاعري وأقول بصوت مسموع :
ماذا أفعل أنا هنا بعيدا عن أروى وإياد؟ يجب أن أعود غدا، ولتذهب كل المشاريع والأفكار الى جهنم!!
لكن العقل يأبى الانصياع للعواطف ، فيدوسها ويشدني الى تلك البقعة القصية والبعيدة عن دفئ البيت وبهجة الاسرة.. فأعود أدراجي الى زنزانتي على أطراف المدينة، تحاصرني الوحدة والفراغ والعيش على هامش الحياة الذي فرضه علينا صراع من غامرنا لمساندتهم من أجل بناء الحياة الكريمة لنا، فإذا بهم يدمرون ما تبقى من مظاهر حياة هزيلة نعيشها..
#محمد_عبعوب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟