|
زيارة... (ميمونة!).
عماد حياوي المبارك
(Emad Hayawi)
الحوار المتمدن-العدد: 4710 - 2015 / 2 / 4 - 11:24
المحور:
كتابات ساخرة
نحن إذ نضع المقالة تحت عنوان (كتابات ساخرة) فإنه ومن سخرية قدرنا نحن العراقيون أن تفرز حروبنا وأيام معاناتنا لحظات ممتعة ... نكنة هنا وطرفة هناك.
زيارة (ميمونة) !
بعد ان أسقطت الثورة الدينية بإيران نظام الشاه عام 1979، تطور صراع أيدلوجي وحرب كلامية بينه كنظام ثوري لكنه ديني متزمت، وآخر ثوري لكنه بعثي متخبط في العراق، حتى وصل لأشُده في صيف عام ثمانون. وقد نجحت الثورة الإيرانية من بسط نفوذها في إيران بسرعة، وأضحت كلمة الإمام الخميني دستوراً أرادت إيران أن يشمل بقية البلدان أيضاً، فكانت الأراضي عند حدود إيران الشرقية (أفغانستان وباكستان) والشمالية (تركيا وأذربيجان) غير (خِصبة) بسبب تواجد أنظمة سُنية تتنافر وطرحه، كما أنه لو أراد عبور الخليج، فإن بقية شعوب المنطقة ما عدا (البحرين) سوف ترده بقوة. توجهت أنظارها ناحية العراق ذو الأغلبية الشيعية وحكم الأقلية السنية، لتصل لسورية ذات الأقلية الشيعية التي تمسك بالحكم (بعكس العراق) ومن ثم إلى شيعة لبنان. المكشوف). نظام الحكم البعثي بالعراق تيقن اللعبة وعرف بأن رياح الثورة سوف تصله لا محالة وعليه تجنبها، وأنّ مسك البلد بيد من حديد قد لا يكفي لدرء هذا الخطر الذي بان في نشاط خلايا لأحزاب دينية كانت نائمة لسنوات بدعم إيراني أكيد... فتحولت وبسرعة العلاقة المتذبذبة أصلاً بين الجارين إلى عداء ومقت واستهداف علني للنظامين، وصبّت سياستهما في هدف محدد هو... محاولة إسقاط الآخر. وقامت الحرب بين الجارين في ذلك التوقيت لعدة عوامل، كان النظام بالعراق يريد استغلال الفوضى وضعف القوة العسكرية الإيرانية بسبب تصفيتهم لخصومهم مؤيدي الشاه، وكان العراق قد أجهز بشكل شبه تام على التمرد الكردي في الشمال بعد أن تنازل للشاه عن جملة مطالب في اتفاقية الجزائر التي وإن هو استفاد منها بقطع الدعم الإيراني للكرد، لكن بقيت عينه على تلك التنازلات المجحفة بحقه، والأمر الثالث هو صعود أسعار النفط والأموال الهائلة التي جناها العراق من استغلاله ذاتياً لنفطه، فتوجه لشراء أسلحة من الروس فوق حاجة الجيش في مهماته الطبيعية في الذود عن الحدود، للتبجح بها أمام إسرائيل... × × ×
عمل البعث جاهداً على رص الجبهة الداخلية بغسل الأدمغة وملاحقة وتصفية أعداءه في الداخل، وصار يلعب بكل جرأة و(على المكشوف) بغربلة ومراقبة الحركات الطلابية وكبح جماحها والغدر بها ضارباً كل أتفاقاته معها عرض الحائط، ثم قام ـ صدام حسين ـ باختزال حزب البعث وجميع شعاراته... فقط بشخصه. ولاستعراض قوة جبهته الداخلية، قام بعسكرة الشعب بكل الوسائل المتاحة، منها أقامة معسكرات للعمل الشعبي فاقدة لغاياتها المعلنة، ظاهرها بناء قرى عصرية للفلاحين. كان أول تلك المعسكرات هو (القدس لنا) متحدياً إسرائيل فيه، وقد عانى من الانحلال وسوء التنظيم والتسيب، لذا فقد صدر تعميم وزاري في عام ثمانون بشأن المعسكر الذي تلاه (أبطال القادسية) باعتبار الفعالية إلزامية، وعوملت المشاركة في العطلة الصيفية كدرس مقرر للطلبة الناجحون للمرحلة المنتهية، وكانت حصة الجامعة التكنلوجيه (العمل) في الأسبوع الرابع. نقلتنا باصات (ريم) الى للموقع على طريق الكوت في منطقة (بسماية)، وهناك سلمونا بدلة (كاكي وغترة) تجنباً من شمس تموز، ووزعونا على فصائل آمريها من الطلبة الرفاق الحزبيين. لم نألف ـ نحن المستقلين ـ نمط ترديد أهداف وأوامر جيش واصطفافنا بأرتال في ساحة عرضات، ولا حتى النهوض فجراً، ولكننا (تكفينا الشر) خصوصاً والأجواء مشحونة في وقت كان يجري تسفير تعسفي للعراقيين (التبعية) ومطاردة شرسة لأعضاء حزب الدعوة والشيوعي والأكراد، ولم يبقَ في الساحة ولا حتى (أبن حرام) راضٍ عما يفعله النظام بحق جبهته الداخلية الممتدة من زاخو للبصرة. كل شيء ينبئ بالأسوأ... كان ذلك قبل شهرين فقط من اشتعال الحرب... دورة حياتنا اليومية تبدأ ـ عند الفجر ـ بصافرة عريف الفصيل، ونبدأ العمل مع بزوغ الشمس، وأول ما عرفناه هو كيفية (الزوغان) من أجل ساعة نوم أضافية على الرمل والحصو وفي ظل الجدران، وتعلمنا كيف نتجنب أشعة الشمس التي كانت تتسلل لنا بقسوة فتكوي جبهتنا وقفانا. كان فطورنا شاي مذاب به سكر (زيادة) ليغلب على طعم (الكافور) الموضوع لأجل كبح الرغبة الجنسية، أما الوجبة الرئيسية فكانت في المساء، كل أثنين يتقاسمان دجاجه برازيلية مسلوقه بماء وملح فقط، وكنا نتبارى لإيجاد من يمكنه افتراس النصفه دون أن يترك أي أثر حتى لعظم، ونسترحم على الدجاجة المسكينة التي لم يبقَ منها شيء ! قبل أن تبدأ الوليمة، تكتسحنا أسراب ذباب ظالم، ثم لا تلبث في الليل أن تتبادل (الهجوم) وكأنه منسق مع بعوض لا يرحم بقرصاته الدامية ليبقى (يلعب) طوال الليل حتى تأتينا الصافرة المزعجة من جديد ! تكيـّفنا على هذه الوضع ومنها قضية المرحاض ـ كون أرض الله واسعة ـ إلا أن (الدوش) لم تحل مشكلته امام مئات الطلبة وثلاث حمامات، ومهما حاولنا الوصول اليها ـ رغم مجاورتها لسردقنا ـ كنا نفشل باختراق طوابير الطلبه المستميتة للوصول لأبوابه الخشبية المتهرئة، وسط فوضى ومشاكل لا طاقه لنا بها. تعايشنا مرغمين مع الذباب وتأقلمنا مع البق وزاملنا الوسخ ! × × ×
... بعد يوم عمل وبينما كنت وزميلي (المرحوم) عاطف نعدُّ ما تبقى لنا من أيام الأسبوع، وإذا بأربع طائرات هليكوبتر في سماء المعسكر... صاح الجميع: جاء أبو عدي ! وما أن نزلتْ الطائرة المميزة بساحة العرضات ـ وكانت بلون أبيض وأزرق ـ حتى عمّت الفوضى وضاع النظام والانتظام، واندفع الجميع راكضاً باتجاهها يتقدمهم آمري المعسكر من أجل استقباله ومشاهدته عن قرب، فغاص الكل واختفى في سحابة من الغبار المتصاعد. كنتُ وصديقي عاطف من بين قلائل (جداً) نتفرج من أماكننا ولم نبرح السردق، فمن وجهة نظرنا أننا لم نكن مستعدان (للبهذلة) ولا أن نشبع (كفخات)، كان عاطف يمقت أي شيء له صله بالبعث بشدة، ولا أبالغ لو قلت أننا كنا ـ ربما ـ الوحيدان اللذان لم يتحركا ! في لحظات قام بإحاطة المعسكر مئات سيارات المرسيدس 250 كلها بنفس اللون (سمائي ميتاليك) موديل 1980، ونزل من كل منها أربعة (رجال... رجال) لم يتركوا فيما بينهم قدماً واحداً يسمح ولو بولوج... (بزونة) ! ثم بدئت تهبط طائرات الحماية العسكرية الثلاث، وصادف أن نزلت أحدها بهدوء على حصران ثبتوها الحماية بالأرض ورشوها بخرطوم ماء على عجل، كانت قريبة جداً منا، وإذا (بأبو عدي) ينزل منها ببدلة زيتوني وغترة موشحة بالأحمر. هذه أول وآخر مرة بحياتي أراه فيها على أرض الواقع وعلى بعد أمتار قليلة، وأتذكر أن (حلا) كانت تجلس على كتفه وتمص بأبهامها ! (تحيرنا ماذا يمكننا أن نجيبه لو سألنا لِمَ لم نذهب مع الجوقة التي غاصت بالتراب وضاع حابلها بنابلها* ! من جانبي اكتفيتُ بالتظاهر بالبلادة والبلاهة عله يتجاهلني، أما عاطف فمسك ركبته بحجة أنها موجوعة... كانت تترقبنا عيون رجال متعطشة لسحق من يفكر بأن ينظر إليه، كانوا رجالاَ مدججون بالسلاح وقد أحاطوه من كل ناحية وصوب في خلال ثوانٍ. لحسن الحظ وربما بسبب استعجاله الوصول (لقنفة) خشبية وضعت له بوسط الساحة قبل أن تنتبه اسراب البشر وتهجم عليه، ابتعد عنا مسرعاً ليشكلوا الحماية حوله (حائطي) صد بحلقتين. وهكذا ابتعد و(غِدَة شرّه) كما تقول جداتنا، فقد كان يمكن أن نكون نحن (الغير) بعثيين في هذه الجامعة المسماة (قلعة البعث)... في خبر كانَ ! × × ×
رقص الأولاد خلف أريكته الخشبية وغنت البنات أمامه، وانشغلتْ العيون ترنوا للقائد الضروس، ولتعلو الهتافات وتصدح الحناجر تتغنى بحياة (البطل الضرورة والمناضل الفذ)، بينما لم تتوقف الأيادي التي تصفق بحرارة للتعبير عن الترحاب بالضيف العزيز... لكننا وجدناها فرصة وأخذنا ليفتنا وللحمام (على طول)، لقد كان أغراء الدوش لا يقاوم، والإحساس تحته بنشوة لا توصف حين تنفض عنك التراب وتنزع العرق، فتنسى تعب الأيام وتحس بالراحة... ومع انه كان في تصرفنا مجازفة ـ لكننا على اية حال ـ تشكرنا (للضيف) ورحبنا بزيارته (الميمونة والمباركة) بطريقتنا الخاصة وبأهزوجة رددت صداها معنا حيطان الحمام... خُلفْ الله عـلَ بو عداّي أجه بزيارتنا فرّغلنا الحمامات... و أخذنا راحتنا جلفنا رويحتنا... ونزلت وساختنا
فرقت إدارة المعسكر الشباب وإجتمع (القائد) بها، فوصل زملائنا للسرادق متعبون، والكل يحك من الوساخة والتراب الذي علق بهم،ليجدونا بأبهى حال، ولما سمعوا حكايتنا، حسدونا ليس لأننا سبحنا وصرنا نظاف، وإنما لأن عيوننا قد (تكحلت) برؤيا (القائد) البهية عن قرب وكان لنا ما عجزوا بماراثونهم عن تحقيقه ! ... ثم جاء المساء، فانسحبت الحاشية والقائد (الهمام)، وعاد الهدوء والقانون والنظام، ورجع التنافس أكثر... على الحمّام !
عماد حياوي المبارك معسكر أبطال القادسية ـ تموز 1980
(بعد بضعة أشهر تم تسفير وتهجير عائلة عاطف لأنهم تبعية، وتم حبسه مع إخوانه ثم تعذيبهم وأخيراً إعدامهم في واحدة من أقذر وابشع ممارسات النظام ذات السمة الطائفية المقيتة).
× الحابل بالنابل... لها عدة تفسيرات، ربما أقربها... الحابل هي الماعز (المعاشير) أي غزيرة اللبن، والنابل هي (غير المعاشير) أي قليلة اللبن. يقوم صاحبها بعزلها ليبيع النابل ويحتفظ بالحابل للموسم الآخر، فيحاول أن يضع علامة على أحدها لتمييزه، لكنها تتحرك فتختلط من جديد وتعقد الأمر عليه. ويضرب المثل لتعقد الأمور على صاحبها ودخوله في دوامة الحيرة.
تفسير آخر يقول أن النابل هو رامي السهام والحابل صائد الوحوش بالحبال، وحين يتم صيد الفريسة (أو حتى خلال الحرب) تختلط الأمور في فوضى ولم يتبين هل هم قتلى الحابل أم النابل، وهنا يذهب المثل لوصف حالة احتقان بين طرفين...
#عماد_حياوي_المبارك (هاشتاغ)
Emad_Hayawi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رحلتي الأخيرة إلى المغرب
-
فاتي كانو
-
سطو مسلح... وعجز وفساد
-
مُصاهرة ملوك
-
لص (شريف)
-
سر الرقم (50)...
-
رسالة من الأعماق
-
زورائيات
-
نكسة أم هزيمة؟
-
ذبابة... نانو
-
قِ ثلوجك... سيد كلمنجارو
-
سبع سبعات... أو أكثر
-
مهرجان (الأبل بوب)
-
سيمي كوندكتووووور
-
الفضولي... يصل الأحمر
-
كفتحري
-
مجرد كلام كلاب... وسفن آب
-
خُبزة (7) وطماطيّة
-
ذاك ال(6)طاس وذاك الحمّام
-
أي(5)ام صعبة
المزيد.....
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
-
“تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش
...
-
بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو
...
-
سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|