حازم شحادة
كاتب سوري
الحوار المتمدن-العدد: 4707 - 2015 / 2 / 1 - 11:22
المحور:
الادب والفن
بعد اجتيازك للمدينة الرياضية في اللاذقية على طريق الشاطئ ستجد منعطفاً إلى اليسار يقودك صوب الخضر،، ليس شخصياً،، إنما صوب مقام له قرب البحر اعتدنا في تلك الأزمنة اللجؤ إليه للسباحة حيث كانت تقابله على مسافة مئات الأمتار سفينة غارقة بقيت منها أجزاء على السطح.
فتياناً كنا وكان الكون ملكنا،، زوادتنا تضم الأخوين مسلوق وبعض البندورة،، ما أن نصل حتى ننطلق كأسماك القرش باتجاه الموج ثم نغوص للأعماق وبعد تحمية بسيطة نشق طريقنا باتجاه السفينة القابعة هناك منذ سنين بجسدها الصدئ كالجزيرة المهجورة اليتيمة الأشجار.
بعد نصف ساعة من السباحة نستلقي على سطح بقايا غرفة القبطان تلوحنا الشمس وما هي إلا دقائق حتى نمارس هوايتنا المفضلة فنقفز على رؤوسنا عن علو لا يتجاوز الأمتار الأربعة لنحصل من القاع على ما تطاله أيدينا وكان في الغالب عشباً بحرياً وبعض الرمل.
لساعتين أو ثلاث نستنشق رائحة البحر المقترنة بالحديد الصدئ،، نطالع الشاطئ البعيد ونغني أحياناً..( يا ماريا،، يا مسوسحة القبطان والبحريه،، يا مسوسحة القبطان)،،
ترى أي ماريا سوسحت قبطان هذه السفينة العتيقة وكم كانت جميلة،،
لا أجمل من نساء البحر..
كنا حين نعود أدراجنا نسمع للموج وهو يضرب حواف الجسد المهترئ نواحاً على فراقنا،، قلة من كانوا يزورون تلك السفينة ويصلونها العشق كما كنا نفعل.. لكننا نعد بالرجوع دوماً.. ولطالما فعلنا..
ذات صيف،، بدأوا بإزالة قطع الباخرة رويداً رويداً،، قالوا إن رجل أعمال اشترى ذلك الحديد ليعيد تصنيعه بثمن بخس..
مع كل قطعة كانوا ينتزعونها،، انتزعوا شيئاً من أرواحنا..
هكذا كنا نراقب السفينة العتيقة تختفي حتى غدت بعد صيف كامل مجرد شبح في قلب كل واحد منا،، عصبة من فتيان بسنادا مواليد عام 1982...
كلما ذهبت إلى هناك تمزق قلبي قليلاً من ألم تلك الذكريات الجميله،، أشاهد نفسي فتياً غضاً محلقاً في الجو بين البحر وسطح غرفة القبطان تلك قبل أن ألج اليم لأخلق من جديد..
كانت أياماً تُعاش...
#حازم_شحادة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟