|
البعد التاريخي والمعاصر للنظريات السياسية والاجتماعية
صاحب الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 1315 - 2005 / 9 / 12 - 10:48
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
هناك اختلاف شاسع بين المفهوم النظري والمفهوم العلمي، فالأول عبارة عن صياغات نظرية لم يتم اختبار صدقها على صعيد الواقع أو قد ثبت صدقها على واقع اجتماعي ما وفشل تطبيقياً في مجتمع أخر تبعاً لعوامل عديدة تخص المجتمعات المختلفة. لذلك لايجوز تعميم افتراضاتها وصدقها على كافة المجتمعات، وبذات الوقت فإن استنتاجاتها تختص بمرحلة تاريخية محددة. وبما أن آليات وعوامل الصراع الاجتماعي، يطرأ عليها تغيراً كبير بفعل التقدم والتحديث وبعدم وجود تطور في الصياغات النظرية، فمن الطبيعي تظهر مؤشرات عدم صدقها مع الواقع الجديد. إما الثاني (المفهوم العلمي) فنسبة الخطأ فيه محدودة نتيجة إخضاعه للتجربة في بيئات مختلفة للتحقق من صدقه لذلك يمكن تعميمه دون الخشية من حدوث إخفاقات في تطبيقاته العملية في بيئات مختلفة. وبالرغم من ذلك فإن العلم لايعرف الثبات ويتسم بالشك الدائم في صحة النتائج ويأخذ بالحسبان نسبة الخطأ الجزئية المتوقعة عند التعميم. يعتقد ((باريتو))"أن النظريات السوسيولوجية المتعلقة بـ (الديانات، التضامن والاتحاد، الديمقراطية، مفاهيم التقدم والاشتراكية، الإخاء والحرية، والعدالة والمساواة....) تعتبر من النظريات والمفاهيم التي تبشر بما ينبغي أن يكون وبما لاينبغي أن يكون أو تلك التي تقيم ما هو خير وما هو شر...فهي ليست إلا صياغات معاصرة للمثيولوجيا، فهي لاتصف خصائص أو أضداد هذه الحقائق ولكنها عادة ما توصي بما ينبغي أن يكون أو أنها تفترض وجود كيانات خارج الملاحظة والتجريب". إن المؤمنين بالصياغات النظرية التاريخية عاطفياً والساعين لفرضها على الواقع المعاصر باعتبارها نظريات علمية غير مدركين لماهية النظرية ذاتها ويجهلون حتى مبادئها وتأسرهم عواطفهم وينقصهم الإدراك بمدلولات المفهوم العلمي واللاعلمي. إنهم عبارة عبدة أصنام وصياغات جامدة وغير قادرين على التواصل مع الحاضر، والعيب لايكمن في مبادئ النظريات التاريخية ذاتها، وإنما يكمن في ذاتهم الجاهلة بماهيتها، فهم غير قادرين على التفريق بين صدق الاستنتاجات النظرية في حقبتها التاريخية وعدم صدقها المعاصر لاختلاف عوامل الصراع الاجتماعي نتيجة التطور والتحديث وثبات مبادئ النظرية ذاتها. يقول ((ماركس))"كل حقبة تاريخية، تخلق نظرياتها ومنظريها". إن بروز نظريات سياسية واجتماعية جديدة توائم العالم المعاصر وتجاري عمليات التطور والتحديث، لايقلل من شأن النظريات التاريخية لأنها لم تخلق من الفراغ وأنما استندت في صياغاتها الجديدة على الرفد الحضاري للإنسانية الذي يعتبر الأساس النظري لبناء التصورات والنظريات السياسية والاجتماعية الحديثة. كما يتوجب الإشارة إلى أن صدق النظرية تجريبياً، ليس بالضرورة أن يعكس منفعة اجتماعية كلية. وهذا لايقتصر على النظريات السياسية والاجتماعية حسب، بل على مستوى العلم كذلك. فقد يكون المفهوم العلمي صادقاً تجريبياً لكنه ذا منفعة الاقتصادية متدنية فلا يعتمد عملياً. بهذا يتوجب التميز بين صدق النظرية في حقبتها التاريخية وعدم صدقها المعاصر، وكذلك بين صدقها أو عدم صدقها تجريبياً وتطبيقياً حسب البيئات الاجتماعية المختلفة، وأيضاً بين الصدق التجريبي والمنفعة الاقتصادية لها. ويبقى صدق النظرية من عدم صدقها تاريخياً وتجريبياً ونفعها الاقتصادي، مفاهيم نسبية تخضع للظروف التاريخية والاجتماعية ولايمكن الجزم بها لأنها تدرج تحت يافطة النظريات اللاعلمية التي لايمكن تحديد نسبة الخطأ فيها وفقاً للمعايير العلمية. فالنظريات السياسية والاجتماعية، قد تحقق (منفعة كلية) للطبقة أو الفئة الاجتماعية التي تدافع عنها، لكنها بذات الوقت تحجب المنفعة عن الطبقات والفئات الاجتماعية الأخرى. وبهذا فإنها تسعر الصراع الاجتماعي الذي هو بالأساس صراع لتحقيق المصالح، وحينها تعمد لحسمه بـ (العنف الثوري!). وهذا المبدأ أصبح مرفوضاً في العالم المعاصر لاختلاف عوامل الصراع الاجتماعي عن ذي قبل، فالمجتمعات المعاصرة أصبحت تميل أكثر نحو إجراء تسوية عادلة للصراع الاجتماعي بما يحقق مصالح جميع الطبقات والفئات الاجتماعية. واتخذت النظريات السياسية والاجتماعية المعاصرة من مبدأ تحقيق المصالح (المنفعة المشتركة) أساساً لتوجهاتها للوصول إلى السلطة، عبر صناديق الاقتراع. يرى ((باريتو))"أن الصدق التجريبي للنظرية ونفعها الاجتماعي مسألتان مختلفتان: فالنظرية الصادقة تجريبياً قد لاتكون فعالة أو تدعم التفاعل الاجتماعي لأنها لاتحقق المنفعة للجميع، لذا يتوجب التميز بين صدق النظرية ونفعها الاجتماعي". تعاني معظم قيادات الكيانات الحزبية الساعية لإخضاع النظريات السياسية والاجتماعية للتطبيق العملي على صعيد الواقع في الدول المتخلفة من الصد المعرفي ومن جهل منقطع النظير بمبادئ ومفاهيم النظرية ذاتها. كون القائمين عليها جُلهم من الجهلة والأميين، وتسوقهم عواطفهم تجاه النظرية أكثر من إدراكهم المعرفي بها!.
#صاحب_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دور الفكر في المذهب البرجماتي والوضعي
-
صراع الكيانات الحزبية على السلطة
-
خلاف الرأي بين العقلاء والجهلة
-
المهام والأداء في العمل السياسي
-
الحرية والعدالة
-
تحديات المجتمع المتخلف للدولة
-
السياسيون السفلة
-
التاريخ ودعاة الديمقراطية
-
إدارة الصراع السياسي
-
المسؤول والمسؤولية
-
طغيان الرأي العام
-
الرأي الأخر
-
الديمقراطية والاحتلال
-
السياسة والمصالح
-
كبوة الأمم
-
الفكر والسلطة
-
الفكر والحزب
-
الحكمة والحكيم
-
ماهية المعرفة
-
التعدي على حقوق الآخرين
المزيد.....
-
السيسي وولي عهد الأردن: ضرورة البدء الفوري بإعمار غزة دون ته
...
-
نداء عاجل لإنهاء الإخفاء القسري للشاعر عبد الرحمن يوسف والإف
...
-
-الضمانات الأمنية أولاً-..زيلينسكي يرفض اتفاق المعادن النادر
...
-
السلطات النمساوية: هجوم الطعن في فيلاخ دوافعه -إسلاموية-
-
نتنياهو: انهيار نظام الأسد جاء بعد إضعاف إسرائيل لمحور إيران
...
-
نتنياهو: ستفتح -أبواب الجحيم- في غزة وفق خطة مشتركة مع ترامب
...
-
كيلوغ المسكين.. نذير الفشل
-
تونس تستضيف الدورة 42 لمجلس وزراء الداخلية العرب (صور)
-
-مصيركم لن يكون مختلفا-.. رسالة نارية من الإماراتي خلف الحبت
...
-
مصر تعلن بدء إرسال 2000 طبيب إلى غزة
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|