جمشيد ابراهيم
الحوار المتمدن-العدد: 4703 - 2015 / 1 / 28 - 17:45
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
النصب غير التذكاري
لقد زاد عدد التماثيل او ما يسمى بالنصب التذكارية في عصرنا الحاضر لدرجة انك لا تستطيع ان تتكلم عن اصنام الجاهلية دون ان تخشع لها العيون و القلوب. لماذا يشيد لشخصية اية كانت - نصب تذكاري؟ ستقول طبعا لتتذكرها الناس او لانه لدكتاتور ليجلب انتباه الناس لانه لا يكتفي باحتكار الجرائد و الكتب و الاذاعة و التلفزيون و الانترنيت و كانما تحول النصب التذكاري الى علاج ضد مرض النسيان و دواء ضد ضعف الذاكرة و لكن و يا للسخرية سرعان ما يرتفع التمثال او الصنم و يصبح جزءا لا يتجزء من الشارع او الساحة لا تحس الناس به ليختفي في خلفية الذاكرة البشرية خاصة في عصرنا الحديث عصر العجلة و قلة الوقت و (عفوا انا مشغول) و الضجيج كما يكتب الاستاذ Christian Demand في مقاله عن Sichtbarkeit اي قابلية البيان / الوضوح / الظهور في مجلة Merkur لشهر كانون الثاني 2015.
ماذا يعني هذا؟ يعني هذا طبعا بان النصب التذكاري تحول الى نصب غير تذكاري او الي النصب النسياني. بالحقيقة نتأسف للنصب او بالاحرى للبطل المسكين الذي يقف او يجلس في انتظار نظرة عابرة من المارين و كانما تحول الى شحاذ يتوسل و لكن لا يهتم به احد رغم احتلاله ابرز مكان في الساحة. ليس سبب اللامبالاة طبعا سببا نفسيا فحسب بل يعكس ايضا غضب الناس او انشغالها باعمالها و لانه من الناحية الثقافية لا قيمة له.
يسمي Robert Musil هذه الظاهرة اي ظاهرة عدم الانتباه للنصب التذكاري بعوارض الاستهلاك اي ان هذه الظواهر تتحول الى عادات لا تشعر بها كاسم الدكتاتورين و تماثيلهم في الدول الشرقية. عبر موظف السفارة الكبير المسكين عن فخره و اعتزازه الزائف بصورة كبيرة للدكتاتور و كانما اراد بذلك تبديد الشبهات عن نفسه او لخوفه من الحزب المتسلط و لكنك كنت تستطيع ان ترى من وجهه بانه لم يؤمن بما كان يقوله. ظاهرة الاستهلاك هذه هي ظاهرة الصدأ الزمني تصاب بها حتى تماثيل الفن التي تزين الساحات العامة و التي شيدت كنصب تذكارية للابد. ليست هناك نصب تذكارية تتحدى عوامل صدأ و تعرية عيون الناس و الطبيعة الى الابد.
www.jamshid-ibrahim.net
#جمشيد_ابراهيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟