|
فلسفة اللغة العادية
ابراهيم طلبه سلكها
الحوار المتمدن-العدد: 4702 - 2015 / 1 / 27 - 08:34
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
فلسفة اللغة العادية ترتبط فلسفة اللغة العادية بجورج إدوارد مور ، ورسل وفتجنشتين و أوستن وغيرهم من فلاسفة ما بعد الحرب بجامعتي كامبردج وأكسفورد بوصفها اتجاها مميزا في إطار الجانب التصنيفي الذي يشار إليه بتعبير " الفلسفة التحليلية " .. فلقد رأى مور أن اللغة العادية ملائمة للعمل الفلسفي لكنها تحتاج إلى تهذيب وتوضيح . وأن التحليل الفلسفي للغة ليس هدفا في ذاته بقدر ما هو وسيلة لتوضيح تصوراتنا وقضايانا . وأن النظرية الفلسفية تقاس قيمتها بقدر اتساقها مع معتقدات الرجل العادي ، فإذا جاءت النظرية متنافرة مع هذه المعتقدات حكمنا عليها بالإفلاس (1) وإذا كان مور لم يعبر في أي موضع عن أن فكرة اللغة العادية صحيحة في ذاتها ولم يجادل غيره من الفلاسفة الذين حاولوا استبعادها صراحة أو ضمنا فإنه قد دافع عن هذه اللغة معلنا أنها ملائمة لأغراضنا . مؤكدا إن الأساليب الاصطلاحية أو غير المألوفة في حديثنا غالبا ما يكون خطرها أكثر من نفعها .(2) وأعلن مور أن عدم الاهتمام الجاد بالتحليل هو السبب المباشر فى وجود مشكلات فلسفية فقال : " يبدو لي في عالم الأخلاق كما في كافة الدراسات الفلسفية الأخرى أن الصعوبات والخلافات التى يكتظ بها تاريخها إنما ترجع أساسا إلى سبب بسيط جداً هو : أننا نحاول الإجابة عن أسئلة لم نتبين على وجه الدقة معناها أو بدون أن نتبين أي سؤال هو الذي نريد الإجابة عنه . وأنا لا أعرف المدى الذي قد يصل إليه الفلاسفة باستبعادهم مصدر هذا الخطأ error إذا ما حاولوا أن يكشفوا عن السؤال الذي يسألونه قبل أن يشرعوا فى الإجابة عنه ، إذ أن القيام بالتحليل والتمييز عمل بالغ الصعوبة غير أنني أميل إلى الظن أن المحاولة الجادة القائمة على العزم والتصميم تكفي لتحقيق أو ضمان النجاح ، وأن كثيرا من أصعب المشكلات وأشدها إثارة للخلاف disagreements فى الفلسفة سوف تزول لو أننا قمنا فعلا بمثل هذه المحاولات الجادة ، ولكن يبدو أن الفلاسفة ، بصفة عامة ، لا يقومون في أغلب الأحوال بمثل هذه المحاولة الجادة ، بل هم يحاولون دائما أن يبرهنوا على أن الإجابة " بنعم أو لا " هي الإجابة الصحيحة عنها ، وذلك لأنهم لا يضعون أمام أذهانهم سؤالا واحدا بعينه بل عدة أسئلة تكون الإجابة عن بعضها بالنفي وعن بعضها بالإيجاب " . (3) وأما فتجنشتين فقد رأى أن المشكلات الفلسفية نشأت نتيجة سوء استخدام الفلاسفة للغة العادية أو تجاهلها . فقد استخدموا الكلمات بمعان بعيدة كل البعد عن الاستخدام المألوف فخلقوا لأنفسهم مشكلات مثل التشكك فى وجود العالم أو كيف عرفت أن هنالك بشرا غيري لهم مثلى عقول ومشاعر وحالات نفسية وعمليات عقلية ونحو ذلك . وعلاج ذلك هو عودة الفلاسفة إلى اللغة العادية والاستخدام المألوف للكلمات . (4) وانطلق أوستن كذلك في منهجه من اللغة العادية مؤكدا عمق المفاهيم التى تتضمنها . واهتم بالبحث في طرق استعمالاتها من خلال أربعة منطلقات رئيسية وذلك كما يلي : 1- أن الكلمات words هي أدواتنا ويجب ، على الحد الأدنى ، أن نستعمل أدوات نظيفة clean tools : فعلينا أن نعرف ما نعنيه وما لا نعنيه ، ويجب أن نعد أنفسنا ضد الشراك أو المكائد التى تضعها لنا اللغة. 2- أن الكلمات ليست وقائع facts أو أشياء things : ولذلك فنحن في حاجة إلى أن نرفعها فوق العالم ونجعلها بعيدا عنه ، وفى تقابل معه حتى نتمكن من إدراك عناصرها غير الملائمة والمستبدة ونستطيع إعادة النظر إلى العالم بدون غمامات . 3- وأكثر من ذلك فإن مخزوننا العام من الكلمات يجسد جميع الاختلافات التى وجد الناس أنها تستحق أن توضع ، ويجسد الروابط التى وجدوا أنها تستحق التسجيل في حياة أجيال كثيرة : وهذه بالتأكيد أكثر تعددا وصحة وتهذيبا من جميع الموضوعات التى قد نفكر فيها ، أو أفكر فيها ، ونحن على مقاعدنا وقت الأصيل . 4- ويقينا فإن اللغة العادية ليست الكلمة الأخيرة : فمن حيث المبدأ يمكن تكملتها وتحسينها ولنتذكر فحسب أنها الكلمة الأولى first word .(5) وجيدنز فى معالجته التفسيرية لفلسفة اللغة العادية استعرض أهم المنطلقات الفكرية لها عند مور ، ورسل ، وفتجنشتين و أوستن وستروسون وجرايس وسيرل وغيرهم . وقد رأى أن الأفكار التى عرضها فتجنشتين في كتاباته المتأخرة قد نجحت نحو التأكيد على التحليل الوصفي de-script-ive analysis المفصل لمعاني الكلمات في الكلام اليومي ، وذلك بهدف توضيح أو حل بعض القضايا التقليدية للفلسفة . (6) وأن اللغة الإنجليزية العادية عندما تشير إلى الغرضية فإنها تتحدث عادة عما " يقصد الشخص أن يفعل " تماما مثلما هي الحال عند الحديث ، فإننا نتحدث عما "يقصد الفاعل قوله". وهكذا نقترب كثيرا من الافتراض أو الادعاء القائل " أن نعني شيئا " بما نفعل لا يختلف عن أن " نعني شيئا " بما نقول . وهنا يشير جيدنز إلى أفكار اوستن حول الأفعال الغرضية illocutionary acts و القوى الغرضية ويري أن اوستن قد أذهله حقيقة أن قول شئ ما لا يعني دائما ببساطة أن تفصح عن شئ(7) . فنطق عبارة " بهذا الخاتم أتزوجك " ليس وصفا لفعل معين وإنما هو لب فعل " الزواج " ذاته . فإذا كان من الطبيعي في مثل هذه الحالة أن يستوي ما نعنيه بما نقوله وما نعنيه مع ما نفعله ، فقد يبدو كما لو أن هناك شكلاً واحداً مفرداً ومهيمناً للمعنى بحيث لا يتطلب الأمر أن نعقد أي تفرقة بين فعل شئ ما ، وقول شئ ما. ولكن الأمر ليس كذلك من وجهة نظر جيدنز ، إذ أن كل ما هو منطوق تقريبا فيما عدا صرخات الألم والفرح اللاإرادية يتسم بأنه ذو طابع تواصلي . كما أن بعض صور التواصل اللفظي بما في ذلك التعبيرات الاتفاقية أو المواضعية مثل عبارة " بهذا الخاتم أتزوجك " تتخذ شكلا علنيا . ولكن هذا لا تأثير له علي هذه القضية، ففي مثل هذه الحالات يكون التعبير المنطوق في حد ذاته " فعلا ذا معنى " كما يكون في ذات الوقت نمطا لتوصيل رسالة أو معنى للآخرين والمعنى في هذه الحالة هو " أن الوحدة الزواجية قد أصبحت رسمية وملزمة " حيث يفهم ذلك كل من الزوجين وبقية الحضور في الحفل .(8) ويري جيدنز أن معنى المنطوقات utterances من حيث كونها " أفعالاً تواصلية " - إذا كان هناك ثمة فعل - يمكن دائما ومن حيث المبدأ التمييز بينه وبين معنى الفعل ، أو توصيف الفعل باعتباره فعلا متميزا . فالفعل التواصلي هو ذلك الذي يكون فيه غرض الفاعل ، أو أحد أغراضه مرتبطا بنقل المعلومات إلى فاعلين آخرين . وبالطبع فإن مثل هذه " المعلومات " لا يجب أن تكون مقتصرة على النمط الافتراضي ، ولكن يمكن أن تتخذ شكلا توفيقياً في إطار محاولة إقناع الآخرين أو التأثير عليهم لكي يستجيبوا على نحو معين . والآن وحيث إن المنطوق يمكن أن يكون في نفس الوقت " فعلا " - أي شئ نقوم بفعله - و " فعلا تواصليا " فإن الشيء الذي نفعله قد ينطوي أيضا على قصد تواصلي .(9) وأن فلاسفة اللغة الذين تبنوا وجهة النظر القائلة بأن " وحدة التواصل اللغوي linguistic communication ليست هي الرمز أو الكلمة أو الجملة كما يفترض بصفة عامة ، ولكن هذه الوحدة هي عملية إنتاج أو إصدار الرمز أو الكلمة أو الجملة خلال أداء فعل الكلام ، هؤلاء الفلاسفة ظلوا فيما يبدو يتعاملون مع المنطوقات اللفظية ، إما على أنها من فعل أشخاص أصحاب تفكير مجرد ، أو في ضوء علاقة هذه المنطوقات اللفظية بقواعد قد تكون بالغة الأهمية أو مواضعات لغوية مجردة وليس بوصفها محادثات توفيقية تدور بين الأفراد . ودلالة هذا الاختلاف في التعامل مع المنطوقات اللفظية قد تكون بالغة الأهمية ، ذلك أن المعاني التى يحملها المنطوق تبرز إلى الوجود في ثنايا عملية التخاطب الفعلي بواسطة الأسلوب الذي يتم من خلاله إنجاز " العمل التخاطبي " في أطر قضية " إن أجزاء من التخاطب ما هي إلا طرائق لتجسيد وبلورة أو تحريف المحادثة نفسها ، ومن ثم إضفاء معنى على مكونات المنطوق اللفظي " . (10) ويؤكد جيدنز على الدور الأساسي الذي تلعبه " اللغة العادية " في تأسيس التفاعل - الذي هو نتاج للمهارات المؤسسة للفاعلين الإنسانيين - بوصفها وسيطا لوصف ( تشخيص ) الأفعال ، وكوسيط للتواصل بين الفاعلين في آن واحد ، وهذه عادة ما تكون متداخلة مع بعضها البعض بشدة في الأنشطة العملية للحياة اليومية، ومن ثم فإن استعمال اللغة ذاتها يعد نشاطا عمليا . إن عملية توليد أوصاف لأفعال بمعرفة الفاعلين في نشاطهم اليومي ليست مسألة عرضية في الحياة الاجتماعية باعتبارها ممارسة مستمرة ، ولكنها ذات أهمية مطلقة في عملية إنتاجها ولا يمكن فصلها عنها. ذلك أن توصيف ما يفعله الآخرون ، وبقدر أكثر تحديدا نواياهم وأسباب ما يفعلونه ، هو ما يخلق الصلة بين الذوات التى من خلالها يتم تحول المقاصد التواصلية إلى واقع .(11) ولقد أسفرت محاولات القطيعة مع النظريات القديمة للمعنى التى تعكسها دراسات فتجنشتين المتأخرة ، ودراسات أوستن التى تركز على الاستخدام الأداتي للكلمات ، بدون شك عن نتائج جديرة بالاحتفاء بها . وهناك قدر واضح من الالتقاء بين الأعمال الحديثة في ميدان فلسفة اللغة والأفكار التى طورها تشومسكي وأتباعه حول القواعد اللغوية التحويلية . فكلاهما ينظر إلى اللغة واستخدامها بوصفها أداءًا إبداعيا . بيد أن رد الفعل في بعض الكتابات الفلسفية تجاه الادعاء القائل بأن كل ما هو منطوق له شكل ما من المحتوي الافتراضي ، أفضت بذات القدر إلى تأكيد مبالغ فيه على " المعنى "بوصفه قد استغرق بواسطة المقاصد التواصلية. (12) كما أن كل من سترسون strawson وجرايس grice وسيرل searle وغيرهم قد تناولوا بعضا ، وليس كل جوانب قصد التواصل في المنطوقات . فالتحليل الذي قدمه جرايس للمعنى بوصفه قصداً تواصلياً ( أي كمعنى غير طبيعي ) هو أكثر التحليلات في هذا المجال تأثيرا . وفي صياغته الأصلية يقدم جرايس وجهته التى فحواها أن العبارة القائلة بأن الفاعل " س " قد عنى بقوله ( كذا وكذا ) يمكن التعبير عنها بالصياغة التالية : إن س قد قصد من المنطوق ص أن يحدث تأثيرا على آخر أو آخرين من خلال إقرارهم بأن هذا هو ما كان يقصد إليه . وقد أشار فيما بعد إلى أن هذا لا يكفي بحالته الراهنة ، لأنه قد ينطوي على حالات لا تعتبر أمثلة للمعاني ( غير الطبيعة ) . فقد يكتشف شخص ما أنه حيثما يثير تساؤلات عن موضوع معين ، فإن شخصا آخر ينهار من الألم ، وعند اكتشافه لهذا الأمر فإنه يكرر التساؤل كرة تلو الأخرى لينتج الأثر ذاته . إلا أنه بالرغم من أن الشخص الأول يثير التساؤل وينهار الثاني حال تعرفه على التساؤل، فينهار معه القصد فإننا لا ينبغي أن نقول إن التساؤل كان يعنى شيئا ما . وهكذا فإن جرايس يتوصل إلى استنتاج مؤداه أن التأثير الذي يقصد " س " إحداثه " يجب أن يكون شيئا خاضعا إلى حد ما لسيطرة المستمع ، أو أنه بمعنى ما له مدلول " سببي " وأن التعرف على المقاصد الكامنة وراء " ص " يعد بالنسبة للمستمع بمثابة موضوع لعلاقات السببية وليس مجرد قضية عليه . (13) وقد كشف نقاد جرايس عن وجود عدة التباسات وصعوبات في تحليله . أحد هذه الصعوبات أنه يبدو أن تحليله يقود إلى تراجع لا متناه ، حيث إن ما يسعى " س-1 " إلى أن يحدثه من تأثير على " س-2 " يعتمد على القصد الذي يعمل " س –1 " على أن يتعرف عليه " س-2 " كقصد لـ " س-1 " وأن يتعرف " س-1 " على ما يقصده " س-2 " من كل من الموجه لـ " س-1 " وأن يتعرف " س-2 " على ما قصده " س-1 " وهكذا دواليك ... ويذهب جرايس في محاورة لاحقة مع نقاده وفي معرض رده عليهم إلى أن احتمال الانخراط في مثل هذا التراجع اللامنتاه لا يمثل مشاكل خاصة ، حيث انه في أي موقف فعلي ، فإن رفض أي فاعل أو عدم قدرته على الاستمرار في هذا المسار التراجعي لمعرفة مقاصد الطرف الأخر سوف يفرض حدودا عملية على التراجع . (14) لكن هذا الإيضاح في رأى جيدنز ليس مرضيا تماما ذلك أن مشكلة التراجع تعد مشكلة منطقية . فهذا التراجع لا يمكن الفكاك منه ، إلا من خلال إدخال مكون لا يظهر بصورة مباشرة في مناقشات جرايس . هذا المكون هو على وجه التحديد الحس المشترك الذي يتوفر لدى الفاعلين في إطار مناخ ثقافي مشترك ، أو بتعبير أخر ، ما أطلق عليه أحد الفلاسفة " المعرفة المتبادلة " ( وهو يقول إنه لا يوجد في الواقع اتفاق على مسمى مقبول لهذه الظاهرة ، ومن ثم فإن عليه أن يصك لها اسما) . فهناك العديد من الأشياء التى سوف يفترضها الفاعل أو يسلم بها ويعرف الطرف الآخر أنه يفترضها . ولا يفضي بنا هذا إلى تراجع لا متناه آخر من نوع " الفاعل يعرف أن الآخر يعرف وأن الآخرين يعرفون " إن التراجع اللامتناه من نوع " أن الآخر يعرف أن الفاعل يعرف أنه يعرف .. " لا يصبح مصدرا للتهديد إلا فى الحالات ذات الطبيعة الاستراتيجية فقط ، مثل لعبة البوكر التى يحاول فيها كل من المشاركين في اللعب أن يكشف لنفسه خطط شركائه وأفكارهم في اللعب . هنا تكون المشكلة مشكلة عملية بالنسبة للفاعلين وليست مشكلة منطقية مما يحير الفيلسوف أو عالم الاجتماع . وينطوي " الحس المشترك " أو " المعرفة المتبادلة " في علاقتها بنظرية المقاصد التواصلية على ما يلي : أولا " ما يمكن أن يتوقع أن يعرفه أو ( يعتقد ) " أي فاعل كفء أنه يعرفه من خصائص الفاعلين الأكفاء بما في ذلك معرفته بنفسه وبالآخرين " . ثانيا " إن الموقف المحدد الذي يجد الفاعل نفسه فيه في وقت ما ويوجد فيه الآخر أو الآخرون الذين يوجه إليهم منطوق القول يمثلون مجتمعين نماذج لنمط محدد من الظروف التى يكون من المقبول إسناد صور معينة من الكفاءة إليها .(15) لقد لقيت وجهة النظر القائلة بأن المقاصد التواصلية تمثل الصورة الأساسية " للمعنى " بما يعني تطوير تفسير مقبول سوف يسمح لنا أن نفهم المعاني " المتفق عليها " لأنماط النطق تدعيما قويا من جرايس وآخرين . بعبارة أخرى ، إن " ما يعنيه "س " ( ما يعنيه الفاعل بما ينطقه ) هو مفتاح فهم ما يعنيه " ص " ( معنى علاقة أو رمز معين ) وهذا الأمر يرفضه جيدنز لأن ما يقصده " ص " من معنى هو من الناجيتين السوسيولوجية والمنطقية سابق على المعنى الذي يقصده " س " وهو سابق سوسيولوجيا لأن الإطار المرجعي للقدرات الرمزية يعد ضروريا لوجود معظم الأغراض البشرية ذلك أن اتباع هذه الرموز بواسطة الأفراد يفترض الوجود المسبق لبناء لغوي يتوسط بين الأشكال الثقافية . وهو سابق منطقيا ، لأن أي تفسير يبدأ من المعنى الذي يقصده " س " لا يمكن أن يفسر أصل الحس المشترك أو المعرفة المتبادلة، وإنما لابد أن يفترض وجوده سلفا . ويمكن توضيح هذا بالرجوع إلى بعض الكتابات الفلسفية التى تتشابك بعمق وتعاني من نفس النقائص التى تعاني منها نظرية جرايس في المعنى . (16) وعامة ، فإن جيدنز يري أنه يمكن دراسة إنتاج اللغة وإعادة إنتاجها من ثلاثة جوانب على الأقل : يعد كل منها سمة مميزة لعملية إنتاج وإعادة إنتاج المجتمع بشكل أعم . فاللغة يتم " التمكن منها " و " الحديث بها " بواسطة فاعلين ، وهي تستخدم كوسيط للاتصال بينهم ، كما أن لها خصائص بنائية تعد بمعنى من المعاني نتاجا لخطاب " جماعة لغوية " أو " تجمع معين " . وفيما يخص جانب إنتاج اللغة بوصفها سلسلة من أفعال الكلام يقوم بها الفرد المتحدث ، تعد اللغة : 1- مهارة أو مجموعة فائقة التعقيد من المهارات التى يمتلك ناصيتها كل من " يعرف اللغة " . 2- يعد استخدام هذه المهارة " الفهم " من قبل الذات الفاعلة نوعا من الفن الخلاق . 3- وهي شئ تم فعله أو إنجازه بواسطة المتحدث ، غير أنه ليس واعيا تماما بما يفعله . وبعبارة أخرى فإن الفرد غالبا ما يكون قادراً على أن يقدم تفسيرا مبتسراً لتلك المهارات المستخدمة أو كيفية استخدامها .(17) ويميز جيدنز بين الكلام ( ويمثل : الفعل والتفاعل ) واللغة ( وتمثل : البينة ) كما يلي : 1- الكلام " مؤطر " أى أنه يوجد في زمان ومكان ، بينما اللغة وكما يقول ريكور ricoeur " واقعية وخارج الزمن " . 2- الكلام يفترض مسبقا وجود موضوع ، ولكن اللغة تكون بلا موضوع حتى ولو لم يكن " موجودا " إلا بمقدار " معرفة " لغة المتحدثين به وإنتاجهم إياه . 3- الكلام يقوم على افتراض وجود الآخر ، وتعتبر أهميته كميسر للمقاصد التواصلية أمرا أساسيا ، ولكن - كما يوضح أوستن- يكون أيضا الوسيط المقصود لمجموعة كبيرة من " التأثيرات الغرضية غير الكلامية " . أما اللغة الطبيعية كبنية لا هي نتاج مقصود لأي موضوع بذاته ولا هي موجهة نحو موضوع آخر . (18) وخلاصة القول : إن ما يميز " الفينومينولوجيا الوجودية " و " فلسفة اللغة العادية " و " التوجهات الفلسفية المتأخرة لفتجنشتين " في رأى جيدنز هو العودة للاهتمام بالفعل والمعنى والأعراف فى إطار الحياة الاجتماعية الإنسانية " الهوامش - warmock , g . : english philosophy since 1900 oxford university press , london , 1961, pp 22 -23 2 - moore , E , g , principia ethica , cambridge university press 1962 , p - vii 4 - د / محمود فهمي زيدان : في فلسفة اللغة ، بيروت ، دار النهضة العربية للطباعة والنشر 1985 ، ص 53 5 - warnok ,g : j . L . austin , routledge , london and new york 1991 , pp - 4 - 5 6 - giddens , anthony , new rules of sociological method , p - 43 7 - Ibid , p - 93 8 - loc - cit 9 - Ibid , p- 43 10 - Ibid , pp- 43 - 44 11 - Ibid ,p- 98 12 - Ibid , pp -94 -95 13 - loc - cit 14 - ibid , pp- 95 - 96 15 - loc - cit 16 - Ibid , p-97 17 - Ibid , p- 109 18 - Ibid , pp 125 - 126
#ابراهيم_طلبه_سلكها (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التحول اللغوى فى الفلسفة
-
الفيلسوف الأسبانى أونامونو
-
موقف الغزالى من الميتافيزيقا
-
بين تاريخ العلم وفلسفة العلم
-
مفهوم التنوير
-
أزمة العالم المعاصر (1)
-
عجز الدولة الحديثة عند هوكنج
-
نظرية الطريق الثالث عند أطونى جيدنز
-
نظرية الفعل عند حنه ارندت
المزيد.....
-
رجل يُترك ملطخًا بالدماء بعد اعتقاله بعنف.. شاهد ما اقترفه و
...
-
وزير الخارجية السوري الجديد يدعو إيران لاحترام سيادة بلاده و
...
-
مايوت: ارتفاع حصيلة ضحايا الإعصار شيدو إلى 39 شخصا وعمليات ا
...
-
2024.. عام دام على الصحافيين وعام التحديات الإعلامية
-
رصد ظاهرة غريبة في السحب والعلماء يشرحون سبب حدوثها
-
-القمر الأسود- يظهر في السماء قريبا!
-
لافروف: منفتحون على الحوار مع واشنطن ولا نعول كثيرا على الإ
...
-
زيلينسكي يدين ضربات روسية -لاإنسانية- يوم عيد الميلاد
-
بالأرقام.. في تركيا 7 ملايين طفل يعانون من الفقر وأجيال كامل
...
-
استطلاع: قلق ومخاوف يطغى على مزاج الألمان قبيل العام الجديد
...
المزيد.....
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
المزيد.....
|