|
سيرَة حارَة 44
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 4700 - 2015 / 1 / 25 - 19:20
المحور:
الادب والفن
1 " خاني "؛ امرأة عجوز، كانت تقيم وحيدةً في حجرة مطلّة على جادّة أسد الدين. أذكرها، وهيَ في جلستها اليومية على عتبة مسكنها تتسلى بغزل الصوف، فيما كنتُ ألهو مع لدّاتي في الجادّة. هذه الحجرة، حصلت عليها المرأة العجوز مجاناً من ابن أختها الوحيد، " علي حسّو "، بعد موافقة حماته وصاحبة منزله؛ عمّتي الكبيرة " عيشة ". في منتصف السبعينات، توفيت خاني فجأةً. ويقال، أنّ العمارة الحديثة لبيت العمّة، إنما كانت بفضل مصاغ وحلي العجوز الراحلة، الذي استولى عليه ابن أختها خفيةً. " محمد "، الابن الوحيد لخاني، كان متطوعاً في الجيش. إلا أنها فُجعَتْ به في حياتها وهوَ في شرخ الشباب، بعدما ماتَ قتلاً وبشكلٍ ما فتأ غامضاً. المسكينة، كانت قد فارقت الحياة دونما أن تحظى أيضاً بضمّ ولدَيّ حبيبها، الراحل. لقد سبقَ وأصرّتْ على أن تفرحَ به باكراً، طالما أنه وحيدها. زوّجته من ابنة " علي مشكو "؛ جارنا القديم في الزقاق، الذي انتقلَ مبكراً إلى دخلة بيت " بوبو " وعمّر ثمّة منزلاً كبيراً. في هذا المنزل، أقام محمد مع امرأته وما لبثَ أن رزق بطفلتين. في تلك الأثناء، حلّ أحد المستأجرين في المنزل وكان بالأصل من منطقة الجزيرة. المستأجر الجديد، ما عتمَ أن ارتبط بصداقة مع ابن خاني. هذا الأخير، كان ذات ليلةٍ شتويّة في مكان خدمته على أطراف الشام، عندما أبلغة الحرسُ بأنّ هناك شخصاً يطلبه. وبحَسَب افادة الحرس في التحقيق لاحقاً، أنّ ذلك الشخص كان مكتسٍ بلباس مدنيّ ويلفّ حول رقبته شالاً صوفياً أخفى به جانباً من وجهه. حصلَ التحقيقُ، على أثر العثور على جثة محمد في مكان مهجور بالقرب من المعسكر، وكانت عليها آثارُ طعناتٍ عديدة. بعد وفاة ابن خاني، اقترنتْ أرملته بذلك المستأجر الغريب..
2 " سَريْ حاريْ "؛ أي رأس الحارة، هي المنطقة التي تتناهى بها جادّة أسد الدين بين مسجد سعيد باشا ومستشفى ابن النفيس. هذه الأخيرة، تقوم على مشارف " البدوي "؛ وهوَ الكرم العظيم، الذي بنيَ على أنقاضه حيّ مساكن برزة في نهاية الستينات. ربما لم يبقَ في هذه المنطقة اليوم من آثار الماضي سوى مسجد سعيد باشا، العائد لفترة العهد العثماني، علاوة على مستشفى ابن النفيس، التي بنيت بعد الاستقلال. بين ذلك المسجد ومدخل زقاق آله رشي، كانت تتشكّل ساحةٌ فسيحة يُحْدِق بها من جانبيها محلات السمانة والخضرة واللحوم والمرطبات وأضرابها. دكان "جروس "، العتم والكئيب المظهر، كان الأصغر والأقل شأناً هنا. لكأنما هذا الدكان يُشبه صاحبه العجوز؛ المتميّز بالسمرة القاتمة والقامة القصيرة والهزال الشديد. الصفة الأخيرة، كانت تجلب للرجل العجوز المتاعبَ في كلّ مرة. ذات يوم، مرَّ أحدهم وهوَ راكبٌ على موتورسيكل من أمام الدكان، فأشار له صاحبه أن يتوقف: " مرحباً جار، لو سمحت توصلني بطريقك إلى آخر الجادّة "، قال له جروس. ثمّ ركبَ خلفَ جاره. ولكن، قبل أن يتحرك الموتور، راحَ جروس يوصي ابنه بضرورة الانتباه للدكان في غيابه. عندئذٍ وعلى غرّة، اندفعَ الموتور فطارَ جروس في الهواء ثمّ سقط على الأرض. في يوم آخر، من تلك الأيام التي تسبق عيد الأصحى، كان جروس يقف قدّام باب دكانه وهو يقبض بيده على الحبل الذي يشدّ الخروف المعدّ كأضحية. فجأةً، مرّت سيارة بسرعة كبيرة. فجفل الخروف، واندفع بجنون جاراً معه صاحبه المسكين لعدة أمتار قبل أن يتمكن بعض المارة من ايقافه..
3 " طلعة الكيكية "؛ تعني لدينا مركز الحارة center، المشكّل هيئة الصليب بما كان من تقاطع جادة أسد الدين مع الطريق الصاعد من شارع ابن النفيس والمؤدي إلى الأزقة العليا. عندما كنا صغاراً، لم يكن قد شيّدَ بعدُ سوق الخضار، الممتدّ على ضفة نهر يزيد، ولا حتى الملجأ الكبير الذي يُشرف عليه. فهذا المكان، كان مجرّد خلاء واسع مُعرّف بـ " خرابة أبو رسلان "، تظلله الأشجار الوارفة المحدقة بضفتيّ النهر؛ ثمة، أين كان يصبّ شتاءً السيلُ العرمرم، المنحدرُ من وديان قاسيون عبرَ الأزقة وصولاً إلى مدخل الكيكية. محلات الخضار، كان أغلبها يقوم في جادة أسد الدين؛ وأشهرها محل " شمّو "، الذي انتقل لاحقاً إلى دكان حديث يقع في نزلة ساحة شمدين. وكان هذا رجلاً نشيطاً، ينهض من الفجر لكي يؤمن الخضار الطازجة من سوق الجمعة في الصالحية أو سوق الهال في مركز المدينة. ذات مرة وفيما كان يتسوّق، اشترى بطريقه تنكة زيت زيتون لمطبخ بيته. سائق الشاحنة ذات الثلاث عجلات ( الطرطيرة )، كان منهمكاً في مساعدة شمّو، فقامَ بوضع التنكة رأساً على عقب دونما انتباه. وإذاً، ما أن وصلت الشاحنة إلى الحارة وتوقفت قدّام محل الخضار، حتى رأى صاحبه أن الزيت قد فرغ تماماً من التنكة. هزّ السائق رأسه بأسف، ثم ما لبث أن طالب بأجرته. فما كان من شمّو، المعروف بخلقه الضيّق، سوى الانقضاض على الرجل صفعاً ولكماً حتى تدخل الناس وخلّصوه من يديه..!
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سيرَة حارَة 43
-
سيرَة حارَة 42
-
سيرَة حارَة 41
-
سيرَة حارَة 40
-
سيرَة حارَة 39
-
سيرَة حارَة 38
-
سيرَة حارَة 37
-
سيرَة حارَة 36
-
سيرَة حارَة 35
-
سيرَة حارَة 34
-
سيرَة حارَة 33
-
سيرَة حارَة 32
-
سيرَة حارَة 31
-
سيرَة حارَة 30
-
مريم فخر الدين وسحر السينما الكلاسيكية 2
-
مريم فخر الدين وسحر السينما الكلاسيكية
-
سيرَة حارَة 29
-
سيرَة حارَة 28
-
سيرَة حارَة 27
-
سيرَة حارَة 26
المزيد.....
-
مركز أبوظبي للغة العربية يكرّم الفائزين بالدورة الرابعة لمسا
...
-
هل أصلح صناع فيلم -بضع ساعات في يوم ما- أخطاء الرواية؟
-
الشيخ أمين إبرو: هرر مركز تاريخي للعلم وتعايش الأديان في إثي
...
-
رحيل عالمة روسية أمضت 30 عاما في دراسة المخطوطات العلمية الع
...
-
فيلم -الهواء- للمخرج أليكسي غيرمان يظفر بجائزة -النسر الذهبي
...
-
من المسرح للهجمات المسلحة ضد الإسرائيليين، من هو زكريا الزبي
...
-
اصدارات مركز مندلي لعام 2025م
-
مصر.. قرار عاجل من النيابة ضد نجل فنان شهير تسبب بمقتل شخص و
...
-
إنطلاق مهرجان فجر السينمائي بنسخته الـ43 + فيديو
-
مصر.. انتحار موظف في دار الأوبرا ورسالة غامضة عن -ظالمه- تثي
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|