|
*شيطان* للقاص المغربي :علي بنساعود / قراءة لنجية نميلي
نجية نميلي ( أم عائشة)
الحوار المتمدن-العدد: 4698 - 2015 / 1 / 23 - 18:53
المحور:
الادب والفن
شيطان( ق.ق.ج) تجد طفلها في غرفته مكوما مذعورا ... عبثا تسأله، تداعبه. تحاصره بالأسئلة... ينهار، يبكي، يحكي... تخلع تعبها ، تفتح الباب، ترمي اللعب والهدايا في وجه الوحش الساكن قبالتها.. تنشب مخالبها في عنقه ، تنهشه ، تمتص صديده... كانت العمارة واقفة تلعن الشيطان... _____________________________________ العنوان أحادية لفظية اسم نكرة ، جملة اسمية محذوفة المبتدأ تقديره ( هذا أو هو)، وقد يكون العنوان مبتدأ خبره مضمون المتن . أما لفظ الشيطان فقد يقصد به إبليس كما في قصة سيدنا آدم وإبليس : ( فوسوس لهما الشيطان لِيُبْدِيَ لهما ماووري لهما من سوآتهما )الأعراف-الآية 20 وقد يراد بهذا اللفظ كل شرير من الجن والإنس، كما في قوله تعالى: (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ..) الأنعام: 112 فكل إنسي متمرد خبيث ، عاص لأوامر الله ، يحب نشر الفساد والأذى في الأرض ويزرع الكراهية والعداوة بين الناس يعتبر من شياطين الإنس. فأيهم المقصود في النص ؟ هل هو إبليس الذي أقسم بعزة الله أن يغوي بني آدم ؟ أم هو " جني " من شياطين الجن ؟ أو هو شيطان في صورة إنسان ؟ ___________________________________ المتن ------ يبتدئ المتن بفعل ثلاثي مثال واوي من أفعال القلوب التي تنصب مفعولين، محذوف حرف العلة في المضارع " تجد" و معناه حسب سياق المتن " تلقى " و" تلفي " فماذا تجد " تلك الأم " ؟ تجد طفلها مكوما داخل فضاء مكاني ( غرفته الخاصة) في حالة ذعر وخوف .. فتحاول تارة مداعبته وحينا محاصرته بالأسئلة لتكشف سبب ذعره وخوفه ..فيحكي لها منهارا باكيا ...ما ألمَّ به .. تخلع الأم تعبها بدل أن تخلع ثيابها وفي ذلك مجاز لغوي ، قصد به الكاتب رسم صورة لهذه الأم التي لاشك أنها كانت خارج منزلها للعمل ، ورجعت إلى منزلها خائرة القوى لأن التعب أخذ مأخذه منها وكأنه التصق بجسمها كما يلتصق الثوب بجسم الإنسان .. فلماذا تحولت الأم من امرأة منهكة إلى امرأة قوية ؟ ما الذي سمعته من طفلها جعلها تنسى كل ذاك التعب ؟ يسترسل السارد في وصف المشهد ، حيث تغادر فيه الأم غرفة الطفل و تفتح الباب .. حاملة لعبا وهدايا ، ترميها في وجه " الوحش الساكن قبالتها" ..لاشك أنه هو من أهداها إلى الطفل .. لاتكتفي الأم برمي الهدايا في وجهه بل ، إنها " تنشب مخالبها" في عنقه وكأنها وحش ضارمفترس ، تنهشه ، تحدث فيه جروحا تمتص إفرازاتها ... فكيف تحولت الأم من امرأة رقيقة لاحول لها ولاقوة ، إلى وحش مفترس تمتص صديد وحش آخر ؟! وما الذي جعل وحشيتها " وهي أنثى" تغلب وحشية الآخر ؟! . . من خلال المشهد المتوتر الذي جعلنا السارد نعيش أطواره السريعة ، أفترض أن الأمر متعلق بحالة اعتداء جنسي على الطفل ، ويبدو أن " المعتدي" شخص مقيم مع الأم وطفلها " المجني عليه" هذا الاعتداء الذي تحرمه الأديان وتقاضيه القوانين .. اعتداء مورس من راشد قوي" جسمانيا" على مخلوق ضعيف ... معتد لم يقم وزنا للقيم الأخلاقية ولا للضوابط الاجتماعية ،لاغٍ وجود إنسان آخر جدير بالاحترام وإن كان " طفلا" .. إنه " الشيطان" الذي تحدث عنه العنوان ، مَن توارت شخصيته الإنسانية وظهرت شخصيته الشيطانية ..هو الذي كان ساكنا .. فتصويره بهذه الحالة بعد تنفيذ جريمته يدل على عاهته النفسية ..هو نفسه الذي فاحت " رائحة جريمته " فوقف سكان العمارة يلعنونه كما يلعنون الشياطين .. فمن يكون هذا " الشيطان" ؟؟ كيفما كانت الروابط الأسرية التي تربط هذا " الشيطان" بالطفل ، سواء كان أباه الحقيقي أم زوج أمه أم قريبا من الأقرباء ..فجرمه يجعله إنسانا شاذا ، أو مدمنا على المخدرات .. فكان الإفراز الحتمي لشذوذه أو إدمانه هذه الحادثة الدراماتيكية التي راح ضحيتها " طفل" يصعب إعادة بناء حياته بشكل طبيعي من جديد ، وكان " المجرم" فيها شخصا تؤمنه الأم على طفلها لثقتها الشديدة فيه.. ويبدو أن هذه الأم تضحي بصحتها وبوقتها من أجل إعالة " الراشد" و " الطفل" وإلا فما الذي يجعله موجودا مع الطفل وقت خروج أمه للعمل ؟! ف" كل تلك الشراسة" التي أبدتها الأم تجاه هذا الحدث ، يعبر بشكل واضح عن فظاعة هذا الحدث .. إن ضرب الطفل أو عقابه لأي سبب كان ، قد يغتفر إلى حد ما ، لكن الذي لا تغفره أمٌّ هو أن تنتهك حرمة " طفلها" و من أقرب الناس إليه.. __________ تركيب من خلال هذا النص قدم لنا الأستاذ القاص" علي بنساعود" حدثا سرديا مكتملا معتمدا على توتر درامي ، ضمن قالب زمني متنامٍ ، راسما شخصياته وهي تفعل خاصة " شخصية الأم " .. تليها " شخصية الطفل" وبعدها " شخصية المعتدي" ..وقد كان الكاتب بارعا في رسم هذه الشخصيات.. كما أنه استقى مادته من المجتمع ، فكشف لنا عن عيب من عيوبه ،و حفزنا للإقبال على القصة بدءا من العنوان الذي كان إشكاليا مثيرا للأسئلة، نهاية بالقفلة المشحونة انفعاليا .. خلاصة القول :لقد كان النص هادفا ولماحا ، ذا سرد محكم، جعل ويجعل القارئ يقتنص الرسالة من خلال لغته الموحية والمضمرة . -------- فاس في :2015/01/22
#نجية_نميلي_(_أم_عائشة) (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة في *كرم...*للقاص المغربي :حسن المعطي قرى من إنجاز: نجي
...
-
قصص قصيرة جدا 13
-
قراءة في ( مسافات ) للقاص فاروق طه الموسى من إنجاز :نجية نمي
...
-
آراء حول ( إعاقة)
المزيد.....
-
-الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
-
فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
-
أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
-
إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
-
الكاتبة ريم مراد تطرح رواية -إليك أنتمي- في معرض الكتاب الدو
...
-
-ما هنالك-.. الأديب إبراهيم المويلحي راويا لآخر أيام العثمان
...
-
تخطى 120 مليون جنيه.. -الحريفة 2- يدخل قائمة أعلى الأفلام ال
...
-
جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي تكرِّم المؤسسات الإع
...
-
نقل الموناليزا لمكان آخر.. متحف اللوفر في حالة حرجة
-
الموسم السادس: قيامة عثمان الحلقة 178 باللغة العربية على ترد
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|